يعد مصطلح "صحافة المواطن" تسمية حديثة في المشهد الصحفي على المستوى الدولي والعربي، وهو إشارة إلى تيار جديد تم تشكّله تبعاً لعالم من الإعلام الجديد وتكنولوجيا الاتصال، ونتيجة لاحقة لنقد متواصل لواقع الصحافة التقليدية، وامتداداً لحالة من العمل الصحفي البديل المعبّر عن تطلعات المجتمعات لأنماط جديدة.
وكشأن كل حراك جديد يظل السؤال والتفاعل متواصلاً حول هذا المنتج الجديد وحفاوة استقبال المستفيدين وضراوة نقد المتضررين أو غير المطّلعين، وقدر من النقد والتناول الأكاديمي والمهني حول قيمة الإضافة التي قد تحدثها صحافة المواطن.
وهذا البحث يتناول جزءاً محدوداً من القضية، هو اتجاه الصحف للاعتماد على صحافة المواطن مصدراً لأخبارها وتقاريرها وأسباب ذلك والتحديات التي تواجهها الصحف في هذا الاتجاه.
خطة البحث:
يتناول البحث هذا الموضوع من خلال الفقرات التالية:
أولاً: مفهوم "صحافة المواطن".
ثانياً: سمات ومزايا "صحافة المواطن" باعتبارها جاذباً للصحف للاعتماد عليها مصدراً.
ثالثاً: أسباب اتجاه الصحف إلى الاعتماد على صحافة المواطن، وقيمة ذلك.
رابعاً: التحديات أمام الصحافة في الاعتماد على صحافة المواطن.
خامساً: العلاقة بين الصحافة وصحافة المواطن.
أهمية البحث:
تتبدّى أهمية البحث من خلال عرضه للتحوّل الملحوظ الذي تتجه إليه الصحافة الدولية والعربية باعتمادها على ما عرف بـ"صحافة المواطن"، ومزايا ذلك الاتجاه والتحديات التي تواجهه.
أولاً: مفهوم "صحافة المواطن":
صحافة المواطن مصطلح جديد نشأ في إطار الإعلام الجديد، الذي يمثل ظاهرة معقدة ومركبة ظهرت نتيجة لتداخل موجات من الظروف والعوامل بشكل متسارع. هذه العوامل منها ما هو متعلق بالتطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصال الذي أدى إلى ظهور أشكال مستحدثة من نظم الاتصال الإلكتروني، ومنها ما يرتبط بالرغبات الفردية أو الجماعية في التعبير عن الذات والمشاركة، وأخرى متعلقة بتأثر الجمهور بعيوب ومحدودية إمكانات الإعلام التقليدي.
طرح الإعلام الجديد مفاهيم جديدة على الساحة الاتصالية حينما اقترح نمطاً اتصالياً جديداً تقلص فيه دور الحكومات مقابل أدوار المجتمع، وتقلص فيه دور المرسل أو القائم بالاتصال (حارس البوابة الإعلامية) مقابل تنامي دور المستقبل أو الجماهير. كما انحسر فيه الإعلام أحادي الاتجاه مقابل الازدياد المتنامي في الاتصال ثنائي الاتجاه ومتعدد الجهات وتزايدت فيه مظاهر ديمقراطية الإعلام والاتصال.
كما أحدثت الوسيلة الإعلامية الجديدة ثورة نوعية في المحتوى الاتصالي المتنوع من نصوص إلى صور، وملفات صوتية، ولقطات فيديو مصورة، وانتشرت المواقع التي تتيح للمستخدمين تحميل ملفات فيديو شخصية وعامة ليراها الجميع في أنحاء المعمورة، حيث تحول المستخدم إلى منتج إعلامي بفضل التقنيات الاتصالية الجديدة ينتج ويبث ما يريد على الإنترنت.
لقد ساعد في انتشار هذا النوع من الإعلام انتشار أدوات إنتاجه مثل كاميرات الفيديو والكاميرات الرقمية، وأجهزة الهواتف النقالة بما يمكن أن نطلق عليه "صحافة الفيديو" بعد انتشار المواقع الإلكترونية التي تسمح بنشر هذه المقاطع على الإنترنت، وأشهر هذه المواقع هي يوتيوب.
