يُجمع صحفيون ومختصون ومستشارون إعلاميون تحدثت إليهم "مجلة الصحافة" على أن الإعلام التركي الناطق بالعربية، وعلى الرغم من ضخامة الاهتمام به من قبل الجمهور العربي، إلا أنه ما زال يعاني الكثير من الضعف والمشاكل التقنية والمهنية.
عام 2010، تأسست القناة الرسمية التركية الناطقة باللغة العربية (TRT Arapça). وعقب ذلك في عام 2011 تم تأسيس القسم العربي بوكالة الأناضول الرسمية التركية، ولاحقاً تأسست العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية الناطقة بالعربية ومنها التابعة لصحف تركية كبيرة مثل (يني شفق، ديلي صباح، زمان)، ومنها مواقع خاصة مثل (ترك برس، تركيا بوست، تركيا الآن) وغيرها.
وبينما أكد المتحدثون على أن هذه الوسائل رغم حداثتها تمكنت من إحداث اختراق كبير في إيصال صورة تركيا إلى العالم العربي، شددوا على أنها ما زالت تعاني من الكثير من المعيقات المرتبطة بالتمويل وضعف الإمكانيات ونقص الكفاءات المتخصصة في هذا المجال.
يلماز: مستوى لا يليق بتركيا
أوكتاي يلماز، الكاتب والمحلل السياسي التركي الناطق بالعربية، اعتبر أن الإعلام التركي الناطق بالعربية ضعيف وجديد بشكل عام، لافتاً إلى أن أبرز الموجود هو القسم العربي لوكالة الأناضول الرسمية والقناة التركية الناطقة بالعربية (تي ري تي)، موضحاً أن بداية القناة تعود إلى 8 سنوات فقط وبعدها تم تأسيس القسم العربي بوكالة الأناضول.. "مستوى القناة ضعيف للأسف الشديد ولم تشهد تطورا كبيرا وهي لا تليق بمستوى تركيا".
وأوضح يلماز أن "القسم العربي بوكالة الأناضول أكثر مهنية من القناة وأكثر حرفية وهي مفيدة وقوية كمصدر للأخبار والأنباء التركية بالإضافة إلى ذلك يوجد عدة مواقع إخبارية خاصة لكن لم تتطور هذه المواقع"، لافتاً إلى وجود مواقع تنشط حديثاً وهي تحت التطوير.. "بشكل عام هناك انطلاقة لا بأس بها بالنسبة لما قبل 5 سنوات، وقبل 10 سنوات لم يكن هناك أي إعلام ناطق بالعربية لكنه بحاجة إلى التطوير والمهنية والاحترافية أكثر"، مشيراً إلى أن معظم هذا الإعلام الرسمي وغير الرسمي يتبنى وجهة نظر الحكومة التركية وبالتالي ويحتاج إلى التنوع لتعكس وجهة نظر تركيا بشكل أفضل.
زاهد غول: قُصور كبير
محمد زاهد غول، الكاتب والمحلل السياسي التركي، أكد أنه وبشكل عام يوجد قصور كبير في أداء الإعلام التركي الناطق بالعربية سواء الرسمي أو الخاص.. "التلفزيون الحكومي منذ انطلاقته لم يستطع أن يحدد لنفسه هوية فلا هو قناة منوعات ولا أخبار ولا قناة لديها شبكة مراسلين".
وأضاف غول الذي يعتبر من أبرز الإعلاميين الأتراك الناطقين بالعربية، "شهدت القناة مراحل ومحاولات تطوير وتغير كامل في الهوية ولم تنجح في نقل الحدث التركي"، مشيرا إلى مشاكل تتعلق بالميزانية والإدارات المتعاقبة للقناة و"البيروقراطية" العامة في البلاد وأبرزها عدم إمكانية تعيين إعلاميين عرب في المناصب المهمة لوجود شروط تتعلق بسنوات الخدمة في الحكومة.. "على الرغم من وجود قصور في الموقع الإلكتروني التابع للقناة الرسمية الناطقة بالعربية، إلا أنها تمكنت من إحداث تطور كبير خلال الفترة الماضية من خلال تطوير عملها ونشاطها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة موقع التغريدات القصيرة، تويتر".. واصفاً ذلك بـ"النقلة المهمة".
