من الثورات العربية إلى بريطانيا مروراً بماليزيا وإعصار هاييتي وحوادث تحطم واختفاء طائرات وصولاً إلى انقلاب تركيا "الفاشل" والعمليات الإرهابية في ألمانيا وفرنسا وغيرهم...نماذج عدة تكشف عن تأثير استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات والكوارث الإنسانية والطبيعية والسياسية المختلفة، وكيفية توظيفها بفاعلية في تجاوز تلك الأزمات ومنع تفاقمها، أو في أحيان أخرى تضخيمها وتوسيع رقعة انتشارها.
تغييرات جذرية وتأثيرات نوعية أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي بأدواتها ومنصاتها المختلفة، التي مكنتها من تغيير معالم المشهد الإعلامي الخاص بإدارة الأزمات، نظرا لما تتمتع به من مزايا وخصائص تؤهلها للقيادة والتوجيه.
فالأزمات العالمية الأخيرة أظهرت حضوراً بارزاً بل ومؤثراً لشبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت مفتاح حل أو نزع فتيل واحتواء العديد من الأزمات قبل تفجرها على نطاق واسع كما حدث مؤخرا خلال محاولة الانقلاب "الفاشلة" في تركيا.
فكيف يمكن استخدام تلك المنصات الاجتماعية بفاعلية وقت الأزمات ودمجها مع استراتيجية الاتصال الخاصة بإدارة الأزمة؟ وما طبيعة هذا الاستخدام؟ وما يترتب عليه من مزايا للمستخدمين بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الرسمية والشعبية؟
إدارة "رقمية"
عادة ما تُستخدم شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات والكوارث بسبب ما تتمتع به من خصائص تتفرد بها عن غيرها من الوسائل، ومن أهم تلك الخصائص:
-
الفورية والتزامن في نشر و تبادل المعلومات والتعليمات.
-
إتاحة خاصية البث المباشر التي من شأنها تنبيه الجهات المختصة لسرعة التحرك واتخاذ إجراءات الأمان والسلامة.
-
القدرة على الوصول إلى الجماهير الواسعة متجاوزة كل الحدود الطبيعية و"المصطنعة" بفعل الرقابة والحجب.
-
تعزيز التفاعلية والاتصال الثنائي باتجاهين.
-
القدرة على رصد الإشاعات ووضع الخطط الكفيلة بمواجهتها ومحاصرتها.
-
سهولة الاستخدام والوصول إليها من عدة منافذ أهمها الهواتف الذكية.
-
استخدام الوسوم (الهاشتاغ) بما يسهل عملية تجميع أكبر قدر من المعلومات المتوافرة حول الموضوع في مكان واحد.
-
القدرة على تعديل الرسائل الاتصالية التي تسبب إشكالات بسرعة قياسية.
-
مشاركة الآخرين التعليقات والأخبار والصور والفيديوهات.
-
الرد على الاستفسارات وتلبية نداءات الاستغاثة الإنسانية لطمأنة المواطنين.
هذه الخصائص وغيرها يمكن توظيفها في إدارة الأزمات للحكومات أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية (الأهلية) من خلال وظائف ومهام أساسية تسهم الشبكات الاجتماعية في تحقيقها بمهنية وكفاءة أعلى.
ووفقا لاستطلاع رأي كانت قد أعدته منظمة الصليب الأحمر الأميركي، بمشاركة عدة مؤسسات فقد خلصت إلى نتائج تؤكد أهمية الدور الذي تؤديه شبكات التواصل الاجتماعي في الاستجابة لحالات الطوارئ، حيث أظهر الاستطلاع أن نحو نصف المشاركين استخدموا تلك الشبكات في حالات وقوع كوارث من أجل التواصل مع أقربائهم وأصدقائهم والاطمئنان على أحوالهم وتوفير قنوات اتصال لهم مع الجهات المسؤولة.
أما عن طبيعة ومحتوى المادة المستخدمة خلال تلك الشبكات فإنها تتراوح ما بين:
-
نصوص وكلمات (معلومات وتعليمات ومتابعات).
-
صور ثابتة ومتحركة.
-
بث مباشر.
-
مقاطع فيديو
-
خرائط تفاعلية
-
روابط إلكترونية لمؤسسات ذات علاقة.
لكن هذه الخصائص لا تتحقق بالاستخدام العشوائي، وإنما باتباع استراتيجية اتصالية يقوم على تنفيذها ومتابعتها فريق متخصص في مجالات عدة، وأهم عناصر بناء "فريق إدارة الأزمة" اليوم هو إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تفتقر إليه العديد من المؤسسات في عالمنا العربي.
