أنا معاذ العمارنة، مصور صحفي فلسطيني، أزعجَ الاحتلالَ وجودي وعملي، فاستهدف عينيّ، فانطفأت واحدة وتبقّت الأخرى، وزوجتي وثلاثة أطفال: ميس الريم، وإبراهيم، وباسل. أبلغ من العمر 37 عاما وأسكن في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم؛ فنحن مهجّرون من قرية راس أبو عمار غرب القدس.
في حياة الصحفي الفلسطيني لحظات فارقة عديدة. وجوده، وعمله اليومي في ظل استهداف الاحتلال المتواصل، وتوسع الاستيطان وسُعار المستوطنين المتزايد، هو في حدّ ذاته مفارقة لا تُحتمل، وضرب من المغامرة التي تقترب في أحيان كثيرة من وضع الروح (وفي حالتي أنا العين) على الكفّ. ولكنني سأبدأ بلحظتي الفارقة الكبرى في مسيرتي المهنية والشخصية، ذلك أنّه لا فرق كبيرا، بكثير من المعاني، بين المهني والشخصي في حياة الصحفي الفلسطيني، ما دام أنّه يعمل في ظرفٍ من الاحتلال العسكري المتوحّش وشديد التعنّت، وهو احتلال يتخذ على الدوام موقفا إلغائيا مطلقا من السكان الأصليين، وموقفا أكثر تشدّدا إزاء الصحفيّ منهم. هذه اللحظة تعود إلى يوم الجمعة 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، كنّا في بلدة صوريف شمال الخليل، نغطي اعتصاما وصلاة الجمعة على أراضي البلدة المهددة بالمصادرة من الاحتلال. في ذلك اليوم، كان القمع عنيفا على نحو غير معتاد مقارنة بالاعتصامات السابقة، فتحول الاعتصام إلى مواجهات مع قوات الاحتلال. اضطر الناس إلى الابتعاد عن مكان الاعتصام، ووجدنا نحن الصحفيين أنفسنا في موقف صعب لأن سياراتنا كانت في المكان، على جبل قريب من مستوطنة، وكان الطريق الوحيد هناك قد بدأ المتظاهرون بإغلاقه. كان علينا إخراج سياراتنا؛ لأن بقاءها في المكان يعرضها لخطر الهجوم من المستوطنين وتدميرها.
كنت أنا آخر من يتحرك من الصحفيين. أوقفتني مجموعة من الجنود، وطلب مني الضابط تسليم مفتاح السيارة. دخلت في جدال معه ورفضت إعطاءه المفتاح، لأنني تعودت على التعامل معهم في مثل هذه الأحداث. كان الصحفيون جميعهم قبلي قد مروا من دون مشكلات، فلماذا يوقفني أنا؟ أغلقت السيارة كما تقتضي إجراءات الأمان، ولكن شعرت بالخطر وقررت التحرك؛ لأنني لم أرغب في أن أكون درعا لهم أو أن تتعرض سيارتي للتكسير، ومن ثم تظهر الصور ويقال إن المواطنين هم من فعلوا ذلك.
كان ثمة بالجوار قناص قريب من الطريق، نادى على الضابط وتحدث معه مازحا ومستهزئا. لم أفهم موضوع الحديث تماما، ولكن مِن ضحك الجنود وطريقتهم، شعرت أن هناك مكيدة ما. بعد ذلك طلب مني الضابط أن أغادر بسرعة، ولكنني تحركت ببطء وحذر؛ لأنني كنت أشعر أنهم قد يدّعون أنني هربت منهم لسبب ما فيستهدفونني. هذه هي حسابات الصحفي الفلسطيني دوما في الضفة الغربية عند الاشتباك مع قوات الاحتلال وتعرضهم له.
عندما وصلت إلى زملائي الصحفيين، أخبرتهم أن شيئا غريبا يحدث، وأن علينا ارتداء كل معدات الحماية والتعريف الصحفي حتى لا نعطيهم أي ذريعة لاستهدافنا. واصلنا التغطية، وبينما كانت هناك لحظات هدوء وحذر، لاحظنا أن الجيش لا يرد على اقتراب المتظاهرين. كنا ندرك أن الجيش يفكر ربما بنصب كمين؛ لذلك كنا دائما متيقظين.
فجأة، شعرت كأن رأسي انفجر. حياتي كلها مرت أمام عيني في ثوانٍ، شعرت أنني أعيش أنفاسي الأخيرة، وشعرت بزملاء يركضون نحوي وحولي لإنقاذي، وفي هول تلك اللحظة رحت أتساءل في داخلي: "أهذا حلم أم حقيقة؟ هل سأرى أحدا آخر؟". لم أستوعب ما حدث!
