محنة الصحافة المكتوبة في السالفادور

ترجمة: فكري سوسان

 

وصل أنتونيو إرنستو مارتينيث إلى مطار "يوبانغو" بمدينة سان سلفادور، والتقى بحشد من الناس بلباس أبيض. كانوا ينتظرون، وهم متحمسون للغاية، هبوطَ الطائرة التي كانت تنقُل، من غواتيمالا إلى السلفادور، البابا يوحنا بولس الثاني؛ أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية. كان ذلك في يوم الخميس 8 شباط/فبراير 1996، وكانت أول تغطية له بصفته مصورا صحفيا -إذ ما يزال طالبا جامعيا-، ولم يكن يتوفر سوى على اختيارين: إما أن ينجح عبر تزويد الصحيفة بمادة قابلة للنشر ليبرهن على أنه يستطيع ممارسة المهنة باحترافية، وإما أن يذهب عمله أدراج الرياح مثل مبتدئ متوتر الأعصاب، وهذا ما كان يظنه البعض.

 

 

 

لكنه نجح في مهمته.

مضت 25 سنة، بين صباح ذلك الخميس ومساء يوم 14 تموز/يوليو 2021، من حياة صحفية مفعمة بالأحداث والوقائع؛ خلال تلك الفترة استطاع أن يغطي عمليات السطو على البنوك، والمواجهات المسلحة بين بائعي الأسواق والحرس البلدي، والزلازل والكوارث الطبيعية، والمظاهرات الشعبية العنيفة، وبداية الحرب بين العصابتين "باريو 18"  و"مارا سلفاتروشا (أم أس-13)" ، إضافة إلى أخبار يومية أخرى من بلد يُعَدّ من بين أعنف بلدان أمريكا اللاتينية.

كما عاش أفظع ظروف العوز والهشاشة التي أجبرته على إنجاز مشروع تجاري صغير مع زوجته لإعالة أطفاله، وترك دراسته الجامعية وتعرض للسرقة مرتين من طرف لصوص سرقوا كاميرته.

كان يقول: "لطالما أخبرت عائلتي أن الراتب سيتحسن يوما ما، لكن ذلك لم يحدث قط". وتذكر لاحقا أنه تم تسريحه مع 67 موظفا آخر بسبب إغلاق الطبعة الورقية.

"إل دياريو دي أوي" ، و"لا برينسا غرافكا"، و"دياريو  إل موندو" ، و"دياريو كو لاتينو" ، هي أكبر وأقدم أربع صحف ورقية في السلفادور، دخلت في الفترة بين 2011 و2017 في أزمة اقتصادية طويلة وعميقة على ما يبدو؛ نتيجة انخفاض إيراداتها  من مبيعات المساحات الإعلامية والنسخ في الشوارع؛ مما أدى إلى تسريح جماعي للصحفيين الأكثر أجرة وخبرة، وتدني مستوى المادة الصحفية المقدمة لقرائها. 

 ويعكس هذا المقال، الذي يستند إلى تحليل لـ 42 بيانا ماليا، أن النموذج التجاري بدأ يتقهقر بشكل بطيء ولكن دون انقطاع بين 2008 و2009، مع انخفاض معدل مبيعات المساحات الإعلانية، وفي سنة 2003 تم توسيع نطاقه ليشمل مبيعات النسخ والاشتراكات، وفي سنة 2017 صرحت أكبر شركتين عن خسائر تتراوح ما بين 600 ألف و2.6 مليون دولار، ومع بداية سنة 2020 أعلنت أصغر شركة عن نهاية الطبعة الورقية نتيجة التعثرات الاقتصادية المعتادة.

 

"إل دياريو دي أوي"

 

أسس نابليون فييرا ألتاميرانو، في أيار/مايو 1936 "إل دياريو دي أوي"، والتي تميزت منذ منشوراتها الأولى بالترويج والدفاع عن أفكار محافظة أخلاقيا ولكن ليبرالية اقتصاديا. في نهاية السبعينات من القرن العشرين، تولى إنريكي ألتاميرانو مادريز القيادة وواصل الخط الأيديولوجي الذي رسمه والده ليصبح عدوا لـ"جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" التي حاولت قتله عدة مرات. وفي منتصف التسعينات، تم تحديث الصحيفة على مستوى التحرير، وكذا تم تعزيز أسلوبها التجاري. ويقودها حاليا فابريسيو ألتاميرانو باسيل، حفيد المؤسس ونجل إنريكي.
 