ويشير جمال الزرن إلى أن صحافة المواطن مصطلح إعلامي حديث النشأة، وهو مصطلح غير مستقرّ على المستوى المفاهيمي. وتوصف صحافة المواطن عند البعض بأنها إعلام المواطن، وعند مجموعة أخرى الإعلام التشاركي أو التفاعلي أو أيضاً التعاضدي، وعند آخرين الإعلام البديل أو الصحافة المدنية .
ويصوغ موقع www.BlogNews.fr مقاربته لتعريف صحافة المواطن؛ فالمواطن هو ذلك "الشخص المنتمي إلى الدولة والذي يتعامل معه باعتبار حقوقه وواجباته السياسية". أما المراسل فهو "الصحفي الذي يجمع المعلومة والخبر بقصد نشرهما في وسيلة إعلام". وعليه يمكن القول إن المواطن/المراسل هو ذلك الشخص الذي يعي حقوقه وواجباته السياسية، ويسعى إلى جمع الأخبار ونشرها على شبكة الإنترنت. فالمراسل المواطن ليس بالصحفي المحترف؛ لأن الصحفي المحترف يمتهن الصحافة ويمارسها في إطار قانوني محدد يتميز بحيازته لبطاقة صحفي.
إن المواطن المراسل هو شخص متطوع لنشر ما يسمعه ويشاهده ويحصل عليه من معلومات وأخبار في شبكة الإنترنت، وذلك من خلال الالتزام الذاتي، ومراقبة بقية زملائه ومتصفحي شبكة الإنترنت له.
ويؤكد موقع Médiacitoyen.fr إيمانه أن كل مواطن بإمكانه أن يصبح صحفياً حقيقياً. وتقول افتتاحية الموقع إنه "ومن خلال العمل المشترك يمكننا إسماع أصواتنا وربما تحريك بعض القضايا".
وفيما يتعلق بسياسة التحرير فإن فريق موقع "إعلام المواطن" يدقق في نوعية الأخبار والمقالات التي تصله من المواطنين. ويؤكد القائمون على الموقع أن هدف الإعلام ليس نشر الشائعات أو التضليل، لذلك يعتمد الموقع على قائمة من المعايير من بينها الدقة اللغوية، والتأكد من صحة المعلومة، وقبل كل شيء احترام الآخر .
ويعد "دان جيلمور" من السابقين لاستعمال مصطلحي "صحافة المواطنين و"الصحفي المواطن".
وفي الأصل، فإن صحافة المواطن تمثل رد فعل قد يكون عفوياً ومعبّراً عن تقلص حضور المواطن في قضايا الشأن العام، وتأكيداً لحالة من التشكيك في مصداقية الصحافة، وهي بذلك تعكس ظرفاً حرجاً من عدم الثقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجيل الجديد من مستخدمي الإنترنت والإعلام الإلكتروني .
وفي المجمل لا يزال مفهوم صحافة المواطن يعاني من إشكالية عدم القدرة على التحديد الدقيق لمسألة: أين تبتدئ وأين تنتهي ممارساته وما معالمه الواضحة؟
ويبقى التعريف الذي قدمه "دجاي روزن" -وهو ناقد صحفي وأستاذ للصحافة والإعلام بجامعة نيويورك- يبقى التعريف الأكثر استخداماً اليوم إذا ما رجعنا إلى الدراسات والأبحاث التي تتناول صحافة المواطن. ويعرفه بقوله: "صحافة المواطن هي حينما يوظف عامة الناس المعروفون شكلياً بالجمهور، الأدوات الصحفية التي في حوزتهم لإخبار أناس آخرين عن حدث مهم".
بإمكان المتابع أن يرصد ثلاثة اتجاهات تتفق -رغم اختلافها- على أن بيئة الإعلام والإعلاميين قد تغيرت.
فثمة اتجاه يبالغ في الاحتفاء بالآثار الإيجابية لإعلام المواطن ويراه وسيلة للتعبير الحر عن الآراء وتحقيق الرقابة الشعبية؛ بل واعتباره وسيلة للتغيير الاجتماعي.
فيما اتجاه ثانٍ يعارض فكرة إعلام المواطن، ويؤكد ضرورة الاحتراف والمهنية، ويطعن في دقة ومصداقية محتواه، مستدلاً بوقائع ارتكب فيها مدونون انتهاكات لحقوق الملكية والخصوصية وعدم الدقة وترويج الشائعات.