في أثناء محاولة إسعافي من الزملاء، فوجئنا بتصرف الجيش. جاء الجنود ومعهم كاميرات، وبدؤوا يوثقون إصابتي. عادةً، في مثل هذه الحالات، إما أن يعتقل الجيش المصاب وإما أن يتدخل لإسعافه في حالات نادرة إذا كان هناك كاميرات كثيرة ويريدون تلميع صورتهم، ولكن ما حدث كان غريبا؛ وضعوا الكاميرا أمام وجهي وصوروا مكان الإصابة، وكأنهم كانوا يتأكدون من إصابتي بدقة. بدا الأمر وكأنه نوعٌ من تحدٍّ فيما بينهم؛ كأنهم أرادوا إثبات أنهم نجحوا في إصابتي في المكان المطلوب. صوروا ثم غادروا من دون أن يقولوا أو يفعلوا شيئا.
الإصابة كانت من قناص باستخدام رصاص محرم دوليا. نُقلت بسيارة أحد الزملاء لأن سيارة الإسعاف لم تكن قريبة ويصعب وصولها أيضا. وبعد عدة محطات، وصلتُ أخيرا إلى مستشفى هداسا عين كارم بالقدس المحتلة؛ المستشفى الوحيد القادر على التعامل مع حالتي الخطرة. هناك، قرر الأطباء إجراء ثلاث عمليات في آن واحد: إزالة الرصاصة، وإزالة العين، وجبر كسور الوجه. أخبروني أن العملية خطرة جدا ونسبة النجاح ضعيفة، ولكن لم يكن هناك خيار آخر. دخلت غرفة العمليات في الساعة الثامنة صباحا يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
لم يفهم الصحفي داخلي سببا مباشرا لما حصل. لم أكن قادرا على استيعاب الأمر ومقدار الظلم الأعمى الذي صدر عنه. بلغ العمى في ذلك الظلم أنّه قرّر ولغاية ترفيهية فيما يبدو أن يُعمي الصحفي الذي يعتمد على عينه لتصوير حقائق الاحتلال. ذلك هو الدافع الوحيد الذي تمكّنت من تلمّسه.
قرر أخصائي الدماغ والأعصاب عدم إزالة الرصاصة بسبب موقعها الحرج على جدار الدماغ. كانت المخاطرة في أن يؤدي أي تحرك للرصاصة إلى تمزق الغشاء الدماغي، ما يعني وفاة فورية. أما أخصائي الوجه والفكين، فلم يستطع جبر الكسور للسبب ذاته. حاول أطباء العيون إجراء عملية ترميم، لكن، وللأسف، العملية لم تنجح، فقرروا إزالة العين بعد ثلاثة أيام.
بعد خروجي من المستشفى، كانت الأيام التالية من أصعب ما مررت به على الإطلاق، ولا تزال الآلام الناجمة عن الإصابة ترافقني حتى هذه اللحظة، خصوصا تلك النوبات الكهربائية التي كانت تصيب جمجمتي، وهي آلام لا يمكن احتمالها. خفف من ذلك مقدار التضامن الذي تلقيته، من الأهل والزملاء والمجتمع. وقف الجميع إلى جانبي خلال الأيام الأولى من إصابتي وأنا في المستشفى، وحتى بعد خروجي منها، وكان هذا الدعم كافيا لتجاوز هول الإصابة، وكأنني كنت أعيش في حلم، ولكن في مرحلة معينة، أدركت أن الأمر ليس مجرّد حلم، وأنّ أمامي حياةً جديدة مختلفة عمّا سبق. كانت لحظة استيقاظي على هذه الحقيقة صادمة، وصار يلزمني التفكير بالتعايش مع أثر الإصابة التي نسفت كل طموحاتي وآمالي التي كنت أسعى لتحقيقها مهنيا. أشعر اليوم أن حياتي، بمعنى ما، توقفت عند عمر 33، وأن كل ما أعيشه الآن ليس إلا وقتا إضافيا أو مكافأة على تلك الحياة التي تركتها هناك.
لم يفهم الصحفي داخلي سببا مباشرا لما حصل. لم أكن قادرا على استيعاب الأمر ومقدار الظلم الأعمى الذي صدر عنه. بلغ العمى في ذلك الظلم أنّه قرّر ولغاية ترفيهية فيما يبدو أن يُعمي الصحفي الذي يعتمد على عينه لتصوير حقائق الاحتلال. ذلك هو الدافع الوحيد الذي تمكّنت من تلمّسه.