في العام 2007، أفادت الصحيفة أن إجمالي الإيرادات بلغ 43.1 مليون دولار، والذي ظل ثابتا حتى العام 2010 عندما هبط إلى 35.4 مليون دولار.  بعد حوالي 24 شهرا، أصبحت 99.99 بالمئة من الأسهم تحت سيطرة شركة "مايفير كابيتال"، وهي شركة مقرها في بنما. هذه استراتيجية متكررة بين عائلات كبار رجال الأعمال السلفادوريين لدفع ضرائب أقل على الأرباح وتجنب الضرائب الأخرى.

وفي العام 2013 بلغ مجموع إيراداتها 32.9 مليون دولار، وسجلت في السنوات التالية انخفاضا مطردا تراوح بين 1 و2 مليون دولار، إلى أن بلغت الخسائر في العام 2017 مبلغ 666 ألف دولار.

ما بين عامي 2007 و2019 انتقل إجمالي إيراداتها سنويا من 43 إلى 19 مليون دولار؛ ما يعني انخفاضا بـ 24 مليون دولار.

في العام 2007 أبلغت عن مبيعات للنسخ تقدر بمبلغ 10.2 مليون دولار، وفي السنوات الخمس التالية ظلت على حالها إلى أن بدأت في الانخفاض إلى مليون دولار في الحد الأقصى ومئة ألف دولار في الحد الأدنى ؛ ففي العام 2013، حققت 9.7 مليون دولار، إلى أن وصلت العام 2019 إلى 5.7 مليون دولار.

في 2019 و2020، طُرِدَ 31 صحفيا من "إل دياريو دي أوي"، وفقا لتقرير صادر عن جمعية صحفيي السلفادور.  وفي وقت لاحق، أعيد تشغيل بعض هؤلاء الصحفيين ولكن بأجور ضعيفة. وما تزال مناصب شغل أخرى مجمدة.

 

"لا برينسا غرافكا" 

 

في أيار/مايو/ 1915 أسس الأخوان أنطونيو وخوسيه دوتريث صحيفة "لا برينسا غرافكا"، التي، على الرغم من اعتدالها، فقد كان خط تحريرها محافظا أخلاقيا ودينيا وليبراليا اقتصاديا. وبعد توقيع اتفاقات السلام، شرعت الصحيفة في عملية تحديث استراتيجية التحرير، وعلى خطى منافسه الرئيسي "إل دياريو دي أوي"، راهن لفترة قصيرة على الصحافة الاستقصائية. 

وبين عامي 2007 و2016، تراوح إجمالي إيراداتها السنوية بين 39 مليون دولار و32 مليون دولار، غير أنه انخفض في السنوات الثلاث 2017 و2018 و2019 إلى 29.2 مليون دولار و27.2 مليون دولار و23.2 مليون دولار على التوالي.

ومن 2007 إلى 2019، انخفض إجمالي إيراداتها من 39.2 مليون دولار إلى 23.2 مليون دولار؛ أي أقل بمقدار 16 مليون دولار.

لقد سجلت الصحيفة هبوطا واضحا في إيراداتها الإشهارية/الإعلانية؛ ففي عامي 2007 و2008 كانت هذه الإيرادات تبلغ 28 مليون دولار، وفي الفترة بين عامي 2009 و2016 انخفضت من 22 مليون دولار إلى 18 مليون دولار، وبين عامي 2017 و2019، تراوحت قيمتها بين 15.6 و11.3 مليون دولار.

وبعبارة أخرى، انخفضت إيراداتها من مبيعات المساحات الإعلانية، بين عامي 2007 و2019، بمقدار النصف.

وفي العام 2017، أبلغت بالإضافة إلى ذلك عن خسائر بلغت 2.6 مليون دولار، وفي 2018 بلغت الخسائر 605 آلاف دولار، وفي 2019 بلغت 1.7 مليون دولار.

وخفَّضَت الصحيفة من مجموع عامليها؛ إذ انخفض العدد من 759 في ميزانيتها المالية للعام 2007 إلى 634 في العام 2008، وزاد إلى 636 في العام 2011. وفي العام 2018، وفقا لتقرير جمعية صحفيي السلفادور، سرّحت "لا برينسا غرافكا" 120 صحفيا، وفي العام التالي، سرحت أكثر من 20.