وتمثل شبكات التواصل الاجتماعي القلب النابض لـ"فريق إدارة الأزمات" ومن أهم أدواته المؤثرة، ويحتاج إلى تخطيط ومتابعة حثيثة لتطورات الأزمة وتداعياتها المختلفة، ومتابعة استفسارات وتعليقات ومطالب الجمهور دون إهمال، حيث تقتضي بعض الاستفسارات ردا سريعا قد لا يحتمل التأجيل أحياناً.
ومن أهم الشبكات الاجتماعية التي لها حضور مؤثر خلال الأزمات: الفيسبوك وتويتر واليوتيوب، وانضم إليهم حديثاً الأنستغرام.
"العصر الذهبي" للمنصات.. عربياً
مستخدمو الشبكات الاجتماعية العرب الذين يتزايد عددهم بصورة كبيرة جدا، تجاوز استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي الاستخدام النمطي منذ انطلاق ثورات الربيع العربي في العام 2010، حيث اعتبر بداية "العصر الذهبي" للنشطاء العرب. وجرى استخدامها لتعزيز حركة الثورات والاحتجاجات ضد بعض الأنظمة العربية على صعيدين: صعيد الاحتجاجات داخل البلد نفسه، وصعيد نقل تجربة الثورات من بلد إلى آخر، وهو ما تحقق بالفعل بغض النظر عن النتائج الحالية التي وصلت إليها ثورات الربيع العربي.
ويمكن تلخيص أبرز المهام التي تولاها نشطاء التواصل الاجتماعي خلال تلك المرحلة في النقاط الآتية:
-
نشر وتبادل الأخبار والصور الخاصة بالتظاهرات والاحتجاجات.
-
متابعة التطورات الميدانية أولاً بأول وإطلاع الجمهور على تفاصيلها.
-
الحشد والتعبئة الجماهيرية ضد الأنظمة بهدف توسيع رقعة الاحتجاجات والاعتصامات وتعزيز المشاركة الشعبية فيها.
-
فضح الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون المتظاهرون ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي.
-
كسر حاجز الخوف والرهبة من قمع الأنظمة.
-
إنهاء حالة الاحتكار الإعلامي الرسمي والرقابة والتصدي للرواية الإعلامية الرسمية وتفنيدها.
ورغم أن شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي حققت نجاحات عدة وتفوقت على الإعلام الرسمي العربي؛ إلا أنها لم تستطع تحقيق اختراق على الصعيد الدولي تجاه الأزمات الإنسانية العربية ومن بينها أزمة "حلب" السورية بسبب ما أسموه "سياسة الكيل بمكيالين" التي انتهجها الفيسبوك.
إدارة الأزمات العالمية بـ"المنصات"
وعالمياً؛ تعاملت العديد من الدول والمنظمات الإنسانية بأهمية بالغة مع شبكات التواصل وأدرجتها ضمن استراتيجياتها الاتصالية لإدارة الأزمات التي تواجهها، ونعرض فيما يلي بعض تلك النماذج والحالات التي يصعب حصرها هنا:
-
في أميركا.. أصبح باستطاعة الجمهور الآن إرسال رسائل إلى الرئيس أوباما عبر حساب البيت الأبيض على موقع فيسبوك، عبر تطبيق اسمهMessenger bot تابع للبيت الأبيض- وهو الأول من نوعه لدى أية حكومة في العالم أجمع – ما يعد خطوة استباقية لرصد أية مشكلات أو أزمات قبل اندلاعها وتفاقمها.
-
خلال محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا مؤخراً؛ برز الإعلام الجديد وتطبيقاته المختلفة كعامل هام في حسم الأزمة السياسية. فمدبِّرو الانقلاب استخدموا تطبيق الواتس آب للتواصل فيما بينهم ونقل مخططاتهم وأوامرهم ميدانياً، بينما رئيس الجمهورية استخدم تطبيق "فيس تايم" في الساعة الأولى للمحاولة الانقلابية لطمأنة الجماهير على حياته وعلى سلامته ولحشد أنصاره ودعوتهم للنزول إلى الميادين والمراكز الحيوية، كما اعتمد الإعلاميون والمواطنون على الواتس آب بشكل كبير ليلة الانقلاب بديلًا عن مواقع التواصل الاجتماعي التي تم حجبها وتعطيل الوصول إليها وفق ما توصلت إليه دراسة د.إسلام حلايقة.
