كيف أثّرت وسائل التواصل على التلفزيون في اليمن؟

كيف أثّرت وسائل التواصل على التلفزيون في اليمن؟

شهدت صناعة التلفزيون العديد من التغييرات خلال العصر الرقمي، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعميق هذه التغييرات، حيث أصبحت جزءاً مهمًا من برامج أي قناة تلفزيونية. كما أن سهولة وسرعة التواصل عبر الانترنت أوجدت المزيد من الفرص للمشاهدين للعمل كمستقبلين ومساهمين في صناعة المحتوى الإعلامي في نفس الوقت، مما أكسب المشاهدين أهمية أكبر في لعب دور أكثر نشاطًا في صناعة محتوى الوسائط الإعلامية التقليدية. وذلك بمساعدة منتجي الإعلام التقليدي في سبيل إيجاد مصادر جديدة لتطوير برامج جديدة أكثر رواجاً.

يقول مارك جيريس، مدير "وي تي في" (WE TV) التابع (1) لشبكة "AMC" الأميركية، إنه "من الواضح أننا دخلنا عصرًا رقميًا مدفوعًا بقوة سرد القصص الشخصية، سواء كانت الأدوات تتعلق بفيسبوك أو سناب شات أو انستغرام أو تويتر، فإن الحياة اليوم ليست شيئًا نعيشه فقط؛ بل إنها شيء ننشره".

منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر جعلت التلفزيون أكثر تفاعلية وتشاركية، فيمكن لمستخدمي منصات السوشيال ميديا اليوم تقديم تعليقاتهم الخاصة حول أي برنامج تلفزيوني، وأحياناً تصبح تلك التعليقات جزءاً من محتوى يعرض على الشاشة في برامج خاصة تهتم بنقل محتوى منصات التواصل الاجتماعي إلى شاشة التلفاز.

اعتاد المنتجون في السابق على تقرير مصير ما إذا كان برنامج تلفزيوني معين سيستمر أم لا، لكن الإنترنت نقل بعض هذه القوة إلى أيادي الجمهور وذلك بتوفير محتوى أكثر تخصيصاً وتفاعلية مما ساهم في تمديد "دورة حياة المحتوى" باستمرار المشاهدين -بعد أيام من عرض المحتوى على التلفزة- في التعليق ونشر ومشاركة نفس المحتوى. وبالتالي، تحاول القنوات التلفزيونية التعامل مع الوسائل الإعلامية الجديدة من خلال توفير المزيد من البرامج التلفزيونية التفاعلية لبناء علاقات أكثر صلابة مع جمهورها الحالي وجذب جمهور جديد.

هذه الممارسات الجديدة تعد أحد مظاهر المصطلح الإعلامي الجديد المسمى بـ"الاندماج الإعلامي" (Media Convergence)، والدمج أو التداخل في وسائل الإعلام ليس شرطاً أن ينتج عنه تشكيل وسيلة إعلامية جديدة، بل إنه يعمل بشكل ديناميكي دائم التغيير يؤدي على المدى البعيد إلى اختفاء الحدود التقليدية بين القطاعات الإعلامية القديمة والجديدة، كما يوفر التفاعل بين الجمهور والمنتجين فرصة للطرفين لفهم بعضهما البعض وتطوير محتوى جديد يلبي حاجيات كليهما.

أجريت دراسة خاصة (جزء من بحث ماجستير) بعنوان "تأثير السوشيال ميديا على التلفزيون في اليمن" عن كيفية نجاح محتوى مواقع التواصل الاجتماعي في أن يصبح محتوىً أساسياً للعديد من البرامج التلفزيونية في اليمن، مع التركيز على بحث الدوافع والأسباب وراء ذلك، وكيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إيجاد سلوكيات تنظيمية جديدة داخل القنوات التلفزيونية في اليمن.