كانت سوسانا بينيات واحدة من الصحفيين الذين سُرِّحوا في العام 2019. وقتئذ، كان راتبها، في فئة المحرر المساعد، 700 دولار. تقول بينيات في حديث مع "مجلة الصحافة: "لم يكن لديهم أي مال، وقالوا إنهم سيقلصون من عدد العاملين". بعد رحيلها، تم التعاقد مع صحفي جديد في منصب المحرر الرئيسي يوكل إليه القيام بنفس المهام اليومية؛ إذ يبدأ عادة في الثامنة صباحا وينتهي بين العاشرة والحادية عشرة ليلا، ولكن براتب شهري يقل عن 500 دولار!

وأوضحت: "كانوا بحاجة إلى تشغيل عاملين برواتب منخفضة؛ لأنه من المفترض أن راتبي كان عاليا".

LPG

 

"دياريو إل موندو" 

 

في شباط/فبراير 1967، أسس خوان خوسيه بورخا ناثان "دياريو إل موندو"، وخطها الأيديولوجي كان محافظا، كما أن مالكيها؛ من مثل أسرتي ألتاميرانو ودوتريث، دعموا بقوة الأحزابَ اليمينية بشكل علني؛ من مثل حزب "التحالف القومي الجمهوري" (الذي حكم البلد لمدة 20 عاما)، كما نسجوا علاقات تجارية مع أغنى رجال الأعمال في البلد؛ من مثل أسرة بوما، التي تمتلك مراكز تجارية، وشركات البناء والفنادق في أمريكا الوسطى وبنما وكولومبيا ودومينيكان.

بدأت بصفتها جريدة مسائية، ثم في  حزيران/يونيو، 2004 أصبحت جريدة صباحية، ويديرها خوان خوسيه بورخا بابيني.

والمبيعات اليومية للنسخ هو القطاع الذي أثر بقوة على إيرادات "إل موندو"؛ التي انخفضت من 541- 746 دولارا في العام 2007 إلى 220- 359 دولارا في العام 2019؛ أي أقل من 321 ألف دولار. 

 

ووتيرة الانخفاض كانت عاما بعد عام بطيئة وتدريجية؛ إذ انتقلت الإيرادات من 470 ألف دولار في العام 2009 إلى 388 ألف دولار في العام 2011، ومن 355 ألف دولار في العام 2014 إلى 281 ألف دولار في العام 2016.

وفي 2019، أبلغت للخزينة السلفادورية عن خسائر بمبلغ 177.994 دولارا.

بيد أن هذه هي السنة الوحيدة التي تكبدت فيها خسائر. وفي العقد الماضي لم يتغير حجم إيراداتها إلا قليلا.

وفي العام 2019، سجلت جمعية صحفيي السلفادور (APES) حالات فصل أربعة صحفيين من "إل موندو".

DEM

 

"كو لاتينو" 

 

أسس ميغيل بينتو صحيفة "سيغلو بينتي" في تشرين الثاني/نوفمبر 1890، ولكن بعد بضعة عقود قرر إعادة تسميتها باسم "إل لاتينوأمريكانو".  في ثمانينيات القرن العشرين تولى ابنه ميغيل بينتو الإدارة وباع الشركة إلى "كوربوراسيون أش"، وهي الشركة التي مولت الحزب الديمقراطي المسيحي (PDC). وفي العام 1989، أُعلِن عن إفلاس "دياريو لاتينو" وتخلى الملاك الجدد عنه، لكن العاملين، الذين لم يتلقوا رواتبهم، احتفظوا بأموالهم الخاصة لتوزيع وبيع النسخ، وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1992، تحولت إلى ملكية الجمعية التعاونية للعاملين التابعة لـ"دياريو لاتينو" أو "كو لاتينو".

في فترة إدارة أسرة بينتو، كان الخط التحريري للصحيفة محافظا، على غرار صحيفة "إل دياريو دي أوي"، و"لا برينسا غرافكا"، و"دياريو إل موندو". ولكن حين أسندت مهمة إدارة الصحيفة للجمعية التعاونية، صار الخط التحريري مواليا للتيار اليساري الذي تسيطر عليه "جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني"؛ حتى إن فرانثيسكو إلياس فالنسيا، مديرها الجديد، كان مناضلا سريا لحركات المتمردين في سنوات الحرب الأهلية، وخلال رئاستي موريسيو فونيس وسلفادور سانشيث ثرن ، ثم عمل مستشارا في الأكاديمية الوطنية للأمن العام (ANSP)؛ المؤسسة الحكومية المسؤولة عن تدريب ضباط الشرطة الجدد.

 

وبين الأعوام 2008 - 2010، كان هناك إيرادات تزيد على 630 ألف دولار من مبيعات المساحات الإعلانية. في السنوات التالية تراوح هذا البند بين زيادات تصل إلى 730 ألف دولار، وانخفض إلى 590 ألف دولار سنويا، حتى 2019 عندما كان 355 ألف دولار.

