في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة إلى جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للقواعد المهنية للصحافة ومواثيق الشرف المهنية، وذلك بعد أن شهدت العديد من التغطيات الصحفية انتهاكات جمّة تضرب في قواعد العمل الصحفي من موضوعية واستقلالية ونزاهة في تغطيتها للأحداث الجارية في قطاع غزة. ستكون نافذة مفتوحة على الصحفيين والراغبين في المشاركة أو النقد أو التصحيح والتنقيح، انتصارا للحقيقة، والمهنة وممارساتها وأخلاقياتها. ستكون هذه المواد خاضعة لتقييم هيئة التحرير في مجلة الصحافة استنادا إلى معايير المهنة المتعارف عليها دوليا. كما أن النقاش المستمر سيتيح معالجة المواد لتحقيق التوازن والموضوعية والإنصاف.
يمكنكم تقديم مساهماتكم/مقترحاتكم عبر هذا الرابط
الثلاثاء 22 أكتوبر
هل وظفت سي أن أن القصة الإنسانية لتحويل الجناة الإسرائيليين إلى ضحايا؟
نشر موقع قناة سي أن أن الأمريكية تقريرا بعنوان "لقد غادر غزة، ولكن غزة لم تغادره.. جنود إسرائيليون عائدون من الحرب يصارعون الصدمة والانتحار"، يسلط الضوء على قصص لجنود إسرائيليين يُزعم أنهم أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة PTSD بعد عودتهم من غزة، ومنهم من أقدم على الانتحار. ويركز التقرير على قصة الجندي إليران ميزراحي، الذي عمل سائق جرافة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ليقدم على الانتحار بعد عودته.
وبالاستناد إلى الشهادات الواردة في التقرير، فإن والدة ميزراحي ترجح أنه "ربما قتَلَ شخصا ولم يستطع تحمل ذلك"، كذلك تورد شهادة زميل ميزراحي غاي زاكين (الذي كان يعمل مساعدا له) التي أدلى بها أمام الكنيست وقال فيها: "اضطررنا في كثير من الأحيان إلى السير بجرافاتنا فوق الإرهابيين، بعضهم كانوا موتى وبعضهم كانوا أحياء" قبل أن يضيف في موضع آخر:
"هذا ما جعلني أمتنع عن أكل اللحوم".
في المبادئ المهنية والأخلاقية، يفترض هذا الادعاء أن يدفع الصحفي للتساؤل عن هوية الجثث والأحياء الذين تعرضوا للدهس بالجرافات، فحتى لو كانوا مقاتلين، كما تنقل سي أن أن عن الجنود من دون أي عملية تحقق، فإن قتلهم يخالف اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب ويرقى لأن يكون جريمة حرب. ولم تشر سي أن أن لهذه الجزئية المهمة في مقالها، بل استمرت في أنسنة حياة الجنود باعتبارهم "ضحايا" للجرائم التي من المحتمل أنهم تورطوا فيها، ولا سيما أن المقال ينقل شهادة أحد المسعفين في جيش الاحتلال الإسرائيلي قائلا: "هناك اعتقاد سائد بين الجنود أن كل الغزيين بمن فيهم المدنيون هم أشخاص سيئون ويدعمون حماس ويساعدونها".
لا يثير المقال أي أسئلة عن طبيعة جرائم الجنود لدرجة الاستشهاد بأحد أساتذة العلوم السياسية الذي سبق له أن خدم في الجيش الإسرائيلي، محاولا أنسنة الجنود سائقي الجرافات بقوله: "إنهم يمرون فوق الجثث، وهذا قد يكون مرهقا بالنسبة للجنود، كيف يمكنك أن تضع أطفالك في الفراش بعد أن رأيت أطفالا يُقتلون في غزة". فمن يقتل الأطفال في غزة؟ ولماذا لم تربط سي أن أن بين هذه الشهادة وشهادة غاي زاكين الذي اعترف بأن الجرافات كانت تسير فوق الأحياء وتقتلهم؟ وهل كان منهم أطفال ونساء؟
اللافت، أن التقرير كاملا، لا يشير ولو من بعيد إلى تورط هؤلاء الجنود في قتل مدنيين في غزة؛ إذ يورد باقتضاب أن "حصيلة الضحايا المدنيين في غزة مرتفعة"، من دون اتهام جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه متسبب في قتلهم، مستخدما صياغات مُجهّلة من قبيل "Killed قُتلوا" من دون تحديد القاتل، في مقابل إبراز فعل القتل بوضوح لحماس بوصفها طرفا متسببا في قتل 1200 إسرائيلي يوم السابع من أكتوبر.
كذلك فإن مقال سي أن أن (وعلى الرغم من إيراده فقرة مقتضبة تذكر فيها تقديرات الأضرار النفسية الهائلة على الغزيين مستندة إلى تقييمات الأمم المتحدة التي تذكر أن سكان غزة "لا تنطبق عليهم التعريفات الطبية التقليدية لاضطراب ما بعد الصدمة" نظرًا لعدم وجود "ما بعد" في سياق غزة) لم يذكر كلمة إسرائيل في تلك الفقرة إلا مرة واحدة في سياق أن الغزيين يخوضون "عدة حروب مع إسرائيل"، كما لو أن غزة دولة تمتلك جيشا نظاميا يخوض حربا مع دولة أخرى، وليست قطاعا محاصرا يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود.
وأمعنت سي أن أن في استخدام صياغات تنزع الإنسانية تماما عن الفلسطينيين، موردة في إحدى الفقرات أن ثمة "عبئا نفسيا تحمله الحرب على المجتمع الإسرائيلي"، مع تجاهل العبء الوجودي الذي تحمله حرب الإبادة على الفلسطينيين.
كان لافتا أيضا أن النسخة الأولية من التقرير أوردت ملاحظة للمحرر في المقدمة تنوه إلى أن "القصة تحوي تفاصيل تتعلق بالانتحار قد يجدها القراء مزعجة"، ولكن التنويه لم يحذر القراء من التفاصيل المتعلقة بانفجار جثث فلسطينيين بعد دهسهم من الجرافات الإسرائيلية. عُدّل التنويه لاحقا لتضاف كلمة "عنف".
فلماذا حاولت سي أن أن أنسنة قصص الجنود بدلا من تقديم شهاداتهم دليلا على الفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والتي ترقى إلى جرائم حرب موثقة وبشهادات مرتكبيها؟ وهل تتعامل مع الفلسطينيين بوصفهم "ليسوا بشرا" ولا يُدان من يقتلونهم، بل يستحقون التضامن والأنسنة لأن قتلهم للفلسطينيين يصيبهم بأزمات نفسية؟
الإثنين 23 سبتمبر
هل بررت وسائل إعلام غربية استهداف إسرائيل للمدنيين في لبنان؟
أدى القصف الإسرائيلي على مدن عدة في جنوب لبنان إلى استشهاد 247 وإصابة 1024 إلى حدود اللحظة، حسب حصيلة أولية نشرتها وزارة الصحة اللبنانية. اللافت أن تغطية الخبر تشابهت في عدة وسائل إعلام غربية كبرى بسمات أساسية:
- السمة الأولى: تتمثل في إبراز معلومة أن إسرائيل "طلبت من سكان الجنوب إخلاء المنطقة قبل قصفها"، مباشرة بعد إيراد خبر حصيلة الضحايا في لبنان.
ونشرت مواقع كل من البي بي سي وواشنطن بوست ونيويورك تايمز وول ستريت جورنال والغارديان أخبارها وألحقت حصيلة الضحايا بالادعاء الإسرائيلي القائل بأن طلبات الإخلاء قد أُرسلت للسكان قبل القصف.
- السمة الثانية: تكمن في غياب ذكر العدد الفعلي لحصيلة الضحايا التي أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية، والاستعاضة عنها بعبارات فضفاضة من قبيل "العشرات Scores/Dozens" كما هو الحال في مواد الغارديان ونيويورك تايمز وواشنطن بوست علما أنها ذكرت العدد بدقة في متن موادها لكنها تجنبت إبرازه في العنوان.
- السمة الثالثة: تكمن في تبني السردية الإسرائيلية بأن الغارات تستهدف مواقع لحزب الله، وتوردها على أنها حقيقة مطلقة دون التحقق منها، وهي معلومة تتنافى مع ما انتشر من صور وفيديوهات تظهر استهدافا مباشرا لبيوت مدنيين في الجنوب، وكذلك يتعارض مع ما صرحت به وزارة الصحة اللبنانية بوجود نساء وأطفال ومسعفين ضمن حصيلة الشهداء.