قد يتساءل بعضهم عن سبب تأكدي من أن إصابتي كانت متعمدة، ولماذا لم يُستهدف صحفي آخر. في الحقيقة، استهداف الصحفيين لم يتوقف، ولم يقف عندي بطبيعة الحال، كذلك فإن أحداث الأيام التي سبقت إصابتي تؤكد ذلك؛ ففي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، في ذكرى استشهاد ياسر عرفات، كنت أنا وزميلي مصعب شاور نوثق لحظة استشهاد المواطن عمر البدوي، الذي قُتل بدم بارد. عمر كان واقفا على باب منزله يلوح بقماش أبيض، محاولا طلب المساعدة بعد اشتعال النار في منزله. وثقنا تلك اللحظة المأساوية؛ إذ لم يكن حينئذ يشكل أي خطر على الجنود أو غيرهم، وكان مواطنا أعزل. انتشرت هذه الصور بسرعة هائلة خلال أقل من ساعة، ما أثار استنكارا واسعا في العالم، إلا أنّه لم يكن كافيا لوقف هذا النمط من القتل والاستهداف للصحفيين، بل بدأ الاحتلال بعد ذلك تصعيد حملة استهدافه للصحفيين، إلى درجة أن أي تغطية لم تكن تخلو من تنكيل متعمدّ بالصحفيين واستهداف لهم، قبل استهداف المواطنين.
قبل يوم واحد من إصابتي، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، كنا نغطي مواجهات على المدخل الشمالي لبيت لحم. اعتاد الصحفيون الوقوف في الموقع نفسه لأكثر من عشر سنوات، وكان معروفا لدى الجميع أنّه مكان تجمّعهم، بما في ذلك الجنود والضباط الإسرائيليون، ولكن في ذلك اليوم حاولوا طردنا وقمعنا من دون أي سبب واضح. أحد زملائنا الصحفيين توجه إلى الضابط وسأله: "ماذا بقي لكم؟ لم تتركوا لنا شيئا، فهل تريدون قتلنا وإراحتنا؟"، وكان رد الضابط صادما: "عندما أقرر قتلك، فلن أستشيرك". وفي اليوم التالي، استُهدفت فعلا!
كان واضحا أن الاستهداف لم يكن موجها لشخصي بطبيعة الحال، فأنا كنت مجرّد أداة لإيصال الرسالة التي يريد الاحتلال إيصالها إلى الصحفيين جميعهم، وإنذاره بتصعيد سيتواصل ضدّهم كمّا ونوعا. الاحتلال أراد أن يخيفنا ويجبرنا على التوقف عن التغطية، وعلى تغيير مسلكنا كاملا، أو التخلّي عن الحياة كاملة. كانت الرسالة تقول بكل فجاجة وصلف: "أنتم تعملون بأعينكم، ونحن سنقتلع تلك العيون".
رغم صعوبة الإصابة، ولا سيما فقداني الإبصار بإحدى عينيّ، تمكنت بفضل دعم زملائي وعائلتي من العودة إلى الميدان بعد عام تقريبا. كان ذلك تحديا كبيرا، خصوصا عندما أمسكت الكاميرا أول مرة بعد الإصابة. شعرت حينئذ برعشة في جسدي، واستعدت ذكريات اللحظة التي أُصبت فيها، ولكن كان عليّ أن أتغلب على خوفي وأواصل مهمتي في نقل الحقيقة.
اليوم، أرى أن الصورة التي ألتقطها ليست مجرد عمل مهني، بل هي رسالة أوصلها إلى العالم لتوثيق جرائم الاحتلال بحق شعبنا. قبل أن أكون صحفيا، أنا فلسطيني، أعاني الاحتلال وويلاته وإمكان توسّعه وتأبّده الغاشم، وهذا ما يحفزني للاستمرار في عملي والإصرار في الوقت ذاته على أدائه بأعلى مستوى من المهنية؛ تلك المهنيّة التي أدركت أن الصحفي الفلسطيني يصوغ معانيها من جديد، وهو يتعرّض لأشكال التنكيل والاستهداف والقتل كافة، في قطاع غزة تحديدا، وكذا في الضفة الغربية والقدس، من دون أن يكون لذلك أثر على كيفية تعاطي الصحافة الغربية السائدة مع كيان الاحتلال، ومدى التغطية اللازمة لتلك الجرائم المباشرة، ولكني مع ذلك أدركت أن ترك الميدان كليّا سيؤثر على زملائي ومعنوياتهم، وربما يدفع بعضهم إلى التراجع في لحظة ما، وعندما عدت إلى التغطية ورأيت الفرحة في وجوه زملائي، شعرت بأن هدف الاحتلال في الترويع والقمع لم يتحقق، وكان ذلك نجاحا بسيطا شعرنا به في الميدان.
غير أن الانتهاكات أصبحت جزءا من حياتنا اليومية. في كل تغطية، نضع في حساباتنا إمكانية التعرض للاعتداء المباشر والجسيم، وأن علينا أن نكون حذرين في كل خطوة وحركة، بل وفي كل كلمة. لقد أصبح الصحفي الفلسطيني اليوم يفكر ألف مرة في أي كلمة يقولها أو أي صورة يلتقطها؛ فحتى في حال السفر، هنالك توقيف واستجواب وملاحقة، ومن ثَم فعلينا التفكير في العواقب والتصرف بحكمة، وضمن شروط قمعيّة شديدة التقييد وكذلك شديدة الإرهاق ماديا ونفسيا.
