التكوين الإعلامي وقلق البحث العلمي بالمغرب

تتجه العلوم والفنون يوما بعد يوم إلى الانقسام والتفكك لتأخذ تخصصات وفروعا دقيقة. بعكس الإعلام الذي بدأت تخصصاته تتقارب وتفرض على الذي يحمل صفة إعلامي أو صحفي أن يكون ملما بكل الأبجديات المعاصرة للمهنة، فلم يبق الصحفي في التلفزيون حبيس مصلحته أو قسمه، وإنما وجب عليه أن يواكب التطور الذي مس مختلف جوانب الإعداد والبث والتفاعل.

ولا تنتهي مَهَمَّةُ المذيع، مثلا، بمجرد قراءة النشرة أمام الكاميرا أو خلف الميكروفون في الإذاعة، وإنما عليه متابعتها عبر الوسائط الرقمية الجديدة، من خلال مشاركة المادة الإعلامية مع الجمهور. وقد رأينا كيف أضحى الإعلامي في القنوات العالمية يتواصل مع جمهور الويب عبر مقاطع متعددة الوسائط، ويساهم في الترويج والنشر والإعلان لصورة مؤسسته.

إذن، فهل وعت المؤسسات التعليمية والتدريبية التي تؤطّر وتعدُّ إعلاميي المستقبل هذا التحول الجذري في أدوات العمل أم لا؟ وهل طالب الإعلام يدرك تحديات المهنة قبل اختيارها؟ وهل الإنتاج الفكري المحلي يساير التطور في مجال إنتاج وقراءة الصورة الإعلامية؟ 

بانوراما مكتبة الإعـلام بالمغرب

في إطار إعدادي لهذا التقرير، زُرتُ مكتبتين معروفتين بالعاصمة الرباط باستقطابهما للنسبة الأكبر من زوار الكِتَاب بالمغرب، وذلك من أجل الاطلاع على نسبة حضور المُؤَلَّف المغربي الذي يصنف في حقل الإعلام، فوجدت أن مؤلفيه ينتمون لتخصصات معرفية مختلفة، وتتوزع مقارباتهم له من خلال العناوين إلى الدراسات الإعلامية "15 كتابا"، والسوسيولوجية "13 كتابا"، والتاريخية "7 كتب"، واللسانية "6 كتب" والقانونية "كتابين"، مع استثناء الإنتاجات والدراسات والدلائل التي تصدرها المنظمات والهيئات العربية والدولية التي يوجد مقرها بالمغرب كالإيسيسكو مثلا.

فما السبب في ضعف كم الإنتاج الفكري في مجال الدراسات الإعلامية بالمغرب؟ وهل لذلك علاقة بالوضع التعليمي عموما؟ أم أن هذا الأمر ينسجم مع طبيعة هذا التخصص الذي يحضر فيه التقني والتطبيقي أكثر من النظري؟ وما دور المؤسسات التعليمية التي يناط بها تدريس وتخريج الإعلاميين والصحفيين بالمغرب؟ ألا يعتبر الاهتمام المتأخر للأساتذة الباحثين والجامعيين المغاربة بفتح وحدات ومسالك التكوين في الدراسات الإعلامية، إدراكا متأخرا بقيمة الفكر الإعلامي وسلطته الاستراتيجية؟ ألا تشكل تبعية المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط لوزارة الاتصال وضعا غير ملائم لمؤسسة تعليمية بغض النظر عن طبيعة تخصصها؟ وهل الثورة الرقمية دفعت الباحث إلى الاستغناء عن المكتبة بمفهومها التقليدي؟

كل هذه الأسئلة وأخرى، طرحناها على عدد من الفاعلين الأكاديميين والتربويين والإعلاميين واستقينا منهم آراء ومواقف ندعوكم لرصدها في هذه المادة، آملين أن نساهم في تعقب آثار الخلل الممكن، وأن نضيء طريق المبادرات التي تتلمس النجاح. 

