داخل خيمة ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، تلملم ملاك فرحات (23 عاما) بعض أوراقها وتجلس أمام حاسوبها، الذي حظي من بين مقتنياتها الأخرى بفرصة النزوح معها؛ لإنجاز ملفات تدريبية في مساق التنقيب عن البيانات في الإعلام.
داخل خيمة ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، تلملم ملاك فرحات (23 عاما) بعض أوراقها وتجلس أمام حاسوبها، الذي حظي من بين مقتنياتها الأخرى بفرصة النزوح معها؛ لإنجاز ملفات تدريبية في مساق التنقيب عن البيانات في الإعلام.
ملاك، الطالبة بقسم الإعلام الرقمي في الجامعة الإسلامية، انقطعت عن دراستها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهي تحاول جاهدة أن تستعيد فرصتها لإكمال فصلها الدراسي على أعتاب التخرج؛ إذ أعلنت جامعتها مطلع سبتمبر/ أيلول المنصرم عودة الدراسة عن بُعد بنظام التعليم الإلكتروني.
تقول الطالبة فرحات لـ "مجلة الصحافة": "إنّ التعليم الإلكتروني غير ملائم لبعض المساقات التطبيقية، مثل التدريب العملي والتصوير والمونتاج والتصميم الجرافيكي وهندسة الصوت، فضلا عمّا يتعلق بالوسائط الرقمية وإنشاء الفيديو والمساقات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي".
وكغيرها من طلبة الجامعات في قطاع غزة، عانت الطالبة فرحات من انقطاع التيار الكهربائي، وعدم توفر خدمات الإنترنت وضعفها، ناهيك عن انعدام بيئة دراسية ملائمة في ظل التخوفات من القصف، أو الاستهداف الإسرائيلي المُتوقع في أي وقت وكل مكان.
تستعيض فرحات عن نقص فرص التدريب الحالية بالجامعة بخلق فرصتها بالتعاون مع بعض المؤسسات المحلية، من خلال التدرب على التصوير وإنشاء القصص الصحفية الرقمية عن واقع المعاناة الإنسانية بغزة في ظل الحرب الإسرائيلية.
وجدت ملاك في هاتفها المحمول فرصةً كبيرة لإنتاج تلك القصص، وعبر ما تعلمته ضمن مساق "إعلام الهواتف الذكية"، إضافة إلى خبرتها في مجال تصوير الأطعمة والمنتجات الغذائية التي كانت تستهويها قبل الحرب.
أمّا الخريجة الجامعية شيماء أبو الهوى (24 عاما)، فكان واقع تجربتها مؤلما مع انقطاع الاتصالات وخدمة الإنترنت بداية الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة غزة. بنبرة متحسرة تحكي كيف خسرت فرصة عملها منسقةً إعلامية مع إحدى المؤسسات الإغاثية الخارجية؛ نتيجة انقطاع الإنترنت في المنطقة التي نزحت إليها، وكان من الصعوبة بمكان التقاط أي إشارة للخدمة. وتضيف: "ما إن أثبتت قدرتي على العمل حتى جاءت الحرب، لتنسف كل ما بنيته من جهد وتدريب طيلة سنوات دراستي السابقة".
أهدر انقطاع الإنترنت فرصا كثيرة لشيماء، ولا سيما أنها كانت على وشك إجراء مقابلة إلكترونية للحصول على منحة لدراسة الماجستير بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
تدريب على خط النار
يرى فيصل أبو القمصان (25 عاما)، الطالب بقسم الإعلام بجامعة الإسراء والصحفي بقناة القدس اليوم، أن انقطاعه المفاجئ عن الدراسة أثر سلبا على تحصيله الدراسي، وعدم انتظامه في إنجاز مشروع التخرج، وبعض المساقات التي تعيق إتمام إجراءات تخرجه.
وينظر فيصل إلى التواصل مع الجامعة ومشرفي التدريب الميداني بأنه بالغ الأهمية لتعزيز شخصية الطالب وصقل مهاراته في الحوار وبناء العلاقات والتشبيك مع المؤسسات، فضلا عن "أن الحضور الوجاهي في المساقات التدريبية يخلق الصحفي المُمارس للمهنة، القادر على خوض تجارب الميدان استعانة بما يقدمه أي مساق من تكليفات وتغطيات للأحداث والفعاليات التي تُكوِّن شخصية الصحفي". ورغم أنه لا يزال طالبا، فإن أبو القمصان غطى حرب الإبادة الجماعية، ولا سيما مجزرة السبت الأسود بمدينة النصيرات، ومجازر مدرستي الجاعوني والسردي، يقول: "حينئذ كنت على مقربة من الموت".
تسهيلات جامعية
في سياق الحرب، تبدو الدراسة في غزة مستحيلة، ولكن الدكتور وائل المناعمة، رئيس قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية بغزّة، يبرز جهودهم في إنقاذ الموسم الدراسي قائلا إن الجامعة سهّلت للطلبة المُتوقع تخرجهم تسجيل بعض المساقات إلكترونيا بجامعات الضفة الغربية، كطالبٍ زائر وفق الأنظمة واللوائح التي تتبعها، ضمن رؤيتها لـ"إسعاف" هؤلاء الطلبة الذين توقف تخرجهم على مساق أو عدة مساقات.