وينطلق أصحاب الاتجاه الثالث من فرضية أنه لا توجد وسيلة إعلام تقليدية تستغني عن تكنولوجيا الاتصال والإنترنت ووسائل الإعلام الجديد، وبالمثل لا وجود لمدون أو ناشط على الإنترنت يستغني عن وسائل الإعلام التقليدية، وبالتالي فإن فرص التعايش وربما التعاون بين الطرفين ممكنة ومطلوبة.
ثانياً: سمات ومميّزات لصحافة المواطن باعتبارها جاذباً للصحف للاعتماد عليها مصدراً.
تتميّز ظاهرة الإعلام الجديد بالديناميكية والتغير المستمر، وبقدر عالٍ من التفاعلية وما بعد التفاعلية؛ بظهور مواقع الشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو التشاركية والموسوعات الحرة مثل ويكيبيديا، وهذه المواقع تمثل عناصر الانتقال إلى مرحلة ما بعد التفاعلية.
وتجسد هذه المرحلة انقلاباً للنموذج الاتصالي التقليدي بما يسمح للفرد العادي إيصال رسالته إلى من يريد، في الوقت الذي يريد بطريقة متعددة الاتجاهات، وليس من أعلى إلى أسفل وفق النموذج الاتصالي القديم .
لقد بدأ الجمهور الذي كان أفراده مجرد مستهلكين للأخبار يوماً ما يتعلّم كيف يحصل على تقرير إخباري أفضل، وفي توقيت أكثر ملاءمة. كما أنه يتعلّم أيضاً كيف ينضمّ إلى عملية الصحافة، وأداء العمل الصحفي بصورة أفضل من المحترفين. إن بعض الصحفيين الشعبيين سيصبحون محترفين، وفي النهاية سيكون لدينا أصوات أكثر وخيارات أكثر. "جلين رينولدز"، من أشهر كتاب المدونات وأكثرهم شعبية، وقد اكتسب قدراً هائلاً من النفوذ والتأثير من خلالها .
ومما يؤكد أهمية وحضور هذا النوع من الصحافة استعانة بعض الصحف الأميركية ببعض المدوّنين.
إن صحافة المواطن تفتح أفق العمل الصحفي خارج إطار المؤسسة؛ فالصحفي الحقيقي لا يشترط حصوله على دورة تدريبية خاصة أو أن يكون ذا خبرة أو تمرس، بل تحركه دوافع خارجية تكمن في أحداث هامة تجذب انتباهه، أو دوافع داخلية تتمثل في امتلاكه الفضول والحس الصحفي الذي يدفعه باستمرار إلى البحث عن الأخبار سواء في محيط مجتمعه الصغير، أو بشكل أوسع عالمياً.
وتشير دراسة إلى أن الصحافة الأميركية والأخبار التلفزيونية خلال السنوات الأخيرة أثارتا أزمة بتراجع الثقة بهما وانحسار جمهورهما، وهو ما يدفع الأميركيين إلى اللجوء إلى الإنترنت لاستقاء الأخبار. وقد شهدت عدد من مواقع الإنترنت إقبالاً كبيراً يتزايد، وهو ما دفع المجموعات الصحفية الكبرى لزيادة استثماراتها في الإنترنت، في إدراكٍ واضح لأبعاد هذا التحوّل.
تحديات المهنة والمصداقية أمام الصحف:
منذ نهاية الستينيات أصبحت وسائل الإعلام أكثر وضوحاً وتغلغلاً في الحياة الأميركية، وبدا حقيقةً أن وسائل الإعلام فاعلة بشكل كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم أخذ الجمهور ينظر لها بصورة أكثر نقديةً مدركاً مدى خطورتها، وكانت من أهم الانتقادات الموجّهة للصحافة والإعلام:
انخفاض مصداقية الصحف وضعف الثقة في وسائل الإعلام، فقد نقص توزيع الصحف في الثمانينات وكذلك اشتراكات محطات الراديو والتلفزيون، وأثبتت مسوح الجمهور انخفاض تقدير الجمهور لوسائل الإعلام وشكّهم في قيامها بوظائفها.
زادت الشكوى من أن وسائل الإعلام تنتهك بلا مسوّغ حياة الأفراد الخاصة، كما ازداد الوعي بأن الصحافة أفسدت مصادرها والمتعاملين معها بالهدايا والرشاوى والخدمات مقابل الحصول على المعلومات.
ثالثاً: أسباب اتجاه الصحف إلى الاعتماد على صحافة المواطن وقيمة ذلك:
تتجه الصحف إلى مصادر من "صحافة المواطن" حينما تقف عوائق أمام وصول مراسليها لمنطقة الحدث.