ولفت إلى أن "العالم العربي متعطش للمادة الإخبارية عن تركيا، ولا توجد منصات إعلامية تُقدر هذا الأمر"، وحول وكالة الأناضول قال غول: "الأناضول وكالة حكومية جيدة ومهمة ولكنها تستطيع تقديم جزء من الحقيقة وليس كل الحقيقة وهي وكالة تنقل الخبر ولا تحلله.. أما المواقع الإخبارية الأخرى فهي جيدة وتحاول أن تنقل ما يحصل في تركيا بنسب متفاوتة من الجودة، لكنها تعتمد بشكل كبير على نقل أخبار الأناضول وتفتقر إلى الخصوصية".
وتطرق غول إلى الموقع الإخباري التابع لصحيفة زمان التركية –يعمل من مصر بعد أن أغلقته الحكومة التركية بتهمة التبعية لجماعة الخدمة (الكيان الموازي)- معتبراً أنه لا يعتبر موقعا معارضا بقدر ما هو متخصص في نقل أخبار مشوهة وغير دقيقة هدفها الإساءة إلى الدولة والحكومة، متمنياً أن تطور أحزاب المعارضة التركية وسائل إعلام لها ناطقة بالعربية لتحقيق التنوع.
المقادمة: انطلاقة جديدة لـ TRT" العربية" لتطوير الأداء
نائل المقادمة، مدير المحتوى الرقمي في قناة TRT العربية، قال إن القناة تعمل في هذه الأثناء "بلا كلل ولا ملل على وضع الخطط لتطوير محتواها، وشاشة عرضها، ومنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها من خلال إطلاق منصات جديدة متخصصة بما يتماشى مع التطورات والتحولات التي تمر بها وسائل الإعلام".
ولفت المقادمة إلى أنه "من المقرر أن يشهد عام 2017 ما يمكن تسميته بـ"الانطلاقة الجديدة" لقناة TRT العربية، حيث سعت القناة طيلة الفترة الماضية إلى الإعداد والتخطيط من أجل هذه الانطلاقة، التي ستقدم للجمهور العربي شاشة وموقعا إلكترونيا جديدين ومواقع تواصل بحلة عصرية، ذات مضامين متنوعة وشاملة".
وبحسب المقادمة "تخطط القناة إلى إطلاق رزمة من البرامج الحديثة إلى جانب إطلاق موقع إلكتروني شامل، خاصة عقب تعرض موقعها الرسمي إلى عملية اختراق أدت إلى توقفه قُبيل بدء محاولة الانقلاب"، وأن القناة "من المقرر أن تستوعب أيضا عددا كبيرا من نخبة الإعلاميين العرب ذوي التخصصات المختلفة إلى جانب فتح نوافذ جديد على العالم العربي، وتوسعة نطاق التغطية للشؤون العربية، والشؤون التركية التي تهم المواطنين العرب في داخل تركيا".
عقل: إعلام خدمي وليس مهني
محمد عقل، المختص بالشأن التركي، أوضح أن الإعلام التركي الناطق بالعربية بدأ بشكل حقيقي مع بدايات الربيع العربي.. "على الرغم من وجود العديد من المواقع الإلكترونية الإخبارية المختصة بالشأن التركي والناطقة بالعربية إلا أنها في معظمها تعتمد بشكل كبير جداً على ما ينتجه القسم العربي في وكالة الأناضول بالإضافة إلى بعض الترجمات".