فهل حاولت وسائل الإعلام هذه تقديم مسوّغ لقصف الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان؟ وهل يعفي إسرائيل تحذيرها للمدنيين من أي جرائم ترتكبها بحقهم؟
واستنادا إلى المواد التي فحصناها سابقا في صفحة الرصد المرتبطة بتغطية حرب الإبادة الجماعية، فإن هذه العناوين تنطوي على نمط قد يوفر غطاء لإسرائيل لارتكاب جرائم حرب تحت ذريعة مهاجمة أهداف عسكرية لحزب الله.
الأحد 11 أغسطس
لماذا عدلت رويترز عنوان مادتها عن مجزرة مدرسة التابعين أكثر من مرة؟
بعد المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق النازحين داخل مدرسة وأدت إلى استشهاد أكثر من 100 فلسطيني، نشرت وكالة رويترز للأنباء خبرا عنوانه: "غارة إسرائيلية على مدرسة في غزة قتلت أكثر من 100، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية".
وفي الساعة 12:5 بالتوقيت العالمي UTC، أي الساعة 15:50 بتوقيت مكة المكرمة، حدّثت الوكالة نص الخبر وتوسعت فيه كتقرير صحفي، مع تعديل العنوان ليصبح: "أنباء عن وفاة العشرات في مدرسة - ملجأ في غزة بينما تقول إسرائيل إنها قصفت مسلحين".
وكانت أبرز التغييرات بين العنوانين كالتالي:
- الصياغة المحدّثة للعنوان أزالت الرقم الفعلي لضحايا القصف الإسرائيلي واستبدلت به عبارة "أنباء عن وفاة العشرات في مدرسة" مقارنة بالصياغة الأولى "غارة إسرائيلية على مدرسة في غزة قتلت أكثر من 100"
- استخدمت رويترز في الصياغة الأولى عبارة "قتل" في الإشارة للضحايا وذكرت المسبب "القصف الإسرائيلي"، بينما استخدمت في العنوان المحدث عبارة "وفاة" في الإشارة للضحايا دون ذكر المسبِّب.
- في الصياغة المحدّثة، استبدلت رويترز بمصدرها الأولي "وكالة الأنباء الفلسطينية" مصدرا إسرائيليا برر القصف بأنه استهدف "مسلحين"، إلا أن صياغة رويترز المحدثة لم تربط بشكل واضح بين الضحايا في المدرسة وبين القصف الإسرائيلي.
عادت رويترز بعدها بساعات وعدلت العنوان ليصبح "غارة إسرائيلية تقتل قرابة 100 في مدرسة [تؤوي] لاجئين في غزة، حسب مسؤولين رسميين في الدفاع المدني"، قبل أن تعتمد العنوان بحذف جملة "حسب مسؤولين رسميين في الدفاع المدني" وتستبدل بها عبارة: "حسب مسؤولين رسميين".
وما بين هذه العناوين، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا قالوا إنها لعناوين لمادة رويترز نفسها عُدلت مرارا، منها استخدام رويترز في إحدى التعديلات عبارة "حسب المكتب الإعلامي التابع لحماس"، لكن لم يتسن للمجلة التأكد من صحة ذلك العنوان لمحدودية النسخ التي تمكنا من الحصول عليها باستخدام تقنية أرشفة صفحات الويب من موقع Archive.is
لم توضح رويترز سبب هذه التعديلات المختلفة في العناوين، ولا سيما أن عددا من المواقع والصحف اختارت أن تأخذ عنوان رويترز الذي تبنت فيه السردية الإسرائيلية عن الهجوم دون غيره، ولم تحدثه بعد تعديل رويترز له مثلما فعلت صحيفة يو أس إيه توداي الأميركية (USA Today) واسعة الانتشار في الولايات المتحدة، التي نقلت العنوان عن رويترز، دون تعديله لاحقا.
الخميس 25 يوليو
هل مارست وول ستريت جورنال التضليل بشأن عدد نواب الكونغرس الذين حضروا خطاب نتنياهو؟
بعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي بمجلسيه يوم أمس 24 يوليو/ تموز، نشرت وول ستريت جورنال تقريرا، قالت فيه إن المجلس كان "مزدحما بالحضور" من دون توضيح طبيعته.
ولأن الخطاب قُدّم في الكونغرس، فإن القارئ سيفترض أن القاعة كانت ممتلئة بأعضائها من الشيوخ والنواب، وهو ما يوحي بوجود قبول واسع لزيارة نتنياهو وخطابه، الذي شهد كثيرا من تصفيق الحضور.
لكن، موقع أكسيوس الأمريكي، نشر تقريرا أشار فيه إلى أن قرابة 100 عضو كونغرس من الحزب الديمقراطي و28 سيناتورا قد قاطعوا كلمة نتنياهو ولم يحضروها، وسط حملات مقاطعة واسعة دُعِي إليها قبل أيام من زيارة نتنياهو. فهل كان المجلس مزدحما فعلا؟ ومن الحضور الذين شغروا المقاعد الفارغة للأعضاء المقاطعين للخطاب؟
عضو الكونغرس الأميركية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز نشرت على موقع X منشورا تقول فيه تعليقا على الخطاب: "نتنياهو خسر العديد من الأشخاص؛ لذا فإنه يخاطب جزءا بسيطا من الكونغرس. وعندما حدث هذا، فقد ملؤوا المقاعد بأشخاص ليسوا أعضاء في الكونغرس من أجل إظهار وجود حضور ودعم مكتملين".
فلماذا لم تشر وول ستريت جورنال إلى هذه المعلومة المهمة في تقريرها وتوضحْ للرأي العام الأميركي حقيقة مقاطعة عشرات النواب الأميركيين للخطاب؟ ولماذا اكتفت بالإشارة تلميحا إلى "ازدحام" من دون توضيح حقيقة الحضور كافة؟
الإثنين 22 يوليو
لماذا لم تتحقق إلموندو الإسبانية من ادعاءات الأسرى الإسرائليين؟
نشرت صحيفة إل موندو الإسبانية تقريرا مطولا تضمن مقابلات مع أسرى إسرائليين سابقين لدى حركة حماس. واستند التقرير إلى شهادات الأسرى بشأن ما جرى يوم السابع من أكتوبر، إلى درجة أن مراسل الصحيفة بدا منسجما مع هذه الرواية دون تحقق منها، خصوصا بعد ظهور تحقيقات صحفية وأخرى نشرها جيش الاحتلال تفند السردية الأولى التي تبناها زعماء دول كثيرة غداة الهجوم. ينطوي التقرير على كثير من المخالفات المهنية والأخلاقية، أبرزها:
1- تبني الرواية: بعبارات ناجزة ولا تقبل الشك، الذي من المفترض أن يتحلى به الصحفي -خصوصا أنه لم يورد الرواية الأخرى- نقَلَ التقرير على لسان أحد الأسرى الذين استعادهم جيش الاحتلال أن مقاتلي حماس "كانوا مخدرين". من الناحية المهنية، لا يمكن للصحفي تبني كل ما يقوله المصرحون، ويجب أن يخضع للتدقيق والمراجعة، إما لأسباب تتعلق بالتشريعات القانونية، وإما بسبب مسؤولية الأخلاقية للصحفي نفسه في إخبار الرأي العام. كذلك، فإن الصحيفة ذهبت إلى أبعد من نشر مقابلات مع الأسرى ومعرفة ظروف الاعتقال وروايتهم بشأن ما جرى، لتعطي الانطباع في كل فقرات التقرير بأنها تتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل، مع التركيز على السرد العاطفي المكثف مقابل تغييب الحقائق.
2- غياب السياق: يتعامل التقرير مع القضية الفلسطينية وكأنها بدأت يوم السابع من أكتوبر، ولا توجد إشارة واحدة إلى واقع الاحتلال والاستيطان الذي تدينه الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والاتحاد الأوروبي، ولا يذكر التقرير وهو يستعرض هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر الحصار المفروض على غزة من طرف الاحتلال. إلى جانب ذلك، يربط المقال بشكل غير منطقي بين هجوم السابع من أكتوبر واستحالة قيام دولة فلسطينية، محمّلا حماس والفلسطينيين مسؤولية انهيار اتفاقية السلام.
الأحد 21 يوليو
هل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية موضوع جدل في الأمم المتحدة كما تدعي نيويورك تايمز؟
في تغطيتها للرأي القانوني الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعيّة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، سارعت صحيفة نيويورك تايمز إلى نشر عنوان يدّعي أن "الاحتلال الإسرائيلي ظل موضوعاً للجدل في الأمم المتحدة طيلة عقود". إن هذا العنوان الإخباري يفتقر إلى الدقّة ويشكّل مخالفة مهنيّة جديدة في تغطية الصحيفة الأمريكية لتطورات الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.
وكانت محكمة العدل الدولية، وهي الهيئة القضائية الأعلى في الأمم المتحدة، قد أعلنت رأيها الاستشاري الحاسم بشأن عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وتوجيهها بضرورة إنهائه ووضع حد له "في أسرع وقت ممكن".