 

التلفزيون في اليمن

في اليمن حالياً أكثر من 30 قناة تلفزيونية فضائية حكومية وخاصة منها قناة "السعيدة" التي بدأت البث كأول قناة خاصة في آب/أغسطس 2007 تلتها قناة "سهيل" في تموز/يوليو 2009. وعقب اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011، والتي تعتبر بداية نهاية حقبة التلاعب والسيطرة الحكومية على وسائل الإعلام، بدأ الإعلام اليمني يشعر بسقف حرية إعلامية أفضل من ذي قبل، نتج عنه إنشاء قناة "يمن شباب" في كانون الأول/ديسمبر 2011، تلتها قناة "اليمن اليوم" في كانون الثاني/يناير 2012 وقناة "المسيرة" في آذار/مارس 2012، ثم قناة "الساحات" في تموز/يوليو 2013 وقناتي "بلقيس" و"حضرموت" في تشرين الأول/أكتوبر 2014 وقناة "الهوية" في نيسان/أبريل 2018 وأخيرا قناة "اللحظة" في حزيران/يونيو 2018.

ونظرًا للسيطرة الحكومية والرقابة العالية على محتوى وسائل الإعلام التقليدية، اتجه المواطنون نحو استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي كوسيلة بديلة لإيصال أصواتهم إلى أكبر نطاق محلي ودولي. فبعد أشهر من بداية الربيع العربي قفز معدّل  استخدام الإنترنت في اليمن من 1.8٪ (420,000) من إجمالي عدد السكان عام 2010 إلى 14.9٪ (3,691,000) في عام 2012. وفي سنة 2014 وصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 4.8 مليون مستخدم بمعدل 18٪ من إجمالي السكان منهم 1.56 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي. وبحلول عام 2016 ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن إلى 6.8 مليون مستخدم منهم 1.7 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي ليصل عام 2018 إلى 7.03 مليون مستخدم للإنترنت منهم 2.3 مليون مستخدم السوشيال ميديا (2).

في سنة 2011 وبينما كان المتظاهرون يستخدمون منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك، كخيارهم الأول لتحميل الصور ومقاطع الفيديو كتغطية لأحداث الربيع العربي، بدأت العديد من المحطات التلفزيونية المحلية والدولية بتبني هذه الممارسة الجديدة واستخدام نفس المحتوى وإعادة بثه على شاشات التلفزيون. فعلى سبيل المثال، وكأول تجربة في توظيف محتوى السوشيال ميديا على شاشة التلفاز في اليمن، بدأت قناة "سهيل" عام 2012 في إنتاج برنامج تلفزيوني -لازال يبث حالياً- تحت اسم "الكلمةُ لك" والذي يسمح فيه للجمهور بالمشاركة في البرنامج مباشرة عبر "الاتصال المباشر" أو التعليق على الكاريكاتور أو الصورة التي تنشرها القناة مسبقاً على صفحة فيسبوك الخاصة بالبرنامج، إذ يقوم المنتجون باختيار تعليقات معينة لتعرض لاحقاً أثناء البث المباشر للبرنامج.

ونظرًا لأن قناة "بلقيس" هي واحدة من القنوات الجديدة التي بدأت البث بعد الربيع العربي، فمن الطبيعي أن تستخدم القناة محتوى السوشيال ميديا بشكل ملحوظ في معظم برامجها. تحظى صفحة القناة على منصة فيسبوك (الأكثر استخداما في اليمن) بأكثر 2 مليون "إعجاب"، أي بمعدل 1.4 مليون "إعجاب" بعيدًا عن قناة "السعيدة" ثاني أكثر القنوات التلفزيونية اليمنية "إعجابًا" على منصة فيسبوك.

وبسبب تواجد القناة خارج اليمن، فإن استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي يتزايد بشكل مستمر، حيث أكدت أسوان شاهر، مديرة البرامج في القناة، أن جميع قنوات التلفزيون في اليمن –تقريبًا- لديها هذا النوع من البرامج التي تعكس أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي على شاشة التلفاز لأنها أصبحت جزءاً من صناعة الإعلام. وتتضمن برامج قناة "بلقيس" العديد من الفقرات المعتمدة على محتوى السوشيال ميديا لإثراء برامجها الأسبوعية مثل برنامج "كيبورد" و"المنصة" و"بين قوسين".