ويضيف المناعمة في حديثه لـ"مجلة الصحافة" أنّ القسم تابع مع الطلبة تسجيل المساقات التي تتواءم مع الخطة الأكاديمية، وحتى بعد انتهاء الفصل لتسوية أوضاعهم ومعادلة تلك المساقات، معتبرا أنها تجربة مهمة على صعيد تواصل الطلبة وتدارك الفاقد التعليمي، واستمرارية العملية التعليمية من دون انقطاع.
ويوضح الأكاديمي الفلسطيني أن القسم استأنف الدراسة خلال الفصل الحالي اعتمادا على منظومة التعليم الإلكتروني، ووفق جدول مُكثّف للدراسة وتقديم الامتحانات، بما لا يخل بجودة المُخْرَج التعليمي.
يؤكد عميد كلية الإعلام بجامعة الأقصى الدكتور غسان حرب، أنّ الكلية وفّرت التسهيلات كافة لطلبتها في التسجيل والتعليم الإلكتروني، وعبر إدراج المحاضرات المصورة لتسهيل تلقي المعلومة وفهمها وشرحها بأسلوب مُبسط يُمكِّنهم من ربط ما درسوه بواقعهم الميداني.
ويتفق الأكاديميان على أن كليّات الإعلام وأقسامه في غزة تركز حاليا على المساقات النظرية، والمساقات المزدوجة التي تحمل شقا نظريا، مُرجئين تسجيل المساقات العمليّة إلى ما بعد انتهاء الحرب أو توفر الظروف المواتية لتدريسها.
مَرَدُّ الجامعات في إقرار هذا الاستثناء يرجع بحسب ما ذكره الأكاديميان إلى أنّ مساقات التصوير والتصميم والمونتاج الإذاعي والتلفزيوني وهندسة الصوت وغيرها بحاجة إلى بيئة تدريبية ومعامل ومختبرات، لا تتوفر حاليا بسبب ظروف الحرب، وانقطاع معظم الطلبة جغرافيا عن الجامعات.
يرشح قسم الإعلام طلبة للتدريب مع مؤسسات إعلامية بوصفهم صحفيين متعاونين، وبعضهم أثبت كفاءته وبات مصدرا لتغطية وسائل الإعلام خلال الحرب
استفاد قسم الإعلام من تجربة وباء كورونا في التعامل مع غياب الطلبة عن القاعات الدراسية، "بَيدَ أنّ تحدي الحرب وانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت وظروف النزوح وتدمير مباني الجامعة كل ذلك فرض واقعا مختلفا لتعليم الطلبة"، يقول المناعمة.
وبشأن تدريب الطلبة ميدانيا، يشير المناعمة إلى أن القسم يُرشح طلبة للتدريب مع مؤسسات إعلامية بوصفهم صحفيين متعاونين، وبعضهم أثبت كفاءته وبات مصدرا لتغطية وسائل الإعلام خلال الحرب.
وحثّ المناعمة طلبة الإعلام في فلسطين على التركيز على تعلم اللغات الأجنبية؛ لأنها السبيل الأقوى في مخاطبة الرأي العام الدولي، ونقل مجريات الصراع على حقيقته من دون تضليل، مشيرًا إلى أن الاحتلال وعلى مدار حروبه السابقة دائما ما يحاول جاهدا كسب معركة الصورة الإعلامية لصالحه. وإلى جانب الترشيح من قبل الكلية للطلبة لخوض غمار التدريب، كان ثمة تعاون وثيق بين جامعة الأقصى ونقابة الصحفيين الفلسطينيين لاستضافة طلبة الإعلام في مركز التضامن الإعلامي في مدينتي خان يونس ودير البلح، والاستفادة من خدماتهما في توفير المكان المناسب للطلبة والخريجين للعمل والتدريب الإعلامي.
وإلى جانب الترشيح من قبل الكلية للطلبة لخوض غمار التدريب، كان ثمة تعاون وثيق بين جامعة الأقصى ونقابة الصحفيين الفلسطينيين لاستضافة طلبة الإعلام في مركز التضامن الإعلامي في مدينتي خان يونس ودير البلح، والاستفادة من خدماتهما في توفير المكان المناسب للطلبة والخريجين للعمل والتدريب الإعلامي.
وكما أن الحرب دمرت المؤسسات التعليمية وأعدمت أسباب التعلم، فقد شكّلت بيئة خصبة للتدريب على مختلف الفنون/ الأنماط الصحفية. ويقول عميد الكلية في هذا الصدد: "كثير من طلبة الكلية استطاعوا العمل مع وسائل إعلامية محلية وعربية وعالمية لإيصال الصوت الفلسطيني للعالم أجمع".
احتضان نقابي
منذ بداية الحرب، سعت نقابة الصحفيين إلى إيجاد حلول لمساعدة الطلبة، كما يشرح نقيب الصحفيين الفلسطينيين الدكتور تحسين الأسطل، إذ إن "النقابة فتحت أبوابها لمساعدة طلبة الإعلام وخريجيه انطلاقا من مسؤوليتها تجاههم في ظل تدمير الجامعات بما تحتويه من مختبرات وأستوديوهات وأجهزة خاصة بكليات الإعلام".
ويحدد الأسطل في حوار مع "مجلة الصحافة" أوجه هذا التعاون في "منح الخريجين بطاقة العضوية الطارئة لتسهيل مهامهم الإعلامية لمن أراد، بالاتفاق مع الاتحاد الدولي للصحفيين، إضافة إلى الخدمات
التي يقدمها مركز التضامن الإعلامي التابع لنقابة الصحفيين، ولا سيما ورش العمل وندوات التوعية وجلسات الدعم النفسي واستضافة مناقشات مشاريع التخرج لطلبة الإعلام".