روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

روبرت فيسك.. "صحفي خنادق" أفنى حياته من أجل "لماذا؟"

لم يخلُ خبر وفاة الصحفي البريطاني روبرت فيسك، من جدل مشابه للجدل الذي أثارته معظم قصصه الصحفية التي عمل عليها على مدى أربعة عقود خلت. كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" ذات يوم، بأنه واحد من أكثر الصحفيين جدلا في عصره.

وما إن انتشر الخبر عن وفاة فيسك في منزله بمدينة دبلن الإيرلندية، حتى بدأ صحفيون ينعونه ويبدون مواقف متعددة حول مسيرته. فبين طرف رأى فيه أيقونة ناصعة لم يشُبها من نواقض المهنية الصحفية شيء، لا سيما أولئك الذين انطلقوا من مقاربة أعماله الصحفية المتعلقة بفلسطين والجهد الذي كرّسه في نقل سردية الفلسطينيين في الإعلام الغربي، وطرف آخر رأى أنه انتحر مهنيا منذ الأشهر الأولى التي تلت الثورة السورية؛ بسبب ما رأوه من "تلميع" لصورة بشار الأسد ونظامه في قصص فيسك الصحفية، حاول طرف ثالث أن يُنصف الرجل في تاريخه، إلا أنه وضعه تحت المساءلة في قضايا رأى أن فيسك حاد فيها عن أعراف المهنية الصحفية.

وبين هذه المواقف؛ يحث الدافع المهني على قراءة مسار روبرت فيسك الذي رحل عن دنيانا قبل أيام؛ من زاوية صحفية خالصة، "لا ملائكة ولا شياطين"، أو كما جرت عليها قواعد كتابة قصص عرض الشخصية صحفيًّا. 

برز اسم فيسك في عالم الصحافة عام 1972 كمراسل لصحيفة "التايمز" البريطانية في إيرلندا، وانتقل بعدها ليصبح مراسلا للشؤون الخارجية متنقلا بين عدة مناطق في البلقان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى مدى سنوات، تحوّل فيسك من مجرد صحفي، إلى ما يمكن اعتباره "عينا أخرى للغرب" في الشرق الأوسط.

فهذا البريطاني المولد، الإيرلندي الجنسية، بصم لوحده على تجربة صحفية مميّزة وثرية، عنوانها الانغماس في الميدان، ونقد الصورة المثالية التي يحملها البعض عن الصحافة الغربية، ونبذ "صحافة الفنادق" الكسولة لحساب "صحافة خنادق" شجاعة ومغامرة، تؤرخ للحروب بانتصابها لأداء الشهادة وقول الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة.

 

نقد السردية الغربية في الإعلام

عن سن 74 عاما، فارق فيسك عالما عاش فيه بشغف مهني كبير، كتب فيه قصصا صحفية بارزة ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على قضايا كان يمكن أن تموت في الظلام لولاه، فهو أول صحفي أخبر العالم بوقوع مجزرة في حماة السورية عام 1982 راح ضحيتها الآلاف، ارتكبها حافظ الأسد ضد معارضيه. وكان فيسك أيضا ضمن أول فريق صحفي دخل مخيمي صبرا وشاتيلا، وكشف للعالم فظاعة المجازر التي ارتُكبت فيهما بدعم من إسرائيل، إضافة إلى تغطيته لأبرز الأحداث التي غيرت وجه الشرق الأوسط، كالثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية. كما أنه أكثر الصحفيين الغربيين محاورة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

قضى روبرت فيسك العقود الطويلة من تغطياته لشؤون المنطقة العربية مُناصبا العداء للسردية الغربية، ومهاجما الإعلام الغربي السائد القائم على قراءة كل ما يحدث في الضفة الجنوبية الشرقية للبحر المتوسط من منظور التناحر المذهبي والطائفي والعرقي، وتجاهل باقي العوامل والدوافع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمصالح الدولية التي غالبا ما تقف وراء مآسي ونكبات شعوب هذه المنطقة. 