فقد أخذ المدونون العراقيون زمام المبادرة من أجل إطلاع العالم على أحداث احتلال بلادهم عام 2003، وأخذت المصادر الإخبارية التي لم تـتمكن من إرسال مراسليها للعراق، لأسباب أمنية، تقـتبس مما ينشرونه.
ومنذ نشط حراك الثورات العربية حضرت "صحافة المواطن" بالصوت والصورة، متجاوزة كل محاولات القمع والتعتيم التي تنتهجها أنظمة هذه الشعوب، وبالتالي فإن هذا المواطن مثّل مصدراً أساسياً للإعلام الذي صدت أمامه المصادر التقليدية، وتحولت "صحافة المواطن" إلى المادة الأساسية التي يعتمد عليها في نقل أحداث الثورات.
وهذا الواقع يبدو جليا في التغطية الإعلامية للثورات العربية، والجهود التي تبذلها الصحافة وراء الأخبار التي تخضع لـ"رقابة شرسة"، ونقل ما يجري خلف أسوار "الثورات المغلقة"، وبالتالي تحولت "صحافة المواطن" التي تعتمد على كل أنواع وسائل الاتصال، بدءاً من كاميرا الهاتف الجوال، وصولاً إلى المواقع والصفحات الخاصة، وتقارير شهود العيان الصوتية؛ فأصبحت مصدراً يومياً للإعلام، بما يمكن تسميته عصر "الاندماج الإعلامي".
لقد تحولت صحافة المواطن إلى أداة مهمة لإيصال المعلومة في غياب الإعلام التقليدي والتعتيم الإعلامي ومنع الصحفيين من التغطية على أرض الثورات. حسبما تقول ماجدة أبو فاضل، أستاذة الإعلام.
وتشير المدوّنة لونا صفوان إلى أن الأحداث السورية جسدت صحافة المواطن، حيث فرضت على المواطنين واجبات إنسانية توثيقية معينة. وتنقل حديثاً لناشط سوري في منطقة حمص السورية المحاصرة "في هذا الوقت، نحن نُعتبر إعلاميين، صحيح أن لا علاقة لي بالإعلام والصحافة ولكنني مضطر لممارسة العمل الاعلامي لتوثيق ما يجري على الأرض من انتهاكات وجرائم في مناطق يصعب على الإعلام الدخول إليها ونقل الأحداث".
كما تشير المدوّنة إلى ميدان التحرير في القاهرة، ومقاطع الفيديو التي صوّرت اعتداء قوات الامن على صحفي هنا، وعلى فتاة هناك، لتخلص إلى أن هذه المقاطع يصعب على الصحفي التقاطها وتسجيلها، معلّلة ذلك بانشغاله بتغطية الأحداث الفعلية.
وعن أهمية "صحافة المواطن" في تغطية هذه الثورات، تقول نجلاء أبو مرعي، الصحفية في قناة بي بي سي العربية، "إن الاعتماد عليها يعود للحظر الإعلامي الذي تفرضه أنظمة الدول التي تجري فيها الأحداث.. فحينما يلقى القبض على مراسلين، ويضربون، ويمنع آخرون من العمل، وتكون الرقابة مشددة إلى حد أن المراسل إما أن ينقل ما ينقله التلفزيون الرسمي في البلد المعني أو يعاقب؛ يصبح من البديهي ألا يرسل الصحفي خبراً يتنافى مع المعايير المهنية، ومع واقعية الحدث وسياقه. وبما أن هذا الحظر الإعلامي يمارس أيضا على الوكالات الأجنبية التي تزود الوسائل الإعلامية بالمادة الخبرية الخام، يصبح طبيعياً البحث عن مصادر أخرى. وهنا، تصبح حسابات تويتر وفيس بوك، التابعة لناشطين وحقوقيين ومواطنين ومدوناتهم مصدراً للمعلومة التي يجري التدقيق بها قبل بثها طبعاً، كما هي الحال بالنسبة إلى الصورة".
وتؤكد أبو مرعي أن موقع يوتيوب في ثورة تونس كان أساسياً في الحصول على الصورة.. فقبل السماح للمراسلين بالدخول، كان هناك دور للناشطين على تويتر والمدونين، وبالتالي كان ذلك مفيداً.