-
في أعقاب الانفجارات التي شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرا، عملت إدارة الفيسبوك مباشرة على تفعيل تطبيق "SAFETY CHECK"، والذي حمل اسم "Brussels Explosions" بهدف تمكين عائلات وأصدقاء المتواجدين في العاصمة البلجيكية بروكسل من التحقق بأنهم بأمان. وجاء هذا التطبيق امتدادا لتطبيق سابق اسمه "Paris attack terror" دشنه فيسبوك لأول مرة في أعقاب الانفجارات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 .
-
خلال أعاصير "إيرين و ساندي وبوفا" أثبتت منصة تويتر قوة حضورها وفاعليتها في عمليات تنسيق الملاجئ والمواد الأغذية وغيرها من جهود الإغاثة للمتضررين وإطلاق الوسوم التضامنية وغير ذلك، إلى جانب استخدام خرائط غوغل في الوصول إلى الجماهير والفئات المتضررة أثناء الأزمات.
-
إثر أزمة اختفاء الطائرة الماليزية في العام 2014؛ أجرت الباحثة الماليزية "نادية إيروان" دراسة حول تقييم دور وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا الفيسبوك من أجل الوصول إلى الجمهور الخارجي خلال الأزمة حيث أظهرت نتائجها أن استخدام الفيسبوك كان له دور مؤثر خلال الأزمة حيث استخدمته الحكومة في تبني وتطبيق استراتيجيات الاتصال الفعال للوصول إلى الجمهور الخارجي والتواصل مع وسائل الإعلام والسيطرة على المعلومات بهذا الخصوص، إلى جانب عمليات التغطية المستمرة.
-
بحث آخر أعده مجموعة باحثين أوربيين حول مدى الثقة في فيسبوك والاعتماد عليه خلال الأزمات؛ أظهر ارتفاع معدلات ثقة الجمهور الأوروبي بالفيسبوك خلال الأزمات والاعتماد عليه بصورة كبيرة في إجراء عمليات الاتصال والتواصل والتبادل المعلوماتي وغير ذلك.
-
في العام 2011، دشنت الولايات المتحدة الأميركية نظاما جديدا للتحذير مما أسمته "العمليات الإرهابية" يطلق عليه "نظام التحذير الوطني من الإرهاب (NTAS)" لإبلاغ السكان بوجود خطر ما بمجرد توافر معلومات عنه، عبر بث معلومات وملاحظات محددة في شكل رسم تخطيطي.
استراتيجيات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات:
إن "الاتصالات الناجحة خلال الأزمات تعتمد على نظام قائم من قبل، وعندما تحصل الأزمة، لن تضطر سوى إلى تعديله وجعله أفضل. فالأزمة ليست الوقت المناسب لتصميم نظام جديد" كما يقول السكرتير الصحفي الأسبق للبيت الأبيض الأميركي، "مارلين فيتزواتر".
و حصيلة الاتصالات هي المعلومات، وهي أكثر ما يحتاجه الناس خلال الأزمات، مع الحفاظ على دقتها نسبيا وسرعة نقلها وفتح قنوات تواصل مباشر مع الجهات ذات العلاقة كافة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التعاطي الإعلامي مع الأزمة الذي يؤثر بالسلب أو الإيجاب على تفاعلاتها وتداعياتها.
وتعتمد الخطة الاتصالية الخاصة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لإدارة الأزمات على عناصر رئيسية، هي:
-
تحديد الهدف من استخدام تلك الشبكات والمنصات بصورة دقيقة، بعيدا عن الاستخدام العشوائي. (إستراتيجية الهدف)
-
تحديد قنوات الاتصال والأدوات المستخدمة. (إستراتيجية الوسيلة)
-
تحديد طبيعة ونوع المضمون الذي سيتم بثه للجمهور. (إستراتيجية الرسالة)
-
تحديد الجمهور المستهدف، وسبل الوصول إليه، والمطلوب منه ورصد ردوده. (إستراتيجية الجمهور المستهدف ورجع الصدى)
-
تحفيز عمليات المتابعة والتنسيق والتواصل مع الجهات ذات العلاقة والتقييم المستمر للتأكد من تحقيق الأهداف الموضوعة. (إستراتيجية القياس والتأثير)
أما الإستراتيجيات الاتصالية التنفيذية التي يمكن اتباعها لتنفيذ الخطة الاتصالية باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي فترتكز على عدة أسس، أهمها:
-
إستراتيجية التواصل الفعال والفوري استجابة لحالات الطوارئ، ومتابعة نداءات الاستغاثة الإنسانية.