وبعبارة أخرى، انخفضت إيراداتها الرئيسة من 633 ألف دولار في العام 2009 إلى 355 ألف دولار في العام 2019.

وفيما يخص مبيعات النسخ والاشتراكات، انتقلت من 183.216 دولارا في العام 2009 إلى 78 ألف دولار في العام 2019. بالجملة، انخفضت مبيعات النسخ من 732 إلى 312 ألف سنويا.

في هذه الفترة، كان لدى "إيكو لاتينو"، على خلاف "إل دياريو دي أوي" و"لابرينيا غرافكا" و"دياريو إل موندو"، مداخيل إضافية صغيرة -85 ألف دولار في عام 2009- بفضل مبيعات نسخها التاريخية.

وبالإضافة إلى ذلك، سجلت في ميزانيتها نحو 935 ألف دولار من الإيرادات المتأتية من الهبات.

خلال الإحدى عشرة سنة الأخيرة، عاشت "كو لاتينو" أزمة دائمة. على سبيل المثال: كان لزاما عليها أن تناشد الإحسان العمومي حين نفد منها المال لشراء الورق لطباعة -مادتها الخام ــ، وفي التاسع والعشرين من /يونيو 2016، أهدت لها صحيفة "لا برينصا غرافكا" 27 بكرة ورق تقدر قيمتها بعدة آلاف من الدولارات.

في  تشرين الأول/أكتوبر 2019، أصدرت "كو لاتينو" بيانا اعترفت فيه بأنها تأخرت ثلاثة أشهر في دفع أقساط الضمان الاجتماعي لعمالها. وفي شبكات التواصل الاجتماعي، رد الرئيس نجيب أبو كيلة بأن عائلته ستتبرع بالمال لسداد ذلك الدين، لكنه لم يفعل ذلك قط.

وفي أيار/مايو 2021، توقفت الصحيفة عن طباعة نسختها الورقية؛ لأن "الوباء فاجأنا بخلو حسابنا البنكي إلا دريهمات، وعلينا ديون كبيرة"، كما جاء في نص البيان. وتعمل حاليا بصيغة رقمية مع تخفيض مجموع عدد عمالها وانخفاض رواتب صحفييها إلى أقل من 160 دولارا في الشهر. في 30 تموز/يوليو، بِيعت معدات الطباعة – كخردة – بمبلغ 4.800 دولار، والتي اشترتها في 1994 بـ 30 آلاف دولار. وما تزال بناية مقرها، التي تُقدر قيمتها بحوالي 400 ألف دولار، معروضة للبيع.

وبرر فالنسيا أن كو لاتينو لم تنمُ قط لأن خصومها السياسيين، مناضلي حزب "التحالف القومي الجمهوري" (أرينا)، كانوا دائما يناورون حتى لا تستفيد الصحيفة من عقود إعلانية من شركات وطنية أو دولية. واعترف بأنه لما كانت الجبهة في الحكم، فإن هذا القطاع تحسن، ولكنه لم يتحسن إلا قليلا؛ لأن من أجل الوصول إلى نقطة التوازن، فإنه يحتاج إلى دخل شهري قدره 60 ألف دولار، وهو دخل نادرا ما يتحقق.

قال فالينسا: "لا أستطيع أن أدفع أي شيء، ولا أستطيع أن أدفع ثمن شبكات التواصل الاجتماعي من لا شيء، ولا أستطيع أن أدفع ثمن الهواتف، وكل ما يستلزم صحيفة رقمية؛ أنا بحاجة إلى مداخيل لم أتوفر عليها...نعم، نحن على وشك الاختفاء" مضيفا أن البلد يفقد كل يوم التعددية بينما تزيد في الوقت نفسه سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام.

لقد اتفق ثصار كاسترو فاغواغا، رئيس محلف لجمعية الصحفيين في السلفادور (APES) في 31 تموز/يوليو 2021، مع فالنسيا حول هذه النقطة: النموذج التجاري للصحافة الورقية، المدعوم منذ عشرين عاما أساسا بمبيعات المساحات الإعلانية التي كانت مدعومة بدورها، دخل في دائرة من الاضمحلال؛ بسبب بروز فضاءات لامركزية وارتفاع نسبة استهلاك شبكات التواصل الاجتماعي.  