و من موقع آخر يؤكد مازن هاشم، المصور الصحفي في قناة الجزيرة الإنجليزية أهمية دور المواطن في نقل أحداث الثورات العربية، ويشير إلى أن العمل في أحداث كهذه ليس سهلاً، لاسيما في وضع يكون فيه الصحفي مستهدفاً وممنوعاً من دخول أرض الحدث، وبالتالي فإن امتلاك الثوار والمواطنين لآلات تصوير وهواتف كان له دور مساعد، بل أساسي في بعض الأحيان في حصولنا على الأفلام المصورة التي كنا نعمد إلى نقلها مباشرة من كاميراتهم وهواتفهم للحفاظ قدر الإمكان على نوعية الصورة ووضوحها.
ويذكر هاشم أن أحد المصريين الذي يقطنون في شقة تطل مباشرة على ميدان التحرير أصبح صديقاً لعدد كبير من الصحفيين؛ مما جعله مقصداً لهم يومياً للحصول على ما التقطته كاميرته من أرض الثورة.
وبعيداً عن تغطية الثورات فإن الصحف تتجه للاعتماد على صحافة المواطن في مجالات أخرى، فعلى سبيل المثال تفسح صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية "Gulf News" حيزاً للمدونين، وتطلب منهم إرسال تقاريـرهم وصورهم. وتسعى الصحيفة مستقبلاً إلى الاعتماد على مدونيـن من خارج طاقم موظفيها للمساهمة في موقعها على شبكة الإنترنت.
وهذا النهج نراه في مواقع أوربية وأميركية كثيراً، حيث قامت العديد من المنظمات والهيئات الإعلامية باستقطاب هذا النوع المغاير من الصحافة أملاً في جذب عددٍ أكبر من الجماهير لمواقعهم الإخبارية الإلكترونية.
كما يمكن للمتابع أن يرى ما تخصصه القنوات الفضائية من إعلانات متكررة، وكذلك عبر شريط الأخبار أسفل الشاشة على مدار اليوم بطلب إرسال مقاطع الصوت والصورة التي تسجل الأحداث اليومية الجارية.
كما تخصص قناة الجزيرة مباشر مصر، مثلاً إعلاناً تحت شعار "كن شريكاً في التغطية" ويطلب إرسال المقاطع على بريد إلكتروني مخصص.
وتخصص قناة الحرة فقرة ضمن نشرة الأخبار لعرض مجموعة من التغطيات والأحداث اليومية التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعية في فيسبوك وتويتر ومقاطع فيديو من يوتيوب.
ومن أمثلة اعتماد الصحف على صحافة المواطن مصدراً لأخبارها ما نشره شخص باسم مستعار في دولة المغرب، حيث صوّر شرطيين وهما يتسلمان نقوداً من سائقي السيارات، ورفع شريط الفيديو لاحقا على يوتيوب.
وقام مدونون بإعادة بث شريط الإدانة على مدوناتهم الخاصة، ولم تلبث القصة أن قـفزت إلى الصفحة الأولى في جريدة الصباح اليومية المغربية الرئيسية، واقـتـيد الشرطيان لمحاكمتهما بسبب تصرفهما الإجرامي.
ويقول سعود كاتب، متحدثاً عن تغطية الإعلام لسيول جدة "إن كارثة جدة الأخيرة لم تكن ستظهر في هذا الشكل لولا وجود تقنيات الإعلام الجديد، ودور المواطن الصحفي". موضحاً أن دور الإعلام الجديد برز في الأزمة، واستفادت منه الصحف والقنوات الفضائية، واستندت لكثير من الصور والمقاطع التي صورها المواطن للكارثة.
ويشير خالد غازي إلى سعي مؤسسات إعلامية لامعة إلى استقطاب هذا النوع المغاير من الصحافة، أملاً في جذب عدد أكبر من القراء المتصفحين لمواقعهم الإخبارية الإلكترونية، وخاصة بعد ظهور الإنترنت كوسيلة إعلامية للتواصل بين الأفراد والجماعات والشعوب، سهلت مسائل كانت في السابق تحتكرها الأنظمة، فأصبح عنصر التفاعلية في الحصول على المعلومات وبثها إحدى نتائج التطور في وسائل الاتصال، واستفادت منها الصحافة بالدرجة الأولى، ليس على المستوى العربي أو الشرق أوسطي فقط، بل على مستوى العالم كله.