عدت إلى الميدان تدريجيا، وكان في ذهني أنني لن أعود إلى تغطية الأخبار الميدانية على نحو كامل، ولكن اللحظة التي غيرت كل شيء كانت قبل حرب "سيف القدس" عام 2021، أي عندما اندلعت المواجهات في المسجد الأقصى. كنت هناك، وفي لحظة غير واعية منّي، وجدت نفسي ألتقط الصور وأبث الأحداث على صفحتي في فيسبوك. تفاجأت من التفاعل الكبير، وبدأت المحطات الإعلامية ترسل لي رسائل تطلب مني الاستمرار في التغطية. رغم الخطر الشديد، وجدت نفسي أعود إلى مهنتي على نحو كامل، تقريبا.
كان يوم 7 أكتوبر لحظة فارقة أخرى وكبرى في حياتي، مثلما كانت في حياة كثيرين سواي. استيقظت نحو الساعة السادسة والنصف صباحا على أصوات صفارات الإنذار والانفجارات. كانت الصواريخ تتساقط على بيت لحم والمناطق القريبة من القدس. بدأت تصلنا صور من المناطق المحيطة، مشاهد وكأنها من فيلم خيالي. لم يكن في وسع أحد تصديق ما يحدث، وكانت الصور مؤثرة وقوية وغير مسبوقة. بالنسبة إلي، أنا المواطن الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، كانت لحظات تحمل شعورا بين الفخر بإمكان الخروج من القهر الذي سيطر على القطاع سنوات طويلة، والخوف الشديد مما سيعقب ما حصل. أما بصفتي الصحفية المهنية، فقد طغى شعور الخوف؛ الخوف من الدمار والقتل الذي لا يتورّع الاحتلال عنه في مثل هذه الظروف. كنا نعلم يقينا أن مجازر بشعة ستُرتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، وأن بطش الاحتلال سيتوسّع في الضفة أيضا. في الأيام الأولى من الحرب، كان همّي -بصفتي صحفيا فلسطينيا في الضفة الغربية- هو عدم التركيز على الانتهاكات التي تحصل في قطاع غزة فقط، بل أيضا كشف ما يجري تزامنا مع حرب الإبادة هنا في الضفة من اعتقالات وانتهاكات وقتل واعتداءات. لقد حوّل الاحتلال الضفة الغربية إلى سجن كبير؛ أغلق الطرق، ووضع حواجز على مداخل المدن والقرى، وكان التنقل بين المدن مغامرة قد تكلف الشخص حياته.
دخلوا المنزل وقيّدوني، ثم أخذوني إلى الحمام. حاولت التحدث مع الضابط المسؤول قائلا له: "أخبرني بما تريد، سأعطيك ما تحتاجه من دون تكسير أو تدمير"، ولكنه لم يهتم. قال لي: "لن نضربك هنا، ولكننا سنتفاهم بالخارج". أخبرني أنهم سيعتقلونني بتهمة "التحريض على دولة إسرائيل". حين سألته كيف يمكن أن أكون محرضا وأنا صحفي أنقل ما يحدث، قال لي: "ما تنقله يزعجنا"، وأخبرني بوضوح: "سنريك ماذا يعني أن تكون صحفيا".
في صباح 16 تشرين الأول/أكتوبر، نحو الساعة الثالثة والنصف فجرا، حاصرت قوة خاصة منزلي. وضعوا متفجرات على الباب، وعندما طلبت منهم فتحه بهدوء لأن هناك أطفالا ونساء في الداخل، فجّروه. دخلوا المنزل وقيّدوني، ثم أخذوني إلى الحمام. حاولت التحدث مع الضابط المسؤول قائلا له: "أخبرني بما تريد، سأعطيك ما تحتاجه من دون تكسير أو تدمير"، ولكنه لم يهتم. قال لي: "لن نضربك هنا، ولكننا سنتفاهم بالخارج". أخبرني أنهم سيعتقلونني بتهمة "التحريض على دولة إسرائيل". حين سألته كيف يمكن أن أكون محرضا وأنا صحفي أنقل ما يحدث، قال لي: "ما تنقله يزعجنا"، وأخبرني بوضوح: "سنريك ماذا يعني أن تكون صحفيا".
أخذوني إلى الخارج، وبدؤوا في إهانتي بألفاظ نابية وتهديدات، حتى وصلنا إلى مركباتهم العسكرية. شعرت بخوف شديد، خصوصا عندما اندلعت مواجهات في المخيم. كانوا يطلقون النار على نحو جنوني، والجنود الذين أمسكوا بي كانوا يوجهون أسلحتهم نحو الشباب الفلسطينيين، كأنهم كانوا ينتظرون فرصة لقتلي تحت ستار الاشتباكات.