ورغم أنّ الرأي الصادرَ عن هذه المحكمة بشأن الاحتلال الاستيطاني في الأراضي الفلسطيني يعدّ سابقة في تاريخها، إلا أن المجتمع الدولي لطالما نظر إلى أنشطة الاحتلال والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة على اعتبارها غير شرعية، وهو ما تؤكده قرارات عديدة في كلّ من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ففي مجلس الأمن، واتساقاً مع مبادئ اتفاقية جنيف الرابعة، صدر القرار 446 عام 1979 بشأن حالة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة، وكذا القرار رقم 452 في تموز/يوليو من العام ذاته. إضافة إلى القرار رقم 465 عام 1980، والذي طالب إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة ووقف مخططات الاستيطان في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس.
وقد تتابعت قرارات المجلس في هذا الشأن، حتى صدر القرار رقم 2334 عن مجلس الأمن في 23 ديسمبر/كانون أول عام 2016، والذي جدّد مطالبة دولة الاحتلال بالوقف الكامل والفوري للأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية.
أما على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد صدرت العديد من القرارات التي أدانت الاستيطان ودعت إلى إنهائه، كان من أبرزها القرار رقم 2851 للعام 1971، إضافة إلى القرار رقم 38/79 الرافض لسياسات إسرائيل في "الضم والاستيطان في الأراضي المحتلة"، والذي جدّد نصُّه التأكيدَ حينها على أنّ "الاحتلال يشكل في حد ذاته انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان للسكان المدنيين في الأراضي العربية المحتلة". وقد تبع ذلك قرارات أخرى عديدة مماثلة في مضمونها الذي يتفق على إدانة سياسات الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وتقرير عدم شرعيّتها.
إن هذه القرارات والتقارير الأممية، والتي يمكن لأي صحفي مطالعتها بين وثائق الأمم المتحدة بلغاتها الرسمية، تؤكّد على أنّ عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي ليس موضعَ جدل في نظر "المجتمع الدولي" بحسب ما ذهب إليه خطأً عنوان نيويورك تايمز، وأنَّ الرأي المسيطر الذي يحظى بتوافق واسع هو ذلك الذي يرى في الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية خرقاً للقانون الدولي وانتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان الأصليين تحت الاحتلال، وهو ما قطعت به أخيراً محكمة العدل الدولية، التي أوضحت أن استمرار الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني.
الإثنين 15 يوليو
وسائل إعلام غربية وعربية تتبنى رواية الاحتلال في مجزرة "المواصي"
في تغطيتها لمجزرة إسرائيلية جديدة طالت يوم السبت الماضي (13 يوليو/تموز) خياما للنازحين في منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، أبدت عدة وسائل إعلام غربية سائدة اهتماما واضحا بتصدير رواية الاحتلال بشأن استهداف قيادي كبير في حركة حماس، هو محمد الضيف. ورغم أن الهجوم العنيف أدى إلى استشهاد 90 فلسطينيا على الأقل وإصابة مئات آخرين، وهي نتيجة حتمية نظرا للطبيعة المدنية المكتظة للموقع المستهدف، فإن وسائل إعلام غربية، وأخرى عربية، تلقّفت ادّعاءات الاحتلال بشأن استهداف الضيف، رغم عدم قيام دليل عليها، فصدّرتها في العناوين ومتون المواد الخبرية، مشكّلةً بذلك إطارا للجمهور يدفعه للتعامل مع الضحايا من المدنيين باعتبار موتهم "ضررا جانبيا" ضروريا في مقابل القضاء على الشخص المطلوب، ما دام أنه المخطط- بحسب رواية الاحتلال- لهجوم السابع من أكتوبر، عام 2023.
كذلك تماهت وسائل الإعلام التي تبنّت رواية الاحتلال بشأن استهداف قياديين بارزين في موقع لخيام النازحين، مع آلة الدعاية الإسرائيلية التي تسعى من جهة إلى تكثيف الضغط النفسي على فصائل المقاومة الفلسطينية عبر اتهامها بالعمل بين المدنيين، والتنصّل من جهة ثانية من اتهامات القصف العشوائي للفلسطينيين في قطاع غزة، على الرغم من أنّ أي قصف في المناطق القليلة المتبقية المأهولة بالسكان ممّن باتوا جميعا بحكم النازحين، لا يمكن إلا أن يكون عشوائيا وذا نتائج كارثيّة على أعداد كبيرة من المدنيين، ويشكل بالنتيجة جريمة حرب، وهو ما تؤكده بيانات وتقارير منظمات دولية كثيرة.
ضمن هذا السياق، وقَعَت وسائل الإعلام تلك عبر تصديرها روايةَ الاحتلال الإسرائيلي- وهو الطرف الذي تلاحقه تهم الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية- في انتهاكات مهنية وأخلاقية أساسية، من ضمنها منح الصدقية والأولوية لادعاءات غير مؤكدة ( سردية بديلة) لمجرّد صدروها عن الطرف الإسرائيلي، والتساهل مع منطق "الأضرار الجانبية" على المدنيين بدعوى تحقيق أهداف عسكرية، على نحو ينمّ عن استخفاف ضمني بقيمة حياة الفلسطينيين، وهو استخفاف ينوّه مراقبون إلى احتمال أن يكون ذا طبيعة عنصرية لدى وسائل إعلام معينة تتبنّى صراحة الموقف الإسرائيلي أو تخضع له في كيفية تغطية حربه المتواصلة على قطاع غزّة.
الثلاثاء 11 يونيو
كيف أصبح 4 أسرى إسرائيليين أهم من 274 فلسطينيا في التغطية الإعلامية الغربية؟
بعد أن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 274 فلسطينيا، وأصاب المئات في أثناء عملية تحريره لأربعة أسرى إسرائيليين من مخيم النصيرات في غزة، حاولنا رصد أبرز تغطيات الإعلام الأمريكي والبريطاني لهذا الحدث.
صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية
صحيفة وول ستريت جورنال عنونت مادتها بـ "إسرائيل تنقذ 4 رهائن احتجزوا في غزة" بالبنط العريض، وبخط أصغر في العنوان الفرعي ذكرت أن "وزارة الصحة في غزة تقول إن العملية الإسرائيلية أدت إلى وقوع "عدد هائل" من الوفيات والإصابات بين الفلسطينيين".
لم تشر مادة وول ستريت جورنال في عنوانها إلى العدد الفعلي الذي أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية، وهو أكثر من 274 شهيدا حسب آخر حصيلة، و210 في الساعات الأولى، على الرغم من اقتباسها العنوان الفرعي على لسان الوزارة، واستعاضت عن الرقم بتعبير "عدد هائل من الوفيات".
وفي الفقرة العاشرة من المادة، اكتفت بالقول إن العملية أسفرت عن "وفاة" 210 فلسطينيين وإصابة 400، على الرغم من أن بيان وزارة الصحة يتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر بوصفه متسببا في قتل المدنيين الفلسطينيين.
فهل اعتبرت وول ستريت جورنال أن خبر إنقاذ 4 رهائن يعد أهم بكثير من قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 210 فلسطينيين حينئذ –الحصيلة ارتفعت لـ 274–؟ وهل قدّرت أن عدد الضحايا الفلسطينيين ليس بالأهمية الكافية في وجهة نظر الصحيفة ليوضع في العنوان؟ ولماذا استعاضت الصحيفة عن ذكر الرقم بعبارة "عدد هائل" ولا سيما أن وزارة الصحة كانت تصدر إحصاءات محدثة بأرقام القتلى؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
الواشنطن بوست عنونت مادتها بـ "في إسرائيل، يوم فرح نادر في خضم حمام الدم بعد إنقاذ أربع رهائن على قيد الحياة"، بينما في عنوانها الفرعي وبخط صغير، ذكرت أن "الجيش الإسرائيلي نفذ هجمات أسفرت عن مقتل 210 أشخاص"، من دون تحديد هويتهم.
وسينتظر القارئ لحدود الفقرة الثامنة من المادة حتى يعرف من هم هؤلاء الأشخاص؛ إذ ذكرت الصحيفة أن "210 فلسطينيين قتلوا في الأحداث المحيطة بالنصيرات، بالقرب من مكان تحرير الرهائن" من دون ذكر الطرف المتسبب بقتلهم، علما أن بيان وزارة الصحة الذي اعتمدت عليه الصحيفة بوصفه مصدرا لهذا الرقم، اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح.
وفي الفقرة 11 من المادة ذاتها، أشارت الصحيفة إلى أن عمليات الإنقاذ أظهرت أن ما حدث كان "اليوم الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ بداية الحرب".