رغم كل ذلك، أنهى فيسك حياته بلغز كبير اسمه نظام بشار الأسد في سوريا، حيث ظلّ ركوبه قوافل الجيش السوري وقربه من كبار مسؤولي دمشق، واكتفاؤه بأحاديث فضفاضة عن المجازر التي ارتكبوها، بل التشكيك في بعض الروايات حول المجازر المرتكبة؛ موضوع تساؤلات واتهامات بالانحياز. 

 

من بلفاست إلى بيروت

ولد روبرت فيسك عام 1946 في بلدة "ميدستون" التي تبعد عن العاصمة البريطانية لندن بنحو 50 كلم، في أسرة مكونة من أب يعمل محاسبا مؤتمنا على صندوق مالية المدينة، بعدما شارك في الحرب العالمية الأولى وعجز عن خوض غمار الثانية لتقدمه في السن. 

أول رحلة لفيسك خارج بريطانيا كانت نحو فرنسا، حين كان في العاشرة من عمره ورافق والده في رحلة بحثه عن ذكرياته خلال فترة الحرب. كانت الأخبار السياسية -المتعلقة بالمستعمرات البريطانية خصوصا- فُطور روبرت شبه اليومي، حيث كان والده يحرص على الاستماع إلى الإذاعة، الأمر الذي جعل روبرت يلتحق بالمدرسة وهو حامل لمعرفة تاريخية غزيرة حول الحربين العالميتين وخطب تشرشل وما يجري في العالم، علاوة على كتب التاريخ العديدة التي أثثت فضاء طفولته.

التحق روبرت فيسك بمدرسة خاصة تمتاز بتدريس طلبتها اللغة اللاتينية، ثم واصل دراسته الجامعية متخصصا في اللسانيات واللغة اللاتينية وحاز فيها درجة الماجستير، ليلتحق مباشرة بعد ذلك بصحيفة "صنداي إكسبرس" اللندنية، ثم بعدها بصحيفة "التايمز" قبل أن "يسيطر عليها (روبرت) مردوخ ويدمّر نزاهتها".

ابتداء من العام 1976، أصبحت بيروت عاصمة لعمل فيسك الصحفي في منطقة الشرق الأوسط، حيث بات الشاهد الغربي الأكبر على أهم أحداث المنطقة، بدءا من حرب لبنان الأهلية والثورة الإيرانية وحربي الخليج الأولى والثانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وصولا إلى حروب المنطقة خلال العقدين الأخيرين في كل من العراق وأفغانستان.

في العام 1989، انتقل فيسك من "التايمز" إلى "الإندبندنت" رافضا سياسة مردوخ في الأولى، ومقدرا حرص رؤساء التحرير في الثانية على "نشر ما يكتبه الصحفيون لا ما يريده المالكون"، علما بأنه ظل يوضح أن مالكي الصحيفة أيضا يريدون نشر ما يكتبه الصحفيون، وهو وضع "سحري" نادر. 

وكان مما سهّل نجاح فيسك -في تقديره- هو عدم سقوط الصحافة البريطانية في الطقس الأميركي القائم على عدم ترك المراسلين في نفس المكان لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، "فما إن يبدأ في تعلم اللغة والثقافة المحلية حتى ينقل إلى مكان آخر، هذا يجعلك تعرف كل شيء عن لا شيء، ولا شيء عن كل شيء".

تزوّج روبرت فيسك بالصحافة وحافظ على وفائه لها طيلة مساره، فالارتباط الأسري الرسمي الوحيد في حياته جمعه بصحفية أميركية اسمها "لارا مارلو". استمرت علاقتهما بين عامي 1994 و2006، لكنها انتهت كما بدأت، بدون أبناء. 

 

فيلم هتشكوك الملهم

شغف فيسك بالصحافة وُلد من رحم شغف آخر بالسينما والأفلام، فما جعله يصبح صحفيا ومراسلا دوليا، هو فيلم شاهده في سن الثانية عشرة عبر شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود، لألفريد هتشكوك بعنوان "المراسل الأجنبي". ويحكي الفيلم قصة الصحفي الأميركي الذي انتقل إلى لندن لتغطية أطوار الحرب العالمية الثانية، ليتمكن من اكتشاف أكبر عميل نازي في عاصمة بريطانيا، ويصبح بالتالي هدفا لمطاردة مثيرة. ورغم كل ما تنطوي عليه هذه الحياة من مخاطر، فإن فيسك بات منذ ذلك الحين يحلم بتقمصها.

