تعاني الصحفية السودانية العاملة أو الساعية للعمل في حقل العمل الصحفي من كثير من الإشكاليات والعقبات التي تقف أمام طموحها إلى التميُّز وتحقيق الإنجازات، لهذا سعَت صحفيات لتأسيس كيان الصحفيات السودانيات باعتباره الرئة التي يمكن عبرها التنفس بداية لإكمال وإحكام دراسة أوضاعهن، وتوفير الإحصائيات المتعلقة بهن، توطئة لتقديم العون المهني، والمطالبة بحقوقهن، وإتاحة فرص الترقي في المهنة عن طريق التدريب. وفي هذا التحقيق تستطلع مجلة "الصحافة" في عرض متنوع تجاربَ مختلفة لواقع الصحفيات من السودان.
ضغوط مجتمعية
بدأت نادية محمد العمل الصحفي الاحترافي في مؤسسة إعلامية حكومية تصدر صحيفة وعددا من المجلات، ويتجاوز عدد منسوبيها المئات من الصحفيين من الجنسين، لكنها لاحظت أنه لم تكن أي "صحفية" تشغل فيها منصب "رئيس قسم" أو "مدير تحرير"، ولم يكن فيها أي تمثيل للمرأة في الهرم الإداري، على الرغم من أن النساء كن يشكلن نسبة عالية من العاملين. وتقول نادية إن هذا الأمر انعكس ضعفا على الرواتب وندرة لفرص السفر والتدريب بالنسبة للنساء مقارنة بزملاء المهنة.
تتابع ضيفتنا حديثها مشيرة إلى طبيعة العمل الصحفي الذي يتطلب العمل لساعات متأخرة من الليل في بعض الأقسام بهدف ملاحقة الأخبار، وتقول: "بالنسبة لضغوط المجتمع المحلي علينا كنساء باعتباره يضع المنزل والأسرة كأولوية تقع على عاتق المرأة، فقد أسهم ذلك في تراجع حظوظنا المادية في المجال، ويتم وضعنا في الخطوط الخلفية داخل الصحيفة التي نعمل بها في الغالب، على الرغم من نجاحنا في التحرير والتغطيات وطرح ومعالجة القضايا، لكن فيما يتعلق بالإخراج الصحفي والتصميم والسكرتارية (المطبخ الصحفي) فإن العنصر الرجالي هو الذي يُحدد شكل الصحيفة التي ستُوزع في المكتبات كل صباح".
العزوف عن الصحافة
تُرجع نادية محمد واقع المرأة كما تراه اليوم في عالم الصحافة السودانية إلى عدة عوامل، منها أن العاملات في المهنة اكتفين على مدى عقود بتلقي التكليفات وتنفيذها، لتستدرك وصفها هذا بالقول: "لكننا اليوم وبعد أربعة عقود من اقتحام المرأة السودانية مجال العمل الصحفي، شهدنا بعض التطور، وانتقلنا كنساء عاملات في المهنة إلى مرحلة المشاركة في تقديم المقترحات كمسؤولات عن الأقسام التحريرية، خاصة بعد تزايد ظاهرة عزوف الزملاء عن العمل الصحفي لأسباب اقتصادية، وتفضيل عدد كبير منهم الهجرة للعمل في صحف الخليج أو القنوات التلفزيونية بالخارج، في وقت ارتفعت فيه أعداد الزميلات المؤهلات أكاديمياً ومهنياً، مما زاد من ثقة الناشرين والمؤسسات في عملنا كصحفيات. ونستطيع أن نقول إننا الآن نشكل نسبة لا تقل عن 60% من جُملة العاملين في المهنة بعدة صيغ، فهناك متعاقدات بأجر ثابت، ومتعاونات بأجور غير محددة، وهناك من يقع عليهن عبء العمل الميداني".
وتضيف "لكن الملاحظ مع كل ذلك أن هناك ضعفا مريعا للرواتب حيث لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور الذي حدده مجلس الصحافة بمبلغ 1500 جنيه شهرياً، أي ما يقل عن 60 دولاراً، وهو مبلغ يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي اقترحه المجلس الأعلى للأجور ولم تتم الموافقة عليه وهو 4500 جنيه".
تمييز إيجابي
تتابع ضيفتنا الحديث عن شجون مهنة الصحافة في بلدٍ شهد اضطرابات عديدة عبر تاريخه الحدث، لتقول: لا يوجد "تمييز إيجابي" للمرأة في مقرات الصحف، كتوفير أماكن مخصصة للاستراحات أو لتناول الوجبات أثناء يوم العمل، ولا توجد فرص للتدريب الخارجي، وإن وُجدت يتم تخصيصها للزملاء فقط كقاعدة معمول بها، وغالباً ما تجتهد الزميلات في السفر والمشاركة على نفقتهن الخاصة، أو بمساعدة جهات غير رسمية، حيث تجد أن الزميلة الوحيدة التي وصلت إلى موقع "مدير تحرير" تعمل في جريدة غير سياسية، إضافة إلى أن رئيسة التحرير الوحيدة اليوم هي الزميلة هنادي الصديق وترأس تحرير صحيفة سياسية حزبية، رغم وجود عدد كبير من الزميلات المؤهلات لإدارة تحرير الصحف المستقلة والشاملة. ونستطيع التأكيد أن الصحفيات السودانيات نجحن في تخطي العقبات بداية بنظرة المجتمع الذي تعامل مع الصحافة عند ظهورها قبل عقود كمهنة "رجالية"، وانتهاء بالعراقيل التي وضعها الناشرون وزملاء المهنة الذين تعاملوا مع النساء كعنصر "أقل كفاءة"، و"أقل قُدرة" على التأثير على المجتمع. ونظرة عابرة في عناوين الصحف الآن، تثبت أن أخطر القضايا والمشاكل التي يعاني منها المجتمع كُتبت بأقلام نسائية، وسابقاً بأقلام رائدات المهنة مثل الأستاذتين آمال عباس وآمال مينا وغيرهما.
