ما إن يعرف الأتراك أنني فلسطيني، حتى تتغير تقاسيم وجوههم فرحاً، ويبادرون الحديث بالسؤال عن فلسطين وغزة، وتأكيد وقوفهم ضد الاحتلال الإسرائيلي محمِّلينه شرور العالم ومصائبه. وبالنسبة للمواطن العربي، تلعب تركيا دورا مهما في الوضع السياسي في المنطقة، ولا يمكن إغفال تأثيرها على السياسة العربية ممثلة برئيسها رجب طيب أردوغان الذي ستجد له الكثير من المؤيدين من العرب وخصوصا الفلسطينيين وبطبيعة الحال، معارضين كشأن أي رئيس مثير للجدل.
وبحكم العلاقة الشائكة وغير المستقرة بين تركيا وإسرائيل، حيث فلسطين ميزان العلاقة إيجاباً أوسلباً، وتداعيات الموقف التركي المتضامن مع الفلسطينيين بشكل عام في أحلك أزماتها، تابعتُ كمغترب فلسطيني مقيم في تركيا منذ سنوات، بالرصد والتحليل، ما صَدَر عن صحافة إسرائيل بشأن الأحداث في تركيا، حيث الانتخابات الأخيرة الرئاسية والبرلمانية، أخَذَت حيزاً كبيراً من اهتمامها تحليلاً وتوقعاً لمستقبل علاقة حكومتهم مع تركيا، التي يقودها "السلطان" إلى مزيد من النفوذ العثماني في الشرق الأوسط على حساب "الأتاتوركية"، حسب الصحافة الإسرائيلية.
لقد عَكَسَ تناول الصحافة الغربية بشكل عام في تغطيتها للانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية، قبل وبعد صدور النتائج الأولية على حد سواء، أهمية الانتخابات في رسم مستقبل تركيا، وانعكاس نتائجها في سياسة خارجية وعلاقات دولية أردوغانية جديدة مع دول العالم، حيث منح الناخبون الأتراك ثقتهم مجدداً في رجب طيب أردوغان وحزبه على حد سواء.
تابعت الصحافة الإسرائيلية عن كثب الانتخابات التركية بشقيها الرئاسية والبرلمانية. ورغم أنه لم يصدر تعليقٌ رسمي حولها، إلا أن الاهتمام الصحفي عكس صورة الاهتمام الرسمي لما ستؤول إليه علاقة الطرفين في المشهد الجديد، وبخاصة بعد الأزمة الأخيرة مع أنقرة على خلفية الموقف الرسمي التركي المؤيد للقضية الفلسطينية، حيث اهتزت العلاقة أكثر على خلفية مسيرات العودة في قطاع غزة في يوم ذكرى النكبة، ومقتل عشرات الفلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال المسيرات الشعبية.
تنوعت التغطية الصحفية الإسرائيلية للانتخابات التركية بين الاعتراف بقوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتصاعدة، والتوقع السلبي لطبيعة العلاقة مع إسرائيل، فلم تُخفِ صحافة الاحتلال الإسرائيلي عدم رضاها بشكل أو بآخر عن نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية (1) ووقوفها بجانب المعارضة التركية، حتى قبل صدور النتائج غير النهائية للانتخابات بتمني فوز المعارضة التركية، أو على الأقل وجود جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، رغم تزايد وضوح النتائج خلال اليوم الانتخابي برجوح كفة الرئيس أردوغان في الرئاسة وحزب العدالة والتنمية في البرلمان بتحالفه مع حزب الحركة القومية.
وضاقت وسائل الإعلام الإسرائيلية ذرعاً بإعادة انتخاب الرئيس التركي أردوغان، من الجولة الأولى، لرئاسة البلاد، كأول رئيس في نظام الحكم الرئاسي الجديد، حيث كتب الصحفي "زيفي بارئيل في صحيفة هآرتس العبرية، "حسب توزيع الأصوات، يتضح أن أردوغان، حافظ على قاعدته الانتخابية"مضيفاً: "إن سلطته بموجب التعديلات الدستورية التي أقرَّها الاستفتاء في 2017، والتي يمكن أن يُنفِّذها من الآن فصاعداً ستمنحه تأثيراً غير مسبوق" (2).
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد استهجنت أساساً تحول تركيا إلى نظام رئاسي، بالقول: "أصبحت تركيا نظامًا رئاسيًا، وعزَّز أردوغان من وضعه كرئيس قوي، رغم أن المعارضة نظَّمت تجمعات جماهيرية حاشدة في جميع أنحاء البلاد، لتحقيق الهدف المشترك وهو إضعاف أردوغان، لكن الانتخابات حطمت الأمل بالتغيير".
وتابعت الصحيفة: "تمكَّن أردوغان، من الحفاظ على سلطته، بل وحسَّنها بشكل طفيف، وحصل على حوالي 53% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وحصد حزبه حوالي نصف الأصوات البرلمانية (3).