حصل روبرت فيسك سبع مرات على جائزة الصحافة البريطانية التي يطلق عليها لقب "أوسكار" الصحافة، في صنف الصحافة الدولية. كما نال جائزة "أورويل" وعددا من التكريمات التي استحقها نظير تغطياته المميزة لأحداث منطقة الشرق الأوسط، في حين كانت مساهماته البحثية والتكوينية في مجال الصحافة سببا لمنحه شهادات فخرية من عدد من جامعات العالم، من بينها الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات بريطانية وإيرلندية.

وحاز هذا المراسل فوق العادة براءة اختراع مهني اسمه نبذ "صحافة الفنادق"، وهي العبارة التي أطلقها خلال وجوده في العراق لحظة اجتياح بغداد من طرف القوات الأميركية، ولاحظ كيف أن جلّ زملائه المراسلين الأجانب يكتبون عن الحرب من داخل غرفهم الفندقية الآمنة.

تبرُّم مزمن رافق هذا الصحفي طيلة حياته، من الصحفيين الكسالى الذين يزيّفون الحقائق ويدّعون الحضور في أماكن وأحداث لمجرد وجودهم في فنادق فخمة أمّنتها لهم دعوات سخية. 

"سوف يهينك الزملاء إذا كنت صحفيا متوسط النجاح"، قال روبرت فيسك في أحد تعليقاته، متهما في تعليقات أخرى الصحف باحتراف الكذب الذي أدى بالناس إلى هجرها نحو الإنترنت، ومعلنا في أحد حواراته الكبرى أن مهمة الصحفي الدائمة هي تحدي السلطات.

أبدى روبرت فيسك شراسة في انتقاد ومهاجمة صناع القرار الغربيين، خاصة في فترة تزامن جورج بوش وتوني بلير على رأس السلطتين التنفيذيتين في الولايات المتحدة وبريطانيا. 

وأثبت فيسك على الصحافة الغربية التحامها مع الطبقة السياسية والحاكمة في بلدانها، من خلال ترديد العبارات والمصطلحات التي "طبخها" السياسيون والعسكريون دون تساؤل أو تحقق، والخضوع للإملاءات وتوجيه البيانات الرسمية مع الانتقائية والانحياز في بث الأخبار والصور، مع الامتناع التام عن طرح الأسئلة الجوهرية والحقيقية، من قبيل سبب وجود القوات الأميركية في العراق مثلا.

 

لماذا حدثت هجمات 11 سبتمبر؟

برز روبرت فيسك كمرجعية مهنية مميزة في شؤون المنطقة العربية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي ظل يردد أنها جريمة ضد الإنسانية لا إرهاب يتحمل مسؤوليته المسلمون. فعبارته الشهيرة تردّدت في الأركان الأربعة من العالم، وخلاصتها أن الإعلام توقّف عند سؤال "من فعلها؟" ولم يتساءل أبدا "لماذا حدث ذلك؟". 

ظل الرجل إلى آخر أيام حياته مصرًّا على وجود علاقة تواطؤ غير صحي ولا مفيد بين الصحافة الغربية والسلطة، وقدّم في موقفه هذا حزمة متماسكة من الإثباتات والأدلة، أهمها القاموس الذي تعتمده الصحافة الغربية في وصف ما يجري بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تصبح فلسطين المحتلة "أرضا متنازعا عليها"، وجدار العزل العنصري الإسرائيلي مجرد حاجز أمني.

إلمام فيسك الكبير بقواعد وتقنيات حماية الصحفيين أثناء تغطيتهم للحروب والكوارث، لم يشغله عما ظل يعتبره أهم وأخطر.. "إنه انقيادهم السهل وقبولهم التلقائي بالروايات الحكومية المبتذلة واللطيفة والمضللة، وترديدهم إياها في تقاريرهم". وكان أول ما بدأ به أن نبه صحيفته "الإندبندنت" إلى أن الحرب الأميركية في العراق ليست حربا على الإرهاب ولا حربا من أجل الديمقراطية، بل هي حرب على أعداء أميركا، وربما على أعداء إسرائيل في المنطقة. 