وصلنا إلى معسكر "عتصيون"[1] نحو الساعة الرابعة صباحا، وهناك تسلمني ضابط لإدارة المعتقل. قبل أن يسلموني، قال لي: "اشكر الله أنك وصلت هنا على قيد الحياة". ثم نُقلت إلى غرفة التحقيق، حيث فُتّشت تفتيشا عاريا، ثم أدخلوني إلى زنزانة. في صباح اليوم التالي، نادوا عليّ أنا ومجموعة من المعتقلين. كان المعتقَل يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة؛ الطعام كان سيئا جدا، يوضع في وعاء كبير ويقدم للمعتقلين جميعهم بطريقة مهينة. من كان يستطيع أن يأكل من هذا الطعام كان يفعل ذلك بسبب الجوع الشديد فقط.
في اليوم التالي، نقلوني إلى سجن "مجدو"[2] بعد رحلة طويلة استغرقت خمس ساعات في سيارة النقل المعروفة بـ"البوسطة"، حيث كنت مكبل اليدين والقدمين. كانت الظروف داخل السيارة مزرية؛ الكراسي الحديدية غير مريحة، والشتائم مستمرة على طوال الطريق.
عند وصولنا إلى السجن، تعرضنا للضرب من جديد في أثناء نزولنا من السيارة، ثم خضعنا لتفتيش عارٍ مرة أخرى. في كل مرحلة كنت أعتقد أن الضرب قد انتهى؛ إذ لم يعد ثمّة ما يمكن احتماله من الضرب، ولكنهم كانوا يستمرون في الإهانة والاعتداء. في لحظة معينة، فقدت الوعي بعد تعرضي لضرب شديد على الرأس. عندما أفقت، وجدت نفسي في غرفة مع ضباط من استخبارات السجن، ثم نقلوني إلى القسم 8.
كانت هذه التجربة واحدة من أصعب المراحل التي مررت بها في حياتي. لقد فقدت السيطرة على جسدي كاملا، ولم أكن قادرا على التحرك. كل ما كان يدور في ذهني هو أنني على وشك الموت، ولم يكن لدي أي أمل في النجاة. عندما وصلت إلى القسم 8، وجدت مجموعة من المعتقلين يجلسون في الظلام إذ كانت الكهرباء مقطوعة عنهم. قالوا لي إنهم يعيشون في هذا الظلام منذ بداية الحرب، وإن الكهرباء تُعاد لساعتين فقط في اليوم.
كل ما كان يدور في ذهني هو النجاة من هذه المعاناة والبقاء على قيد الحياة بأي طريقة ممكنة.
جاء الجنود ومعهم كاميرات، وبدؤوا يوثقون إصابتي... ما حدث كان غريبا؛ وضعوا الكاميرا أمام وجهي وصوروا مكان الإصابة، وكأنهم كانوا يتأكدون من إصابتي بدقة. بدا الأمر وكأنه نوعٌ من تحدٍّ فيما بينهم؛ كأنهم أرادوا إثبات أنهم نجحوا في إصابتي في المكان المطلوب. صوروا ثم غادروا من دون أن يقولوا أو يفعلوا شيئا.
كان معي قميصان وجاكيت عند باب السجن، وعند التفتيش العاري لم يصادروا تلك الملابس، بل تعمدوا إهانتي بجعلي أضعها بيدي في سطل أو حاوية قمامة. عندما وصلت إلى الغرفة، سمحوا لي بالراحة قليلا، فنمت من فوري من شدة التعب؛ إذ كنت قد قضيت أكثر من 12 ساعة بلا طعام أو شراب، متعرضا للضرب والإهانة والتهديد. كان نوما كالموت، أو هربا منه.
استيقظت صباحا على عملية عدّ الأسرى التي كانت تجري تقريبا في الخامسة والنصف أو السادسة صباحا. أيقظني زملائي الأسرى بصعوبة، وبعد ذلك تعرفت إليهم. بدا عليّ الإرهاق الشديد، وسألتهم إن كان من الممكن أن أحصل على دواء، وأخبروني أنه يمكنني سؤال الممرض عند العدّ. وعند التعداد الثاني، عند الساعة العاشرة والنصف صباحا تقريبا، سألت الممرض عن أدويتي، فأخبرني أن الطبيب سيأتي ويقدم لي الدواء. بقيت على تلك الحال أربعة أيام، أسأل الممرض في كل عدّ عن أدويتي وعن إمكانية رؤية الطبيب، ولكن بلا جدوى.