أشارت دراسة 2019 A.C: "هذه هي الطريقة التي استهلكنا بها وسائل الإعلام في السلفادور قبل كوفيد-19"، والتي نشرتها مدرسة الاتصال مونيكا إيريرا وجامعة خوسيه سيمون كانياس لأمريكا الوسطى وأكاديمية دويتشه فيله والتعاون الألماني، إلى أن واتساب وفيسبوك ويوتيوب وإنستغرام وتويتر هي أكثر الشبكات الاجتماعية التي يصل إليها السلفادوريون الذين يخصصون لها ما بين ساعة وأربع ساعات يوميا؛ إذ يفضلون تلك المنصات على قنوات التلفزيون المفتوحة، أو عبر الكابل والخدمات الترفيهية المستمرة مثل نتفليكس أو إتش بي أو. 

وأظهرت الأبحاث التي أجريت باستخدام أساليب مختلطة، أن أغلب المواطنين الذين شملهم الاستطلاع (1586) استخدموا كل شبكة تواصل اجتماعي وفقا لاهتمامهم؛ البحث عن الأخبار والمعلومات على تويتر، أو الترفيه، أو البحث عن اتصالات جديدة على فيسبوك، إلخ. وهذا قد يفسر استراتيجية التواصل التي ينتهجها الرئيس نجيب أبو كيلة، الذي برز منذ بداية ولايته باستخدام هذه المساحات لإعطاء أوامر شبه عسكرية لوزرائه، أو لإعلان قرارات حكومية، أو فصل المسؤولين، أو كما حدث عندما التقط صورة سيلفي من منبر الأمم المتحدة في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2019.

لا يمكن أن نخفي حقيقة أن مالكي الصحف المطبوعة ورؤساء تحريرها رهنوا نواياهم بالحكومات المتعاقبة بتلقي الرشاوى والفوز بعقود بيع المساحات الإعلانية. في  آب/ أغسطس 2018، نشر فارو. نت تحقيقا ذكر فيه أن صحفيين تلقوا ما بين 4000 و6000 دولار شهريا للحفاظ على تغطية صحفية لصالح رئاسة كارلوس موريسيو فونيس كارتاخينا بين سنتي 2009 و2014. الأول كان مدير تحرير "لا برينصا غرافكا" والثاني عمل في القناة 33. في تموز/يوليو 2021، أكد إلياس أنطونيو ساكا غونزاليس ، رئيس السلفادور من 2004 إلى 2009، في جلسة استماع في المجلس التشريعي، أن حكومته حافظت على "علاقات جيدة للغاية" مع الصحفيين في الصحف المؤثرة الكبرى المذكورة سلفا.

كما صرح رئيس جمعية صحفيي السلفادور (APES) أن "هناك العديد من وسائل الإعلام كانت في مرحلة ما على علاقة مع السلطة المتعاقبة".

ولكن وفقا لفاغواغا، هناك شيء يتعين على الدولة توزيعه بشكل منصف، بصرف النظر عما إذا كانت صحافة ورقية أو رقمية، أو تلفزيونية، أو إذاعات وطنية أو مجتمعية؛ وهو أسعار الإعلانات الرسمية الحكومية، غير أنه استُخدِم حتى يومنا هذا كجائزة أو كعقوبة، حسب إعلانات وسائل الإعلام. وأشار إلى أن أبو كيلة توقف عن دفع تلك الرسوم لــ"إل دياريو دي أوي" بعد أن نشرت الصحيفة كيف منعت الحكومة الصحفيين التابعين لـ"الفارو" و "ريفيستا فاكتوم" من تغطية افتتاح "اللجنة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب في السلفادور"، وبالتالي فإن "أسعار الإعلانات الرسمية يحتاج إلى تقنين ويجب تسليمه بطريقة ديمقراطية".

خلال السنوات الثماني الماضية، دعت جمعية صحفيي السلفادور الحكومات المتعاقبة إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على تلك الأسعار، وإنشاء نظام إعلامي عمومي مستقل عن السلطات الرسمية، على غرار نماذج بي بي سي في المملكة المتحدة أو دويتشه فيله في ألمانيا. ولكن لم يكن هناك أي رد حتى الآن.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، عرضت جمعية صحفيي السلفادور على المجلس التشريعي مسودة مشروع "قانون خاص للحماية الشاملة للصحفيين ومسؤولي التواصل والعمال ذوي الصلة بالاتصال"، والذي بدأت مناقشته في نهاية العام 2019. ولكن عندما باشر النواب الجدد عملهم في أيار/مايو 2021 -أغلبيتهم ينتمون إلى حزب "نويباص إيديايس"، (حزب الرئيس) أوقفوا تنفيذ المشروع.