تُطرَح أسئلة مهنية كثيرة حول هذه الصياغات، أبرزها: لماذا تظهر تلك المعلومة في عنوان المادة أو في الفقرات الأولى منها؟ ولِم لمْ تذكر الصحيفة هوية الضحايا الـ 210 في العنوان الفرعي للمادة؟ وهل رأت أن خبر عملية تحرير 4 أسرى إسرائيليين ذو قيمة خبرية أكبر من قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لـ 274 فلسطينيا خلال العملية؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية
كان العنوان الرئيسي لمادة نيويورك تايمز كالتالي: "إسرائيل تُنقذ 4 رهائن في اعتداء قتل أعدادا كبيرة من الغزيين" من دون ذكر الرقم الفعلي للضحايا الذي وصل حينئذ إلى أكثر من 210 شهداء فلسطينيين، ليرتفع لاحقا إلى 274.
ثم وضعت عنوانا فرعيا: "قوبلت هذه الأخبار بابتهاج في إسرائيل، حيث تصاعدت التوترات بشأن سلامة الرهائن في الأشهر الأخيرة". ولم يُذكَر عدد الضحايا الفلسطينيين إلا في الفقرة 11 من المادة؛ إذ ذكرت الصحيفة: "وتتباين التقارير بشأن أعداد القتلى والجرحى بشكل كبير في ظل الارتباك الذي أعقب الهجوم"، قبل أن تورد تصريحين لمسؤولين في وزارة الصحة قالا إن "أكثر من 200 شخص قتلوا في غارات على مخيم النصيرات منهم نساء وأطفال". وأنهت الصحيفة تلك الفقرة بالقول إن المصدرين "لم يذكروا عدد المسلحين بين القتلى".
فلماذا اعتبرت الصحيفة أن أرقام الضحايا الفلسطينيين "تباينت بشكل كبير" على الرغم من أن المصادر التي ذكرتها اتفقت على أن "العدد يفوق الـ 200 قتيل"، بل ولم تورد أي تقارير تؤكد عكس ذلك؟ وهل حاولت في عنوانها التقليل من هول ما حدث باستخدام عبارات من مثل "أعداد كبيرة" لتجنب ذكر الرقم الفعلي؟
موقع بي بي سي البريطاني
بمصطلحات مشابهة لصياغة نيويورك تايمز، عنون موقع بي بي سي مادته الرئيسية بـ "إنقاذ أربع رهائن من غزة، بينما تقول المستشفيات إن أعدادا كبيرة قُتلوا في غارات إسرائيلية".
وأشارت المادة إلى 3 أرقام متعلقة بالضحايا الفلسطينيين، فقالت إن مستشفيين في غزة أحصيا 70 جثة، بينما ربطت العدد المعلن من وزارة الصحة حينئذ -الذي كان قد تجاوز 210 شهداء- بأنه من "المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحماس"، لتنقل عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن "إسرائيل قدرت أقل من 100 ضحية".
فهل حاولت بي بي سي جعل أرقام الضحايا الفلسطينيين تبدو متضاربة بعدم اعتمادها على الرقم المعلن من وزارة الصحة في غزة، رغم أن الأمم المتحدة وَجِهات مستقلة أثبتت دقة ما يصدر عنها؟
صحيفة التايمز البريطانية
اكتفت صحيفة التايمز البريطانية بالتطرق في عنوانها لخبر إنقاذ 4 أسرى إسرائيليين من دون التطرق لعدد الشهداء الفلسطينيين الذين قُتِلوا أثناء العملية؛ إذ عنونت مادتها بـ "كيف حررت إسرائيل أربع رهائن وحققت أمنية لمحتضرة؟"، في إشارة إلى والدة إحدى الأسيرات المصابة بمرض مزمن.
وفي الفقرة الخامسة من المادة، تذكر التايمز أنه وبسبب تلك العملية "توفي 200 شخص خلال العملية الإسرائيلية في مخيم النصيرات، وأصيب المئات، حسب المصادر المحلية الرسمية في القطاع الذي تديره حماس".
فلماذا قررت التايمز أن عملية إنقاذ 4 أسرى إسرائيليين وذكر تفاصيل إنسانية تتعلق بأسرهم، أهم من ذكر أن إسرائيل قتلت 274 فلسطينيا في أثناء عملية تحرير الأسرى؟ ولماذا استخدمت الصحيفة مصطلح "توفوا" بدلا من "قتلوا" في وصف الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في أثناء عملية تحرير الأسرى؟
صحيفة التلغراف البريطانية
لم تتطرق التلغراف في عنوان مادتها عن عملية تحرير الأسرى إلى عدد الشهداء الفلسطينيين، بل إن المادة التي نُشِرت على شكل تتبع زمني للأحداث، لم تعتبر خبر قتل الجيش الإسرائيلي لـ274 فلسطينيا حدثا رئيسيا في مقالها.
وذكرت ضمن سطرين، في الفقرة 19 من المادة، أن "210 فلسطينيين قتلوا في غزة يوم السبت، كثير منهم في مخيم النصيرات حيث كان الرهائن محتجزين، حسب وزارة الصحة المسيطر عليها من حماس"، من دون ذكر الطرف المتسبب في قتلهم. وفي الفقرة الموالية مباشرة، تورد الصحيفة تصريح الجيش الإسرائيلي الذي يقول إن العدد لم يتجاوز الـ 100 ملقيا اللوم على حماس في قتلهم، من دون إفراد مساحة مشابهة لبيان وزارة الصحة.
صحيفة الغارديان البريطانية
صحيفة الغارديان خصصت صفحة لمتابعة أهم التطورات المتعلقة بعملية تحرير الأسرى، ووضعت في بدايتها تسلسلا زمنيا يظهر أهم الأحداث التي ارتبطت بالعملية، لكن خبر قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لـ274 فلسطينيا لم يظهر بوصفه خبرا رئيسيا ضمن هذا التسلسل.
وفي ملخص المادة ذاتها، حيث تُستعرَض أهم أحداث ذلك اليوم (الثامن من يونيو)، يبدأ الملخص بخبر تحرير الأسرى الإسرائيليين الأربعة، وفي سادس خبر تقول الصحيفة إن "جثث 55 فلسطينيا على الأقل، قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات ومناطق أخرى في وسط غزة [..]، نُقِلت إلى مستشفى شهداء الأقصى يوم السبت حسب وزارة الصحة"، من دون ربط هذه الجثث بعملية تحرير الأسرى التي نفذتها إسرائيل في مخيم النصيرات، علما أن وزارة الصحة التي اقتبست منها الصحيفة، ذكرت في الساعات الأولى أن 210 فلسطينيين استشهدوا في العملية العسكرية لتحريرهم في مخيم النصيرات يوم السبت 8 يونيو، منهم نساء وأطفال، وارتفع العدد لاحقا إلى 274.
فلماذا لم تشر الغارديان لهذا الرقم في تقريرها؟ وما القيمة الخبرية من حصر إحصاء الضحايا بالجثث التي نُقِلت إلى مستشفى شهداء الأقصى؟ ولماذا لم تر في استشهاد 274 فلسطينيا في عملية تحرير الأسرى الإسرائيليين حدثا مهما يستحق الإشارة إليه في تسلسل "أهم الأحداث"؟
الإثنين 27 مايو 2024
هل شرعنت "ذا أنتلانتيك" قتل الأطفال الفلسطينيين؟
هل يمكن قتل الأطفال، دون أن يشكّل ذلك خرقاً للقانون؟ وفق مقال في مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، فإن الجواب هو نعم، لو حصل ذلك في سياق الهجوم على عدو يختبئ وراءهم، وهو ما يشير كاتب المقال، غرايم وود، إلى وقوعه في قطاع غزة، في معرض تأكيده على أنّ إسرائيل تشنّ حربا "قانونية" فيها، وأن بشاعة هذه الحرب ليست نابعة من انتهاكها للقانون، بل لأنها، كأي حرب، "ضرورة بشعة".
إلا أن ادّعاء وجود مسوغات قانونية لارتكاب المجازر بحق الأطفال، بوصفهم "أضرارا جانبية" في سياق حرب ما، بحسب الرأي الذي تبنّاه الكاتب والمجلّة، تنفيه قطعا نصوص واضحة في القانون الدولي والمواثيق الإنسانية الأساسية. فالقانون الدولي يحظر بشكل واضح استهداف المدنيين في الحرب، ولا سيما الأطفال؛ إذ يعزى أنهم -إلى جانب النساء وكبار السنّ والمرضى والصحفيين والعاملين في المؤسسات الطبية- فئات ينبغي أن تتوفر لها أقصى درجات الحماية، واتخاذ كل الإجراءات الضامنة لعدم تعريض حياتهم للخطر.
أما "اتفاقية حقوق الطفل"، فيتعيّن بموجبها على الدول الأطراف اتخاذ "كل التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح ورعايتهم". وفي اتفاقية جنيف الرابعة، نصٌّ على ضرورة الالتزام بكل الترتيبات الضامنة لحماية المدنيين والأطفال، بما يشمل نقلهم من المناطق المحاصرة والمطوقّة، ووصول الخدمات الطبية والإغاثية إليهم، وهو ما تطلب ضمانه أيضا مقتضيات نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليّة.
