في فلسطين المحتلّة، ليس ثمّة أمان على الصحفيّين، يعيشون حالة موت مرتقب، يمكن أن يستهدف الاحتلال أرواحهم أو يدمّر معدّاتهم، أو يتطوّر الأمر إلى مصادرة بطاقتهم الصحفية واعتقالهم ثمّ محاكمتهم بالسجن سنين عديدة!
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدرت نقابة الصحفيين تقريرا شهريا ينذر بتضاعف الانتهاكات التي تقع على الصحفيين، حيث بلغ عددها 147 انتهاكا مباشرا، مقارنة ب 25 انتهاكا خلال شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت، و26 انتهاكا خلال نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، فيما أضيف للاعتداءات المباشرة حملة تحريض واسعة برعاية رسمية، رصدتها النقابة وخاطبت الاتحاد الدولي واليونسكو والمفوض السامي لوقفها، كما خاطب الاتحاد الدولي حكومة الاحتلال وإدارة "فيسبوك" بضرورة اتخاذ اجراءات فورية لوقف التحريض بشكل مباشر، لكن دون جدوى.
شهادات من الميدان
من القدس المحتلّة، تروي الصحفية لواء أبو رميلة، مراسلة فضائية فلسطين اليوم، قصّة الاعتداء عليها من قبل جنود الاحتلال خلال تغطيتها مظاهرة خرجت من المسجد الأقصى رفضا لقرار ترمب في الثاني والعشرين من كانون الأوّل/ديسمبر للعام 2017.
تقول "تعرضت للضرب والدفع خلال تغطيتي المظاهرة، ما سبب لي الألم بعضلات اليد والكتف، وتمّت المعالجة ميدانيا آنذاك لكنها بالتأكيد أثرت علي لعدّة أيام، وهذا ليس الاعتداء الأول، إذ لا ينفك جيش الاحتلال عن استهداف الصحفيين وانتهاك حقوقهم في كل فعالية أو مظاهرة".
وتضيف لواء أن الاستهداف كان يقصد الصحفيين بشكل مباشر، خاصّة أن معظمهم يرتدي وسائل الحماية كالدرع والخوذة، حيث تسعى قوات الاحتلال بعد تفريق المتظاهرين إلى ممارسة الهجوم ضدهم بالدفع والضرب المبرح وإجبارهم على الانسحاب إلى خارج البلدة القديمة حتى بسحلهم، مؤكّدة أن الأحداث الأخيرة منذ إعلان ترمب نقل السفارة، ازدادت حديّة قمع الصحفيين والاعتداء عليهم واختطافهم من أجل منعهم من توثيق ما يحدث من انتهاكات بالقدس ولتطبيق سياسة تكميم الأفواه والسعي نحو عدم إعلاء صوت المتظاهرين عبر الإعلام.
ذكر تقرير مشترك صدر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان أن أعلى نسبة اعتقالات كانت خلال كانون الأول/ ديسمبر 2017، باعتقال (926) فلسطينياً بينهم 22 صحافيًا، نصفهم من مدينة القدس، إذ شنّت قوّات الاحتلال الإسرائيلي حملة اعتقالات واسعة في الضّفة الغربية لا سيما بعد اندلاع الاحتجاجات على إعلان الرّئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، وجميعهم تعرّضوا للتعذيب الجسدي أو النفسي أو المعاملة اللّاإنسانية، فيما تعرّض 60% منهم لاعتداءات جسدية وحشية.
"خلال التغطية للأحداث الأخيرة أصبت مرّتين، الأولى بقنبلة غاز في يدي اليسرى شرق جباليا، نقلت إثرها إلى المشفى الإندونيسي للعلاج ثم عدت للتغطية بذات المكان، والإصابة الثانية كانت في أعلى قدمي اليسرى بقنبلة غاز أيضا لكني تلقيت العلاج في الميدان، ونتيجة كثافة الغاز واستنشاقي كمية كبيرة منه أصبت بذبحة صدرية شديدة والتهاب حاد في الرئة ما أرغمني على المغادرة إلى المنزل"، يقول المصوّر الصحفي في وكالة الأناضول مصطفى حسونة.
وبحسب مصطفى، فقد تعرّض لإصابات عديدة خلال تغطيته الحروب على غزّة، وإصابة في إحدى مناطق المواجهات شرق القطاع في الـ 2015 تسبّبت بالتهاب حاد لم يتحسن في مجرى التنفس، حيث لم يستجب جسده للعلاج حتى اليوم ما يضعف مناعته ويعرّض حياته للخطر بأي وقت يتكرر الحادث معه.
ويؤكّد أن الاحتلال بشكل أو بآخر لا يميّز بين أيّ من الفلسطينيين بغضّ النظر عن المهنة، فهو يعتبره عدوّه الأوحد هنا، فكيف له أن يحترم عمله؟ يتساءل.
ومن الضفّة الغربية، وثّق المصوّر سامر نزّال استهداف الصحفي علي عبيدات بقنبلة غاز ضربت كاميرته بشكل مباشر وتسببت بإتلاف درعه الواقي خلال تغطيته في إحدى نقاط المواجهات بعد إعلان ترمب.
رابط الفيديو:
https://www.facebook.com/sam.nazzal/videos/vb.781290315/10159560617015316/?type=3
يقول علي إن كاميرته التي تقدّر بـ7000 شيقل إسرائيلي / 2053 دولار لم تعد صالحة للاستخدام بتاتًا، كما درعه الذي يقدّر بـ4000 شيقل / 1173 دولار، عدا عن إصابة يده التي لزمها علاج طبيعي لشهرين تقريبا، ما أرغمه عن التوقف عن ممارسة عمله حتى استكمال علاجه.
