يتابع الأتراك الصحافة المحلية التي ما زالت قادرة على جذب عين المتصفح إليها، على اختلاف توجهاتها القومية والعلمانية واليسارية والمحافظة، والتي تتناول الشأن المحلي والدولي بكافة تفرعاتهما. ومن بين الصحف التي تصدر إلكترونياً بالتزامن مع الصدور الورقي، صحيفة مِلِّيَات، وهي مِن أقدم وأكبر الصحف التركية وقد تأسست عام 1950 كجريدة خاصة في إسطنبول وهي ذات توجهات علمانية، وصحيفة حُريِّات، وهي واحدة من الصحف التركية الكبرى، تأسست عام 1948 ذات توجهات ليبرالية وعلمانية وتجمع مابين التغطية الإخبارية والمواضيع الترفيهية، وصحيفة صَبَاح تأسست عام 1985 وتشتهر بمعارضتها للحكومة، وغالباً ما تتطرق لمواضيع الدفاع عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وصحيفة جُمْهُورِيَّات المعارضة، وصحيفة يِنْي شَفَق المحافظة الداعمة لحزب العدالة والتنمية وغيرها من الصحف الأخرى.
وحسب ما تناولت الصحف التركية الكبرى أحداث يوم "الاثنين الدامي" -كما وصفته الصحافة التركية- في غزة بالتزامن مع احتفال نقل السفارة الأميركية في القدس، فقد امتلأت صفحاتها بالأخبار والتحليل والمقالات، واتشحت غالبيتها بالسواد بعد إعلان تركيا الحداد وتنكيس الأعلام لثلاثة أيام، كما أجمعت غالبيتها على أن ما يجري من أحداث ميدانية إنما هي جرائم ضد الإنسانية بحق شعب أعزل خرج في مسيرات سلمية.
مصطلحات الإدانة تكررت بتوصيفات مختلفة من صحيفة تركية لأخرى، كان منها "القَتَلَة: نتنياهو وترمب"، "إبادة جماعية في غزة.. اللعنة على هذه المجزرة"، "إسرائيل وأميركا يقومان بالقتل"، كما وصفت الصحف إسرائيل بأنها "دولة إرهاب" وأن عمليات القتل إنما هي "قتل دبلوماسي" في إشارة إلى تزامن سقوط القتلى برصاص الاحتلال مع حفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس المحتلة.
الصحف التركية الرئيسة ركزت في صدر صفحاتها الأولى على صور من مواجهات مسيرات العودة من جانب الأراضي الفلسطينية تحديداً، مع التركيز على صور الأطفال والنساء المصابين في المواجهات السلمية، والقول "إسرائيل تقتل على مرأى ومسمع من العالم"، مع عناوين أخرى تكررت في أكثر من صحيفة بالقول "الشيطان ترمب قال إضرب" و "الصهاينة قَتَلَة"، كما ربطت الصحف بما يحدث من أعمال "إبادة" و "مجازر" وهو الوصف الذي استخدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ بأنها تأتي في الذكرى الـ 70 للنكبة الفلسطينية وتحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن أعمال القتل بقولها "أميركا توافق وإسرائيل تقتل" و"الفلسطينيون يُقتلون وأميركا وإسرائيل يبتسمون". وفي إشارة واضحة إلى الاحتلال الإسرائيلي؛ كتبت صحيفة حُريَّات اليسارية بالبنط العريض "العدد يرتفع، لقد قتلوا الطفلة ليلى أيضاً".
هذه العناوين الرئيسة للصحف التركية الكبرى على مختلف توجهاتها السياسية لم تكن وليد الصُدْفَة، بقدر ما كانت تضامناً كبيراً من مختلف ألوان وتوجهات الصحافة التركية تجاه الشعب والقضية الفلسطينية، وما تحتله القضية الفلسطينية من مكانة، كما عكس ذلك تصريحات صحفية لرئيس الوزراء التركي بنعلي يلديرم بتبني القضية معنوياً، قال فيها بوضوح إن "قضية فلسطين هي قضية تركيا".
الصحافة التركية لها مكانتها في تركيا ويبلغ تعداد الفعال منها والصادر يومياً 35 صحيفة يومية ذات شأن سياسي، وبرغم أنها محليّة الشأن والتناول أكثر من اللازم ولا تهتم بالمواضيع الإقليمية كثيراً، إلا أن أحداث غزة الدموية واحتفال نقل السفارة طغى على هذه النقطة بالتغطية والتحليل والوقوف بجانب الفلسطينيين إلى أقصى اليمين، والأمر نفسه ينطبق على وسائل الإعلام المرئية والتي يفوق عددها 100 فضائية محلية ذات مشاهدات عالية من مختلف الاتجاهات السياسية.
وتشير التقارير الصحفية إلى أن هذا العدد الكبير من وسائل الإعلام الصحفية والإعلامية، أقل من 60% منه ذو علاقة بالدولة أو الحزب الحاكم، بمعنى أن التغطية الإعلامية الكبيرة من الإعلام التركي لم تكن موجهة من الدولة، بقدر ما كانت إيماناً من هذه الوسائل الإعلامية والصحفية بالفاجعة التي أحلت بالفلسطينيين والتغول الإسرائيلي ضدهم مدفوعاً بحماية أميركية.
وفي ذات الإطار فإن مرشح الرئاسة التركية عن حزب الشعب الجمهوري مُحَرَّم إِنْجِه؛ قد طالب الحكومة التركية بإغلاق سفارة بلاده في واشنطن رداً على الضوء الأخضر الأميركي والمساند للاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية، مضيفاً أنه سيزور غزة إن نجح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويرى بعض المتابعين الأتراك المهتمين بالشأن الفلسطيني إلى أن الحالة الصحفية والإعلامية التركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تُعتَبَر رافعة حزبية في الساحة السياسية التركية، على اختلاف التوجهات ومن أجل كسب التأييد الشعبي والحزبي، وهو ما بدأت تركز عليه الفضائيات التركية والإعلام الصحفي في الآونة الأخيرة وتتناوله في تغطياتها، الأمر الذي أكدته الجماهير التركية التي حضرت إلى ساحة يني كابي في مدينة إسطنبول، حيث التجمع الشعبي الضخم الداعم لمدينة القدس الرافض لنقل السفارة الأميركية إليها واعتبارها عاصمة للاحتلال، والمتضامن مع جراح غزة، وقامت بإفراد مساحات واسعة في تغطياتها الصحفية والإعلامية، حيث حضر التجمع الشعبي الضخم بجانب الرئيس التركي أردوغان؛ دولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية التركي مع مسؤولين آخرين من خارج تركيا، لكن ما يمكن أن يجمع عليه المتابعون للشأن الفلسطيني من الأتراك، أن الدولة التركية لم تستطع حتى الآن أن تكون وسيطاً لحلحلة بعض ملفات القضية الفلسطينية ولذلك أسباب أخرى ليس المقام مناسب لذكرها.