يسقط الكاتب من الحسبان هذه المواثيق كافة، كذلك يسقط أيضا الأدلة المتراكمة التي جُمعت خلال الأشهر الماضية وقُدمت إلى محكمة العدل الدولية، وتعاطت معها مختلف المنظمات الحقوقية والإنسانية.، وهي أدلّة ترجح تعمّد دولة الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم حرب شاملة بحق المدنيين في قطاع غزة، مع استهداف واضح للأطفال على نحو مقصود، لأغراض ترقى لأن تكون "انتقامية" عبّرت عنها عديد التصريحات الصادرة من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، التي تَعُدّ سكان القطاع جميعا "مذنبين"، و"غير مدنيين"، بل حتى "حيوانات بشرية" بحسب تعبير وزير الأمن الإسرائيلي.
ورغم محاولة الكاتب إظهار أن سبب القتل الشامل للمدنيين في غزّة، بما في ذلك الأطفال، هو وجود المقاومة بينهم، وادعاء أن الفصائل المسلحة تتخذ من السكان دروعا بشرية، في اتساق كامل مع الرواية الرسمية للبروباغاندا الإسرائيلية، فإن حتى ذلك لا يعدّ وفق القانون الدولي مبررا قانونيا لقصف المدنيين العشوائي، وباستخدام أشد الأسلحة الفتاكة المصممة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، بحسب ما أكده أخيرا آريه نيير، المؤسس المشارك لمنظمة هيومان رايتس ووتش، والناجي نفسه من الهولوكوست.
إن نشر الأتلانتيك مقالا يتضمن صراحةً ادعاء الشرعية القانونية لقتل طفل، فضلا عن آلاف الأطفال، ينطلق بحسب مقال للأكاديمي والمحلل السياسي جوزيف ضاهر، من تصور عنصري بشأن هوية الضحايا واستخفاف عميق بقيمة حياتهم، بالنسبة إلى قيمة حياة الطرف المقابل، وهو ما يؤدي إلى تحيز "تحاملي" مع الأول و"تضامني" مع الآخر، كما تجلى بحسبه في مقالات عديدة مماثلة في صحف ومجلات أمريكية وغربية سائدة أخرى، مثل نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وغيرها.
إنّ محاولة إسباغ أي تبرير قانوني على قتل المدنيين، على النطاق الحاصل في الحرب الجارية على قطاع غزة، عبر الترويج لذلك على صفحات مجلة صحفية، لا يمكن التعامل معها بوصفها خرقا لمعايير مهنية وحسب، رغم ما فيها من تضليل متعمّد وإسقاط للحقائق وتحيّز صارخ؛ ذلك أن الكاتب في تبنّيه لموقف متفّهم "قانونيا" للقتل الجماعي للأطفال، يتجرد من معايير وقيم إنسانية أساسية، ينبغي أن تنتفي عند غيابها بالضرورة الثقة المهنية به.
من هنا، ورغم التحيز الواضح في مجمل تغطية المجلة للحرب الإسرائيلية على غزّة، فإن مقال غرايم وود، الذي حاول فيه أيضاً تقويض الثقة بأعداد الضحايا في غزة، لا يعلن عن اختيارات موضوعية يمكن فحصها بمعايير الخطأ والصواب المهني، إلا بقدر ما يعلن، بحسب ضاهر، عن موقف لاأخلاقي واصطفاف مع القاتل ضد الضحايا، وهو موقف لا يزال يجد له حيزا ضمن الإعلام الغربي السائد.
الأربعاء 3 إبريل 2024
هل ساعدت وسائل إعلام غربيّة في ترويج رواية الاحتلال بعد استهداف طاقم "المطبخ المركزي العالمي"؟
أكّدت تحقيقات صحفية متعددة، من بينها تحقيق أجرته وكالة سند التابعة لشبكة الجزيرة، تعمّد استهداف طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمركبات تابعة لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي"، كان من بينها سيارتان مصفحتان، ما أدى إلى مقتل سبعة أفراد من فريق المنظمة من جنسيات أجنبية مختلفة.
ورغم التنديد الواسع بالهجوم الذي اعتبره مراقبون إمعانًا في سياسة العقاب الجماعي على الفلسطينيين في قطاع غزّة المحاصر، وإصرارًا على القضاء على أي شكل من التضامن العالمي معهم، إلا أن وسائل إعلام غربيّة سائدة فضّلت تصدير الرواية الرسمية الإسرائيلية بشأن ما حصل، وتكرار ادعاءات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأن الحادثة "غير متعمّدة".
برز ذلك في عناوين عدة صحف أمريكية، من بينها واشنطن بوست، التي نقلت في تحديثاتها حول الحرب على غزّة ما قاله الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري، وكرره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن الحادثة التي وقعت يوم الإثنين الماضي "غير متعمّدة" و"مأساوية".
بيد أن الاستهداف المتعاقب لثلاث مركبات معًا تعمل ضمن مبادرة أعلنت أنّها تنسق عملياتها مع الطرف الإسرائيلي لا يترك مجالًا للتكهّن بشأن قصديّة الاستهداف وتعمّد جيش الاحتلال الحيلولة الفتك بمبادرة تطوعية كانت تقدم وجبات غذائية للفلسطينيين في ظل المجاعة التي تتفشّى في القطاع بفعل استمرار الحرب منذ أكتوبر الماضي.
إن تصدير وسائل إعلام غربية للرواية الإسرائيلية بشأن هذه الجريمة الجديدة ينطوي على عدة مخالفات مهنية وأخلاقية أساسية، من بينها:
- إسقاط الاعتبار للحقيقة: وذلك عبر التلقّي غير النقدي للرواية الإسرائيلية التي حاولت تخفيف وطأة الجريمة عند الرأي العام العالمي نظرًا لجنسيات الضحايا المدنيين، والذين كان من بينهم أمريكي وأسترالي وكندي وبولندي وثلاثة بريطانيين
- اللغة المضللة: ذلك أن المسارعة إلى تبنّي التوصيفات الواردة في الموقف الرسمي الإسرائيلي وتوصيفه للحادثة بأنها "مأساوية" و "غير متعمّدة" يخدم هدفًا مزدوجًا يتمثل في التدليل على "عقلانية" الطرف الإسرائيلي "ومسؤوليته"، وخلق الانطباع لدى القارئ الأجنبي عبر هذا التأطير اللغوي والشكليّ بأن عمليات جيش الاحتلال في الأغلب "دقيقة ومهنيّة"، وأن ما حصل مجرد استثناء شاذّ، وهو ما أثبتته عشرات التقارير الأممية نقيضه.
- التوازن والحياد: بدا واضحًا محاباة الرواية الإسرائيلية في تغطية هذه الحادثة، على حساب التغطية الموضوعية لما يجب أن ينظر إليه باعتباره استهدافًا جديدًا للمدنيين، لا يفترق عن مجمل ما تسببت به الآلة العسكرية الإسرائيلية من جرائم خلال الأشهر الخمسة الماضية إلا بكون الضحايا هذه المرّة من جنسيات أجنبية غربية. إلا أن التقيّد مع ذلك بالرواية الإسرائيلية يخل بتوازن هذه التغطية ويبرهن من جديد على عدم حيادها.
يدلّ هذا الشكل من التماهي مع موقف الاحتلال الإسرائيلي في وسائل إعلام غربية سائدة على رضوخ غير مهني وأخلاقي لحملته الدعائية، دون أي اعتبار للأدلة السياقية الوفيرة في حربٍ لم تتورّط فيها إسرائيل بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين وحسب، وبل ولم تتورع خلالها عن استهداف مختلف المنشآت المدنيّة المحمية بالقانون الدولي، ولاسيما المستشفيات ودور العبادة والمدارس والجامعات وغيرها، وهو السياق الجليّ الذي لجأت هذه الصحف والشبكات إلى التعمية عليه في تغطيتها الخبريّة.
الثلاثاء 26 مارس 2024
ثغرة جديدة في تقرير نيويورك تايمز بشأن ادعاءات العنف الجنسي في 7 أكتوبر
اعترفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بوجود ثغرة في تقريرها المثير للجدل بشأن ادعاءات العنف الجنسي الممنهَج في السابع من أكتوبر، وذلك بعد الاطلاع على مقطع فيديو يفنّد شهادة مسعف عسكري إسرائيلي كانت الصحيفة قد اعتمدت عليها لتشكيل روايتها عن الموضوع، ونشرَتْها في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكان المسعف العسكري، التابع لوحدة من القوات الجوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، قد ادّعى معاينته لأدلة واضحة تشير إلى علامات هتك جنسي لفتاتين مراهقتين في كيبوتس بئيري في غلاف غزة، وأنهما كانتا شبه عاريتين حين وَجَدَ جثّتيهما. إلا أن نيويورك تايمز، التي تلقفت شهادته في التقرير من دون تحفّظ، اطلعت خلال الشهر الجاري على مقطع فيديو يقوّض تلك الشهادة، تظهر فيه الفتاتان بكامل لباسهنّ، وبلا أي علامات تدل على تعرّضهن لعنف جنسي.