 

قسم خاص وفريق متكامل

يبدو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي واضحاً على صناعة الأخبار، حيث أثرت على كيفية جمع الأخبار ومعالجتها ونقلها وتلقيها. فنموذج الصحافة "من القمة إلى القاعدة" تأثر بشكل كبير بوسائل التواصل الاجتماعي؛ فلم يعد الصحفي يلعب دور "حارس البوابة" تماماً، لكن مستهلكي الأخبار أنفسهم يلعبون دورًا أكثر نشاطًا في هذه العملية، حيث تسمح الصحافة الحديثة لقرائها بالمشاركة بشكل فعال في عملية إنتاج الأخبار، وتوفير مزيد من المرونة والتحكم للصحفيين الذين يسعون إلى تبني التقنيات ودمجها في ممارسات الإنتاج الخاصة بهم ليصبح النموذج السائد حالياً في عملية إنتاج الأخبار هو نموذج "من القاعدة إلى القمة".

يتكوّن فريق السوشيال ميديا في قناة "بلقيس" من خمسة موظفين يعملون في إدارة صفحات القناة على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة من خلال نشر ومشاركة المحتويات المتنوعة والتفاعل مع المتابعين. يتولى اثنان من أعضاء الفريق مسؤولية مراقبة "الأخبار العاجلة" ومتابعة تفاصيلها؛ حيث يقومان بمتابعة وجمع الأخبار من حسابات السوشيال ميديا لبعض وكالات الأنباء ومواقع الويب المحددة مسبقًا، وجمع الأخبار الواردة من المراسلين في الميدان والتي تصل القناة عبر منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وواتساب أو عبر البريد الإلكتروني. بينما يعمل باقي الفريق على إعادة إنتاج المحتوى الآتي من شاشة القناة. وهذا يعني اختيار وإعادة إنتاج ما تم بثه مسبقًا على التلفزيون ونشره على حسابات السوشيال ميديا المختلفة أو نشره على الموقع الرسمي للقناة.

تعتمد طريقة النشر على حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالقناة على نوعية المحتوى نفسه. فعلى سبيل المثال، يتم نشر محتوى "الأخبار العاجلة" على منصة تويتر في المقام الأول، ثم على منصة انستغرام، وعندما تكون القصة الخبرية كاملة تبث ضمن البرامج الإخبارية ثم مشاركتها على الموقع الإلكتروني. وبعد الانتهاء من بث أي برنامج تلفزيوني، يعاد نشر المحتوى الكامل للبرنامج على منصة يوتيوب، ومن ثم إعادة إنتاج مقاطع فيديو قصيرة من نفس البرنامج ونشرها على صفحة فيسبوك وتويتر.

مدير غرفة الأخبار، والع علي، أكد أن القناة تستخدم منصات التواصل الاجتماعي للحصول على نسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة من أخبارها، وتشمل هذه النسبة استخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لإرسال المحتوى من المراسلين إلى القناة، ومتابعة بعض الحسابات الرسمية لوكالات الأنباء المحلية والدولية وحسابات المؤسسات اليمنية الحكومية والخاصة.

ولكن من خلال متابعة المحتوى المعروض على شاشة القناة نجد أن 1.7% فقط من المحتوى يشار إليه أنه آت من منصات السوشيال ميديا عبر عرض شعار المنصة الإلكترونية على الشاشة مصاحباً لعرض المحتوى. هذا التناقض يعود لاستراتيجية "إعادة التحرير" التي تتبعها القناة للتعامل مع محتوى السوشيال ميديا لتتطابق مع معاييرها الخاصة.

 

ممارسات جديدة

بالنسبة للأخبار، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً هاماً في مراحل اختيارها وإنتاجها في قناة "بلقيس". في أغلب الأحيان يجمع المنتجون المسودة الأولى للأخبار من منصات التواصل الاجتماعي، ثم يبدأون بالتحقق من صحة الأحداث ثم تحريرها أو الاتصال بالمراسلين في الميدان عبر فيسبوك أو واتساب لطلب المزيد من المواد الداعمة التي ترسل لاحقاً إلى القناة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في الحقيقة، تتعامل قناة "بلقيس" بطريقة مختلفة مع المحتوى المأخوذ من منصات التواصل الاجتماعي ومنها تويتر على وجه الخصوص، فبدلاً من عرض صورة للتغريدة التي نشرها مسؤول ما، تقوم القناة بإعادة إنتاج محتوى التغريدة بحيث تعرض صورة رسمية كبيرة الحجم للمسؤول وبجوارها تعرض مقتطفات من التغريدة الأصلية.