في تلك الأيام، كانت هناك تفتيشات مستمرة، ولكن الضرب العنيف داخل الغرف لم يكن قد بدأ بعد على أشدّه. في صباح اليوم الرابع، نادوا عليّ وأخبروني أنه سيجري نقلي من دون أن يوضحوا السبب. فوجئت بأنهم أعادوني إلى منطقة باب السجن، حيث قُيّدت بالأصفاد في اليدين والقدمين، ووضعوني في سيارة البوسطة. أخبرونا أننا ذاهبون إلى الاستجواب في سجن "عوفر"، وكانت المسافة إليه من سجن "مجدو" تستغرق نحو ثلاث ساعات. طوال الطريق، تعرضنا للضرب المهين والمؤلم بالأيدي، وعند دخولنا السيارة الحديدية، راحوا يدفعون برؤوسنا نحو الأبواب، ما أدى إلى إصابات بالغة.
عندما وصلنا إلى سجن "عوفر"، أخضعوني لاستجواب قصير جدا لم تتجاوز مدته عشر دقائق. كان المحقق غاضبا ومهددا، وبدأ توجيه أسئلة مستفزة. سألني: "هل أنت سعيد بما حدث في 7 أكتوبر؟" أجبته بأنّه لا أحد يفرح للقتل في ذاته (مع أنّ الحرب الجارية ومُجريات التعذيب أظهرت نماذج تكاد لا تحصى من السعادة المازوخيةّ لدى المحتلّ بآلام الفلسطينيين). استمر المحقّق في إهانتي وشتمي، وهددني بالاغتصاب والضرب المبرح. كانت نبرته مليئة بالتهديد ومحاولة الترويع، وفي النهاية طلب مني التوقيع على أوراق لم أقرأها. من شدة الإرباك والجلبة والخوف من تزايد الضرب ومضاعفته، وافقتُ ووقعت من دون الاطلاع على محتوى تلك الأوراق.
بعد الاستجواب، أعادونا إلى سجن "مجدو"، ووصلنا نحو الساعة الخامسة أو السادسة مساءً. كنا مرهقين جدا ولم نكن قد تناولنا أي شيء من الطعام طوال اليوم. عند وصولنا، خضعنا للتفتيش العاري مرة أخرى وتعرضنا للضرب، وعندما دخلت إلى الغرفة، وجدت الشباب منهكين أيضا. لاحظت أن نصف الأغراض التي كانت موجودة في الغرفة قد صودرت، بما في ذلك الكراسي وبعض الأدوات الكهربائية.
في الأيام التالية، نقلت من جديد إلى جلسة المحكمة عبر الفيديو. وُجهت لي تهمة التحريض. تأجلت المحكمة عدة مرات، وفي إحدى الجلسات، أمر القاضي بإعطائي الدواء ومقابلة الطبيب بعد أن شرحت له حالتي الصحية ومعاناتي من مرض السكري، ولكن الأمور لم تتحسن؛ إذ أعطوني دواءً غير مناسب لحالتي، وكنت أعاني من آلام شديدة في الرأس وضعف النظر، خصوصا بعدما صودرت نظارتي. عندما اعترضت على الدواء وأخبرتهم بأنه ليس الدواء المناسب، سخروا مني. كانوا يفعلون أي شيء من شأنه الإمعان في إهانة الأسير وتذكيره بدونيّته في نظرهم، والتلويح بأن حياته برمّتها، فضلا عن كرامته، ليست حاضرة أصلا في اعتبارهم.
في الجلسة الثانية للمحكمة، لم يتمالك القاضي نفسه من التعبير عن السخرية ببعض الأدلة التي قُدّمت ضدي، ومنها فيديو قصير نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إن هذا الفيديو لا يشكل دليلا على أي تحريض. رغم ذلك، مُدّد اعتقالي وحُوّلت إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر.
الحياة داخل السجن كانت صعبة جدا؛ الطعام كان سيئا جدا؛ إذ كانت الوجبات الثلاث تقدم دفعة واحدة في نهاية اليوم، وكانت الكمية قليلة جدا ولا تكفي لشخص واحد، ولكننا كنا نضطر إلى تقاسمها بين عشرة أو أكثر، من شدّة الجوع.
في يوم متأخرٍ من شهر تشرين أول/أكتوبر داهمت وحدة اقتحام الأقسام وصادرت كل شيء من الغرف، بما في ذلك الأغطية والملابس. تركونا بلا أحذية ولا ملابس كافية لنواجه برد الشتاء القارس. استمر هذا الوضع لعدة أشهر حتى تمكن المحامي من رفع قضية لتحسين الأوضاع، وبعد ذلك حصلت على بعض الملابس والأغطية.