وبما أنّ سجلّ الضحايا من ذلك الكيبوتس لا يتضمن أي حالات يتقاطع وصفها مع الوصف الوارد في الشهادة، فإن الصحيفة اعترفت بعدم دقّتها، وأقرت بأن الفتاتين لم تتعرضا على الأرجح لواقعة اغتصاب يمكن إثباتها، في تراجع واضح عن الادّعاء ذاته الذي أسهمت نيويورك تايمز في الترويج له رغم نفيه من شهود عيان آخرين، منهم أقارب بعض الضحايا ومسؤولون في الكيبوتس، كان آخرهم سيدة تدعى "نيلي بار سيناي"، نقلت التايمز شهادتها التي تقول فيها إن "القصة برمّتها مفبركة".
وتعدّ هذه هي المرّة الأولى التي تعترف بها نيويورك تايمز بوجود ثغرات تنزع المصداقية عن تقريرها الذي حمل عنوان "صرخات بلا كلمات"، الذي تصرّ الصحيفة على التمسّك به رغم جملة المخالفات الصريحة فيه التي أثارت جدلا وتوترا حتى داخل أروقة نيويورك تايمز نفسها؛ فقد كشفت تسريبات داخلية عن سحب حلقة من بودكاست "ذا ديلي" اشتملت على تحفّظات على التقرير، ولا سيما من ناحية التغاضي الواضح من قبل معدّيه عن التضارب البيّن في أقوال الشهود التي جرى جمعها، وأسلوب عرضها بلغة قطعية تعمدت الإثارة. وواجهت الصحيفة الأمريكية انتقادات واسعة بعد الكشف عن قبولها مساهمة صحفية إسرائيلية في التقرير تُدعى "آنات شوارتز"، تبيّن عدم امتلاكها لأي خبرة ذات صلة، عدا عن تأييدها لدعوات الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وإعجابها بتغريدات على منصة "إكس" تطالب بتحويل القطاع كلّه إلى "مسلخ"، وتغريدات عديدة أخرى ذات مضمون مشابه، عُرض بعضها شواهدَ في محكمة العدل الدولية، في القضية المرفوعة على إسرائيل.
إن إقرار نيويورك تايمز بهذه الثغرة في تقريرها لا يعفيها من اتخاذ الإجراء اللازم في مثل هذه الحالات، من الاعتذار العلني عن الإقدام على نشره، والاعتراف للقراء بنطاق التجاوزات المهنية والإشكالات الأخلاقية العديدة فيه، والتعهد باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في القضية وتحمل تبعاتها الأخلاقية والقانونية.
الأحد 24 مارس 2024
لماذا يصمت الإعلام الغربي عن تقارير حول انتهاكات جنسية ضد فلسطينيّات في قطاع غزّة؟
تصدّرت الأخبار خلال الأيام الماضية شهاداتٌ صادمة لفلسطينيين حول صنوف الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزّة، ومن بينها جرائم الانتهاك الجنسي والاغتصاب. وقد جرى تداول الشهادات على نطاق واسع، واتّضح اتساقها مع ما ورد في شهادات عديدة سابقة خلال الأشهر الماضية من حرب الإبادة الجماعية على غزة، من بينها شهادات وثقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وتقارير أخرى تعاملت معها "بقلق بالغ" خبيرات أمميات لدى الأمم المتحدة تتحدث عن انتهاكات مماثلة ضد النساء الفلسطينيات في غزّة، توثّق تعرّضهنّ لأشكال مختلفة من الاعتداء الجنسي، من بينها الاغتصاب والتهديد به.
رغم ذلك، تتجاهل وسائل الإعلام الغربية السائدة هذه التقارير المدعّمة بشهادات متسقة من ضحايا وشهود، وتحجم غالبيتها عن مجرد التعامل الخبريّ معها ولو باعتبارها اتهامات يشيع تداولها على نطاق واسع، على غرار تعاطيها مع مزاعم العنف الجنسي في هجوم السابع من أكتوبر، والاعتماد المفرط وغير المهني عليها للترويج لادعاءات مضللة، من قبيل وقوع اعتداءات جنسية "ممنهجة"، مثلما فعلت صحيفة نيويورك تايمز، في التقرير الذي جر عليها انتقادات واسعة، والذي ثبت اضطرابه وافتقاره للموضوعية في أكثر من تحليل.
إن اتخاذ هذا الموقف السلبي من تغطية تقارير حول الانتهاكات الجنسية الإسرائيلية في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، يشكّل دليلا جديدا يضاف إلى جملة الأدلة العديدة المرصودة على مدى الأشهر الماضية، من انتهاك العديد من وسائل الإعلام الغربية للقيم الصحفية الأساسية. ولعل من أبرزها في هذه الحالة: مبادئ الإنصاف والموضوعية والحياد، فضلًا عن التنازل عن مسؤولية العمل الصحفي في أداء دور الرقابة على السلطات ومساءلتها، ولاسيما فيما يمسّ اتهامات جسيمة صادمة تقع على النساء، وفي سياق حرب يجري النظر بها في محكمة العدل الدولية باعتبارها تخرق اتفاقية الإبادة الجماعية ويتورّط بها القائم بالاحتلال بجرائم كبرى موثّقة.
الإثنين 18 مارس 2024
كيف تبنت نيويورك تايمز رواية الاحتلال حول استهداف مستشفى الشفاء؟
تشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية اقتحام جديدة في مستشفى الشفاء، مستعينةً بالدبابات والطائرات المسيرة، في محاولة للقضاء بالكامل على القدرة التشغيلية المتبقية للمجمع الطبي الذي تعرضت أجزاء عديدة منه للتدمير في نوفمبر العام الماضي. وقد تبنّت نيويورك تايمز الأمريكية في تغطيتها رواية الاحتلال بشأن العملية، إذ كررت ادعاءاته بوصفها عملية "عالية الدقّة" في أجزاء من المستشفى، وأنه يتواجد فيه عناصر من قيادات حركة حماس "أعادوا تجميع صفوفهم" في المستشفى الأكبر في القطاع، بناء على "معلومات استخبارية جدّية".
كما أعادت الصحيفة سرد رواية الاحتلال بشأن حصول إطلاق نار باتجاه جنود إسرائيليين من داخل المستشفى، رغم نفي وزارة الصحة في غزة، وشهود عيان، لحدوث ذلك. من جهة أخرى، اكتفت الصحيفة بنقل ما أفادته الوزارة عن تعرض المجمع للقصف المدفعي، مع التأكيد على أن الوزارة "تابعة لحماس"، في محاولة لتأطير المعلومة ضمن الرواية التي يسعى الاحتلال لترويجها.
وكانت مدفعية الاحتلال، بحسب عدة صحفيين فلسطينيين من بينهم مراسل شبكة الجزيرة، قد قصفت مستشفى الشفاء وفرضت حصارًا على من فيه من الطواقم الطبية والصحفيين والنازحين والمرضى، قبل أن تبدأ أعداد من العائلات بالنزوح منه هربًا من نيران القوات الإسرائيلية بعد وقوع عدد من الضحايا بين المرضى والنازحين.
كما تناولت نيويورك تايمز هذه التطورات في خبر تفصيلي منفصل حمل عنوانًا يؤكّد الرواية الإسرائيلية بشأن "عودة حماس إلى أكبر مستشفى في غزة"، في اتساق مع الخط الذي تفرضه المؤسسة الرسمية الإسرائيلية في تناول هذا التطوّر، وتصدير الصوت العسكري الإسرائيلي في صياغته، وهو ما يشكل خرقًا متجددًا لمعايير الدقة والموضوعية الصحفية، وتنازلًا عن مسؤولية الإعلام في التحقق المستقل من المعلومات كلما أمكن، عدا عن إسقاط السياق الضروري بشأن عمليات الاحتلال في القطاع المحتل، ولاسيما استهدافه المباشر للمستشفيات وتدميره للقطاع الصحيّ، الذي يعدّ جريمة حرب موصوفة.
من جهة أخرى، تجاهلت نيويورك تايمز خبر اعتقال جيش الاحتلال مراسلَ الجزيرة، إسماعيل الغول، من داخل مجمع الشفاء، بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرّح، في تخلّ واضح عن الواجب المهني في تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون، وتقويض الدور المفترض للصحافة في الدفاع عن الحريّات الصحفية ومساءلة السلطة، وبالأخص تلك القائمة بالاحتلال والمتهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية.
