كنت دائما أُواجه بالسؤال: كيف بدأت قصتي مع "تركيز الصوت والإلقاء" وكيف بدأت التدريب في هذا المجال؟
منذ سنوات طويلة، كنت مؤمنًا بأن الصوت ليس مجرد أداة لنقل الكلام، بل هو وسيلة للتأثير والإقناع، وحامل رئيسي للمشاعر والمعاني. طوال مسيرتي المهنية في الإذاعة، كنت أتأمل كيف يمكن للصوت أن يمنح النصوص المكتوبة حياة، أو على العكس: أن يطفئها إذا كان الأداء جامدًا ومفتقرًا إلى الروح. كنت أستمع إلى بعض المذيعين العرب وأتساءل: لماذا يغلب على أدائهم الصوتي طابع الرتابة والجمود؟ لماذا يقرؤون نشرات الأخبار وكأنها متشابهة، بلا إحساس أو تفاعل؟!
بدأ اهتمامي بهذا الجانب منذ سنوات عملي الأولى في الإعلام الإذاعي؛ حيث لاحظت أن التدريب الصوتي يقتصر غالبًا على تعليم النطق السليم ومخارج الحروف الصحيحة، دون التعمق في عناصر الصوت الأخرى كالطبقة، والحضور، والنبرة، والإيقاع، والوقفات، والتلوين الصوتي. ورغم امتلاك بعض المذيعين مهارات لغوية وصوتية جيدة، إلا أن أداءهم كان يفتقر إلى الحيوية والتفاعل مع النص، مما جعلهم في كثير من الأحيان رتيبين أو حتى منفرين للمستمع.
بدأ اهتمامي بهذا الجانب منذ سنوات عملي الأولى في الإعلام الإذاعي؛ حيث لاحظت أن التدريب الصوتي يقتصر غالبًا على تعليم النطق السليم ومخارج الحروف الصحيحة، دون التعمق في عناصر الصوت الأخرى كالطبقة، والحضور، والنبرة، والإيقاع، والوقفات، والتلوين الصوتي.
2006: فرصة لاكتشاف إمكانيات جديدة
في عام 2006، تلقيت دعوة من مركز الجزيرة للتدريب والتطوير (وهو الاسم الأول لمعهد الجزيرة للإعلام) لتقديم دورة تدريبية بعنوان "إعداد وتقديم البرامج الإذاعية"، والتي استمرت لمدة أربعة أسابيع، من 12 مارس إلى 6 أبريل.
كان المركز في بداياته، لكنه كان طموحًا ويسعى لتقديم دورات نوعية في المجال الإعلامي العربي. وكان قد وقّع مذكرة تفاهم مع مركز التدريب التابع لإذاعة فرنسا الدولية - حيث كنت أعمل آنذاك - بهدف التعاون في تقديم دورات تدريبية متخصصة في المجال الإذاعي.
خلال وجودي في الدوحة لتقديم الدورة، التقيت بالأستاذ محمود عبد الهادي المدير الأول للمركز، الذي كان مهتمًا بتوسيع مجالات التدريب الإعلامي، وطلب مني تقديم مقترح لدورة جديدة وغير تقليدية تمنح المركز ميزة الريادة في هذا المجال.
عندما طُلب مني التفكير في فكرة مبتكرة لدورة تدريبية، لم أحتج إلى الكثير من الوقت لأدرك أن الإجابة كانت أمامي منذ سنوات، وهي: "تركيز الصوت والإلقاء" فلطالما شعرت بغياب التدريب المتخصص في هذا المجال، ورأيت أن معظم المذيعين العرب آنذاك - وما يزال الأمر مستمرا عند البعض - يقدمون الأخبار والبرامج وكأنهم يقرؤونها بيانات رسمية جافة، دون أي تفاعل حقيقي مع النصوص التي يقرؤونها.
استلهمت تفاصيل الدورة من دراساتي السابقة في المسرح؛ حيث تعلمت كيف يكون الصوت أداة للتأثير، وكيف يمكن للطبقة والنبرة وحضور الصوت وإيقاعه، والتنفس الصحيح، والوقفات، والتفاعل مع الكلمات أن تخلق أداءً صوتيًا ممتعًا وجذابًا. ورأيت أن هذه المبادئ يمكن توظيفها تمامًا في الإعلام والتدريب الإعلامي، خاصة أنني استفدت منها في عملي الإذاعي لأكثر من عشرين عامًا.