واعتبر عقل المتخصص في هذا المجال أن هذه المواقع ليس لديها سياسات معلنة وأقرب للمواقع الخدمية التي تقوم على فكرة تجارية أو شخصية أو "برستيج" لبعض الشخصيات أو المؤسسات الإعلامية، وهي تعاني من ضعف الاهتمام بالمحتوى؛ وأشار إلى أن هذه المواقع بشكل عام معنية بتعظيم الانجازات التي تتحدث عن قصة النجاح التركية التي تحققت منذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم أواخر 2002، مضيفاً: "هو إعلام خدمي أقرب منه إلى الإعلام المهني".
وبينا اعتبر عقل أن الإعلام التركي الناطق بالعربية يعاني من عدد من المشاكل لفت إلى وجود مشكلة أخرى تتعلق بالمستهدفين الذين قال إن معظمهم يرغب في سماع الأخبار الإيجابية وحكايات التقدم والنهوض والمميزات السياحية التي تتمتع بها تركيا ولا تشغله التفاصيل الداخلية.
وأشار عقل إلى أنه "يوجد في تركيا 81 ولاية لا يعرف عنها العالم العربي كثيرا"،ونوه إلى ضرورة أن تعمل هذه الوسائل على تأهيل كوادر تتمتع بالمهنية والخبرة والاطلاع على تاريخ تركيا من كافة الجوانب التي تتعلق بالحكومة والمعارضة وباقي الأحزاب السياسية وتاريخها.
أون المش: يوجد نقص بالصحفيين المتخصصين
"محمد أون المش"، الصحفي التركي الناطق بالعربية أكد على أن أبرز المشاكل التي يعاني منها الإعلام التركي الناطق بالعربية تتلخص في عدم وجود صحفيين متخصصين بالشأن التركي ومطلعين عليه بالشكل الكافي، الأمر الذي يؤثر على المؤسسات الصحفية التي تعاني من قلة الصحفيين أولا، ويؤثر على الصورة المنقولة عن الشأن التركي، لاسيما السياسية منها والتي لا تكون مرتبطة بالأحداث اليومية بل بالتطورات السياسية التي تعيشها تركيا.. "على سبيل المثال تعاني الأحداث المهمة في تركيا، مثل استقالة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، مشكلة كبيرة في نقل الكواليس وخلفيات الأحداث واللوبيات التي تعمل على تشكيل الأحداث السياسية، الأمر الذي يجعل المتابع العربي يشكل صوراً غير حقيقية عما يجري على الأرض، وبالتالي يتفاجئ من ظهور الأحداث ويرى أنها مفاجآت، في حين أنها تكون قد وصلت إلى ما هي عليه في سياق طبيعي.. وهو ما تكرر في أحداث مثل تطور العلاقات التركية الإسرائيلية أو التركية والروسية أو حتى تطورات السياسة الداخلية في استقالة داوود أوغلو كما أسلفنا أو وزير الداخلية السابق "أفكان آلا".
وأضاف: "على صعيد آخر يعاني الإعلام التركي من تنافس كبير من وسائل الإعلام العربية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على نقل المعلومة من تركيا، في ظل عدم وجود مراسلين على الأرض أو مصادر معلومات موثوقة لهؤلاء، الأمر الذي يسمح بنشر معلومات غير دقيقة".
الحرباوي: محاولات جادة لسد الفراغ
نزار الحرباوي، أستاذ الإعلام والمستشار قال: "في مجال تقييم الإعلام التركي الموجه للجماهير العربية، مكتوبا كان أم مسموعا ومرئيا، هناك فجوة كبيرة –برأيي- بين قدرات تركيا على الخطاب ومحدداته وتوجهاته وبين الواقع، فتركيا فشلت لغاية الآن في بيان توجهاتها وإبراز صورتها وتوجهاتها للعالم العربي بأدواتها الإعلامية الذاتية".
وأضاف المستشار المختص بالشأن التركي: "برأيي، هناك محاولات جادة تنطلق في الآونة الأخيرة في مجال الإعلام الإلكتروني، حيث بتنا نرى ميلاد بعض المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات العربية وحتى وكالات الأنباء الحديثة التي تمثل بارقة أمل في مجال الإعلام التركي الموجه للعرب، لترفد عنوان النجاح الوحيد، ألا وهو وكالة الأناضول للأنباء، والتي أعتبرها خطوة عملاقة في توجهات تركيا الإعلامية المؤسسية".
