"لا يمكن بحال أن نجلس هنا بصفتنا صحفيين أو حتى بوصفنا أشخاصًا عاديين، ونشاهد البشر يمزقون إلى أشلاء ونقول إن هذا "دفاع عن النفس". لا شيء في هذا يعدّ دفاعا عن النفس".
بهذه الكلمات واجه الصحفي المستقل جيريمي سكاهيل المذيع والمشاهدين على شاشة شبكة MSNBC الأمريكية، التي استضافته يوم 20 تشرين أول/ أكتوبر للحديث عن آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة، عقب اغتيال يحيى السنوار، وتكثيف إسرائيل حملتها العسكرية على شمال غزة.
في اليوم التالي، حذفت الشبكة المقابلة عن منصاتها، وتحدث بعض المعلقين عن احتمال أن تكون تلك هي المرّة الأخيرة التي سيظهر بها سكاهيل على شاشة MSNBC، بقرار من إدارة الشبكة ذات التوجه الليبرالي المؤيد للديمقراطيين.
سأله المذيع في بداية المقابلة: "ما الذي يعنيه مقتل السنوار؟ ولِمَ كان آخر قائد لحركة حماس قبل اغتياله شخصية مثيرة لجدل شديد، حتى داخل الأوساط الإسرائيلية والأمريكية؟". إلا أن سكاهيل، أحد مؤسسي موقع "ذا إنترسيبت" ومؤسس منصّة "دروب سايت" المستقلة، استهلّ إجابته بمرافعة مهنية تدين التأطير المتحيز للمسألة في الإعلام الأمريكي، حيث الحديث عن "إنجاز" الاحتلال الإسرائيلي بات يغطّي على سلسلة من المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة.
قال سكاهيل:
"أود أن أبدأ بالقول إنه بينما نحن نتحدث هذه الليلة، فإن القوات الإسرائيلية تواصل شنّ حملة إبادة في شمال غزة. خلال الأسبوعين الماضيين، حاصرت إسرائيل المنطقة، واشتدت الهجمات على المدنيين مباشرة بعد مقتل يحيى السنوار. لم تصل أي مساعدات غذائية أو طبية إلى معظم أجزاء الشمال. أنا على تواصل مباشر مع مسؤولين طبيين في الشمال وزملاء صحفيين. لقد قتل ما لا يقل عن 80 شخصا هذه الليلة في سلسلة من الهجمات المرعبة على عدد من المباني السكنية".
لاحظ سكاهيل كيف أن السؤال الأساسي في المقابلة ينحرف عن قيمٍ مبدئية يجدر بوسائل الإعلام الالتزام بها، وفي مقدمتها خدمة الجمهور لفهم القضايا والتطورات ضمن سياقها، وتجنب التأطير التحكمي الذي يفرض عليهم رواية واحدة مجتزأة. يقول سكاهيل في ذلك:
"الأمر ليس متعلقا بالموضوعية هنا. كيف يمكن لأي منا أن يشاهد هذه الإبادة الجماعية تحدث في بث مباشر، ثم نصمت على مناورات السياسيين الذين يترشحون للرئاسة حيال ذلك من دون أن نصرخ ونقول إن هذا كلّه يجب أن يتوقف؟ نحن نشاهد إبادة جماعية أمام الشاشات، ويؤسفني أن أقول إنه على هذه الشبكة أتيحت الفرصة لأشخاص روجوا للدعاية الإسرائيلية ودافعوا عنها".
أما فيما يتعلق بالسنوار، فيصرّ سكاهيل على أن أي حديث إعلاميّ عنه يُسقط من الحسبان واقع الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، يعدّ مخالفة مهنيّة وغلطا أخلاقيا واضحا، الهدف منه التعمية على الحقائق الموضوعية الأساسية التي خلقها واقع الاحتلال والاستيطان في فلسطين على مدى عقود طويلة، فضلا عن الحصار المطبق المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عاما. ويوضّح سكاهيل ذلك بقوله:
"نعم، يجب أن نتحدث عن يحيى السنوار، ولكن السنوار هو أيضا وبكثير من المعاني يختزل قصة غزة نفسها"، ثم يعقّب على السؤال عن مسألة العنف والمقاومة، فيقول الصحفي الأمريكي المخضرم: "لقد وُلد السنوار في مخيم للاجئين، ونشأ وهو يشاهد إسرائيل طوال حياته وهي تشنّ حرب إبادة على الفلسطينيين... أنا لست هنا للدفاع عن الرجل، أنا هنا لأقول إنه لا يمكننا التحدث عن "من كان يحيى السنوار" أو "ما هي حماس" من دون التحدث عن 76 عاما من الاستعمار والفصل العنصري والقتل الجماعي وتجفيف منابع الحياة، بل وحتى التحكم بالسعرات الحرارية التي يحصل عليها الفلسطينيون. نعم، دعونا نتحدث عن يحيى السنوار، ولكن يا إلهي، لا يمكننا أن نرى مزيدا من الأطفال يمزقون إلى أشلاء ونقول إن هذا مقبول".
يعرف عن سكاهيل، صاحب كتاب "حروب قذرة"، نشاطه الإعلامي المستقل الناقد لتحيز الإعلام السائد للرواية الإسرائيلية، وقد سعى في سلسلة من التقارير والتحقيقات وبرامج البودكاست لتسليط الضوء على تورط الإدارة الأمريكية وسياسيين ووسائل إعلام أمريكية في دعم آلة الحرب الإسرائيلية وتوفير الغطاء المادي والدبلوماسي لحكومة نتنياهو، المتورطة في جرائم إبادة جماعية في غزة. وقد سلط الضوء في مقابلته على الدعاية الإسرائيلية المضللة والتواطؤ معها في الإعلام الأمريكي، بما فيها تلك المتعلقة بالسنوار؛ كادعاء أنّه مختبئ في الأنفاق ويستخدم الأسرى دروعا بشرية"، وهي رواية فندتها تلقائيا المقاطع التي وثّقت اللحظات الأخيرة لموته؛ إذ كان في عدّة القتال، وواجه بعصا طائرة مسيرة حربية. لقد نشرت إسرائيل ذلك، وكأنها، كما يقول سكاهيل، تكذّب نفسها "وتخلّد سمعة السنوار بوصفه رجلا كان مستعدا للموت من أجل تحرير فلسطين".