المتغير والثابت في المعهد العالي للإعلام والاتصال

يعد المعهد العالي للإعلام والاتصال (ISIC)بالرباط المؤسسة الجامعية العمومية الأولى والوحيدة في المغرب التي يتم فيها تدريب الطلبة في مهن الإعلام والاتصال. ويعود تأسيسه إلى سنة 1969 تحت اسم "مركز تكوين الصحفيين" بمبادرة من المنظمة الألمانية "فريديريك نومان"، التي عملت بشراكة مع الحكومة المغربية آنذاك، على إدارة المؤسسة العمومية الأولى للتعليم العالي المتخصص في تخريج محترفين في العمل الإعلامي عموما والصحفي بشكل خاص.

وسيعرف المعهد سنة 1989 أول عملية إصلاح بيداغوجي، إذ سيصبح بإمكان الحاصلين على الإجازة التسجيل بالمؤسسة، عوض النظام السابق الذي كان لا يستقبل إلا الطلبة الحاصلين على شهادة "الباكالوريا". لكن في سنة 1996، ستعود الهيئة الحكومية المشرفة على هذه المؤسسة مرة أخرى للعمل بنظام السلك العادي مع إحداث تخصص ثالث وهو "الاتصال المؤسساتي"، تلبية لرغبات المقاولات والمؤسسات العمومية والخاصة، وكذا لحاجة مؤسسات الدولة ومرافقها للأطر المتخصصة في ميدان الإعلام والاتصال بمختلف أنواعه، فانتقل المعهد إلى مرحلة جديدة مُؤَطَّرَة تشريعيا بظهير مصادق عليه في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1996، فتغير اسمه إلى "المعهد العالي للإعلام والاتصال" (ISIC).

وتؤرخ السنة الجامعية (2013-2014) لتخرج أول فوج من الطلبة الصحفيين الحاصلين على الإجازة في ظل النظام التعليمي الحالي (إجازة- ماجستير- دكتوراه)، والذي انخرط فيها المعهد تبعا لقرار الحكومة المغربية بانتقال مؤسسات التعليم العالي بدءا من عام 2000 للعمل وفق الهيكلة الجديدة التي جاء بها مخطط الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

حافظ المعهد طيلة هذه السنوات -رغم الإصلاحات المتعاقبة- على كنهه وفلسفة عمله والمتمثل، حسب ما أفادنا به "عبد المجيد فاضيل" المدير الحالي للمعهد، في "تهييئ أطر (دورات تدريبية) من أجل "السوق" الإعلامي في تخصصات مختلفة منها الصحافة المكتوبة والسمعية والبصرية والإلكترونية والتواصل)، إلى جانب مهام أخرى كالدورات التكوينية التي تدخل في إطار التكوين المستمر لتجديد المعلومات والقدرات في عدة مجالات بالتعاون مع منظمات وجهات خارج المعهد، وذلك نظرا للتحولات التي يعرفها الإعلام". إذ بلغ عدد الخريجين خلال الأربعة مواسم الماضية (ما بين 2011 و2015) لـ 225 صحفي، أي بمعدل 56,25 سنويا.

ومن المهام المنوطة بالمعهد أيضا -إلى جانب التدريب- البحث العلمي في حقل الإعلام، لكن هذا الأمر "لم يرق للمستوى الذي نرغب فيه"، يقول المسؤول الأول عن المؤسسة، مبررا ذلك بـ"عدم هيكلة المعهد بما يناسب تحديات البحث  العلمي على المستوى الأكاديمي"، وبالتالي فـ"الأبحاث والدراسات والمقالات التي تقدم بين الفينة والأخرى من طرف الأساتذة تبقى اجتهادات فردية.. لهذا، سنحاول مستقبلا هيكلة البحث عبر خلق مركز للبحوث والدراسات وفرق ومختبرات تهتم بالبحث في مجال الإعلام". يضيف محدثنا.

هكذا إذا، نرى أن التكوين (التدريب) الإعلامي بالمغرب ظل إلى نهاية العقد الأخير من الألفية الثانية حكرا على التعليم العمومي. فهل ذلك ناتج عن عدم اهتمام القطاع الخاص بهذا المجال؟ أم أن حاجة "السوق" آنذاك لم تكن تستدعي المنافسة؟ وما هي المؤسسات التي تصدت للتكوين في هذا المجال؟ وكيف استطاعت تدبير مواردها البشرية من أساتذة جامعيين ومدربين؟ 

دور االتكوين الإعلامي بالجامعة

يرتبط تكوين الإعلاميين في العديد من دول العالم العربي بالمؤسسات الجامعية العمومية، أي بفضاء كليات الإعلام أو الآداب والفنون، مثلما هو الحال -على سبيل المثال لا الحصر- بالسودان ومصر وسوريا والعراق، على اعتبار أن هذه الأقطار تعرف وجود كليات أو أقسام داخل الجامعات خاصة بالإعلام. أما بالمغرب فالأمر مختلف، إذ تَأَخَّرَ تدريسُ الإعلامِ بفضاء الكليات حتى بداية الألفية الثالثة لأسباب متعددة، من أهمها قلة الدورات التدريبية والأساتذة الجامعيين المتخصصين في الإعلام، واشتغال أغلبهم في المعاهد العليا العمومية والخاصة، إضافة إلى متطلبات هذا المجال المهني البحت، الذي يحتاج لبنية تحتية وأجهزة تقنية لا تتناسب مع طبيعة التدريس في كليات الآداب والعلوم الإنسانية التي تعرف استقطابا عدديا كبيرا للطلاب، عكس الإعلام الذي يتطلب ظروفا وشروطا تعليمية قريبة لشعب الهندسة.

وفي سبيل تقييم هذه التجارب التكوينية الجامعية، تشير إحصائيات 2015/2016، حسب الدكتور "الطيب بوتبقالت"، أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، إلى "وجود ما لا يقل عن 35 مؤسسة للتعليم العالي تهتم بالتكوين الإعلامي، منها 18 مؤسسة تنتمي للقطاع العام و17 مؤسسة تنتمي للقطاع الخاص". وهي "مؤسسات تتبع في هندستها التطبيقية شكلا ومضمونا للنموذج الفرنسي". يضيف بوتبقالت.

وهو ما انعكس، حسب بوتبقالت، بشكل سلبي على "أهداف تلك المسالك والوحدات التكوينية، ولم تنجح في إعداد باحثين أكاديميين مغاربة متخصصين في الإعلام والاتصال إلا بنسب محتشمة جدا". وهذا معناه "أن كافة المسؤولين عن العرض التكويني في هذا المجال مطالبون ببذل المزيد من المجهودات كما وكيفا، وعليهم تقع مسؤولية تدارك الاختلالات التي كانت السبب الرئيسي في تدهور تعليمنا بصفة عامة".

أما "لطيفة لزرق"، الأستاذة الباحثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، فترى أن تدريس الإعلام يتطلب تصورا قبليا يستحضر مختلف الشركاء، وحينها يمكن "للجامعة الوطنية أن تنجح إلى حد بعيد في تكوين باحثين في مجال الإعلام"، لكن هذا التكوين "لن يكتمل دون الاطلاع على شروط إنتاج الخطاب الإعلامي، وهذا الأمر لا يتحقق دون إسهام قوي وفعال للمؤسسات الإعلامية، عبر عقد اتفاقيات شراكة حقيقية وواضحة وفتح أبواب هذه المؤسسات للباحثين لإطلاعهم على مختلف تقنيات إنتاج الخطاب الإعلامي وظروفه وقيوده". تؤكد منسقة برنامج ماجستير "البلاغة وتحليل الخطاب".

ومن عناصر امتياز كليات الآداب أيضا، حسب "لزرق" دائما، أنها من الجانب البشري، تتوفر على كفاءات مهمة يمكنها أن تسهم إلى حد بعيد في تكوين باحثين متخصصين في الإعلام، مع تسجيل النقص في الإمكانات المادية واللوجستيكية. أما من الجانب الموضوعي، فالخطاب الإعلامي لا تكتمل دراسته دون الرجوع إلى المباحث التقليدية التي هي عماد شعب اللغات والآداب، مثل علوم اللغة،  ولسانيات الخطاب والسيميائيات وعلوم التواصل وعلم السرد". على اعتبار أن هذا الحقل "يمكن تناوله من زاوايا متعددة: لغوية وسيميائية أو باعتباره خطابا حجاجيا أو بوصفه جنسا من أجناس الخطاب أو من حيث علاقته بالخطاب الأدبي". 

البحث العلمي الإعلامي بالمغرب ... غصنٌ من شجرة

أشارت كل الأطراف التي استمعنا إليها في سياق إعدادنا لهذا التقرير إلى استحالة الفصل في المغرب بين وضع البحث العلمي عموما والإعلامي بشكل خاص، على اعتبار أن "البحث العلمي ليس ترفا زائدا"، حسب "محمد عز الدين المنصوري" مسؤول الشؤون البيداغوجية والبحث بالمعهد للإعلام والاتصال بالرباط، معتبرا أنه "لا يخرج عن واقع البحث العلمي بالمغرب عموما"، نافيا أن يكون الحل هو فقط "فتح مركز للدكتوراه"، وإنما "وجب توفير شروطه وإمكانياته وطقوسه المعتمدة دوليا".

وأرجع المنصوري تأخر التحاق المعهد بركب البحث العلمي لسببين: الأول ذاتي والثاني موضوعي، فالأول يتجلى في "افتقار المؤسسة لرصيد من الدراسات والوثائق التطبيقية والتجارب الأكاديمية الداخلية التي عادة يضعها الخبراء في مجال الإعلام، مثلما هو لدى مراكز التدريب التابعة للقنوات والمؤسسات الإعلامية الكبرى كالجزيرة مثلا". أما العامل الموضوعي، فهو الارتهان المالي للمؤسسة بالميزانية المرصودة من طرف الوزارة الوصية، والتي "لا تسمح بالرفع من طموحنا وأملنا أكثر من الواقع، على الرغم من وجود مبادرات رسمية عديدة تحاول جاهدة الرفع من المنتوج الأكاديمي بالمغرب، الشيء الذي ينعكس سلبا على أداء المعهد بشكل كامل". وفق تعبير المنصوري الحاصل على دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من جامعة السوربون بباريس.

ومن زاوية أخرى، اعتبر الدكتور "بنعيسى عسلون"، منسق برنامج ماجستير "إنتاج المضامين السمعية البصرية والرقمية" بالمعهد ذاته، أن التأخر الحاصل في ميدان إنتاج البحوث والدراسات المُحَكَّمَة بالمعهد ترجع بالدرجة الأولى إلى "حربائية" التخصص في حذ ذاته، والذي يتسم بالتحول والتجدد المستمر، مما "يجعلنا غير قادرين على مواكبة كل المستجدات التقنية والتكنولوجية، في سياق تأطير الطلبة، بما يوافق تطلعات الأساتذة والمؤطِّرِين".

لكن يبقى السؤال المطروح هو حول قدرة هذا التصور التعليمي على تحقيق أهداف التكوين في مجال الإعلام. وكيف يمكن تخليص الطالب الباحث من هاجس الشغل لفترة معينة، والتفرغ للبحث والدراسة النظرية في ميدان لا يعلو فيه إلا صوت التطبيق العملي، خاصة أمام إغراءات الثورة التكنولوجية المتسارعة؟

الشيء الأكيد هو أن الوضع الحالي للبحث العلمي بالمغرب عموما، بالموازاة مع النقص المُنْتَظَرِ تفاقُمه في الموارد البشرية بالجامعات مقارنة مع تزايد عدد الطلاب، لا يمنح إمكانية التفاؤل كثيرا، رغم المجهودات التي تقوم بها الجهات الرسمية في السنوات الأخيرة عبر تنظيم مباريات لأساتذة التعليم العالي. ويزداد الأمر إلحاحا بالنسبة للتخصصات التي تُدَرَّسُ بالمعاهد العليا، على غرار شعب الإعلام.

ورجوعا لماضي البحث العلمي بالجامعات المغربية، نجد أن الباحثين في العلوم الإنسانية والقانونية قدموا الشيء الكثير للإعلام. ويذكر التاريخ، حسب عسلون، "فضل إغناء مجموعة من الأساتذة، بكليات الآداب والحقوق، للمكتبات بالمراجع والمؤلفات المهمة، ونعتز بما قدموه لعلوم الإعلام بالمغرب". ولا يبدو أن "هذا الوضع سيشهد تغييرا في الخمس سنوات المقبلة على الأقل، بالنظر إلى قاعدة الطلبة الباحثين المسجلين في مسالك الدراسات العليا للإعلام بالمغرب"، مما يجعل "حالة استمرار الجامعة في تزويد الخزانة الجامعية بحاجياتها من النصوص الإعلامية النظرية قائما". ويعود السبب في ذلك، حسب وجهة نظر عسلون، إلى "ما تتوفر عليه المختبرات الجامعية من إمكانيات بشرية وهياكل إدارية تساهم في ملء النقص الموجود في هذا الجانب من التعليم".. وما ينقصنا هو "التنسيق مع الجامعات والبحث عن شراكات متنوعة معها، رغم ضبابية العلاقة بيننا، على اعتبار أن الدراسات الإعلامية تتطلب من الذي يتصدى لها أن يكون منفتحا وملما بمجالات معرفية متعددة". 

مساهمة التعليم الإعلامي الخاص في التكوين

إن رصد واقع وتاريخ التكوين الإعلامي بالمغرب لا يكتمل دون الإشارة إلى مساهمة القطاع الحر/الخاص في تكوين مُحْتَرِفي هذا القطاع، إذ تشير معطيات وزارة الاتصال إلى وجود 17 معهدا ومركزا للتكوين في مهن الإعلام والصحافة، تتوزع بين مدارس ومعاهد عليا وأخرى مؤسسات تندرج في إطار التكوين المهني، لكن انتشارها الجغرافي ينحصر أكثر بين العاصمتين الإدارية والاقتصادية للمملكة.

ويعد المعهد العالي للصحافة والإعلام، المعروف اختصارا بـ (IFJ)، أقدم المؤسسات الخاصة، والتي يعود تاريخ تأسيسها لسنة 1994 بالدار البيضاء، وهو أول معهد (غير عمومي) للتكوين الإعلامي في العالم العربي، حسب إفادة "حسن اليوسفي المغاري"، الكاتب العام ومسؤول الدراسات به.

وتتبع المؤسسة إداريا لقطاعين وزاريين، الأول وهو التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، والثاني لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني. وعليه، فتسجيل الطلبة وتسليم الشواهد يتم تبعا لهذه التراتبية، إذ "يقتصر الأمر في التكوين المهني على قبول المرشحين الذين يملكون مستوى البكالوريا فقط، بينما في التعليم العالي يشترط الحصول على شهادة البكالوريا فما فوق".

أما بالنسبة للماجستير والدكتوراه في القطاع الخاص فالوزارة المعنية ما  زالت تحتفظ بهذا المستوى من البحث والتكوين الإعلامي للقطاع العام، مع وجود استثناء وحيد تمنح بموجبه معادلة تانك الشهادتين للحائزين عليها من جامعة "الأخوين" بإفران، بينما يكتفي القطاع الخاص بـ"الاعتراف" فقط. حسب إفادة اليوسفي دائما.

وعلى غرار جل مؤسسات التعليم العالي، العمومية والخاصة، يتشكل نسيج المؤطِّرين (المدربين) بالمعاهد الخاصة من الأساتذة الجامعيين والمهنيين العاملين بالمؤسسات الصحفية والإعلامية، نظرا لحاجة طلبة الإعلام للتكوين المزدوج الذي يجمع بين المعرفة النظرية والتجربة العملية.  

وختاما، أعتقد أن الإحاطة الموضوعية بواقع البحث والتكوين الإعلامي بالمغرب يستدعي الإشارة إلى مسؤولية أخرى تقع على عاتق الطالب والباحث في مجال الإعلام، إذ لا يكفي النبوغ الدراسي خلال سنوات البكالوريا لقبول المرشح للتسجيل بهذه الشعبة، فلا بد من مراجعة شروط القبول، وإيجاد صيغة تجعل من الموهبة شرطا أساسيا إلى جانب التفوق الدراسي، لأن التجربة أثبتت في حالات كثيرة أن الاستعداد الشخصي أهم من كشوف النقط.

كما لا يجب أن ننسى الدور الأساسي المنوط بمؤسسات التشغيل في عملية التكوين، إذ التواصل بينها وبين المؤسسات التعليمية يُسَهِّل على المُؤَطِّر وضع الأهداف والغايات التي يجب أن تسطر قبل وضع المناهج والتصورات النظرية لمسالك ووحدات التدريب والتكوين.

المزيد من المقالات

رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 26 مارس, 2024
آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة

كيف استخدم الإعلام البريطاني السائد إستراتيجيات التأطير لتكوين الرأي العام بشأن مجريات الحرب على غزّة وما الذي يكشفه تقرير مركز الرقابة على الإعلام عن تبعات ذلك وتأثيره على شكل الرواية؟

مجلة الصحافة نشرت في: 19 مارس, 2024
دعم الحقيقة أو محاباة الإدارة.. الصحفيون العرب في الغرب والحرب على غزة

يعيش الصحفيون العرب الذين يعملون في غرف الأخبار الغربية "تناقضات" فرضتها حرب الاحتلال على غزة. اختار جزء منهم الانحياز إلى الحقيقة مهما كانت الضريبة ولو وصلت إلى الطرد، بينما اختار آخرون الانصهار مع "السردية الإسرائيلية" خوفا من الإدارة.

مجلة الصحافة نشرت في: 29 فبراير, 2024
يوميات صحفي فلسطيني تحت النار

فيم يفكر صحفي فلسطيني ينجو يوميا من غارات الاحتلال: في إيصال الصورة إلى العالم أم في مصير عائلته؟ وماذا حين يفقد أفراد عائلته: هل يواصل التغطية أم يتوقف؟ وكيف يشتغل في ظل انقطاع وسائل الاتصال واستحالة الوصول إلى المصادر؟

محمد أبو قمر  نشرت في: 3 ديسمبر, 2023
كيف يمكن لتدقيق المعلومات أن يكون سلاحًا ضد الرواية الإسرائيلية؟

في السابق كان من السهل على الاحتلال الإسرائيلي "اختطاف الرواية الأولى" وتصديرها إلى وسائل الإعلام العالمية المنحازة، لكن حرب غزة بينت أهمية عمل مدققي المعلومات الذين كشفوا زيف سردية قتل الأطفال وذبح المدنيين. في عصر مدققي المعلومات، هل انتهت صلاحية "الأكاذيب السياسية الكبرى"؟

حسام الوكيل نشرت في: 17 نوفمبر, 2023
انحياز صارخ لإسرائيل.. إعلام ألمانيا يسقط في امتحان المهنية مجدداً

بينما تعيش وسائل الإعلام الألمانية الداعمة تقليدياً لإسرائيل حالة من الهستيريا، ومنها صحيفة "بيلد" التي بلغت بها درجة التضليل على المتظاهرين الداعمين لفلسطين، واتهامهم برفع شعار "اقصفوا إسرائيل"، بينما كان الشعار الأصلي هو "ألمانيا تمول.. وإسرائيل تقصف". وتصف الصحيفة شعارات عادية كـ "فلسطين حرة" بشعارات الكراهية.

مجلة الصحافة نشرت في: 15 نوفمبر, 2023
استخدام الأرقام في تغطية الحروب.. الإنسان أولاً

كيف نستعرض أرقام الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي دون طمس هوياتهم وقصصهم؟ هل إحصاء الضحايا في التغطية الإعلامية يمكن أن يؤدي إلى "السأم من التعاطف"؟ وكيف نستخدم الأرقام والبيانات لإبقاء الجمهور مرتبطا بالتغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟

أروى الكعلي نشرت في: 14 نوفمبر, 2023
الصحافة ومعركة القانون الدولي لمواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي

من وظائف الصحافة رصد الانتهاكات أثناء الأزمات والحروب، والمساهمة في فضح المتورطين في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، ولأن الجرائم في القانون الدولي لا تتقادم، فإن وسائل الإعلام، وهي تغطي حرب إسرائيل على فلسطين، ينبغي أن توظف أدوات القانون الدولي لتقويض الرواية الإسرائيلية القائمة على "الدفاع عن النفس".

نهلا المومني نشرت في: 8 نوفمبر, 2023
هل يحمي القانون الدولي الصحفيين الفلسطينيين؟

لم يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الصحفيين، بل تجاوزه إلى استهداف عائلاتهم كما فعل مع أبناء وزوجة الزميل وائل الدحدوح، مراسل الجزيرة بفلسطين. كيف ينتهك الاحتلال قواعد القانون الدولي؟ وهل ترتقي هذه الانتهاكات إلى مرتبة "جريمة حرب"؟

بديعة الصوان نشرت في: 26 أكتوبر, 2023
منصات التواصل الاجتماعي.. مساحة فلسطين المصادرة

لم تكتف منصات التواصل الاجتماعي بمحاصرة المحتوى الفلسطيني بل إنها طورت برمجيات ترسخ الانحياز للرواية الإسرائيلية. منذ بداية الحرب على غزة، حجبت صفحات وحسابات، وتعاملت بازدواجية معايير مع خطابات الكراهية الصادرة عن الاحتلال.

إياد الرفاعي نشرت في: 21 أكتوبر, 2023
كيف يساعد التحقق من الأخبار في نسف رواية "الاحتلال" الإسرائيلي؟

كشفت عملية التحقق من الصور والفيديوهات زيف رواية الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول أن يسوق للعالم أن حركة حماس أعدمت وذبحت أطفالا وأسرى. في هذا المقال تبرز شيماء العيسائي أهمية التحقق من الأخبار لوسائل الإعلام وللمواطنين الصحفيين وأثرها في الحفاظ على قيمة الحقيقة.

شيماء العيسائي نشرت في: 18 أكتوبر, 2023
"لسعات الصيف".. حينما يهدد عنوان صحفي حياة القرّاء

انتشر "خبر" تخدير نساء والاعتداء عليهن جنسيا في إسبانيا بشكل كبير، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتلقفه وسائل الإعلام، ليتبين أن الخبر مجرد إشاعة. تورطت الصحافة من باب الدفاع عن حقوق النساء في إثارة الذعر في المجتمع دون التأكد من الحقائق والشهادات.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 30 يوليو, 2023
كيف نستخدم البيانات في رواية قصص الحرائق؟

كلما اشتد فصل الصيف تشتعل الحرائق في أماكن مختلفة من العالم مخلفة كلفة بشرية ومادية كبيرة. يحتاج الصحفيون، بالإضافة إلى المعرفة المرتبطة بالتغير المناخي، إلى توظيف البيانات لإنتاج قصص شريطة أن يكون محورها الإنسان.

أروى الكعلي نشرت في: 25 يوليو, 2023
انتفاضة الهامش على الشاشات: كيف تغطي وسائل الإعلام الفرنسية أزمة الضواحي؟

اندلعت احتجاجات واسعة في فرنسا بعد مقتل الشاب نائل مرزوق من أصول مغاربية على يدي الشرطة. اختارت الكثير من وسائل الإعلام أن تروج لأطروحة اليمين المتشدد وتبني رواية الشرطة دون التمحيص فيها مستخدمة الإثارة والتلاعب بالمصادر.

أحمد نظيف نشرت في: 16 يوليو, 2023
كيف حققت في قصة اغتيال والدي؟ 

لكل قصة صحفية منظورها الخاص، ولكل منها موضوعها الذي يقتفيه الصحفي ثم يرويه بعد البحث والتقصّي فيه، لكن كيف يكون الحال حين يصبح الصحفي نفسه ضحية لحادثة فظيعة كاغتيال والده مثلا؟ هل بإمكانه البحث والتقصّي ثم رواية قصته وتقديمها كمادة صحفية؟ وأي معايير تفرضها أخلاقيات الصحافة في ذلك كله؟ الصحفية الكولومبية ديانا لوبيز زويلتا تسرد قصة تحقيقها في مقتل والدها.

ديانا لوبيز زويلتا نشرت في: 11 يونيو, 2023
عن أخلاقيات استخدام صور الأطفال مرة أخرى

في زمن الكوارث والأزمات، ماهي المعايير الأخلاقية التي تؤطر نشر صور الأطفال واستعمالها في غرف الأخبار؟ هل ثمة مرجعية تحريرية ثابتة يمكن الاحتكام عليها أم أن الأمر يخضع للنقاش التحريري؟

مجلة الصحافة نشرت في: 9 فبراير, 2023
حذار من الصحفيين الناشطين!

تقود الحماسة الصحفية في بعض الأحيان أثناء الحروب والأزمات إلى تبني ثنائية: الأشرار والأخيار رغم ما تنطوي عليه من مخاطر مهنية. إرضاء المتابعين لم يكن يوما معيارا لصحافة جيدة.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 7 أغسطس, 2022
الحياة مقابل الحقيقة.. ضريبة الصحافة في فلسطين

يشبه الصحفيون الفلسطينيون المشتغلون بالميدان أبطال رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، فهم معرضون لـ "الاختناق" و"القتل البطيء والسريع" والملاحقات والتهديد المعنوي، فقط لأنهم ينقلون للعالم حقيقة محتل عنصري يحاول أن يبني شرعيته بالقوة والسلاح. هذه قصة صحفيين فلسطينيين دفعوا حياتهم دفاعا عن الحقيقة.

هدى أبو هاشم نشرت في: 5 يونيو, 2022
الحسابات الإخبارية على المنصات الرقمية بعمان.. هل هي مهنية؟

القضايا الحقيقية للمواطنين في عمان لا تناقشها وسائل الإعلام التقليدية، بل الحسابات الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي. في ظرف سنوات قليلة، بنت هذه الحسابات جمهورها، وامتلكت القدرة على التأثير وسط انتقادات حادة توجه إليها بانتهاك المعايير الأخلاقية والمهنية.

سمية اليعقوبي نشرت في: 6 مارس, 2022
يوميات الصحفي الفلسطيني على خط النار

بعضهم قصفت مقراتهم، والبعض الآخر تركوا عائلاتهم ليدحضوا السردية الإسرائيلية، أما البعض الآخر فقد اختاروا أن يشتغلوا على القصص الإنسانية كي لا يتحول الضحايا إلى مجرد أرقام.... هي قصص صحفيين فلسطينيين يشتغلون تحت النار.

ميرفت عوف نشرت في: 20 مايو, 2021
الرواية الفلسطينية في بث حي على إنستغرام

بينما كانت بعض القنوات التلفزيونية تساوي بين الضحية والجلاد في أحداث القدس، كان مؤثرون ونشطاء صحفيون يقدمون الرواية الفلسطينية للعالم. لقد تحولت المنصات الرقمية، رغم كل التضييق، إلى موجه للقرارات التحريرية، وإلى مصدر رئيسي للتحقق مما يجري على الأرض.

مجلة الصحافة نشرت في: 9 مايو, 2021
حينما تتعالى الصِّحافةُ السودانية على آلام المستضعَفين

بينما الشّارعُ السّودانيُّ يغلي بسبب انتشار الفقر، وبينما تتّسعُ دائرةُ التّهميش، تُصِرُّ الصِّحافةُ السّودانيّةُ على التَّشاغُل بتغطية شؤون "النُّخبة"؛ بعيدًا عن قصص الفقر في المدن والأرياف.

سيف الدين البشير أحمد نشرت في: 31 مارس, 2021
التسريبات في تونس.. الصحافة تدخل "الغرف المظلمة"

تحول جزء من الصحافة التونسية إلى فضاء للتسريبات والتسريبات المضادة، لكن نادرا ما طرح السؤال عن المعايير الأخلاقية والمهنية في التحقق منها، ومدى ملاءمتها للمصلحة العامة..

أمين بن مسعود نشرت في: 28 مارس, 2021
أطفال مخيم الهول في عين الحدث.. شيطنة الضحايا

في مخيم الهول، ظهرت صحفية تطارد أطفالا وتنعتهم بتسميات وصفها بعض الأكاديميين أنها منافية لأخلاقيات المهنة. كيف يتعامل الصحفيون مع الأطفال؟ ولماذا يجب أن يحافظوا على مبادئ الإنصاف واحترام خصوصيات الأفراد والحق في الصورة؟ وماهو الحد بين السعي لإثبات قصة وبين السقوط في الانتهاكات المهنية؟

أحمد أبو حمد نشرت في: 25 مارس, 2021