وما لم يكن هناك نموذج جديد للتمويل يستجيب للمصلحة العامة ومصالح القراء، ويكون فوق المصالح المؤقتة للحكومات المتعاقبة والمصالح الدائمة للقوى الاقتصادية، فإن الصحف سوف تستمر في مشوارها.

المزيد من المقالات

"انتحال صفة صحفي".. فصل جديد من التضييق على الصحفيين بالأردن

المئات من الصحفيين المستقلين بالأردن على "أبواب السجن" بعد توصية صادرة عن نقابة الصحفيين بإحالة غير المنتسبين إليها للمدعي العام. ورغم تطمينات النقابة، فإن الصحفيين يرون في الإجراء فصلا جديدا من التضييق على حرية الصحافة وخرق الدستور وإسكاتا للأصوات المستقلة العاملة من خارج النقابة.

بديعة الصوان نشرت في: 28 أبريل, 2024
إسرائيل و"قانون الجزيرة".. "لا لكاتم الصوت"

قتلوا صحفييها وعائلاتهم، دمروا المقرات، خاضوا حملة منظمة لتشويه سمعة طاقمها.. قناة الجزيرة، التي ظلت تغطي حرب الإبادة الجماعية في زمن انحياز الإعلام الغربي، تواجه تشريعا جديدا للاحتلال الإسرائيلي يوصف بـ "قانون الجزيرة". ما دلالات هذا القانون؟ ولماذا تحاول "أكبر ديمقراطية بالشرق الأوسط" إسكات صوت الجزيرة؟

عمرو حبيب نشرت في: 22 أبريل, 2024
هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل المعلق الصوتي في الإعلام؟

يضفي التعليق الصوتي مسحة خاصة على إنتاجات وسائل الإعلام، لكن تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة كبرى من قبيل: هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل المعلقين الصوتيين؟ وما واقع استخدامنا لهذه التطبيقات في العالم العربي؟

فاطمة جوني نشرت في: 18 أبريل, 2024
تعذيب الصحفيين في اليمن.. "ولكن السجن أصبح بداخلي"

تعاني اليمن على مدى عشر سنوات واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق. يعمل فيها الصحفي اليمني في بيئة معادية لمهنته، ليجد نفسه عُرضة لصنوف من المخاطر الجسيمة التي تتضمن القتل والخطف والاعتقال والتهديد وتقييد حرية النشر والحرمان من حق الوصول إلى المعلومات.

سارة الخباط نشرت في: 5 أبريل, 2024
صدى الأصوات في زمن الأزمات: قوة التدوين الصوتي في توثيق الحروب والنزاعات

في عالم تنتشر فيه المعلومات المضلِّلة والأخبار الزائفة والانحيازات السياسية، يصبح التدوين الصوتي سلاحا قويا في معركة الحقيقة، ما يعزز من قدرة المجتمعات على فهم الواقع من منظور شخصي ومباشر. إنه ليس مجرد وسيلة للتوثيق، بل هو أيضا طريقة لإعادة صياغة السرديات وتمكين الأفراد من إيصال أصواتهم، في أوقات يكون فيها الصمت أو التجاهل مؤلما بشكل خاص.

عبيدة فرج الله نشرت في: 31 مارس, 2024
عن دور المنصات الموجهة للاجئي المخيمات بلبنان في الدفاع عن السردية الفلسطينية

كيف تجاوزت منصات موجهة لمخيمات اللجوء الفلسطينية حالة الانقسام أو التجاهل في الإعلام اللبناني حول الحرب على غزة؟ وهل تشكل هذه المنصات بديلا للإعلام التقليدي في إبقاء القضية الفلسطينية حية لدى اللاجئين؟

أحمد الصباهي نشرت في: 26 مارس, 2024
العلوم الاجتماعيّة في كليّات الصحافة العربيّة.. هل يستفيد منها الطلبة؟

تدرس الكثير من كليات الصحافة بعض تخصصات العلوم الاجتماعية، بيد أن السؤال الذي تطرحه هذه الورقة/ الدراسة هو: هل يتناسب تدريسها مع حاجيات الطلبة لفهم مشاكل المجتمع المعقدة؟ أم أنها تزودهم بعدة نظرية لا تفيدهم في الميدان؟

وفاء أبو شقرا نشرت في: 18 مارس, 2024
عن إستراتيجية طمس السياق في تغطية الإعلام البريطاني السائد للحرب على غزّة

