"هذا يومٌ الفائز فيه 81 مليون تركي، وليس فيه خاسر"، جملة أنهى بها "بن علي يلدريم" مسيرته كآخر رئيس وزراء تركي، بعد انتخابات تركية حاسمة، أفضت إلى فوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة وحولت تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وقد شهد ذلك اليوم خسارات كبيرة على عكس ما قال يلدريم.
مُني بتلك الخسارة منصات ووسائل إعلام تركية وعربية وأجنبية، لم يكتف بعضها بتجاهل فوز أردوغان، ولكن ادعت أن منافسه الأبرز محرم إينجة هو الرئيس، وذلك على الرغم من النتائج التي أظهرت تقدم الأول وفوزه على الأخير.
أثناء صدور النتائج الأولية، اتهم مرشح أكبر أحزاب المعارضة للرئاسة في تركيا، محرم إينجة، وكالة الأناضول بالتلاعب في نتائج الانتخابات، لصالح أردوغان. وقال مرشح حزب الشعب الجمهوري على حسابه الشخصي "تويتر": "وكالة الأناضول تتلاعب بالنتائج الأولية لصالح أردوغان".
كما دعا حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إلى عدم الأخذ بالنتائج التي تقدمها وكالة الأناضول وهيئة الإذاعة والتلفزيون ووصفها بأنها نتائج متلاعب بها. في حين استضافت قناة سكاي نيوز النائب عن حزب الشعب علي شكير، الذي قال إن حزبه رصد ما قال إنها خروقا ارتكبها حزب العدالة والتنمية الحاكم أثناء العملية الانتخابية.
بعد وقت قصير، فنّدت وكالة الأناضول الرسمية ما أسمته "ادعاءات" تناولتها بعض وسائل الإعلام المحلية، زعمت فيها أن الوكالة نشرت "نتائج نهائية" للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وقالت في بيان إن "تلك الادعاءات تصب في إطار مساعٍ لتوجيه الرأي العام، ولا تمت للواقع بصلة".
كما ندّد المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، بـ"التهديدات والافتراءات" الصادرة عن أطراف في المعارضة التركية، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، ضد وكالة الأناضول. وقال بوزداغ، في تغريدات نشرها عبر موقع "تويتر"، إن الأناضول "لم تقدم نتائج خاطئة أو منقوصة لا في هذه الانتخابات ولا قبلها ومن يدعي عكس ذلك فهو يفتري عليها".
بدأ هذا الجدال الإعلامي بالخفوت بعد وقت من نزول الأتراك إلى الشوارع احتفالاً بفوز الرئيس السابق برئاسة الجمهورية التركية الثانية، حيث اعترف محرّم إينجة خصم أردوغان اللدود ومنافسه بالهزيمة وهنَّأه قائلاً: "إذا لم تهنئ الفائز حين تخسر الانتخابات، فلا يجب أن تدخل السباق ابتداءً".
لكن الجدل استمر على وسائل التواصل الاجتماعي، فحاول بعض الأتراك تأليب الرأي العام على نتائج الانتخابات وقد بدأوا التغريد في حالة نادرة بلغات أجنبية لإيصال رسالة إلى العالم مفادها أن الانتخابات مزورة، في حين تبنت بعض الشاشات وحسابات عربية تحظى بمتابعات كبيرة الفكرة ذاتها، ضمن حرب إعلامية تخدم سياسات دول.
التشكيك بالأمر الواقع
اعترف المنافس بالخسارة، بينما اتهم الإعلامي المصري أحمد موسى تركيا بتزوير الانتخابات وقال إن محرم إينجة هو الرئيس، في حين شكك حمد المزروعي الذي يقول البعض إنه أحد مستشاري ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، بالنتيجة واتهم تركيا بإجبار المساجين على التصويت لأردوغان.
واحتل جدل التزوير مساحة واسعة من تغطية قناة سكاي نيوز عربية التي ركزت على تصريحات حزب الشعب الجمهوري المعارض، وتجاهلت تقدم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان، في حالة شبيهة بما حدث في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 في تركيا، حيث اصطنعت "سكاي نيوز" أخبارا لا أساس لها من الصحة عندما قالت إن الرئيس التركي طلب اللجوء إلى ألمانيا، وإن هناك عرضاً روسياً لأردوغان للجوء إليها، فضلا عن نقلها خبرا أفادت فيه بمقتل عدد من الوزراء آنذاك.
اهتمت القناة بنشر أخبار التشكيك وقالت إن هناك مضايقات يتعرض لها الأتراك لإجبارهم على التصويت، ونشرت تقريراً مفصلاً على موقعها حمل عنوان "انتخابات حرجة.. أردوغان غير الواثق أمام معارضة منظمة"، وأطلقت على العملية الانتخابية مصطلح "ديمقراطية الديكتاتور".