ويبرر ذلك مدير غرفة الأخبار في القناة قائلاً: "الجمهور اليمني يفضل رؤية وجه صاحب التصريح بدلاً من صورة التغريدة نفسها، وبما أن التصريح يتم قراءته من قبل مقدم الأخبار، فيعتبر عرض النص المكتوب تكرار لنفس المعلومات للجمهور. وفي بعض الحالات، تكون التصريحات المكتوبة على وسائل التواصل الاجتماعي طويلة جدًا، وهذا ليس مناسبًا للعرض على الشاشة، وبالتالي يقوم المنتجون بإعادة تحرير المحتوى وعرض المناسب منها فقط.

ويضيف في السياق نفسه: "عندما يكون المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي في صيغة فيديو، يفضل المنتجون عرض الفيديو دون ذكر المصدر بأنها من مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق، لأن إضافة شعار المنصة في هذه الحالة لا يضيف أي قيمة إلى المحتوى".

كما تساعد وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل عمل محرري الأخبار من خلال تقليل الوقت والجهد المبذول في عملية جمع الأخبار. في السابق، كان الاتصال المباشر هو الوسيلة الوحيدة للتواصل مع المصادر الرسمية والحصول منهم على أكبر قدر من المعلومات، لكن المسؤولين اليوم يضعون كل شيء على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم مع اضافة مواد داعمة أيضًا. وكذلك الحال عندما يسافر أي مسؤول حكومي حول العالم، كان من الصعب التواصل به، ولكن اليوم لا يزال بالإمكان التواصل بالمسؤولين عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم في أي وقت ومن أي مكان، والحصول على معلومات حصرية لإثراء محتوى البرامج التلفزيونية.

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت من أهم وأسرع الوسائل التي يستخدمها مسؤولي التواصل في المؤسسات الحكومية ومدراء مكاتب المسؤولين الحكوميين في اليمن، حيث يقومون بإنشاء مجموعات خاصة على منصة فيسبوك أو واتساب تضم إعلاميين من مختلف الوسائل الإعلامية ليتم إطلاعهم على آخر التصريحات والمواد الإعلامية الخاص بمسؤوليهم، وهذا يضمن لهم طريقة أسرع وأسهل لمشاركة وايصال المواد الإعلامية إلى أكبر عدد ممكن من المؤسسات الإعلامية التي بدورها تنقل تلك المواد إلى الجمهور.  

وبالمثل، تستخدم قناة "بلقيس" وسيلة "الاستماع الاجتماعي Social Listening" لمراقبة أهم المواضيع التي تناقش على السوشيال ميديا ومحاولة الاستفادة منها في إثراء محتوى القناة أو التقاط بعض الأفكار لإنتاج برامج جديدة كما حصل في برنامج "اليمن: أصل الحكاية". فبعد انقلاب الحوثيين عام 2014، ظهرت بعض النقاشات على منصات السوشيال ميديا حول "الهوية اليمنية" وكيف افتقد اليمنيون لمشاعر الانتماء لبلدهم. لذلك، وكردة فعل من القناة على تلك المناقشات، قامت إدارتها بتقديم برنامج جديد يحمل عنوان "اليمن: أصل القصة" الذي ركز على أهمية استعادة هوية الشعب اليمني. وكذلك الحال في قضية "بيع المساعدات الإنسانية" التي نوقشت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2017، مما جذب انتباه القناة لتغطية القضية في برامجها المختلفة. في هذه الحالات، لم يشارك الجمهور بشكل مباشر في إنتاج البرنامج، لكن نقاشاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي كانت هي المحرك الذي حفز القناة على تخصيص وقت معين لتغطية تلك القضايا. هذه الممارسات الجديدة تؤكد ماذهب إليه الكاتب الأميركي هنري جينكينز، المتخصص في موضوع "الإعلام الجديد" في أن "المحتوى الناجح في منصة ما، يمكن أن ينتشر عبر منصات أخرى".