منذ التحاقه بمنطقة الشرق الأوسط مكلَّفا بتغطية أحداثها، هاجم روبرت فيسك بعنفٍ تعاطي الصحافة الغربية مع قضايا المنطقة، واستنكر قبول كبريات الصحف والقنوات بتحوّل السلطة إلى رئيس التحرير الفعلي، والانخراط في القواميس التي تمتح من مرجعيات دينية مسيحية متعصبة، تعتبر الغرب مصدر "الخير" والآخرين مصدر الشرور. 

عاتب فيسك كبريات الصحف الأميركية التي مهّدت لحرب بوش في العراق بتقارير وقصص تختلق صلات بين أسامة بن لادن وصدام حسين، كما شجب دخول هذا الإعلام لعبة الربط بين ياسر عرفات وزعيم القاعدة. ولم يستبعد فيسك وهو يحاضر في سبتمبر/أيلول 2002 في برشلونة الإسبانية، أن تصبح دمشق ثم بيروت -ولم لا الرياض- الأهداف التالية للهجمات بعد كابل وبغداد.

هذا الموقف المنتصر للمهنية والحياد، كان روبرت فيسك قد عبّر عنه قبل أكثر من عشر سنوات من أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث خرج بمجرد اندلاع حرب الخليج الثانية التي استهدفت العراق إثر اجتياحه الكويت عام 1991، ليدين ارتداء صحفيي قناة "سي.أن.أن" الأميركية الزي العسكري للجيش الأميركي. 

ورغم خروج القناة لتوضح أن الصحفيين أجبروا على ذلك من طرف الجيش، فإنه ظل مصرا على أن الصحفي لا يملك أي مبرر لمثل هذا السلوك، وأن "الصحفيين لا شأن لهم بإطاعة الأوامر العسكرية التي تجعلهم يبدون كالمقاتلين".

 

"وحشيتنا سبب وحشيتهم"

"أحداث 11 سبتمبر لم تغيّر العالم.. أرجو من زملائي أن يكفوا عن نشر وبث هذه الكلمات"، هكذا تحدث روبرت فيسك في الذكرى الأولى للهجمات على برجي التجارة العالمي في نيويورك، خلال محاضرة ألقاها بمركز ثقافي في مدينة برشلونة الإسبانية. 

"إنها واحدة من كبرى الأكاذيب التي يروّجها الصحفيون"، يضيف فيسك مصرا على موقفه، ومتابعا أن "أحداث 11 سبتمبر ربما منحت ذريعة لجورج بوش لتغيير العالم والتلاعب بمشاعر الخوف والحزن، لإطلاق حرب لا علاقة لها بما وقع في نيويورك".

لم يكن الحديث يطول بروبرت فيسك حتى يكشف أنه يقصد منطقة الشرق الأوسط تحديدا، كهدف لهذا التلاعب الذي كان يرى أن الإعلام الغربي شريك رئيسي فيه.. "أخشى أنها ستكون المحاولة التي تثير أكبر قدر من الرعب لتغيير خريطة الشرق الأوسط منذ الانتصار الفرنسي البريطاني على الإمبراطورية العثمانية"، يقول فيسك في نبوءته المبكرة هذه، متوقعا انخراط جل مراسلي القنوات التلفزيونية في ترديد عبارة "الحرب على الإرهاب" بمجرد انطلاق المعارك.

عاش روبرت فيسك حاملا هوسا خاصا بالتاريخ، واعتبر نفسه دائما بمثابة المؤرخ للحظات والأحداث التي عاشها، والتي لم يكن اختيارها عبثيا، فكانت تجربته المهنية موزعة بين نقاط الخط الملتهب الذي خلفته توافقات ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي الحدود التي رسمت في كل من إيرلندا ويوغسلافيا والشرق الأوسط. وعندما كان يواجَه بسؤال "لماذا لم تصبح مؤرخا؟"، كان يردّ بتوتّر واضح، منبّها إلى أن المراسل الدولي يقوم بوظيفة التأريخ أيضا؛ "إذا كنت مراسلا دوليا فإنك مؤرخ نوعا ما".