رابعاً: تحديات أمام الصحافة في الاعتماد على صحافة المواطن:
1- المصداقية:
عن دور الصحفي في تعامله مع مصداقية "صحافة المواطن" تقول ماجدة أبو فاضل "القواعد الصحفية تبقى نفسها.. سلاح الصحفي في هذه الحالة هو المنطق والدقة في نقل المعلومة والتأكد من مصادر عدة قبل بث الخبر".
وتشير إلى احتمال التشكيك في بعض ما يقوله شهود العيان عبر الاتصالات الهاتفية، لكن ذلك لا يعني إغلاق الاستفادة من هذا المصدر المهم، وتشدد على ضرورة أن يوسع الصحفي دائرة مصادره، والاستناد إلى المعلومات التي تنشرها المنظمات الإنسانية الدولية التي تكون موجودة على الأرض.
ومن جهة أخرى، تعتبر أبو فاضل أن انتشار معلومة واحدة على صفحات عشرات أو مئات من المشاركين في الموقع يكسبها مصداقية قد تفتقد إليها وسائل إعلام تقليدية ترتبط سياستها بأجندات خارجية، جعلتها في أحيان كثيرة تنقل أخبارا كاذبة.
وترفض أبو فاضل ما يروّجه البعض حول صحافة المواطن وأنها مصدر يفتقد إلى المصداقية، مؤكدة أن هذا مفهوم خاطئ وتعميم يفتقد إلى الإنصاف. بل على العكس فهي وسيلة قد تتمتع بمصداقية أكثر من الإعلام التقليدي، والدليل على ذلك أن صور الفيديو التي نقلت عبر شاشات التلفزيون عن تسونامي في اليابان لم تكن ليشاهدها العالم لو لم يصورها المواطنون الموجودون هناك، والأمر نفسه ينطبق على الثورات في تونس وليبيا والبحرين وسورية.
لقد كان السابع من يوليو/تموز 2005 من التواريخ الهامة إعلامياً؛ فحين وقعت تفجيرات أنفاق لندن تدفق سيل من الأخبار النصية، ولقطات الفيديو من المواطنين إلى وسائل الإعلام على الإنترنت بصورة لم يسبق لها مثيل، وكان لها التأثير الكبير على دقة تلك الأخبار ومتابعة الكثيرين لها.
وعن هذه المهمة، تقول نجلاء أبو مرعي، الصحفية في قناة بي بي سي عربي "لكل صحفي شبكة من العلاقات، يستخدمها للوصول إلى أشخاص ذوي مصداقية يمارسون ما يسمى صحافة المواطن، فإذا رصد عبر تويتر أو غيره معلومة ما، يبدأ بتعقبها، ليبدأ التحقق من تطابق المعلومة، عبر أكثر من مصدر.
وفيما يتعلق بالتشكيك بمصداقية شهود العيان الذين يرفضون الإفصاح عن هويتهم، تعتبر أبو مرعي أن الأمر غير دقيق، ذلك أن الشخص الذي يخشى على حياته في بلد يتعرض فيه المعترضون إلى العنف كالاعتقال أو التعذيب والقتل، من حقه أن يبقي هويته مجهولة للعموم.
وتؤكد الصحفية جملة من الإجراءات للتحقق من صدقية المتصلين، والتأكد من وجود الشخص في المكان، وتماسك الرواية وغيرها من الأسئلة التي يطرحها المراسل على شاهد العيان ليأخذ تعليقه على الحدث الذي كان عليه شاهداً .
ولأن المصداقية هي أساس في العمل الصحفي؛ فمنذ بداية الثورة السورية تجلت أهمية الصورة لسبب أساسي هو المصداقية، حيث تمثّل رصداً مصوّراً وعلى مدار الساعة لكل ما يحدث في سوريا.
وتقول المدوّنة لونا صفوان: علينا الاعتراف بالدور الصحفي التوثيقي الذي يلعبه هؤلاء الشبان، دورٌ بتنا نحن أنفسنا عاجزين عن إنجازه .
2- ضعف التأهيل المهني لدى الصحفي المواطن:
يشير عدد من النقاد والمتابعين إلى أن صحافة المواطنين تفتقر إلى التدريب المهني، وأنها لا تحترم القواعد الأساسية لعملية نقل الأخبار.
لكن على الرغم من ذلك، أخذ المدونون يقتحمون المشهد الإعلامي أكثر فأكثر، وبدؤوا يكسبون امتيازات كانت حتى الآن وقفاً على الصحفيين المتمرسين.