حدت وسائل الإعلام المصرية حدو القنوات الإماراتية في التغطية، بينما تجنبت نظيرتها السعودية الانتخابات، وانشغلت بتغطية كأس العالم الجاري في روسيا في التوقيت ذاته، حتى كتب الكثير من المغردين على تويتر "أخبروا قناة العربية أن هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية في تركيا".
وهذا الانحياز أمام عملية ديمقراطية، يصنفه البعض في غالب الأحيان على أنه توجه سياسي يحاول أن يمارس دوره في التأثير بمجريات الأحداث، والانقلاب على النتائج، وهو ما تسعى تلك التغطية الإعلامية لتحقيقه. وهكذا فإن ما وصفها الخبراء بـ"البروغاندا" اختلقت رواية التزوير ومنحتها التأييد المطلق وعملت على تغييب حقائق وادعت عدميتها، فيما تجاهلتها وسائل إعلام أخرى كلياً.
وكانت التعبئة والتوجيه الإعلامي حاضريْن بقوة قبيل الانتخابات، ويرى البعض أن تغير خريطة مُلَّاك المؤسسات الإعلامية الخاصة في تركيا خلال هذا العام، ساعد كثيرا في الحشد الإعلامي والشعبي لصالح أردوغان.
فقد بيعت مجموعة دوغان الإعلامية إلى مجموعة دمير أوران مقابل 1.2 مليار دولار، في مارس الماضي، في أكبر صفقة بيع إعلامية بتاريخ تركيا الحديث. وكانت مجموعة دوغان في الماضي تمتلك بمفردها حوالي 40% من وسائل الإعلام التركية، بينها صحف مثل "حرييت" و"ميلليت" و"فاناتيك" و"بوستا"، ومحطات تلفزيونية على رأسها "سي إن إن تورك" ومحطة دي.
وتعتقد وسائل إعلام تركية بوجود أطراف أخرى لم يعلن عنها تقف خلف تمويل هذه الصفقة، وترجح وقوف رجال أعمال مقربين من حزب العدالة والتنمية وراء تنفيذ الصفقة، حيث كانت تلك المجموعة تهاجم أردوغان بشدة منذ أن كان رئيسا للوزراء، وقد فرض عليها غرامة كبيرة في عام 2009 (3.8 مليار ليرة تركية) بدعوى التهرب الضريبي.
الإعلام الغربي.. تحذير مبكر
قبل الانتخابات بأيام، تبنت العديد من وسائل الإعلام الغريبة "مواقف سلبية" ضد أردوغان، فنشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا تضمن مزاعم بأن أردوغان "خطر على تركيا والعالم"، ودعوة إلى "الإطاحة به". وفي المقال الذي كتبه "سيمون تيسدال" قال إن تركيا لم تعد صديقة لأوروبا والولايات المتحدة، وأن تقاربها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشكل "خطرا" أيضا.
وبنفس السياق، نشرت شبكة "سي إن إن إنترناشيونال" الأميركية خبرا بعنوان "قد تأتي مقامرة أردوغان بإجراء انتخابات مبكرة بنتائج عكسية". وعمدت الشبكة إلى إبراز تصريحات لمرشح الرئاسة عن حزب "الشعب الجمهوري" محرم إينجة، التي اتهم فيها أردوغان بأنه "متعب ومتكبر"، وآراء ناخبين أتراك معارضين لأردوغان.
في حين نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريرا لها، اعتمد على مقابلات مع ناخبين أتراك حمل عنوان "الشباب منزعجون من تركيا أردوغان". أما مجلة "إيكونوميست" البريطانية فقالت إن "إعادة انتخاب أردوغان سيتسبب في وضع سلبي" بتركيا، وقالت إنه "لو انتخب أردوغان وحزبه سيتم الانتقال إلى نظام الرجل الواحد".
رد مركز أبحاث "تي آر تي وورلد TRT World"" التابع لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية الحكومية، على وسائل الإعلام الغربية بدراسة بحثية حملت عنوان "كيف تنظر وسائل الإعلام الغربية إلى الانتخابات؟ قال فيها إن "56 بالمئة من الأخبار التي نشرتها وسائل إعلامية غربية حول الانتخابات في البلاد تضمنت معلومات خاطئة".
واستعرض المركز عبر دراسته الأخبار التي نشرتها 20 وسيلة إعلام غربية كبرى، أبرزها "فرانس برس" الفرنسية، و"أسوشييتد برس"، و"واشنطن بوست"، و"نيويورك تايمز" الأميركية، و"الغارديان" البريطانية، حول الانتخابات والاقتصاد والحكم في تركيا، خلال الفترة بين 18 أبريل/نيسان الماضي و5 يونيو/حزيران الجاري. وقال إنه "أيضا هناك 38.2 بالمائة من الأخبار محرفة، ولم تتجاوز نسبة الحيادية 5.2 بالمائة".