في النهاية، نُقلت إلى سجن "النقب"[3] في منتصف نيسان/أبريل 2024. كانت الرحلة إلى هناك صعبة جدا استغرقت ست ساعات في سيارة البوسطة، وعند وصولنا تعرضنا للضرب مرة أخرى. بعد التفتيش العاري، أدخلونا إلى القسم 22، حيث كانت الأوضاع أسوأ مما كنت أتخيل؛ الغرفة مكتظة بالمعتقلين، ومعظمهم يعانون من أمراض جلدية بسبب سوء النظافة. كنا نفتقد أدنى مقومات الحياة، ولم يكن هناك سوى قليل من الطعام أو الأغطية لمواجهة البرد الذي كان يتسلل إلى العظام مع شدّة ضعف أجسامنا وذبولها.
تفشّت الأمراض الجلديّة المعدية بين الأسرى. فور دخولي إلى القسم 22، وجدت نفسي في غرفة تضم تسعة أسرى آخرين، ليكون العدد الإجمالي عشرة، جميعهم مصابون بأعراض أمراض جلديّة شديدة الأذى، ولم تُعِر إدارة السجن أي اهتمام لعلاج المصابين بها ووقف انتشارها في السجن كلّه. بدت كل حالة مختلفة عن الأخرى، ولم يكن هناك أي علاج، وأدّت مواجهة تلك الأمراض وأعراضها إلى خلق حالة نفسيّة مدمّرة بين الأسرى. بُعيدَ دخولي الغرفة، حذروني الشباب وقالوا لي: "انتبه، نحن مصابون بمرض جلدي". لم نفهم تماما طبيعة هذا المرض، ولكن الأسرى استخلصوا من تجاربهم الشخصية وتجارب الآخرين أن الأمراض الجلدية تنتشر بسرعة في السجون بسبب نقص النظافة في مثل هذه الظروف.
سمحوا لي بالنوم على السرير العلوي لأقلل من احتمالية احتكاكي المباشر بهم قدر الإمكان. كانت الغرفة صغيرة جدا، وكان هناك سريران مزدوجان فكان ينام أربعة أسرى على الأسرة، بينما ينام بقيتهم على الفرشات الموزعة على الأرض.
بعد عشرة أيام من إقامتي في تلك الغرفة، أصابني التهاب بدأ في إصبع قدمي الكبير، ثمّ امتد إلى القدم كاملة وصعد إلى الساق. صار الوضع لا يُطاق، ولم أعد قادرا على الوقوف أو المشي. تدهورت حالتي النفسية سريعا، ولا سيما أنني أراقب حال الأسرى الأكبر سنا المحكومين بسنوات طويلة تتراوح بين 18 و30 عاما، وكان بعضهم قضى أكثر من عشرين سنة في السجن. كان من الصعب أن أرى أولئك الأسرى ثم أشعر بالعجز أمامهم وأنا سيفرج عني بعد شهرين، في حين أنهم سيثوون بعدي في السجن سنوات طويلة.
رغم صعوبة الإصابة، ولا سيما فقداني الإبصار بإحدى عينيّ، تمكنت بفضل دعم زملائي وعائلتي من العودة إلى الميدان بعد عام تقريبا. كان ذلك تحديا كبيرا، خصوصا عندما أمسكت الكاميرا أول مرة بعد الإصابة. شعرت حينئذ برعشة في جسدي، واستعدت ذكريات اللحظة التي أُصبت فيها، ولكن كان عليّ أن أتغلب على خوفي وأواصل مهمتي في نقل الحقيقة.
تورّمت قدمي كثيرا، وكنت أطلب كل يوم الذهاب إلى الطبيب أو الحصول على مسكنات للألم، ولكن من دون جدوى. الأوضاع الصحية داخل السجن كانت مأساوية؛ فقد كان هناك أسرى يعانون من قروح مفتوحة يخرج منها القيح، ومع ذلك لم يحصلوا على أي علاج. كان الشعور السائد بأن السجّانين ينتظرون موتنا، أو أنّهم يتلذّذون بهذا النوع من التعذيب العام الممنهج، وهم يرون أجساد الفلسطينيين تذوي وتتلاشى وتمرض أمام أعينهم. كان سلوكا غير غريب عن المحتل، ولكنه مع ذلك بلغ مستويات لم يسبق أن سمعنا عنها فضلا عن رؤيتها واختبارها على مدى شهور عديدة، بلا تهم ولا محاكمة عادلة، وبلا تفريق بين صحفي وغيره.
