متعدّدة ومختلفة هي الدورات المعدّة للصحفيين في المغرب. مع هذا، فإن إجابة الكثير من المشاركين بها عن تقييمهم لتلك الدورات ومدى الاستفادة منها ليست مرضية.
ويعود الأمر إلى أزمة حقيقية يواجهها الإعلام في التدريب المتوفر للصحفيين سواء من حيث العدد أو الجودة، وهي معضلة متشابكة ومعقدة نوعاً ما في أسبابها تتحمل مسؤوليتها المؤسسة والصحفي والجهات المنظمة للتدريبات.
يوجد صحفيون كثر يعملون دون دراسة أكاديمية خاصة بالإعلام ودون أن يتلقوا أي تدريب من قبل مؤسساتهم الموظفة لهم والتي ليس لاستراتيجية التدريب فيها مكان.
بالموازاة مع ذلك تقلّ مراكز البحوث والدراسات الإعلامية التي ترصد مثل هذه الإشكاليات وتساهم في تطوير المؤسسات الإعلامية.
ورغم أن قانون الصحافة المغربي يتيح الحصول على بطاقة الصحافة التي تسمى "بطاقة صحفي متدرب" لمدة سنتين، إلّا أن التدريب يقف عائقاً حقيقياً أمام الصحفيين الذين يطمحون لمعرفة مهارات جديدة قد تؤهلهم إلى مراتب مهنية أفضل أو تحسن هويتهم الإعلامية وسيرهم الذاتية.. وعند سؤال الصحفيين حول التدريبات التي يبحثون عنها، ستتمحور الأجوبة حول الحقول الجديدة في الإعلام: التقنيات مثل صناعة الفيديو أو التصوير أو في الإعلام الجديد أو صحافة الإنفوغرافك التي تغيب تماماً عن الصحافة المغربية.
المجتمع المدني يدرب الصحفيين
تتولى التدريبات الإعلامية في المغرب مؤسساتُ المجتمع المدني غالبا، وتوفر التدريب بالشكل والصيغة التي ترتأيه دون دراسة مسبقة لاحتياجات الصحفيين. لذلك نجد تدريباتها لا تتعدى مجالات حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي أو الكتابة الصحفية، وهي عادة تدريبات ذات نتائج ضعيفة ومفعول قصير، نمطية ومكررة ودون غاية وقد يغادرها الصحفي في اليوم الأول من التدريب.
وبرز المجتمع المدني في هذا الدور نتيجة قصور مراكز أو معاهد التدريب الإعلامي العامة أو الخاصة أو الملحقة بالجامعات عن دورها في النهوض بنوعية التدريبات.
تلبية حاجات التدريب.. مفقودة
تنبع حاجة الصحفي للتدريب من عدة أسباب تتعلق بتكوين الصحفي نفسه. يوجد صحفيون يعملون في مواقع إخبارية محلية دون أن يدرسوا الصحافة أكاديمياً، ويتولون فيها مواقع إدارية أو رئاسة أقسام أو محررين. وصحفيون آخرون يعملون في إذاعات وقنوات عامة أو خاصة ولم ينالوا سوى تدريب واحد من المؤسسة الإعلامية الموظفة لهم. أما الفئة المتبقية يدورون في دوائر مفرغة من التدريبات ذات الشكل الواحد والمكررة وعادة ما ترتبط بمشاريع ممولة وتنحصر في مواضيع معينة، ونسب قليلة منهم يصيبهم الحظّ أو الواسطة ليتأهل لتدريب إعلامي خارج المغرب، أو يأخذ قرضاً من أجل تدريب محترف.
تنعكس حالة الإحباط التي يعانيها الصحفي من نوعية التدريبات على إنتاجه للمحتوى الإعلامي الذي يستمر في ذات القوالب واللغة الجافة المستخدمة.
هوية الصحفي الضائعة
يمكن أن نشخص مشكلة التدريبات بالمغرب بداية من طريقة الإعلان عن التدريب، فقد يصل على بريد الصحفي إعلان عن ورشة من قبيل "تنظم النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالشراكة مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ووزارة الاتصال، دورة تكوينية لفائدة الصحفيات والصحفيين بجهة...، العاملين بمختلف وسائط الاتصال (الصحافة المكتوبة - الإعلام الرقمي - الإعلام السمعي البصري)، في موضوع : الكتابة الصحفية والأنواع الصحفية، يؤطرها خبراء وأساتذة من المعهد العالي للإعلام والاتصال، وعلى الراغبين في الاستفادة من هذه الدورة إرسال طلباتهم..".
غياب تفاصيل التدريب والنتائج المتوقعة منه (What will you learn) قد تدفع الصحفي إلى حذف الإعلان أو تجاهله، لذلك نجد قاعات التدريب شبه فارغة أو ينقص منها عدد المتدربين مع الأيام، وعادة ما تكون التدريبات نظرية لا تشجع الصحفي على إنتاج مواد تقيم من خلالها مدى استفادته من التدريب.