الأربعاء 6 مارس 2024
هل تبنت "ليبيراسيون" رواية جيش الاحتلال حول مزاعم الاعتداءات الجنسية في 7 أكتوبر؟
في سياق محاولة إعادة الحياة إلى الرواية الأولى بشأن مزاعم حصول اعتداءات جنسية في هجوم السابع من أكتوبر، نشرت صحيفة ليبيراسيون، إحدى الصحف الفرنسية المؤثرة والمعروفة بتوجهها اليساري، مقابلة مع ميريت بن مايور، المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية والمدعية السابقة.
تنطوي هذه المقابلة على مخالفات مهنية وأخلاقية يمكن إجمالها على النحو التالي:
أولا: رغم وجود تقارير موثقة وتحقيقات من منصات صحفية مختلفة تشكك -بل وتنسف- رواية الاعتداء أو الاغتصاب الجنسي التي روجها جيش الاحتلال في اليوم الأول للهجوم، فإن طريقة بناء المقابلة والمصطلحات الموظفة تعطي انطباعا بأن الصحفية التي أجرت الحوار موقنة بأن هذه الرواية دقيقة من دون أي دليل متين.
ثانيا: تعدّ النديّة من العناصر الأساسية للمقابلة الصحفية، لكن في ثنايا مقابلة ليبراسيون، كانت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية، تتحدث بأريحية وتستعرض المعلومات حول مسائل هي موضع شك وجدل، دون أن تكون الصحفية مستعدة للتشكيك في هذه الروايات، أو الاستدراك عليها بإعمال الحس النقدي وتذكير الطرف الذي تحاوره بوجود تقارير ومقالات عديدة تؤكّد عدم وجود أية أدلة جنائية على الادعاءات المتداولة، إضافة إلى شهادات أفراد من أسر الضحايا تنفي شبهة وقوع الاعتداء الجنسي.
ثالثا: ثمة شبهة قد تصل إلى التعمد في تبني رواية الجيش الإسرائيلي بشأن موضوع الاعتداءات الجنسية. تقول المتحدثة باسم الشرطة: "نتحدث عن الاغتصاب، وقطع الأعضاء الجنسية، الأنثوية والذكورية، ونتحدث كذلك عن إطلاق النار في اتجاه الأعضاء التناسلية، واللمس الممنهج. إننا نتحدث عن الضحايا من النساء، ولكن من الرجال أيضا... وثقنا شهادة امرأة أخبرتنا أنها شهدت حادثة اغتصاب خلال المهرجان...". هذه سلسلة تُهَم أطلقتها بينما الصحفية تنتقل إلى السؤال التالي، وكأن الأمر يتعلق بحقيقة ناجزة مسنودة بحقائق ووثائق وشهادات.
رابعا: يرأس تحرير صحيفة ليبيراسيون دوف ألفون Dov Alfon، العضو السابق في المخابرات الإسرائيلية، وقد نشر كتابا عن "الوحدة 8200" في الجيش الإسرائيلي، ما قد يؤثر على التغطية المهنية لحرب الإبادة الجماعية على غزة، أو على الأقل يوجِد شبهة للتحيز للرواية الإسرائيلية ربما ترقى إلى "التضارب في المصالح"، وبيان ذلك شكل المقابلة المنسجم تماما مع السردية الإسرائيلية بشأن ما وقع يوم 7 أكتوبر.
خطورة إحياء رواية الاعتداء الجنسي تكمن في أنها وُظِّفت من طرف جيش الاحتلال لتبرير حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، وقد تُشكِّل غطاءً لمواصلة جرائم الحرب في غزة وتأبيد الاحتلال الذي تدينه الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
الثلاثاء 5 مارس 2024
أدلة متزايدة على تداعي تقرير نيويورك تايمز بشأن "العنف الجنسي" في 7 أكتوبر
تتكشف العديد من الأدلة التي تقوِّض رواية نيويورك تايمز بشأن ادعاءات "العنف الجنسي" في 7 أكتوبر 2023، بعنوان "صرخات بلا كلمات". كان آخر هذه الأدلة ما كشفه موقع "ذا إنترسيبت" الأمريكي من معلومات بشأن اثنتين من الضحايا الثلاث الواردة أسماؤهن في تقرير نيويورك تايمز، وتأكيد مسؤولين في "كيبوتس بئيري" حيث وقع الهجوم، أنهما ليستا ضحيتي عنف جنسي بحسب ما ادّعى التقرير.
وقد كان لمادة نيويورك تايمز المنشورة في ديسمبر/كانون أول الماضي دور في الترويج لادعاءات وشهادات متضاربة تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، وإضفاء مصداقية عليها باعتبار السمعة التي تتمتع بها الصحيفة الأمريكية، على الرغم من عدم توفر أي أدلة شرعية رسمية أو شبه رسمية تؤكدها، بل وعلى الرغم من تراكم الأدلة الظرفية جميعها على عدم صحتها، وكان آخرها تكذيب رواية الصحيفة بشأن اثنتين من الضحايا المفترضات.
فبحسب مسؤولة في مجتمع الكيبوتس الذي وقعت فيه اشتباكات مع مسلحين فلسطينيين يوم 7 أكتوبر، فإن الضحيتين اللتين شكلت قصتهما دعامة أساسية لتقرير نيويورك تايمز، لم تتعرضا في الأغلب لأي عنف جنسي. كما أكدت المسؤولة، واسمها ميشيل بايكِن، أن كثيرا من الشكوك تحوم حول ادعاءات قدّمها مسعفون إسرائيليون متطوعون مع منظمة "زاكا"، وهي منظمة يمينية متطرفة ومعروفة بافتقارها إلى المصداقية. كما سبق أن شكك أفراد في عائلة الضحية الثالثة، غال عبدوش، أيضا بالقصة التي وردت في تقرير الصحيفة عن تعرضها لاعتداء جنسي، وهو ما ينزع الصدقية عن القصص الثلاث التي استند إليها التقرير.
وكانت تقارير سابقة قد أثارت عدة تحفظات أساسية تطعن في صدقية التقرير وموضوعيته وتفنِّد الخلاصات التي توصل إليها؛ من ذلك تورط واحدة من معدي التقرير، وهي "آنات شوارتز"، بمخالفات مهنية وأخلاقية جسيمة، بعد جمع شواهد تدل على تحيزها المسبق ضد الفلسطينيين وتأييدها للأعمال الانتقامية بحقهم، إضافة إلى تحمسها لدعم الدعاية الرسمية الإسرائيلية والحشد لها، وهو ما دفع الصحيفة أخيرا إلى فتح تحقيق بشأن هذه المخالفة، من دون الإعلان عن أي توجه للتراجع عن التقرير الأصلي وبيان أوجه الخلل العديدة التي تضمنها.
الأربعاء 21 فبراير 2024
كيف تجاهلت وسائل إعلام غربية تقريرا أمميا عن انتهاكات جنسية إسرائيلية في حق الفلسطينيات؟
حذر تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من مغبة التغاضي عن شهادات موثوقة تتعلق بانتهاكات صارخة تقع على النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزّة والضفة الغربية، في ظل الحرب والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة منذ زهاء خمسة أشهر.
وقد اشتمل التقرير على آراء سبع خبيرات في الأمم المتحدة بشأن ما تتعرض له الفلسطينيات من اعتداءات وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية والتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي. كما تضمّن التقرير إفادة من الخبيرات ترجّح حصول واقعتَي اغتصاب على الأقل في حق محتجزتين فلسطينيّتين خلال الفترة الماضية من قبل جنود في الجيش الإسرائيلي.
ورغم المصداقية العالية التي يتمتع بها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والخبراء العاملين فيه، واعتماد التقرير على تقييم للحالة من أبرز الخبراء التابعين للأمم المتحدة، ومنهم ريم السالم المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات في المنظمة، وفرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة بالمعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة، فإن العديد من وسائل الإعلام الغربية السائدة تعاملت مع الأمر بتجاهل تام.
والحال أن هذا التجاهل يأتي على الرغم من العناية الكبيرة لدى هذه الوسائل الإعلامية نفسها في الآونة الأخيرة، بالتغطية الحثيثة لادعاءات مشابهة غير موثقة وجرى الطعن بها، عن اعتداءات جنسية على فتيات إسرائيليات في هجوم السابع من أكتوبر. كان من أبرز تلك المحاولات تقرير مطول لنيويورك تايمز، أثارت ضروب التناقض فيه جدلا كبيرا حتى داخل المؤسسة نفسها؛ إذ استاء صحفيون فيها من نشر التقرير من دون خضوعه لمعايير التحقق الأساسية، واعتماده على ادعاءات لا تقوم عليها أي أدلة معتبرة، بل وتم تفنيدها حتى في وسائل إعلام إسرائيلية.