 

حقل ألغام

وبصرف النظر عن الفوائد العديدة لمحتوى السوشيال ميديا، ترى الصحفية اليمنية أسوان شاهر أن "وسائل التواصل الاجتماعي تشبه حقل الألغام، حيث يتعين علينا أن نكون شديدي الحذر من الخطوات التي نقدم عليها ونعرف بالضبط أين نبحث عن المعلومة. مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي انتقائيون جدًا في النشر، وهذا يؤدي إلى توفير معلومات متحيزة وغير دقيقة. لذلك، من المهم التحقق من صحة الأخبار قبل نشرها على شاشة التلفاز".

وحول هذه النقطة بالذات، تقول ماري هيرز، كاتبة ومحررة بموقع "ميديا شور" إن "المزيد من المعلومات لا تعني بالضرورة أنها أفضل، لا سيما عندما تأتي من حسابات وهمية. فالنتائج السيئة لنشر معلومات غير موثوقة يمكن أن تشمل التشهير وتشويه السمعة. ولكن بالمقابل فإن انتظار التحقق من القصص والمصادر يمكن أن يؤدي إلى عدم تقبل مصدر الأخبار باعتباره بطيئًا ومتأخراً".

ومع ذلك، تجادل شاهر أن لدى قناة "بلقيس" سياسة خاصة بجمع الأخبار، فهي لا تعطي الأولوية لموضوع الأخبار "الحصرية" ولكن الأهم من ذلك هو "المصداقية". لذلك، عندما يكون مصدر الأخبار المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي آتياً من حساب أحد الصحفيين المعروفين، فإن الأمر يجعل أخباره تتميز بدقة أكبر، ولكن ذلك لا يعني إغفال أهمية التحقق منها. وفي حال ندرة المصادر الأخرى لنفس المحتوى المنشور على السوشيال ميديا كما حصل عندما ضربت عاصفة "تشابالا" جزيرة سقطرى اليمنية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قامت القناة بنشر الفيديو الوحيد الموجود على الإنترنت بعد التواصل مع صاحب الحساب والتحقق من صحة الفيديو.

 

المشاهد النشط

نتيجة لتأثيرها الواسع على صناعة الإعلام، نجح محتوى شبكات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى شاشات التلفزيون كجزء هام من البرامج التلفزيونية. حيث تؤكد جولي هولي، المحررة الإدارية للمحتوى التلفزيوني في مجموعة Vocus Media Research Group، أن "وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر منجمًا ذهبيًا للتلفزيون لأنها رخيصة الاستخدام وسهلة التنفيذ من الناحية التكنولوجية - وقت الإعداد القصير والسهل- كما أن المشاهدين يريدون أن يكونوا جزءًا من البرامج التلفزيونية". (3) وبفضل الميزة التفاعلية للتقنيات الجديدة، أصبح المشاهدون قادرين على إنشاء طريقين للتواصل بين المشاهدين أنفسهم في المقام الأول، وبين المشاهدين والقناة التلفزيونية ثانياً.  

بات المشاهد أحد المساهمين الرئيسيين في إنتاج البرامج في قناة "بلقيس". فعلى سبيل المثال، يتواصل المشاهدون بالقناة عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي ويرسلون قصصهم لبثها ضمن برنامج "أنت لست وحدك"، المخصص لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ومن ثم يقوم فريق التواصل الاجتماعي بإرسال المحتوى إلى منتجي البرنامج الذين بدورهم يتواصلون مباشرةً بصاحب القصة للحصول على مزيد من التفاصيل ثم عرض قصته على شاشة التلفزيون.

كما فرضت ردود فعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بعض التغييرات في برامج القناة. وكمثال على ذلك، كانت العديد من تعليقات المتابعين على منصات السوشيال ميديا تقترح على القناة توفير مساحة أكبر لمشاركتهم المباشرة للتعبير عن آرائهم، ولكن لم يكن لدى القناة أي برنامج يسمح بمشاركة الجمهور العادي في محتوى برامجها. ونتيجة لذلك، عمدت القناة إلى تخصيص فقرة في برنامج "المنصة" و"بين قوسين"، يتم فيها عرض آراء المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي أو عرض وجهات نظرهم عبر فيديوهات خاصة ترسل إلى القناة عبر منصة واتساب.