وفي نفس الوقت، أشادت الصحيفة بشخصية أردوغان كقائد للأتراك على مدار سنوات حكم متتالية، ولفتت إلى أن "أردوغان، يتمتع بقاعدة متينة وصلبة من الدعم، وهو ما يجعله زعيماً وطنياً لا غنى عنه، أنصاره يتباهون بالاستقرار السياسي والاقتصادي الذي جلبه من خلال مشاريع البنية التحتية الفخمة التي يروج لها، وينظرون إليه كزعيم رفع هيبة تركيا في العالم".
أما صحيفة معاريف فقد تطرقت إلى المرحلة ما بعد استحقاق فوز أردوغان وتثبيت حكمه وتعاظم قوته وانعكاس ذلك على العلاقة مع إسرائيل، كما ربطت بين حدة لهجة أردوغان في خطاباته مؤخراً فيما يتعلق بمسيرات العودة في غزة ونجاحه في الانتخابات، بالقول: "في قضية العلاقة مع إسرائيل، فإن السؤال الكبير هو ما إذا كان أردوغان سوف يستمر في الموقف العدائي الذي بدأ به منذ بداية الحملة الانتخابية، وهو الخط الذي أدى من بين عدة أمور إلى عودة سفيري البلدين إلى بلديهما، أو ما إذا كان سيخفف لهجته من أجل تهدئة الرياح".
ولم تكتفِ الصحيفة بذلك، بل توقعت تصعيداً ممن أسمته بـ "السلطان" إن جرى تصعيد إسرائيلي في غزة، فقالت: "هذا يعتمد نوعا ما على التصعيد الأمني المستمر في قطاع غزة، فإذا تصاعدت التوترات إلى مواجهة عسكرية أخرى بين الجيش وحركة حماس، يمكن للمرء أن يفترض أن لغة السلطان التركي ستتضمن مرة أخرى تصريحات قاسية ضد إسرائيل (4).
أما صحيفة "إسرائيل اليوم"، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، بوصف أردوغان بأنه الأمل الوحيد في الشرق الأوسط، وهو ما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل قيادة حماس إلى أن يكون أول زعيم في العالم يُهنِّئ أردوغان بالفوز في الانتخابات (5).
وأشارت الصحيفة إلى أن موقف الرئيس التركي من إسرائيل يتصف بإلحاق الضرر بها وليس إقامة علاقات طبيعية، أو إدارة العلاقات معها، وأضافت الصحيفة بالقول؛ "أردوغان يتوق إلى إلحاق الضرر بإسرائيل، أكثر من تحقيق مصلحة الفلسطينيين، لقد قررت الحكومة الإسرائيلية عدم الرد بكامل قوتها على التدهور المتجدد في العلاقات مع أنقرة، عقب محاولات الفلسطينيين غزو إسرائيل من القطاع، وكان التقييم أن إجراءات الاحتجاج الإسرائيلية ستؤدي إلى التصعيد، الأمر الذي من شأنه أن يخدم حملة أردوغان الانتخابية وضمان فرصه في الفوز" حسب قول الصحيفة.
الاهتمام الشديد من الصحافة الإسرائيلية كنظيراتها العالمية بالانتخابات التركية، يعكس الدور القادم للجمهورية التركية في ظل النظام الرئاسي الجديد بقيادة رجب طيب أردوغان، وإدراك دول العالم بأن النظام الرئاسي وفي ظل الرئيس أردوغان، سيعمل على تسريع نهوض وتقدم الدولة التركية واستقرار نظامها السياسي، وهو ما لا تأمله أنظمة حكم كثيرة لتركيا، إسرائيل إحداها، كما أن عدم استقرار تركيا السياسي والإداري، يعني مزيداً من عرقلة الريادة والتطور الاقتصادي والحضور على الساحة الدولية والإقليمية.
الملفت في الأمر، هو غياب التصريحات السياسية الإسرائيلية فيما يتعلق بالانتخابات التركية، وكأن الأمر أحدث صدمة لم يرغب المستوى السياسي الإسرائيلي بالحديث عنها وإعطائها أهمية، لكن الصحافة الإسرائيلية عكست هذا التصنُّع السياسي الإسرائيلي الرسمي وكشفته.
كما أن الصدمة الإسرائيلية لفوز أردوغان، عبَّر عنها آلون ليئيل، السفير الإسرائيلي السابق في تركيا، في صحيفة يديعوت أحرونوت fقوله، إن "فوز أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية فاجأ العديد من الأوساط السياسية والدبلوماسية في إسرائيل، حتى بين الخبراء المخضرمين، لأن التقدير كان أن يخوض أردوغان الجولة الثانية من الانتخابات (6)".
مصادر:
(1) https://www.jpost.com/Middle-East/Erdogan-ahead-as-Turkey-votes-in-historic-election-560766
(3) https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5295449,00.html
(5) المصدر السابق