عندما انتقل إلى الحدود الباكستانية الأفغانية لتغطية الحرب الأميركية على أفغانستان، وأصبح هدفا للغاضبين من الهجوم الغربي ضد المنطقة، وتعرّض لإصابات دامية، لم يمنعه ذلك من تحويل الموقف إلى "فرصة" مهنية، حيث نشر تفاصيل ما حدث معه معلّقا أن "وحشيتنا سبب وحشيتهم". 

فرغم تعرّض سيارته لهجوم عنيف بالحجارة، وبعدما كاد يقتل يومها، فإن ما حرص فيسك على تذكره هو تلك اليد التي امتدت إليه من عالم دين أفغاني أنقذه من يد الغاضبين، وروى الحادث من زاوية تفسّر لماذا أقدموا على مهاجمته.. "أنا أكره القصص الإخبارية التي تركز على ماذا وأين، لكنها تغفل سؤال لماذا؟"، يقول فيسك في إحدى محاضراته.

 

كتب وأفلام

إلى جانب مقالاته الصحفية، خصّص روبرت فيسك كتابا كاملا لتوثيق موقفه النقدي تجاه الغرب وسياساته الموجهة إلى المنطقة العربية، اختار له عنوان "الحرب العظمى من أجل الحضارة.. غزو الشرق الأوسط". كما أثمر مقامه الطويل في لبنان ومعايشته فصول الأحداث الكبرى لهذا البلد العربي كتابا بعنوان "ويلات أمة"، سوف تتم ترجمته لعدة لغات بعد نشره عام 1990.

"كانت كتاباته شفافة وجريئة في تفكيك العقل السياسي العربي، وجمع بين مهارات الكتابة الصحفية والتفكيك الثقافي لقرابة خمسين عاما" يقول محمد الشرقاوي خبير الإعلام وأستاذ تسوية النزاعات في جامعة "جورج ميسون" الأميركية ، مضيفا أن فيسك اختار لنفسه منحى نقديا يجمع بين المهارة الإعلامية ورؤية السوسيولوجي.

لم يقتصر عمل روبرت فيسك على المكتوب، بل أنتج عام 1993 فيلما وثائقيا يحمل عنوان "من بيروت الى البوسنة"، عالج فيه واقع معاناة المسلمين، والأسباب التي تفسر نقمتهم على الغرب. أظهر الفيلم مشاهد مروعة لأطفال تناثرت أشلاء أجسامهم الصغيرة بقنابل إسرائيلية، وحين سئل عن تلك المشاهد، اكتفى بالقول: "إنها بالضبط ما شاهدته في الواقع".

السؤال الذي كان يسكن فيسك وحاول أن يجيب عنه عبر ثلاثية "من بيروت إلى البوسنة"، هو: ما الذي يحمل عددا كبيرا من المسلمين على كره الغرب؟ وصوّر مشاهده في كل من لبنان والضفة الغربية وداخل إسرائيل وغزة ومصر، وفي البوسنة وكرواتيا. 

لكن الفصل الأخير من حياة روبرت فيسك كان الأكثر غموضا وإثارة للجدل، فالرجل كان الصحفي الغربي الأقرب إلى مصادر الخبر والقرار الرسميين في سوريا، وغاصت أقدامه تدريجيا في وحل الاتهام بموالاة بشار الأسد وتلميع صورته، وتكرّس ذلك عام 2018 حين حاول التشكيك في صحة التقارير التي تتهم نظام الأسد باستعمال السلاح الكيميائي في مدينة دوما.

مهما كان الجدل حول حياة الرجل، إلا أنه طبع مسار الصحافة العالمية، ولاشك أن رحيله سيشكل خسارة لقضايا الشرق الأوسط التي ما يزال الإعلام الغربي يتعامل معها بنظرة المصالح لا بنظرة الحياد. 