كما أكد عمر زريق، مسؤول السوشيال ميديا في القناة، على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تكوين مصادر موثوقة ودائمة للمعلومات، كالطلاب اليمنيين في ماليزيا وألمانيا الذين بدأوا في إرسال بعض المواد المتعلقة بأنشطتهم في الخارج، وعندما شاهدوها على شاشة التلفاز وصفحات التواصل الاجتماعي، بعد ساعات قليلة فقط من إرسالها، استمروا في إرسال المزيد من المواد بانتظام. وكذلك الحال في الفيديو الشهير لمقتل الرئيس اليمني السابق، الذي وصل إلى القناة من أحد المتابعين لصفحة القناة على منصة فيسبوك.

 

برنامج "كيبورد"

خصصت قناة "بلقيس" منذ آب/أغسطس 2015 برنامجاً خاصاً يعكس أنشطة مستخدمي منصات وسائط التواصل الاجتماعي وعرضها في برنامج تفاعلي خاص يحمل اسم "كيبورد". يعتمد البرنامج على تقنية "الاستماع الاجتماعي"، حيث يقوم منتجو البرنامج بمتابعة أنشطة مستخدمي منصات السوشيال ميديا واختيار المحتوى المناسب لعرضه في البرنامج الذي يتم بثه لمدة 25 دقيقة مساء الثلاثاء من كل أسبوع.

يعتمد محتوى هذا البرنامج على عرض نسبة كبيرة من "نصوص" تعليقات المتابعين تصل إلى 45٪ و 38٪ من المحتوى يأتي في شكل "صور"15٪ و"فيديوهات". (4) وفي نهاية كل حلقة يتم إجراء لقاء مع أحد مشاهير السوشيال ميديا عبر تطبيق "سكايب" للحديث مع الضيف حول موهبته المعينة. ويأتي أكثر من 60% من محتوى تعليقات المتابعين من منصة فيسبوك، وهذا يؤكد اعتبار منصة فيسبوك الأكثر استخداماً في اليمن مقارنة بالمنصات الأخرى. ويدعم هذه البيانات أيضا ما ورد في تقرير شركة الأبحاث العالمية TNS أن 93٪ من إجمالي مستخدمي الإنترنت في اليمن هم مستخدمين دائمين لمنصة فيسبوك، و92٪ منهم يستخدمون منصة فيسبوك بشكل يوم[1] [2] ي (5).

طيلة وقت برنامج "كيبورد"، تقوم مقدمة البرنامج بقراءة بعض تعليقات المتابعين، وبسبب حرص المنتجين على عرض أكبر عدد من تعليقات المتابعين في وقت قصير، تفضل القناة عرض بعض التعليقات دون قراءتها ليتسنى للمشاهدين قراءتها بأنفسهم. كما أن استمرار عرض البرنامج خلال الأربع سنوات الماضية يدل على نجاح البرنامج في عرض محتوى مختلف وجاذب للمشاهدين مما مكن القناة من الوصول إلى شريحة جديدة من المشاهدين وهي شريحة مستخدمي السوشيال ميديا.

يعد برنامج "كيبورد" نموذجا متكاملاً لتأثير محتوى شبكات التواصل الاجتماعي على محتوى التلفزيون في اليمن. حيث يعتمد البرنامج كلياً على المواد الإعلامية (فيديوهات، صور، نصوص) المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي لملء وقت البرنامج. وهذا النوع من البرامج الجديدة يعد مثالًا أيضاً على العلاقة التكاملية بين التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. فكما يتم عمل بث مباشر للكثير من البرامج التلفزيونية على منصات التواصل الاجتماعي، تعكس المحطات التلفزيونية بالمثل أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي ضمن برامجها. ويهدف هذا النوع من البرامج إلى إطلاع مشاهدي التلفاز على ما يجري في منصات التواصل الاجتماعي، مما يؤدي في النهاية إلى جلب مستخدمين جدد إلى منصات التواصل الاجتماعي. وبالمثل، سيتحول الكثير من مستخدمي السوشيال ميديا إلى مشاهدة البرامج التلفزيونية.