-
اعتماد إستراتيجية البث المباشر أحيانا للأحداث، مع التحقق والتدقيق جيدا في المعلومات.
-
إستراتيجية التعزيز من الميدان من خلال كتابة تدوينات وتعليمات وإنتاج مواد بصرية من مواقع الأحداث مع تقديم قصص ونماذج وحالات واقعية بعيدا عن التضخيم والتهويل والإثارة.
-
إستراتيجية العرض المؤثر والمقنع من خلال المضمون الجيد والبسيط بما يتلاءم مع طبيعة الحدث، ويسهل مشاركته مع الآخرين مع استخدام الإنفوجرافيك والصور والخرائط وغير ذلك من المواد التفاعلية والبصرية التي تغنيك عن الكلمات الكثيرة، مع تغيير شكل تقديم المضمون لزيادة إقناع الجمهور برسالتك.
-
إستراتيجية "الحفر العميق" عبر تحليل وتفسير أبعاد الحدث وتداعياته، مع الوصول الى استنتاجات جديدة ووضع مقترحات وحلول للأزمة.
-
إستراتيجية "المواجهة بدلا من الهروب"، من خلال توضيحِ الحقائق ومواجهة الشائعات،وتعزيز الثقة المتبادلة مع الجمهور، والاعتراف ببعض الأخطاء الميدانية، وتوجيه الشكر إلى المساهمين والداعمين.
-
استراتيجية "تركيز الأدوات" والحرص على عدم تعدد الصفحات والحسابات المعلنة لك لتيسير وصول الجمهور وعدم الخلط بين حساباتك وحسابات أخرى بما يهدر الجهود.
-
إستراتيجية "الاستماع الفعال" من خلال تطوير المواقف وتعزيز الاستجابات من خلال المتابعة المستمرة لآراء الجمهور، والحرص على الاستماع له ومراقب ردوده ومطالبه والتفاعل معها ومحاولة إيصالها للمعنيين بأقصى سرعة ممكنة.
-
إستراتيجية دمج وإشراك الآخرين وتفعيل دور المواطنين كـ"مواطنين صحفيين" من أجل الوصول إلى المزيد من المعلومات خاصة من ميادين الأحداث، علاوة على الاستعانة بالخبراء وقادة الرأي والأخصائيين لتدعيم أهداف الخطة الاتصالية.
-
إستراتيجية تفعيل التطبيقات الخاصة بالشبكات الاجتماعية خلال الأزمات، ومن أمثلتها: تطبيق (SAHANA- FOSS)، و تطبيق FEMA وتطبيقUshahidi .
وختاما..فإن عدم إدراج وإشراك شبكات التواصل الاجتماعي في خطتك الاتصالية لإدارة الأزمات يعني إطالة عمر الأزمة مع إمكانية تفاقمها بدلا من حلها بعد أن أصبح دورها "إستراتيجيا" وليس سطحيا أو هامشياً، مع الحرص على الاستخدام المؤثر والفاعل لها، وهو ما يتطلب من الجانبين إدارة المنصات الاجتماعية والجهات المستخدمة - وتقصد الحكومات والمؤسسات هنا – ابتكار المزيد من التطبيقات والاستراتيجيات التي تعزز إدارة الأزمة باقتدار.
مراجع:
1) إسلام حلايقة، "دور الإعلام وتأثيراته في مسار الانقلاب الفاشل بتركيا"، مركز الجزيرة للدراسات 2016. : http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2016/08/160807113634101.html
2) موقع شير أميركا، "أصبح بمقدورك الآن أن تبعث برسالة إلى الرئيس أوباما عبر فيسبوك"، تاريخ النشر: 11 أغسطس/آب 2016. الرابط الإلكتروني: http://cutt.us/t2sP5
3) HOSSEINALI-MIRZA, V. E. N. U. S. (2015). CRISIS COMMUNICATION STRATEGIES AND REPUTATION RISK IN AN ERA OF SOCIAL MEDIA: A STUDY OF ONLINE USERS'PERCEPTION AND ENGAGEMENT.
4) RPO, J. C. C. (2014) THE ROLE OF SOCIAL MEDIA IN CRISIS PREPAREDNESS, RESPONSE AND RECOVERY.
5) JOLIE O'DELL (2011) How We Use Social Media During Emergencies [INFOGRAPHIC]. From:http://mashable.com/2011/02/11/social-media-in-emergencies/#RKAvhzESZuqk
6) Matt Murray (2015) 30 crowdsourced tips for social media in emergencies. From:http://www.commsgodigital.com.au/2015/08/30-crowdsourced-tipd-for-social-media-in-emergencies/