إن تجاهل العديد من وسائل الإعلام الغربية السائدة هذا التقرير الصادر عن هيئة أممية موثوقة، والتغاضي عن العديد من التقارير الصحفية المروّعة التي توثّق نمطا ممنهجا من مثل هذه الاعتداءات على الفلسطينيات، يدلّ على تواطؤ يتقصّد تغييب الرواية الفلسطينية، واتفاق على ضرورة الاستمرار في شيطنة الفلسطينيين ونزع الإنسانية عنهم، ما دام ذلك يخدم الرواية الإسرائيلية، وفي ذلك خرق لعدد من القيم الصحفية الأساسية، نذكر منها:
- الإنصاف والتوازن
فعلى وسيلة الإعلام التي تتمتع بالمهنية والمسؤولية أن تلتزم بتغطية متوازنة، ولا سيما في سياق حرب إبادة منظور فيها أمام محكمة العدل الدولية، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، وأدت إلى تدمير 70 بالمئة من مساكنهم، عدا عن تدمير البنى التحتية بأكملها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والجامعات وكل المنشآت الأساسية لسير الحياة المدنية بحدها الأدنى.
- الموضوعية
يشكّل هذا السلوك في وسائل الإعلام الغربية في تخصيص المساحة للتغطية والتعاطف بناء على هوية الضحايا انتهاكا واضحا لمعيار الموضوعية وضرورة اتخاذ مسافة متساوية، على الأقل، بين أطراف أي قضية.
- الاستقلالية
تبدو وسائل الإعلام الغربية في إصرارها على التعمية عن الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين وكأنها تفصح عن اصطفاف مبدئي لصالح طرف دون آخر، يتيح لها تجاوز القيم التي تدعي تمثيلها والدفاع عنها، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة عن استقلاليتها التحريرية فيما يخص تغطية هذه القضية وسواها.
- المسؤولية
تتخلى وسيلة الإعلام عن مسؤوليتها إزاء الجمهور حين تفرد تغطية لزاوية معينة في إحدى القضايا على حساب أخرى، وهو ما قد يرقى إلى مستوى التضليل المتعمّد، عدا عما يترتّب على هذا السلوك من إساءة للضحايا من كل الأطراف.
الإثنين 22 يناير 2024
هل حاولت نيويورك تايمز تبييض صورة جيش الاحتلال بتوظيف ورقة "النسوية"؟
نشرت صحيفة نيويورك تايمز في غلاف عددها المطبوع ليوم 20 يناير/كانون الثاني تقريرا يحاول الإشادة بجهود "النساء" في الجيش الإسرائيلي الموجودات على جبهة غزة، تحت عنوان"نساء إسرائيل يقاتلن على الخطوط الأمامية". فما أبرز المخالفات المهنية التي ارتكبتها نيويورك تايمز في هذا التقرير؟
- حاول التقرير تصوير مشاركة النساء في جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن حربه على قطاع غزة بوصفه انتصارا لحقوقهن ونضالهن في المساواة مع الرجل، وكأن هذا الانتصار جاء في سياق نيل حق التصويت أو المساواة في الحقوق، لا المشاركة في حصار الفلسطينيين في قطاع غزة وتجويعهم وقتلهم، حسب تقارير موثقة للمنظمات الحقوقية.
- تجاهل تقرير نيويورك تايمز حقيقة أن أولئك النساء هُنّ في واقع الأمر جنديات وضابطات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأنهن متهمات بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين في قطاع غزة، وقتل قرابة 25 ألفا في القطاع 70% منهم من النساء والأطفال.
- على الرغم من أن التقرير ذاته يذكُر أن "24 ألف فلسطيني قتلوا منذ السابع من أكتوبر جلهم من النساء والأطفال"، فإنه ينسب القاتل للمجهول؛ إذ إن ذكر حقيقة أن هؤلاء الفلسطينيين قُتِلوا على يد الجيش الإسرائيلي قد يثير التساؤل عن دورهن في تقرير يحاول تمجيدهن.
- سعت الصحيفة في تقريرها إلى تأطير قصص المجندات النساء والدور الذي يلعبنه في الحرب بوصفه إنجازا للحركة النسوية، وأن ما حققته هؤلاء المجندات من أجل قبول وجودهن على الخطوط الأمامية للقتال هو نضال يستحق الثناء، بعد أن كان هناك حالة من "الجدال الطويل بين المحافظين والنسويات" بشأن دور النساء في الجيش الإسرائيلي، مع نزع كامل لسياق هذه المشاركة وحجم الجرائم التي تتابَعُ عليها إسرائيل في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية.
- عرضت نيويورك تايمز التقرير ضمن قالب تحريري بأسلوب عرض قصص نجاح النساء في العالم مِمّن نجحن في تحدي القوانين والقواعد المجتمعية المقيِّدة لحقوقهن، مثل نضال النساء لنيل حق التصويت، أو حق المساواة في الأجور، وغيرها، في محاولة ربما لاستثمار وقع هذا النوع من التقارير على النساء، ولا سيما ناشطات الحركة النسوية اللواتي يناضلن من أجل نيل حقوقهن المشروعة. وربما ينطوي الأمر على نوع من تبييض سمعة المجندات الإسرائيليات اللواتي "ناضلن" من أجل نيل المساواة في القتال على الخطوط الأمامية، ضمن جيش يُعَدّ قوة احتلال وفق القوانين الدولية، ومتهم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين بغزة.
- في المقابل، فإن الصحيفة تجاهلت ظروف النساء في قطاع غزة اللواتي يعانين -منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي على الأقل- من القتل والحصار والتجويع والتهجير بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. يشير تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أنه في كل ساعة تُقتَل اثنتان من الأمهات في قطاع غزة، وأن قرابة مليون سيدة وفتاة تم تهجيرهن، إلا أن نيويورك تايمز عمدت إلى تجاهل هذه المعاناة المستمرة للنساء الفلسطينيات، والتركيز على قصص مجندات إسرائيليات في جيش يخضع للمحاكمة في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة حرب، ضمن تقرير على غلاف الصحيفة باعتباره حدثا جللا.
يأتي تقرير نيويورك تايمز بعد أسابيع قليلة من نشر الصحيفة ما ادعت أنه تحقيق يثبِت تورط حماس بجرائم اغتصاب في حق نساء إسرائيليات يوم السابع من أكتوبر 2023، الذي تبين أنه ينطوي على مخالفات مهنية كبرى تشكك في كل الادعاءات التي خلُص إليها والشهادات التي ادعى أنه استند عليها، كما وضحنا في مجلة الصحافة قبل أسابيع.
الأحد 21 يناير 2024
"إن بي سي" وتغطية الحرب على غزة.. لماذا تتجاهل مسؤولية إسرائيل عن انهيار المنظومة الصحية؟
تعاني المنظومة الصحية في قطاع غزة المحاصر من حالة انهيار شبه كاملة، جراء تواصل الهجمات الإسرائيلية منذ نحو ثلاثة أشهر، راح خلالها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى. ورغم الاستهداف المباشر لجيش الاحتلال الإسرائيلي للمنشآت المدنية كافة في القطاع، بما فيها المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإيواء، وتقييده دخول المساعدات العاجلة من غذاء ودواء، فإن وسائل إعلام غربية ما تزال تتجنب الإشارة إلى مسؤوليته المباشرة عن الكارثة الحاصلة، التي تهدد بمقتل الآلاف جراء الجوع وعدم توفر سبل العلاج الأساسية.
ففي تقريرها عن انهيار القطاع صحيا، وما يرافق ذلك من استمرار الموت البطيء والمؤلم بين الفلسطينيين في غزة، أخفقت شبكة "إن بي سي" الأمريكية في بيان الطرف الفاعل والمسؤول عن ذلك؛ وهو الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يرد ذكره إلا في فقرات متأخرة، وفي سياق التذكير بهجمات السابع من أكتوبر، وعدد القتلى الإسرائيليين الذين وقعوا في ذلك الهجوم. وتجدر هنا الإشارة إلى أن التقرير يشير إلى هذا العدد من دون تقييده بذكر المصدر، بخلاف ما حصل عندما أتى على ذكر عدد الضحايا الفلسطينيين؛ إذ حرص المحرر على التنويه بالمصدر، وهو وزارة الصحة في غزة [التي تسيطر عليها حماس]، في حين تخفق الشبكة في ذكر السياق الأساسي الذي تقع فيه هذه الحرب التي أودت بحياة أكثر من 25 ألف شهيد من الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال.
كما تتجنب الشبكة ذكر الطرف المسؤول حتى عند نشر المادة على حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يشير إلى سياسة عامة تتسق مع الخيارات التحريرية المعتمدة لدى عدة وسائل إعلام أمريكية وغربية سائدة، جرى رصدها خلال الأسابيع الماضية.