تمثل المواضيع التي تثار على مواقع التواصل الاجتماعي الاهتمام الحقيقي لما يشغل الرأي العام، لذلك تحرص القنوات التلفزيونية على التواجد على منصات التواصل الاجتماعي أكثر من تواجدها على الشاشات. ولذلك تقوم القنوات التلفزيونية بنشر محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي على مدار 24 ساعة دون تكرار - كما في التلفزيون- وهذا التواجد المستمر على منصات السوشيال ميديا بجذب جمهوراً من وسائل التواصل الاجتماعي إلى شاشات التلفاز مما يعزز - في نهاية المطاف - أهداف أي قناة تلفزيونية في أن تصبح صوت المشاهد ومنصته الأولى لطرح آرائه بكل حرية.  

 

 

مراجع:

1- https://www.wetv.com/

2- https://www.internetworldstats.com/middle.htm#ye

3- https://www.cision.com/us/resources/research-reports/2013-state-of-the-media-report/

4- http://academicrepository.khas.edu.tr/xmlui/bitstream/handle/20.500.12469/2369/0105482MohammedAlragawi.pdf?sequence=1&isAllowed=y

5-

http://www.govtpracticewpp.com/~/media/wppgov/files/arabsocialmediareport-2015.pdf

 


مصدر؟

هذه نتائج دراسة الماجستير التي قمت بعملها بنفسي وموجودة على هذا الرابط

http://academicrepository.khas.edu.tr/xmlui/bitstream/handle/20.500.124…

وهنا مصدر شركة الابحاث العالمية

http://www.govtpracticewpp.com/~/media/wppgov/files/arabsocialmediarepo…

 

More Articles

Press Freedom in Multiple EU Countries on the "Verge of Collapse" Reports Show

The European Civil Liberties Union's Media Freedom 2024 report highlights a decline in press freedom and media pluralism in several EU countries, with calls for comprehensive reforms. The report also points out biases in Western media coverage of the Israeli offensive in Gaza, including restrictions on certain terms and unbalanced reporting. It raises concerns about diminishing media pluralism, journalist prosecution and surveillance, and declining public trust in the media.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 13 May, 2024
Under Fire: The Perilous Reality for Journalists in Gaza's War Zone

Journalists lack safety equipment and legal protection, highlighting the challenges faced by journalists in Gaza. While Israel denies responsibility for targeting journalists, the lack of international intervention leaves journalists in Gaza exposed to daily danger.

Linda Shalash
Linda Shalash Published on: 9 May, 2024
Journalism in chains in Cameroon

Investigative journalists in Cameroon sometimes use treacherous means to navigate the numerous challenges that hamper the practice of their profession: the absence of the Freedom of Information Act, the criminalisation of press offenses, and the scare of the overly-broad anti-terrorism law.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 12 Apr, 2024
The Perils of Journalism and the Rise of Citizen Media in Southeast Asia

Southeast Asia's media landscape is grim, with low rankings for internet and press freedom across the region. While citizen journalism has risen to fill the gaps, journalists - both professional and citizen - face significant risks due to government crackdowns and the collusion between tech companies and authorities to enable censorship and surveillance.

AJR Contributor Published on: 6 Apr, 2024
Ethical Dilemmas of Photo Editing in Media: Lessons from Kate Middleton’s Photo Controversy

Photoshop—an intelligent digital tool celebrated for enhancing the visual appearance of photographs—is a double-edged sword. While it has the power to transform and refine images, it also skillfully blurs the line between reality and fiction, challenging the legitimacy of journalistic integrity and the credibility of news media.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 26 Mar, 2024
Silenced Voices: The Battle for Free Expression Amid India’s Farmer’s Protest

The Indian government's use of legal mechanisms to suppress dissenting voices and news reports raises questions about transparency and freedom of expression. The challenges faced by independent media in India indicate a broader narrative of controlling the narrative and stifling dissenting voices.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 17 Mar, 2024
Targeting Truth: Assault on Female Journalists in Gaza

For female journalists in Palestine, celebrating international women's rights this year must take a backseat, as they continue facing the harsh realities of conflict. March 8th will carry little celebration for them, as they grapple with the severe risks of violence, mass displacement, and the vulnerability of abandonment amidst an ongoing humanitarian crisis. Their focus remains on bearing witness to human suffering and sharing stories of resilience from the frontlines, despite the personal dangers involved in their work.