 

مصادر:  

1-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

2-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

3- https://aayadi.wordpress.com/2010/06/02/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85/

4-  http://www.cccb.org/rcs_gene/fisk.pdf

5-  https://tbsnews.net/world/robert-fisk-journalists-job-challenge-authority-all-time-152770

6-  https://www.facebook.com/mohammed.cherkaoui.129/posts/10164497084485637   

 

 

 

More Articles

"I Am Still Alive!": The Resilient Voices of Gaza's Journalists

The Israeli occupation has escalated from targeting journalists to intimidating and killing their families. Hisham Zaqqout, Al Jazeera's correspondent in Gaza talks about his experience covering the war and the delicate balance between family obligations and professional duty.

Hisham Zakkout Published on: 15 May, 2024
Press Freedom in Multiple EU Countries on the "Verge of Collapse" Reports Show

The European Civil Liberties Union's Media Freedom 2024 report highlights a decline in press freedom and media pluralism in several EU countries, with calls for comprehensive reforms. The report also points out biases in Western media coverage of the Israeli offensive in Gaza, including restrictions on certain terms and unbalanced reporting. It raises concerns about diminishing media pluralism, journalist prosecution and surveillance, and declining public trust in the media.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 13 May, 2024
Under Fire: The Perilous Reality for Journalists in Gaza's War Zone

Journalists lack safety equipment and legal protection, highlighting the challenges faced by journalists in Gaza. While Israel denies responsibility for targeting journalists, the lack of international intervention leaves journalists in Gaza exposed to daily danger.

Linda Shalash
Linda Shalash Published on: 9 May, 2024
Elections and Misinformation – India Case Study

Realities are hidden behind memes and political satire in the battle for truth in the digital age. Explore how misinformation is influencing political decisions and impacting first-time voters, especially in India's 2024 elections, and how journalists fact-check and address fake news, revealing the true impact of misinformation and AI-generated content.

Safina
Safina Nabi Published on: 30 Apr, 2024
Amid Increasing Pressure, Journalists in India Practice More Self-Censorship

In a country where nearly 970 million people are participating in a crucial general election, the state of journalism in India is under scrutiny. Journalists face harassment, self-censorship, and attacks, especially under the current Modi-led government. Mainstream media also practices self-censorship to avoid repercussions. The future of journalism in India appears uncertain, but hope lies in the resilience of independent media outlets.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 25 Apr, 2024
Journalism in chains in Cameroon

Investigative journalists in Cameroon sometimes use treacherous means to navigate the numerous challenges that hamper the practice of their profession: the absence of the Freedom of Information Act, the criminalisation of press offenses, and the scare of the overly-broad anti-terrorism law.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 12 Apr, 2024
The Perils of Journalism and the Rise of Citizen Media in Southeast Asia

Southeast Asia's media landscape is grim, with low rankings for internet and press freedom across the region. While citizen journalism has risen to fill the gaps, journalists - both professional and citizen - face significant risks due to government crackdowns and the collusion between tech companies and authorities to enable censorship and surveillance.

AJR Contributor Published on: 6 Apr, 2024
Ethical Dilemmas of Photo Editing in Media: Lessons from Kate Middleton’s Photo Controversy

Photoshop—an intelligent digital tool celebrated for enhancing the visual appearance of photographs—is a double-edged sword. While it has the power to transform and refine images, it also skillfully blurs the line between reality and fiction, challenging the legitimacy of journalistic integrity and the credibility of news media.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 26 Mar, 2024
Silenced Voices: The Battle for Free Expression Amid India’s Farmer’s Protest

The Indian government's use of legal mechanisms to suppress dissenting voices and news reports raises questions about transparency and freedom of expression. The challenges faced by independent media in India indicate a broader narrative of controlling the narrative and stifling dissenting voices.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 17 Mar, 2024
Targeting Truth: Assault on Female Journalists in Gaza

For female journalists in Palestine, celebrating international women's rights this year must take a backseat, as they continue facing the harsh realities of conflict. March 8th will carry little celebration for them, as they grapple with the severe risks of violence, mass displacement, and the vulnerability of abandonment amidst an ongoing humanitarian crisis. Their focus remains on bearing witness to human suffering and sharing stories of resilience from the frontlines, despite the personal dangers involved in their work.

