طالت سلطة الإعلام الاجتماعي وسائل الإعلام الكبرى التي وجدت نفسها أمام مصدر غير تقليدي أوقف من احتكارها لمجال نقل الأخبار. وبدا أثر ذلك واضحًا في التركيبة الجديدة لغرف الأخبار وقائمة مصادرها التي لا تخلو من الأقسام المخصصة للمحتوى المنتَج من قبل مستخدمي مختلف المنصات، والتي فتحت المجال أمام الجميع لبث الأخبار بمختلف أنواعها لتزيد بذلك مخاوف وقوع المؤسسات الإعلامية في أخطاء تمس مهنيتها متى لم تخضع الأخبار المنقولة عبر هذه المصادر للتدقيق اللازم والصارم عبر الآليات المناسبة في مجال التحقق.
وتحاول هذه الدراسة انطلاقًا من تغطية قناة الجزيرة للمشهد اليمني، وتحديدًا الأخبار المتدفقة عن اليمن عبر منصات الإعلام الاجتماعي، البحث في آليات التحقق منها عبر سلاسل إنتاج الخبر بدءًا من البحث عنه وصولًا إلى اعتماده وبثه. وتهدف الدراسة أيضًا إلى رصد التحديات التي تفرضها تغطية الأخبار اليمنية والمصادر المعتمدة في ذلك ومسار التحقق منها وبناء الثقة فيها، كما تسلط الضوء على قدرة غرفة أخبار الجزيرة بشأن التطوير المستمر لمهارات صحفييها في مجال التحقق في ظل تطور أساليب التضليل.
وتبرز أهمية البحث في تصدر مخاوف اكتساح الأخبار الكاذبة للمشهد الإعلامي في ظل انخراط المؤسسات الإعلامية والصحفيين في اعتماد الإعلام الاجتماعي كمصادر لأخبارهم دون امتلاك المهارات المناسبة للتحقق بالتوازي مع تطور أساليب التضليل، مقابل نقص الدراسات في المكتبة العربية بالخصوص التي تبحث في هذا الموضوع وترصده عن قرب عبر الولوج إلى المؤسسات الإعلامية وغرف الأخبار وبيان تعاملها مع هذا الموضوع في خضم عملية الإنتاج المحكومة بالزمن.
واختارت الدراسة غرفة أخبار الجزيرة مجالًا لبحثها باعتماد عينة دراسية تنخرط في سلاسل إنتاج أخبار الشأن اليمني المتدفق عبر الإعلام الاجتماعي وأيضًا لعلاقتها بمسار إنتاجه داخل غرفة الأخبار، وتحاول الدراسة بيان هذه المسارات في كل قسم والتعرف على آليات التحقق المعتمدة والمهارات المكتسبة في هذا المجال.
وقد بدت مهارات صحفيي الجزيرة في مجال التحقق متفاوتة خاصة مع الاعتماد على جهتين أساسيتين للتحقق من الخبر اليمني هما: القسم المسؤول عن الملف اليمني، ووحدة الرصد والتحقق التابعة لقسم الإعلام الاجتماعي بغرفة أخبار الجزيرة. وحاولت الدراسة رصد أبرز الآليات المعتمدة في عملية التحقق التي تبدأ من مرحلة بناء الثقة في المصادر مرورًا بالشك فيما يرد من أخبار وصولًا إلى اعتماد الآليات التقنية لكشف عمليات التضليل.