كيان الصحفيات السودانيات
عطفاً على هذا الواقع، فقد تأسس كيان الصحفيات السودانيات كجسم ممثل لهن في أغسطس/آب 2017، ودشن نشاطه عبر الإعلان عنه كجسم ممثل للصحفيات في مؤتمر صحفي عُقد بمركز "طيبة برس" الإعلامي. وأعلن الكيان عن مشروع توفير فرص عمل للصحفيات عبر ترشيح ثلاث صحفيات من خارج المؤسسات الصحفية للعمل على إنجاز ثلاثة تحقيقات استقصائية بإشراف مجموعة من الصحفيات ذوات الخبرات، ولكن توقف هذا المشروع لأسباب مالية وفنية. وقدم الكيان دراسة لأوضاع الصحفيات العاملات بالصحف السودانية كشفت أنه رغم وجود 147 قسما في الصحف المحلية فإن 12 قسما منها فقط يشغل منصب رئاسته صحفيات، كما تعاقبت على العمل في رئاسة التحرير أربع صحفيات فقط.
واقع صعب
في الحديث عن ضعف الرواتب وقلة الإمكانيات، تقول الصحفية رابعة أبو حنة إنها بدأت العمل الصحفي وهي ما تزال طالبة بكلية العلاقات العامة والإعلام في جامعة السودان، وبدأت التدريب في صحيفة "الصحافة" عام 2007 على يد رئيس قسم التحقيقات آنذاك. كما بدأت التدريب في صفحة تهتم بقضايا المواطن، ثم تنقلت بين عدة صحف لفترة من الزمن، قبل أن تنتقل للعمل بصحيفة "التيار" عام 2009 التي كانت أول صحيفة تحصل منها على دخل مادي ثابت، ومنها إلى صحيفة "الجريدة" التي ما زالت تعمل بها.
وتوجز رابعة معوقات العمل الصحفي بالقول: "أعتقد أن ضعف الرواتب هو القضية المحورية، إضافة إلى عدم التزام الناشرين بتطبيق اللائحة التي أجازها مجلس الصحافة والمطبوعات بشأن الرواتب مؤخراً، على الرغم من زيادة أسعار الصحف. وحتى الصحف التي تتبنى الدفاع عن الحقوق وتنادي بتطبيق القانون والعدالة، لم تُطبق اللائحة. وبالنسبة للتدريب وعلى الرغم من عملي بالصحافة لما يقارب التسع سنوات، فإنني لم أتلق أي تدريب، لا من اتحاد الصحفيين، ولا حتى من المنظمات المعنية بالتدريب. وفي نظري أن بعض الكيانات المعنية بالتدريب موجهة، وغارقة في الفساد، ولا تُدرب إلا من يخدم أجندتها. وكذلك تجد أن اتحاد الصحفيين يدرب من تربطه صلة ما بالنظام، أو من يخدم أجندته. وما بين الاتحاد والمنظمات تضيع فرص التدريب للصحفي المهني المستقل. وكصحفيات بعد أن فقدنا الأمل في وجود فرص تدريب، فكرنا في إنشاء كيان للصحفيات هدفه الأساسي والرئيسي هو إيجاد فرص تدريب لهن".
البحث عن مخرج
عن تجربتها مع العمل الصحفي تقول الصحفية أمنيات محمد علي: قبل أن أكمل دراستي الجامعية، تدربت في مجال العمل الصحفي الميداني بصحيفة "المجهر السياسي" عامي 2012 و2013، فاكتسبت بعض مهارات العمل الصحفي. وبعد أن أكملت الدراسة الجامعية، بدأت رحلة البحث عن عمل لتحقيق الأحلام الوردية في بلاط "صاحبة الجلالة"، فقصدت صحيفة "التغيير"، وكان ذلك أواخر العام 2014، وقد أخبرتني إدارة الصحيفة أنه ليس لديهم فُرص عمل في ذلك الوقت، لكنهم منحوني فرصة أن أتدرب عندهم لمدة ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يتم استيعابي كمتعاونة، فقبلت".
أمام هذه التجارب المختلفة والأحلام العديدة، تتطلع الصحفيات السودانيات إلى كيانهن باعتباره الرئة التي يمكن عبرها التنفس بداية لإكمال وإحكام دراسة أوضاعهن، وتوفير الإحصائيات المتعلقة بهن، توطئة لتقديم العون المهني، والمطالبة بحقوقهن، وإتاحة فرص الترقي في المهنة عن طريق التدريب.