كشف تحليل بحثي صدر عن المركز البريطاني للرقابة على الإعلام (CfMM) عن أنماط من التحيز لصالح الرواية الإسرائيلية ترقى إلى حد التبني الأعمى لها، وهي نتيجة وصل إليها الباحث عبر النظر في عينة من أكثر من 25 ألف مقال وأكثر من 176 ألف مقطع مصور من 13 قناة تلفزيونية خلال الشهر الأول من الحرب فقط.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 13 مارس, 2024
صحفيات غزة.. حكايات موت مضاعف

يوثق التقرير قصص عدد من الصحفيات الفلسطينيات في قطاع غزة، ويستعرض بعضاً من أشكال المعاناة التي يتعرضن لها في ظل حرب الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

فاطمة بشير نشرت في: 12 مارس, 2024
عن العنف الرقمي ضد الصحفيات في الأردن

تبرز دراسة حديثة أن أكثر من نصف الصحفيات الأردنيات تعرضن للعنف الرقمي. البعض منهن اخترن المقاومة، أما البعض الآخر، فقررن ترك المهنة مدفوعات بحماية قانونية ومهنية تكاد تكون منعدمة. هذه قصص صحفيات مع التأثيرات الطويلة المدى مع العنف الرقمي.

فرح راضي الدرعاوي نشرت في: 11 مارس, 2024
الصحافة المرفقة بالجيش وتغطية الحرب: مراجعة نقدية

طرحت تساؤلات عن التداعيات الأخلاقية للصحافة المرفقة بالجيش، ولا سيما في الغزو الإسرائيلي لغزة، وإثارة الهواجس بشأن التفريط بالتوازن والاستقلالية في التغطية الإعلامية للحرب. كيف يمكن أن يتأثر الصحفيون بالدعاية العسكرية المضادة للحقيقة؟

عبير أيوب نشرت في: 10 مارس, 2024
وائل الدحدوح.. أيوب فلسطين

يمكن لقصة وائل الدحدوح أن تكثف مأساة الإنسان الفلسطيني مع الاحتلال، ويمكن أن تختصر، أيضا، مأساة الصحفي الفلسطيني الباحث عن الحقيقة وسط ركام الأشلاء والضحايا.. قتلت عائلته بـ "التقسيط"، لكنه ظل صامدا راضيا بقدر الله، وبقدر المهنة الذي أعاده إلى الشاشة بعد ساعتين فقط من اغتيال عائلته. وليد العمري يحكي قصة "أيوب فلسطين".

وليد العمري نشرت في: 4 مارس, 2024
في ظل "احتلال الإنترنت".. مبادرات إذاعية تهمس بالمعلومات لسكان قطاع غزة

في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقطع شبكات الاتصال والتضييق على المحتوى الفلسطيني، يضحي أثير الإذاعة، وبدرجة أقل التلفاز، وهما وسيلتا الإعلام التقليدي في عُرف الإعلاميين، قناتين لا غنى عنهما للوصول إلى الأخبار في القطاع.

نداء بسومي
نداء بسومي نشرت في: 3 مارس, 2024
خطاب الكراهية والعنصرية في الإعلام السوداني.. وقود "الفتنة"

تنامى خطاب الكراهية والعنصرية في السودان مع اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان، وانخراط صحفيين وإعلاميين ومؤسسات في التحشيد الإثني والقبلي والعنصري، بالتزامن مع تزايد موجات استنفار المدنيين للقتال إلى جانب القوات المسلحة من جهة والدعم السريع من جهة أخرى.

حسام الدين حيدر نشرت في: 2 مارس, 2024
منصات تدقيق المعلومات.. "القبة الحديدية" في مواجهة الدعاية العسكرية الإسرائيلية

يوم السابع من أكتوبر، سعت إسرائيل، كما تفعل دائما، إلى اختطاف الرواية الأولى بترويج سردية قطع الرؤوس وحرق الأطفال واغتصاب النساء قبل أن تكشف منصات التحقق زيفها. خلال الحرب المستمرة على فلسطين، واجه مدققو المعلومات دعاية جيش الاحتلال رغم الكثير من التحديات.