Fatima Bashir
Fatima Bashir Published on: 14 Mar, 2024
A Woman's Journey Reporting on Pakistan's Thrilling Cholistan Desert Jeep Rally

A Woman's Voice in the Desert: Navigating the Spotlight

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Why Journalists are Speaking out Against Western Media Bias in Reporting on Israel-Palestine

Over 1500 journalists from various US news organizations have signed an open letter criticizing the Western media's coverage of Israel's actions against Palestinians. They accuse newsrooms of dehumanizing rhetoric, bias, and the use of inflammatory language that reinforces stereotypes, lack of context, misinformation, biased language, and the focus on certain perspectives while diminishing others. They call for more accurate and critical coverage, the use of well-defined terms like "apartheid" and "ethnic cleansing," and the inclusion of Palestinian voices in reporting.

Belle de Jong journalist
Belle de Jong Published on: 26 Feb, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024
Artificial Intelligence's Potentials and Challenges in the African Media Landscape

How has the proliferation of Artificial Intelligence impacted newsroom operations, job security and regulation in the African media landscape? And how are journalists in Africa adapting to these changes?

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 18 Feb, 2024
Media Blackout on Imran Khan and PTI: Analysing Pakistan's Election Press Restrictions

Implications and response to media censorship and the deliberate absence of coverage for the popular former Prime Minister, Imran Khan, and his party, Pakistan Tehreek-e-Insaf (PTI), in the media during the 2024 elections in Pakistan.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 14 Feb, 2024
Digital Battlegrounds: The New Broadcasting Bill and Independent Journalism in India

New legislation in India threatens the freedom of independent journalism. The draft Broadcasting Services (Regulation) Bill, 2023 grants the government extensive power to regulate and censor content, potentially suppressing news critical of government policies.

Safina
Safina Nabi Published on: 11 Feb, 2024
Pegasus Spyware: A Grave Threat to Journalists in Southeast Asia

The widespread deployment of spyware such as Pegasus in Southeast Asia, used by governments to target opposition leaders, activists, and journalists, presents significant challenges in countering digital surveillance. This is due to its clandestine operations and the political intricacies involved. The situation underscores the urgent need for international cooperation and heightened public awareness to address these human rights infringements.

AJR Contributor Published on: 5 Feb, 2024
Media Monopoly in Brazil: How Dominant Media Houses Control the Narrative and Stifle Criticism of Israel

An in-depth analysis exploring the concentration of media ownership in Brazil by large companies, and how this shapes public and political narratives, particularly by suppressing criticism of Israel.

Al Jazeera Logo
Rita Freire & Ahmad Al Zobi Published on: 1 Feb, 2024
Cameroonian Media Martyrs: The Intersection of Journalism and Activism

Experts and journalists in Cameroon disagree on the relationship between journalism and activism: some say journalism is activism; others think they are worlds apart, while another category says a “very thin” line separate both

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 28 Jan, 2024
Silent Suffering: The Impact of Sexual Harassment on African Newsrooms

Sexual harassment within newsrooms and the broader journalistic ecosystem is affecting the quality and integrity of journalistic work, ultimately impacting the organisation’s integrity and revenue.

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 23 Jan, 2024
The Perils of Unverified News: A Case of Nonexistent Flotillas

Can you hide one thousand ships in the middle of the Mediterranean Sea? I would say not. But some of my fellow journalists seem to believe in magic.  

Ilya
Ilya U Topper Published on: 16 Jan, 2024
In-Depth Analysis Reveals Distortion in U.S. Media's Coverage of the Gaza Conflict

A new quantitative analysis by The Intercept reveals the extent of distorted coverage in American media of the Israeli war on Gaza.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 14 Jan, 2024
In the Courtroom and Beyond: Covering South Africa's Historic Legal Case Against Israel at The Hague

As South Africa takes on Israel at the International Court of Justice, the role of journalists in covering this landmark case becomes more crucial than ever. Their insights and reporting bring the complexities of international law to a global audience.

Hala Ahed
Hala Ahed Published on: 12 Jan, 2024
Embedded journalism: Striking a balance between access and impartiality in war zones

The ethical implications of embedded journalism, particularly in the Israeli invasion of Gaza, raise concerns about the compromise of balance and independence in war coverage.

Abeer Ayyoub
Abeer Ayyoub Published on: 19 Dec, 2023