ويبدو أن ضغط الحاجة الماسة التي تواجهها الصحف هو ما يدفعها للاعتماد على نتاج صحافة المواطنين رغم ما يوجّه لها من نقد لضعفها المهني.
ويلحظ المتابع لمسار صحافة المواطن خلال السنوات الأربع الأخيرة نشاطاً ظاهراً لإقامة الدورات التدريبية وورش العمل المتخصصة التي تستهدف مدوّنين سعوا لتطوير قدراتهم في النشر على الإنترنت.
تقول جيسيكا دير، المدربة والخبيرة التي تقدّم دورات في هذا المجال "السؤال الأساسي هو كيف سنتأقلم مع هذه الوسائل المتعددة؟ هدفي من خلال هذه الورشة أن أساعدكم على إيجاد سبل التأقلم".
وعرضت دير، الحسنات والسيئات للمنصات المختلفة في التدوين، كما تحدثت عن أمثلة لأدوات صحافة المواطن كموقعي الفيسبوك ويوتيوب وتأثيرهما على كيفية نقل الخبر إقليمياً وعالمياً.
كما أشارت إلى أن الصحافة التقليدية أصبحت تنقل الأخبار من المدونات، وتسلط الضوء على معلومات ما كانت لتنشرها لولا وجودها على الإنترنت.
3- التشهير ومخالفات قانونية أخرى:
ومن التحديات الأخرى التي يبديها بعض النقاد ما يتعلّق بكون صحافة المواطن مجال للقذف والاعتداء اللفظي والتشهير ونحو ذلك.
لكن هذا الافتراض غير موضوعي هنا؛ بسبب أن المعايير المهنية لدى الصحف كفيلة بأن تفرز المادة التي استقتها من صحافة المواطن، وحينها فإن رئيس التحرير هو من يقرر اشتمالها على شيء من محظورات النشر أم لا، وليس هناك من يفرض عليه نشر الاعتداءات والقذف والأفعال غير القانونية.
وهذا السياق محسوم ولا يخالف فيه أحد، فالقانون ينطبق على جميع الأفراد.
وكما يقول دان جيلمور، فالصحفيون الإلكترونيون مطالبون على قدم المساواة مع أي شخص آخر بالالتزام بالقانون.
خامساً: العلاقة بين الصحافة وصحافة المواطن:
عن تأثير "صحافة المواطن" على الوسائل الإعلامية الأخرى في المستقبل ودورها، ترى أبو فاضل أن صحافة المواطن ستكون مكملة لدور الإعلام التقليدي، وأن الواقع سيتحوّل إلى ما يمكن تسميته "الإعلام المندمج الشامل".
وتعتبر الصحفية أبو مرعي أن الاتجاه هو للتكامل، لاسيما أن الناشط ومستخدم تويتر أو المدون بات كصحفي الجريدة، يستضاف في المحطات التلفزيونية لأخذ رأيه والتعليق على حدث ما؛ بعدما صار لمصداقيته معيار.
وترى الصحفية ديما الخطيب أن صحافة المواطن المستعينة بالإنترنت ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي هي إثراء للصحافة، ولا تشكل خطراً عليها. وأن المطلوب خلق حالة من التزاوج بين الصحافة وصحافة المواطن.
وفي السياق ذاته تؤكد الصحفية ريم خليفة، أن تطور عالم الاتصالات أصبح اليوم جزءًا من عملية نقل الخبر.
وتوجّه انتقادها لمحاولات الجهات الرسمية في بلداننا العربية لإبعاد التكنولوجيا وتقنينها عبر سن قوانين تحد التواصل والتفاعل، وترى أن ذلك ليس منطقياً وليس عملياً.
وهذا بالضبط ما يقوله جيلمور، حيث يؤكد أن مسار التكنولوجيا يمضي قدماً.. "ولو كانت وسائل الإعلام الكبيرة الحالية ديناصوراً فلن تموت بهدوء، إذ ستحاول بمساعدة من الحكومة السيطرة على وسائل الإعلام الجديدة بدلاً من أن تدرك أن نماذج أعمالها تتقوّض بفعلها".
وأخيراً، فإن صحافة المواطن يعتبرها البعض ترياقاً للفجوة الإعلامية الآخذة في الاتساع في المجتمعات التي أخذت فيها وسائل الإعلام التقليدية في التراجع.