حسام الوكيل نشرت في: 28 فبراير, 2024
كيف نفهم تصاعد الانتقادات الصحفية لتغطية الإعلام الغربي للحرب على قطاع غزّة؟

تتزايد الانتقادات بين الصحفيين حول العالم لتحيّز وسائل الإعلام الغربية المكشوف ضد الفلسطينيين في سياق الحرب الجارية على قطاع غزّة وكتبوا أنّ غرف الأخبار "تتحمل وِزْر خطاب نزع الأنسنة الذي سوّغ التطهير العرقي بحق الفلسطينيين"

بيل دي يونغ نشرت في: 27 فبراير, 2024
حوار | في ضرورة النقد العلمي لتغطية الإعلام الغربي للحرب الإسرائيلية على غزة

نشر موقع ذا إنترسيبت الأمريكي، الذي يفرد مساحة واسعة للاستقصاء الصحفي والنقد السياسي، تحليلا بيانيا موسعا يبرهن على نمط التحيز في تغطية ثلاث وسائل إعلام أمريكية كبرى للحرب الإسرائيلية على غزّة. مجلة الصحافة أجرت حوارا معمقا خاصا مع آدم جونسون، أحد المشاركين في إعداد التقرير، ننقل هنا أبرز ما جاء فيه.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 25 فبراير, 2024
في فهم الفاعلية: الصحفيون وتوثيق الجرائم الدولية

إن توثيق الجرائم الدولية في النزاعات المسلحة يُعد أحد أهم الأدوات لضمان العدالة الجنائية لصالح المدنيين ضحايا الحروب، ومن أهم الوسائل في ملاحقة المجرمين وإثبات تورطهم الجُرمي في هذه الفظاعات.

ناصر عدنان ثابت نشرت في: 24 فبراير, 2024
الصحافة في زمن الحرب: مذكرات صحفي سوداني

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف نيسان/أبريل 2023، يواجه الصحفيون في السودان –ولا سيما في مناطق النزاع– تحديات كبيرة خلال عملهم في رصد تطورات الأوضاع الأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد جراء الحرب.

معاذ إدريس نشرت في: 23 فبراير, 2024
محرمات الصحافة.. هشاشتها التي لا يجرؤ على فضحها أحد

هل من حق الصحفي أن ينتقد المؤسسة التي يعمل بها؟ لماذا يتحدث عن جميع مشاكل الكون دون أن ينبس بشيء عن هشاشة المهنة التي ينتمي إليها: ضعف الأجور، بيئة عمل تقتل قيم المهنة، ملاك يبحثون عن الربح لا عن الحقيقة؟ متى يدرك الصحفيون أن الحديث عن شؤون مهنتهم ضروري لإنقاذ الصحافة من الانقراض؟

ديانا لوبيز زويلتا نشرت في: 20 فبراير, 2024
هل يفرض الحكي اليومي سردية عالمية بديلة للمعاناة الفلسطينية؟

بعيدا عن رواية الإعلام التقليدي الذي بدا جزء كبير منه منحازا لإسرائيل في حربها على غزة، فإن اليوميات غير الخاضعة للرقابة والمنفلتة من مقصلة الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي قد تصنع سردية بديلة، ستشكل، لاحقا وثيقة تاريخية منصفة للأحداث.

سمية اليعقوبي نشرت في: 19 فبراير, 2024
شبكة قدس الإخبارية.. صحفيون في مواجهة الإبادة

في ذروة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد غزة، كانت شبكة القدس الإخبارية تقاوم الحصار على المنصات الرقمية وتقدم صحفييها شهداء للحقيقة. تسرد هذه المقالة قصة منصة إخبارية دافعت عن قيم المهنة لنقل رواية فلسطين إلى العالم.

يوسف أبو وطفة نشرت في: 18 فبراير, 2024
آيات خضورة.. الاستشهاد عربونا وحيدا للاعتراف

في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 استشهدت الصحفية آيات خضورة إثر قصف إسرائيلي لمنزلها في بيت لاهيا شمالي القطاع، بعد ساعات قليلة من توثيقها اللحظات الأخيرة التي عاشتها على وقع أصوات قنابل الفسفور الحارق والقصف العشوائي للأحياء المدنية. هذا بورتريه تكريما لسيرتها من إنجاز الزميل محمد زيدان.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 16 فبراير, 2024
"صحافة المواطن" بغزة.. "الجندي المجهول" في ساحة الحرب

في حرب الإبادة الجماعية في فلسطين وكما في مناطق حرب كثيرة، كان المواطنون الصحفيون ينقلون الرواية الأخرى لما جرى. "شرعية" الميدان في ظروف حرب استثنائية، لم تشفع لهم لنيل الاعتراف المهني. هذه قصص مواطنين صحفيين تحدوا آلة الحرب في فلسطين لنقل جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال.

منى خضر نشرت في: 14 فبراير, 2024