من الفكرة إلى التنفيذ
لاقى اقتراحي ترحيبًا فوريًا، وطُلب مني إعداد مقترح تفصيلي لمحاور التدريب، وهو ما قمت به سريعًا. وهكذا، أطلق المعهد هذه الدورة عام 2006. في البداية، حملت اسم "تركيز الصوت"، لكن سرعان ما لاحظنا أن هذا العنوان أدى إلى بعض الالتباس؛ حيث ظن البعض أنها تتعلق بهندسة الصوت وتقنيات التسجيل، وليس بالأداء البشري للصوت. لذلك، أُضيفت كلمة "الإلقاء" إلى العنوان، ليصبح أكثر وضوحًا وشمولًا.
لم يكن أحد يتوقع النجاح الكبير الذي ستحققه الدورة لاحقًا؛ فمع مرور الوقت بدأ عدد المتدربين يتزايد بشكل لافت، ولم يعد الحضور يقتصر على مقدمي الأخبار والبرامج الإذاعية والتلفزيونية فقط، بل شمل أيضًا السياسيين والمحامين والمدرّسين والناطقين الرسميين ورواد الأعمال، وحتى الأشخاص العاديين الذين أرادوا تحسين مهاراتهم الصوتية وتعزيز قدرتهم على التأثير والإقناع.
لماذا نجحت دورة "تركيز الصوت والإلقاء"؟
حظيت الدورة بهذا الإقبال الكبير والنجاح بفضل اعتمادها الأساسي على التدريب الفردي والعملي، وفقًا لاحتياجات كل متدرب؛ ففي مجال الصوت تختلف الاحتياجات التدريبية من شخص لآخر؛ بعض المتدربين يحتاجون إلى تحسين التنفس، والبعض الآخر يحتاج إلى ضبط مواقع الوقف المعلق والتام ومواضع الضغط في الجمل، بينما يسعى آخرون إلى اكتشاف إمكانياتهم الصوتية وكيفية استثمارها في عملهم اليومي وحياتهم عمومًا.
وقد دفع الإقبال الكبير مسؤولي معهد الجزيرة للإعلام أنفسهم إلى الالتحاق بالدورة، فأدركوا أنها لا تُدرَّس نظريًا ولا تُكتسب من خلال الكتب، بل تعتمد على التطبيق العملي والتمارين المكثفة. ولهذا، حرصوا سريعًا على توفير جميع الكوادر البشرية والأدوات اللازمة لإنجاحها، ومن ضمنها أستوديو إذاعي متكامل يتيح للمتدربين متابعة تطور أدائهم الصوتي بدقة.
تأثير الدورة على المجال الإعلامي العربي
مع النجاح الكبير الذي حققته دورة "تركيز الصوت والإلقاء" في معهد الجزيرة للإعلام، بدأت العديد من مراكز التدريب الأخرى في نسخ محتواها وعرضه عبر منصاتها دون إذن مسبق من المعهد. وأصبح واضحًا أنها تحولت إلى ضرورة في أي تدريب إعلامي احترافي ناجح، لتُعتمد كمقدمة أساسية للعديد من الدورات الأخرى، مثل: التقديم التلفزيوني والإذاعي، وتقديم البودكاست، والتفاوض والإقناع، والتحدث أمام الجمهور، والتعامل مع وسائل الإعلام
استلهمت تفاصيل الدورة من دراساتي السابقة في المسرح؛ حيث تعلمت كيف يكون الصوت أداة للتأثير، وكيف يمكن للطبقة والنبرة وحضور الصوت وإيقاعه، والتنفس الصحيح، والوقفات، والتفاعل مع الكلمات أن تخلق أداءً صوتيًا ممتعًا وجذابًا. ورأيت أن هذه المبادئ يمكن توظيفها تمامًا في الإعلام والتدريب الإعلامي.
الأثر المستمر
منذ انطلاقها، اجتذبت دورة "تركيز الصوت والإلقاء" في معهد الجزيرة للإعلام مئات المشاركين، ومنهم من أصبح اليوم إعلاميًا بارزًا، أو مدربًا محترفًا في مهارات الصوت، أو متحدثًا مؤثرًا في تخصصه.
لقد أثبتت هذه التجربة أن الصوت ليس مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل هو أداة تأثير وإقناع، ومفتاح رئيسي للنجاح في العديد من المجالات. واليوم بعد أكثر من عقد ونصف على انطلاقها، تظل هذه الدورة واحدة من أكثر الدورات أهمية لأجيال جديدة من المتحدثين المهرة الذين يعرفون كيف يجعلون أصواتهم مسموعة بوضوح وقوة، وتضيف قيمة إلى معارفهم الصحفية.