يضيف أن الخسائر المادية تقع على كاهل الصحفي أيضا، ولا رادع لجنود الاحتلال مهما تطوّر الأمر وتطوّر الانتهاك ضد الصحفيين، إذ تكتفي الجهات الحقوقية والمؤسسات ذات العلاقة بالتوثيق فحسب، لكن التعويض المالي ومتابعة الحالة الصحية فتخصّ الصحفي وحده.
وفي مرات سابقة، يلفت إلى أن الصحفيين يتعرضون للضرب والطرد ومصادرة البطاقات ثم الاعتقال والمحاكمة، وهذا ما صار مضاعفا عقب الاحتجاجات والمواجهات الأخيرة الرافضة لقرار ترمب.
بدورها، أوردت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تقريرا لها توضح فيه إجمالي الانتهاكات والاعتداءات على الصحفيين خلال العام 2017 والبالغة 909، إذ تشكل زيادة بنسبة 37% عن العام 2016، فقد ارتكبت قوات الاحتلال 740 انتهاكاً بما نسبته 81% منها، فيما ارتكبت الجهات الفلسطينية 169 انتهاكاً بما نسبته 19% من مجمل الانتهاكات.
ومقارنة مع العام الذي سبق، فقد ارتفع عدد الانتهاكات الإسرائيلية من 557 عام 2016 إلى 740 عام 2017، بواقع 183 انتهاكا، وبما نسبته 33%.
وتعرض الصحفيون العاملون في العاصمة القدس إلى أكبر عدد من الانتهاكات من قبل الاحتلال، حيث سجل بحقهم 137 انتهاكا بما نسبته 18% من مجمل الانتهاكات، تلاها صحفيو الخليل ثم رام الله.
وفي التوزيع الزماني، فقد شهد النصف الثاني من العام النسبة الأكبر من الانتهاكات من قبل قوات الاحتلال، حيث سجل خلال شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم 147 انتهاكا وبما نسبته 20% من مجمل الانتهاكات خلال العام، وزيادة بنسبة 406% عن الانتهاكات الحاصلة خلال نفس الشهر من عام 2016، وهو ما يؤشر إلى وجود قرار سياسي لدى سلطات الاحتلال بتعمد استهداف الصحفيين، ويتزامن مع حملة التحريض المسعورة ضد الصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام العبرية الرسمية يشارك فيها صحفيون صهاينة.
إعلام إسرائيلي يبثّ سمومه
نشر الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت مقالا له في صحيفة معاريف العبرية في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، يطالب فيه بإبعاد الكاميرات عن عمليات "معاقبة" جيش الاحتلال لأهالي قرية النبي صالح، مشيرا إلى الطفلة عهد التميمي، ومحرّضا جيشه بممارسة "عقابها" في الظلام بعيدا عن الإعلام.
وبادرت وسائل إعلام إسرائيلية إلى التحريض على قرية النبي صالح، حيث وصف تقرير نشره موقع "NRG" الإلكتروني اليميني القرية الفلسطينية بأنها "معادية"، وأن عائلة التميمي لديها "تاريخ طويل من الإرهاب"، في إشارة إلى التصدي لممارسات الاحتلال.
كذلك اعتبر المذيع ديدي هراري، في برنامجه في إذاعة 103 FM، التي يستمع إليها معظم الإسرائيليين، في أعقاب نشر مقطع الفيديو من النبي صالح، أنه "تبّاً، من يريد سلاما مع شعب مقرف كهذا؟ وكم استفزازا بإمكان الفلسطينيين أن يفعلوا؟".
كما كتب الصحفي جدعون ألون، في صحيفة "يسرئيل هيوم"، خبرا بعنوان "غدًا: قانون عقوبة الموت للمخربين يصدر بالقراءة الأولى"، وقال فيه "يقدم حزب "إسرائيل بيتنا" غدا موافقة الكنيست لتقديم قراءة تمهيدية لقانون "عقوبة الموت على المخربين"، ويحرّض الخبر على إصدار عقوبة "الموت" على الفلسطينيّين وتغيير الوضع القائم، وهي المحاكمة والاعتقال.
وكتبت الحنان هامر، في صحيفة "ييتد نئمان" خبرا تحريضيا على الأسيرة عهد التميمي وعائلتها، بعنوان: "فتاة سيئة من بيت غير جيد"، وقالت فيه: "على ما يبدو هذه قصة الشخصية التي تبنت نهجا خاصا لتكون "أيقونة الصراع الفلسطيني" فتاة من عائلة غير جيدة ومنطقة غير جيدة بعد أحداث عدة، بنات عائلة التميمي معروفات بمناطق الضفة، كفتيات يثرن استفزازات ضد الجنود ويصوّرن ردّة فعلهم، ويحمل الخبر تحريضا مباشرا وصريحا ضدّ عائلة التميمي في قرية النبي صالح، واتهامها بتهم كبيرة جدا من معاداة السامية وقتل اليهود وتأييد الإرهابييّن.
في مناطق المواجهات تحديدا، غالبا ما نجد أن معظم الصحفيين يرتدون وسائل الحماية كالدرع الواقي والخوذة وقناع الغاز، في إشارة لجميع الجهات بضرورة تحييدهم عن الأحداث، بخلاف ما تمارس إسرائيل من استهداف مقصود بغرض ضرب الصورة وتغييب المشاهد عن حقيقة الأحداث الدائرة، وبالطبع مع الاحتلال لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل إن انتهاكات الإعلاميين الإسرائيليين لا تقلّ بشاعة عن أفعال الجنود.