يقول الصحفي عصام خويا لـ"مجلة الجزيرة للصحافة": "يشتكي الصحفي من عدم اهتمام مؤسسته بالتدريب والتدريب المستمر، وتنوب عنها مؤسسات المجتمع المدني في إعداد تدريبات تحدد طبيعتها سلفاً لا تتناسب مع احتياجات الصحفيين ونادراً ما تنجح ويستفيد منها المتدرب أو يستمر فيها".
أمّا الصحفي عبد المؤمن محو في راديو دوزيم- القناة الثانية المغربية فيقول "حصلت على تدريب واحد خلال خمس سنوات عمل في الإذاعة من المؤسسة الإعلامية المتعاقد معها، وكان تدريباً بالشراكة مع إذاعتين فرنسيتين، إضافة إلى تدريبات نظرية وأخرى عملية نلتها على عاتقه الشخصي". ويقيمّ محّو تجربته بهذه التدريبات بأنها "تجربة إيجابية طوّرت من مهاراتي المهنية، لكنّني أعتبر التدريب بشكل متكرر مهم جداً للصحفي خاصة أنه يدخل في روتين العمل اليومي، وقد ينسى الكثير من قواعد العمل المهني أو أخلاقيات الصحافة، حتى أن التدريبات المتفرقة بين فترة وأخرى تحسن من سيكولوجية الصحفي، مما يحفزه على العمل بشكل أفضل وإنتاج محتوى مهني جديد وذي جودة".
يجد محّو بأنّ إشكالية توفير تدريبات نوعية أصبحت "متجاوزة وذات الأمر ينطبق على المدربين لأن الإنترنت يحمل حلولاً بين صفحاته"، بينما يقول الصحفي في جريدة "المساء" حمزة متيوي بأنّ "التكوين المستمر والنوعي بالمغرب ما زال جديداً نسبياً نتيجة لمعوقات إمّا جغرافية أو مادية أو مهنية".
الحلول السحرية للإنترنت ليست متاحة للصحفيين الذي يعملون بمناطق بعيدة ويطمحون للجديد أو للتوجيه والإرشاد. وتبرز هنا معضلة "مركزية" الورشات التدريبية التي تنظم غالباً بمدينتيّ الرباط والدار البيضاء (المركز) وتحرم صحفيين كثر بأقاليم بعيدة من الاستفادة منها.. يقول خويا، الصحفي في موقع (Zagoranews) "تحتاج منطقة زاكورة البعيدة عن محور الدار البيضاء للتعريف بها إعلاميا، وأعتبر الاستمرار بنقل أخبار زاكورة والحفاظ على الموقع الإخباري المحلي بإمكانياتنا البسيطة تحدياً، خاصة وأننا فريق صغير ومتطوع".
وتولي المؤسسات الإعلامية (مواقع إخبارية، صحف، إعلام مرئي) اهتماماً غير كافٍ لمتدربيها وتمنحهم التوجيه المناسب. وبرأي إسماعيل عزّام، مراسل CNN بالعربية فإن "قلة الاهتمام بالمتدربين ترجع إلى ضغط العمل وعدم توفر طاقم كاف لمرافقة المتدربين، علماً أن المتدربين قد يمكِّنون المؤسسات الإعلامية من فرص إنتاج مواد قد لا يجد لها طاقم المكتب وقتاً".
ويحكم العلاقة القائمة بين المؤسسة والمتدرب سمة الاستغلال.. يوضح عزّام "توكل للمتدربين مهام متعددة في التحرير، لكن لا يستفيدون في المقابل من أيّ تعويضات مالية، وأحيانا توكل إليهم مهام روتينية لا تمكنهم لوحدها من الاستفادة من التدريب (مثلا تحرير البيانات الصحفية دون مراقبة من أحد، أو القيام برصد آراء الشارع)، حيث يُعهد لهم بمهام يرفضها طاقم التحرير بسبب التعب المرافق لها".
يذكر عزّام أن من المشاكل التي يواجهها التدريب "عدم اهتمام الجامعات ومعاهد الإعلام بنجاعة التدريب واعتباره مكملا للدروس وعدم احتساب نقاطه إلّا في السنة الأخيرة، مما لا يساعد الطالب الصحفي في معرفة حقيقية بالميدان، وكثيرا ما يصطدم بعد تخرجه بفارق شاسع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي"، ويتابع عزام قوله إن المؤسسات الإعلامية في المغرب غالبا لا تلقّن أخلاقيات المهنة "ومع البحث اليومي عن النقرات والزوار، أضحت الكثير من المواقع الإخبارية بعيدة تماماَ عن احترام أخلاقيات المهنة، ممّا يجعل المتدرب يعتقد أن هذا هو حال الصحافة، الأمر الذي يؤثر في حسّه المهني وقد ينتج هو الآخر الرداءة نفسها التي أضحت هي الأكثر انتشاراً حالياً".