بعد أسبوعين تقريبا، تمكّن المحامي من زيارتي، فأخبرته بحالتي وشرحت له ما يحدث معي. لاحظ أنني غير قادر على السير فعلا، فسارع إلى تقديم اعتراض، وبعد خمسة أيام نقلوني أخيرا إلى العيادة، فعاينني الطبيب وذُهل من شدّة الالتهاب وأثره. حصلت على الدواء؛ مرهم وبعض المسكنات، فتحسنت حالتي قليلا. مع ذلك، ظلت الظروف التي عشتها في سجن النقب وأنواع التنكيل التي لحقت بي وشهدتها لدى الأسرى تختلف عن كل ما سمعته سابقا عن هذا المكان، المقفر تماما من الإنسانية ومن الأمل، إلا الأمل الذي كنت أستقيه من الأسرى القدامى الصامدين، رغم معاناتهم الشديدة.
ومثل اعتقالي المفاجئ على خلفية عملي الصحفي، كان الإفراج عني مفاجئا أيضا؛ فلم أكن يوم خروجي من السجن أعرف مسبقا عن الموعد تحديدا. كلّ ما فهمته قبل ذلك اليوم هو أن إخلاء سراحي سيحصل في أي يوم من شهر تموز/يوليو، ولكن بسبب التشويش على المكالمات مع المحامي، لم أتمكن من التأكد من التاريخ. في يوم الإفراج، استيقظت فجأة عندما جاء السجان وأخبرني: "جهّز حالك، ستخرج اليوم".
لم أتمكن حتى من توديع زملائي الأسرى، وتلك كانت سياسة يتبعها الاحتلال لإضعاف الروح المعنوية بيننا. بعد عدة ساعات من الانتظار وأنا معصوب العينين ومقيد اليدين والقدمين، أُفرج عني عند حاجز الظاهرية.
لحظة الإفراج تلك، على حاجتي إليها وطول انتظاري لها، كانت أصعب من كل ما مررت به في السجن؛ فقد كنت أحلم بلحظة عناق الأهل واحتضانهم: أمّي وزوجتي وأطفالي، ولكن المرض الجلديّ الذي حلّ بجسمي في السجن حال دون ذلك وحرمني مما كنت في أشدّ الحاجة إليه يومئذ. لم أحتضنهم، بل لم يكن في وسعي الاقتراب كثيرا منهم لئلا أنقل إليهم العدوى. كانت تلك لحظة مؤلمة جدا ضاعفت القهر، وجعلتني أشعر بأن تجربة السجن الظالم لم تنتهِ بعد. نُقلت إلى المستشفى، حيث أجريت الفحوصات اللازمة وشُخّصت بعدة أمراض، منها الجرب والنقرس، وذلك بسبب نوعية الطعام الرديئة في السجن.
استمر علاجي فترة طويلة، وما زلت حتى الآن أتعالج من بعض الأمراض وآثار السجن. رغم كل الظروف الصعبة، فلا يزال الأسرى يتمتعون بمعنويات عالية، متحدين العزلة التي يعيشونها وانقطاعهم التام عن العالم الخارجي. كذلك لا يزال صحفيون وصحفيات يقبعون في سجون الاحتلال، تلاشى الاهتمام الضعيف بهم أصلا، رغم أنّ تصعيد المطالبات بالإفراج الفوريّ عنهم من طرف المجتمع الصحفي المحلي والعربي والعالميّ أولويّة قصوى، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الشامل على الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة، في الضفة الغربية والقدس، واستمرار حرب الإبادة الشعواء على قطاع غزّة، التي تشهد واحدة من أكبر المجازر التي عرفها التاريخ الحديث، وراح فيها عشرات آلاف الشهداء، منم زهاء 175 صحفيا وصحفيّة، استهدفهم الاحتلال وأهلهم مباشرة، ولا يزال يسعى، عبثا، إلى إطفاء مزيد من عيون الصحفيين وإسكات أصواتهم جميعا.
المراجع
[1] وهو معسكر تحقيق ومعتقل يقع بين الخليل وبيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، بالقرب من المجمع الاستيطاني (غوش عصيون)، تحتجز فيه إسرائيل مئات الأسرى في ظروف كارثية وغير إنسانية، من ضمنها التعذيب والاقتحام المتكرر فضلاً عن التجويع وإجبار الأسرى على تناول الطعام الفاسد
[2] يقع في منطقة مرج بني عامر ويتبع منطقة حيفا، وقد خصص المعتقل للأسرى الأمنيين الفلسطينيين منذ العام 1988 إبان الانتفاضة الأولى، ويعتبر الآن أحد السجون الإسرائيلية التي تشهد عمليات تعذيب ممنهجة بحقّ الأسرى الفلسطينيين
[3] سجن النقب الصحراوي، معتقل إسرائيلي موجود في صحراء النقب يقع على بعد 45 كم إلى الجنوب الغربي من بئر السبع، وهو أكبر مركز احتجاز إسرائيلي من حيث المساحة. وثقت تقارير حقوقية عديدة تعرّض الأسرى الفلسطينيين فيه إلى "جرائم تعذيب ممنهجة"، من بينهم 1200 على الأقل من قطاع غزّة منذ اجتياحه