Fatima Bashir
Fatima Bashir Published on: 14 Mar, 2024
A Woman's Journey Reporting on Pakistan's Thrilling Cholistan Desert Jeep Rally

A Woman's Voice in the Desert: Navigating the Spotlight

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Why Journalists are Speaking out Against Western Media Bias in Reporting on Israel-Palestine

Over 1500 journalists from various US news organizations have signed an open letter criticizing the Western media's coverage of Israel's actions against Palestinians. They accuse newsrooms of dehumanizing rhetoric, bias, and the use of inflammatory language that reinforces stereotypes, lack of context, misinformation, biased language, and the focus on certain perspectives while diminishing others. They call for more accurate and critical coverage, the use of well-defined terms like "apartheid" and "ethnic cleansing," and the inclusion of Palestinian voices in reporting.

Belle de Jong journalist
Belle de Jong Published on: 26 Feb, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024
Artificial Intelligence's Potentials and Challenges in the African Media Landscape

How has the proliferation of Artificial Intelligence impacted newsroom operations, job security and regulation in the African media landscape? And how are journalists in Africa adapting to these changes?

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 18 Feb, 2024
Media Blackout on Imran Khan and PTI: Analysing Pakistan's Election Press Restrictions

Implications and response to media censorship and the deliberate absence of coverage for the popular former Prime Minister, Imran Khan, and his party, Pakistan Tehreek-e-Insaf (PTI), in the media during the 2024 elections in Pakistan.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 14 Feb, 2024
Digital Battlegrounds: The New Broadcasting Bill and Independent Journalism in India

New legislation in India threatens the freedom of independent journalism. The draft Broadcasting Services (Regulation) Bill, 2023 grants the government extensive power to regulate and censor content, potentially suppressing news critical of government policies.

Safina
Safina Nabi Published on: 11 Feb, 2024
Pegasus Spyware: A Grave Threat to Journalists in Southeast Asia

The widespread deployment of spyware such as Pegasus in Southeast Asia, used by governments to target opposition leaders, activists, and journalists, presents significant challenges in countering digital surveillance. This is due to its clandestine operations and the political intricacies involved. The situation underscores the urgent need for international cooperation and heightened public awareness to address these human rights infringements.

AJR Contributor Published on: 5 Feb, 2024
Media Monopoly in Brazil: How Dominant Media Houses Control the Narrative and Stifle Criticism of Israel

An in-depth analysis exploring the concentration of media ownership in Brazil by large companies, and how this shapes public and political narratives, particularly by suppressing criticism of Israel.

Al Jazeera Logo
Rita Freire & Ahmad Al Zobi Published on: 1 Feb, 2024
Cameroonian Media Martyrs: The Intersection of Journalism and Activism

Experts and journalists in Cameroon disagree on the relationship between journalism and activism: some say journalism is activism; others think they are worlds apart, while another category says a “very thin” line separate both

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 28 Jan, 2024
Silent Suffering: The Impact of Sexual Harassment on African Newsrooms

Sexual harassment within newsrooms and the broader journalistic ecosystem is affecting the quality and integrity of journalistic work, ultimately impacting the organisation’s integrity and revenue.

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 23 Jan, 2024
The Perils of Unverified News: A Case of Nonexistent Flotillas

Can you hide one thousand ships in the middle of the Mediterranean Sea? I would say not. But some of my fellow journalists seem to believe in magic.  

Ilya
Ilya U Topper Published on: 16 Jan, 2024
In-Depth Analysis Reveals Distortion in U.S. Media's Coverage of the Gaza Conflict

A new quantitative analysis by The Intercept reveals the extent of distorted coverage in American media of the Israeli war on Gaza.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 14 Jan, 2024
In the Courtroom and Beyond: Covering South Africa's Historic Legal Case Against Israel at The Hague

As South Africa takes on Israel at the International Court of Justice, the role of journalists in covering this landmark case becomes more crucial than ever. Their insights and reporting bring the complexities of international law to a global audience.

Hala Ahed
Hala Ahed Published on: 12 Jan, 2024