ورأى الحرباوي أن "تعزيز واقع الإعلام التركي الموجه للجمهور العربي يتطلب بناء إستراتيجية واضحة لدى القيادة التركية تقوم على اعتماد نخبة من مختصي الإعلام ومتحدثي اللغة العربية لصناعة وجه جديد لهذا الإعلام، بحيث يقوم برسالته التي ينبغي له القيام بها في عكس الصورة الحقيقية لتركيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا، بعيدا عن الاجتزاء العشوائي أو الخطاب المرتجل أو بناء المؤسسات الإعلامية وإدارتها بناء على توجهات هذا المسؤول أو ذاك".
شحادات: محتوى ضعيف على الإنترنت
بسام شحادات، خبير واستشاري في العلاقات العامة والإعلام الجديد، لفت إلى أنه ومنذ سنة 2004 تقريبا بدأ الاهتمام العربي بتركيا ينشط عبر شبكة الإنترنت، وذلك وفقا لمعدلات البحث عن كلمة تركيا ومرادفاتها من الكلمات في محركات البحث، لكن كان التحدي أن المحتوى العربي عن تركيا في الإنترنت كان ضعيفا جدا وطغى عليه المحتوى الترفيهي من أفلام ومسلسلات في ذلك الحين، وأما المحتوى الإخباري فقد كان هنالك ضعف كبير جدا رغم إطلاق تركيا لقناة رسمية موجهة للعالم العربي.
وقال شحادات: "القناة كانت غائبة بشكل تام عن شبكة الإنترنت، وذلك في ظل منافسة شديدة من قبل وسائل إعلام إقليمية موجهة للعرب مثل قناة العالم الإيرانية وقناة روسيا اليوم".. "شهدت تركيا في السنوات الخمس الأخيرة وخصوصا مع قدوم العديد من العرب إليها تحسنا في تقديم نفسها للعرب عبر العديد من المشاريع الإعلامية التركية كالقناة التركية ثم أطلقت عددا من المشاريع الإعلامية الخاصة، مثل: ترك برس وتركيا بوست ويني شفق وديلي صباح، لكن ذلك التحسن ما زال ضعيفا جداً".. "نجد أن عدد صفحات هذه المواقع مجتمعة لا يصل إلى أكثر من 110 ألف صفحة باللغة العربية عن تركيا بينما نجد أن موقع روسيا اليوم لوحده يحوي 250 ألف صفحة، منها 60 ألف صفحة عن تركيا. بينما يحوي موقع قناة العالم الإيرانية باللغة العربية 850 ألف صفحة منها 45 ألف صفحة عن تركيا".
الفلاحي: استطاعت كسر الحواجز
صهيب الفلاحي، رئيس تحرير موقع "تركيا بوست" المتخصص بالشأن التركي والناطق بالعربية رأى أن "القناة الرسمية ووكالة الأناضول والعديد من المواقع الإخبارية استطاعت أن تكسر الكثير من الحواجز بين المتابع العربي وأخبار تركيا عبر تقديمها الأخبار باللغة العربية"، لافتاً إلى أن الكثير من هذه الوسائل برزت خلال الثلاث أو الأربع سنوات الأخيرة فقط.
واعتبر الفلاحي أن هذه الوسائل استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تنقل المتابع العربي إلى تركيا وتنقل الخبر التركي وقصة نجاح حكم العدالة والتنمية (الحزب الحاكم في تركيا منذ عام 2002) إلى العرب، لافتاً إلى أن هذه الوسائل يُحسب عليها أنها "كانت قريبة جداً من توجهات الحكومة على الرغم أن الكثير منها غير مرتبط بالحكومة بشكل مباشر، كما أنها تعاني من مشاكل ضعف التمويل الذي انعكس على أدائها".