تثير برامج "الترفيه" التي يبثها التلفزيون العمومي المغربي، الكثير من الجدل بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشهد أيضا متابعة نقدية مهمة على صفحات جرائد محترمة.
كما نبه الفاعلون في مناسبات عدة، إلى ضرورة إعادة النظر في هذه البرامج، أو تقديم أخرى في مستوى يرقى بالمشاهد المغربي، الذي يضطر إلى "الهجرة" قسرا نحو قنوات فضائية تحترم "ذكاءه"، وتقدم له ما عجزت عن تقديمه القنوات العمومية في إطار "الحق" في الخدمة العمومية الإعلامية.
في المقابل، هناك تحجّج دائم بأن برامج الترفيه هذه، تشهد مشاهدة ومتابعة مهمتين، استنادا إلى نتائج قياس نسب المتابعة التي كُلّفت بها مؤسسة غير رسمية!
فهل برامج الترفيه في القنوات العمومية المغربية، تحترم فعلا ما تتطلبه مثل هذه البرامج كما في قنوات أجنبية؟ ولماذا يتعارض نقد هذه البرامج مع نتائج قياس نسب المشاهدة؟
نسب المشاهدة وحقوق المشاهد
يرى عبد العالي تريكيت، رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد، أن "قياس نسب المشاهدة لا يعكس بتاتا طلب المشاهدين"، بل إن "قياس نسب المشاهدة مرآة للعرض وليس للطلب".
فالقول بـ"أن نسب المشاهدة تعني الطلب من طرف المشاهد هو شطط يراد من ورائه تمييع ذوق وإحساس المشاهد، لتبرير صرف المال في غير محله، وضرب حقوق المشاهد، وترويج قيم غالبا ما تخالف أبعاد هويته وانتمائه"، بحسب تريكيت.
أما حفيظ اركيبي، الباحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث
في حقوق الإنسان والإعلام، فيعتبر أن التحجُّج بنِسَب قياس المشاهدة لا يعكس بالضرورة ما هو موجود فعلا في الواقع، على اعتبار أن قياس نسب المشاهدة "يقوم على منهجية انتقائية".
هذه المنهجية، كما يبرز اركيبي، "تعتمد على أخذ عيّنة من بيوت متطوعة لا تغطي مختلف مناطق المغرب، إذ تُجهَّز بأجهزة إلكترونية خاصة لقياس حجم المشاهدة، وهي لن تتجاوز ألف بيت في الوقت الراهن، ويصعب معها تعميم النتائج دون تحفظ، في غياب التحديد الدقيق لعدد الأشخاص الذين يشاهدون التلفاز في الأسرة الواحدة والفئة العمرية التي تشاهد كل برنامج، بالإضافة إلى المستوى الدراسي والاقتصادي لكل مشاهد".
تحويل الأنظار والضبط الاجتماعي
حتى بافتراض المتابعة العريضة للمشاهد المغربي لبرامج الترفيه هذه، "فذلك لا يعني بالضرورة جودة مضامينها واستجابتها لانتظارات المواطن المغربي وتطلعاته، فالاستعانة بالمشاهير والنجوم يستقطب المشاهد وقد يغطي على رداءة المضامين"، يضيف حفيظ اركيبي.
ما يعني أن المعادلة في قنواتنا العمومية، "تسير وفق منهج مقلوب، طالما أن خيارات البرمجة والبثأصبحت مبنية على مصلحة الأرباح التجارية؛ لأن وكالات الإعلان والتسويق هي من تقرّر في البرامج وسياسة البث"، يؤكد عبد العالي تريكيت.
من هذا المنطلق،"يتحول الترفيه المستمر إلى رهان للقنوات التلفزية لاستقطاب المعلنين التجاريين، إذ يتضاعف حجم المساحات الإعلانية والوصلات الإشهارية بشكل غير اعتيادي خلال بث تلك البرامج، وأحيانا ضدا على مقتضيات دفتر التحملات الخاص بقنوات القطب العمومي، خاصة في مرحلة ذروة المشاهدة في شهر رمضان التي تنطلق قبيل الإفطار حتى آذان العشاء"، وفقا لاركيبي.
كما أن برامج الترفيه من جهة ثانية، بحسب الباحث دائما، "تعطي لصانعي القرار الفرصة للاشتغال ما أمكن بعيداً عن آراء الرأي العام، إذ تترك البرامج التي تناقش قضايا جدلية داخل المجتمع لخارج أوقات الذروة، فتتحول برامج الترفيه عن قصد أو عن غير قصد إلى آلية للإلهاء والتسلية، تساهم في تحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل الهامة والسياسات العامة المقرّرة من طرف النخب السياسية والاقتصادية، وبالتالي المساهمة في الضبط الاجتماعي".
لذلك، يطلق الفاعلون دائما "صيحات الإغاثة"، بحسب عبد العالي تريكيت، رئيس جمعية حقوق المشاهد، الذي أشار إلى أن المسؤولين عن القنوات التلفزيونية العمومية، "يستغلّون النبض البدائي عند الفرد كسرقة النظر، للترويج لسلعهم وأفكارهم وأسْرِ المشاهد ومن خلاله المجتمع في شباكهم ولمصلحتهم".
هجرة المشاهدة والخدمة العمومية
من الانعكاسات الأخرى لبرامج الترفيه، بالشكل التي تبثها القنوات العمومية في المغرب، لجوء نسبة كبيرة من الجمهور إلى القنوات الفضائية الأجنبية والعربية، ما "يحيل على عدم قدرة قنوات القطب العمومي على تقديم خدمة عمومية كافية لإرضاء المشاهد المغربي"، يورد حفيظ اركيبي، الباحث في الإعلام وحقوق الإنسان.
نفس المصدر، شدّد على أن تقديم الإعلام العمومي لخدمة عمومية في المستوى المطلوب، "رهين بالانشغال بإرضاء المستفيدين من خدماته وتقبل انتقاداتهم، دون الخروج عن الذوق العام وعن القيم السامية للمجتمع، لاسيما تلك المدرجة في الدستور، على قاعدة تكريس الديمقراطية كخيار استراتيجي، بشكل يكون فيه المواطن واعٍ بآثار تلك البرامج على وعيه وتكوينه وعلى محيطه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي".
كذلك، يسجّل الباحث في الإعلام وحقوق الإنسان، أن برامج الترفيه في التلفزيون العمومي المغربي؛ خصوصا برامج "الشُّو"، تعدّ "نسخا مقلّدة لبرامج الشُّو الأميركية، لكنها لم تصل بعد إلى مستواها المتمثّل في تنوع عروضها ومضامينها وأصالتها وجودتها الفنية والتقنية، التي هي انعكاس لثقافة المجتمع الأميركي وقيمه، فهي تتطلب موارد بشرية ومادية ولوجستية ومالية مكلفة جدا مقارنة مع واقع الإعلام والإنتاج المغربي".
لذلك يتم التركيز على الإثارة والشكل والجاذبية لاستقطاب المشاهد، بدل التركيز على القيمة الفكرية أو الثقافية للمضامين في إنتاج هذه البرامج التي تبثٌّ على التلفزيون العمومي المغربي. رغم أن "للتلفزة أثر على حياة الأفراد والمجتمع أهم بكثير من المدرسة، لكنها تعمل على نحو متزايد، بعيدا عن الضوابط الاجتماعية، يشدّد عبد العالي تريكيت، رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد.