من الصعب الإجابة على سؤال: كيف بدا تفجير بروكسل الذي وقع يوم 22 مارس/آذار الماضي في الصور التي اختارتها مواقع الصحف العالمية لتغطيتها في يوم التفجير واليوم الثاني؟ فالإجابة دون شك تتطلَّب متابعة حثيثة مع التدفق الهائل للأخبار.
وثمة سؤال آخر يدور حول من تم التركيز عليه، المجرم أم الضحية؟ العمليات الأمنية أم التفاعل الإنساني مع الحدث؟
ثم أين هي صور القتلى من كل تلك التغطيات؟ ولماذا غابت عن المشهد الإعلامي؟ هل الأمر له علاقة بالالتزام بالمعايير الصحفية أم أن هناك أسبابا أخرى؟ ولماذا لا تُستخدم تلك المعايير في نقل صور الضحايا عند تغطياتهم لأحداث الشرق وأفريقيا؟
لا مكان للصدفة
كلنا يعلم أنه لا مكان للصدفة في حالة الصحف العالمية الكبرى الأميركية منها والأوروبية، إذ تشكّل العناوين والصور المحطتين الأوّليَّتين اللتيْن تستقرُّ عليهما عين القارئ وبالتالي يُبذل في انتقائهما الجهد الأكبر بهدف دفع القارئ إلى متابعة قراءة المادة.
كان تركيز الصور على الجانب الهادئ من المصيبة وليس على ما يثير الهلع البشري من رؤية الدماء والأشلاء المتناثرة والقتلى، فقد ظهر في الصور أقارب الضحايا الحزانى وحالة التفاعل الإنساني مع المصاب الذي أصاب بلجيكا كإضاءة الشموع في الساحات العامة أو الكتابة على الأرض بالطبشور رغم قلة الضحايا نسبيّاً والذي لم يتعدَّ 35 ضحية في ثلاثة مواقع مكتظة، وهو ما يعادل ربع عدد قتلى تفجير يحدث في سوريا والعراق مثلا أو كما هو حال التفجير الذي حدث في أنقرة في ساحة "قزلاي" في 13 مارس/آذار الماضي والذي أوقع أكثر من 150 ضحية في مكان واحد.
أفردت صحف غربية مساحات كبيرة لتغطية هجمات بروكسل الدامية مرفقة بصور للأحداث وأبطالها، لكن ثلاث صور كانت القاسم المشترك بين خمس صحف عالمية اخترنا دراسة الصور التي استخدمتها في اليومين الأول والثاني للهجوم، وهنَّ صحيفة "اللوفيغارو" الفرنسية، و"الغارديان" و"الإندبندنت" البريطانيتين و"نيويورك تايمز" الأميركية وصحيفة "بيلد" الألمانية.
كانت الصورة الأولى من داخل المطار تُظهر آثار الدمار ثم ما لبثت أن حلَّت مكانها صورة مضيفة الطيران الهندية "ندهي شافيكار" وهي مصابة. أما الصورة الثانية فكانت للمشتبه بهم الثلاثة نقلا عن وسائل الإعلام البلجيكية، في ما كانت الصورة الثالثة لدونالد ترامب الذي كرر مطالبه العنصرية بمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة.
وهكذا نكون أمام ثلاث حالات تم التركيز عليها وهي حالة مرتكب الهجوم "تنظيم الدولة" وحالة الضحية "المضيفة الهندية" ثم حالة المستفيد "ترامب" الذي عمّم التهمة لتصيب المسلمين جميعا.
وقد ترك التركيز على هذه الصور انطباعا أفلح اليمين المتطرف باستثماره بين الجمهور الأوروبي، وهو ما ظهر جليا في تفاعل الكثيرين عبر تغريداتهم على موقعي تويتر وفيسبوك، ليس ضد "تنظيم الدولة" بل ضد الإسلام نفسه، ولعل الاستثناء الوحيد في التعامل مع الخبر كان صحيفة الإندبندنت التي دعت في أحد تقاريرها المنشورة في 23 مارس/آذار الماضي إلى عدم الخلط بين "تنظيم الدولة" والإسلام، كما ركزت في صورها كثيرا على جانب الضحايا وقصصهم: من هم؟ وماذا قال أقرباؤهم؟ وكانت صورها الأولية من الموقع عالية الدقة إلا أنها لم تتعد على كرامة الميت أو مشاعر القراء، ولم تقترب من جثث القتلى بل أغفلتهم إلى حدٍّ ما من المشهد وأظهرت المصابين في لقطات عامة.
ظلال الحدث الإنساني
أما لوفيغارو الفرنسية، فقد ركزت تغطيتها في اليوم الثاني على الضحايا وقصصهم، وكانت الشموع والدموع وتفاعل الناس وتضامنهم الذي أعلنوه تطغى على صور مراسل الصحيفة في ساحة البورصة في بروكسل.
في حين أفردت النيويورك تايمز أيضا الكثير من المساحات للمواقف السياسية والشعبية من الحدث، وكلمات ملوك ورؤوساء الدول، وعكست الصور الحضور الرسمي لهم في لحظات دقائق الصمت التي وقفوها والتضامن مع الضحايا. ولم يفُت النيويورك تايمز التركيزعلى صور الضحايا الأميركيين الذين قضوا في التفجيرات أو أصيبوا أو فقدوا، كما ألقت الضوء على صورة الطفل السوري اللاجئ في اليونان أثناء اعتصام للاجئين في اليونان وعليها كتبت عبارة ."Sorry for Brussels"
تليغراف البريطانية ركزت على التضامن مع الضحايا وردود الأفعال التي تلت التفجيرات كما تحدثت عن بعض القتلى من الرعايا البريطانيين وقصصهم ومشاهدات الناجين منهم، ولم تبتعد نظيرتها الغارديان كثيرا فقد ركزت أيضا على أخبار القتلى والناجين.
ورغم أن جريدة "بيلد" الألمانية كانت في موقع الحدث وشهدت نقل جثث القتلى، بل أنجزت تقريرا من الموقع إلا أنها لم تنشر أبدا صورهم.
والأمر اللافت أن تعدّد جنسيات القتلى أدّى لتركيز كل وسيلة إخبارية على ضحايا بلادها، فمنها من أظهر صورهم المنشورة عبر موقع فيسبوك ومنها من تحدث مع أقاربهم، لتسيطر صور التضامن مع القتلى في ساحة بروكسل العامة وتغيب الصور العنيفة والدموية. والأهم من كل ذلك الحضور المكثف لصور ترامب في مشهد التغطيات الصحفية، حيث ارتبطت صورته (ترامب) نتيجة الضخ الإعلامي شبه اليومي بالعداء للإسلام والمسلمين، وتصاعد المخاوف من عمليات الانتقام ضد المسلمين.