الصحفي الليبي اليوم جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي المعقد شديد الانقسام الذي أدى بالضرورة إلى معركة عنيفة حول رواية الخبر الواحد، مما عرض الصحفي إلى الاغتيال والخطف والاعتداء على مقار المؤسسات الإعلامية والهجوم عبر موقع التواصل الاجتماعي ومن بينها فيسبوك، في مجتمع محافظ يتسبب فيه هذا الهجوم بمشاكل عائلية تلاحق الصحفيات على وجه الخصوص.
ولهذا، فقد دعت البعثة الأممية للدعم لدى ليبيا، إلى تذكر الصحفيين الليبيين الذين قتلوا أثناء تأدية واجبهم، بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، والذي يوافق 2 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام. فيما أوضحت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها السنوي للعام 2017، أن حرية الصحافة تواجه تهديدات غير مسبوقة، ووضعها "خطير للغاية" في أكثر من ثلث الدول التي شملها التقرير (72 من أصل 180)، واحتلت ليبيا المرتبة (163).
علّق محمد الناجم، الرئيس التنفيذي للمركز الليبي لحرية الصحافة (المستقل) بقوله، إن وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية تعيش على وقع فوضي واسعة النطاق في ظل تحكم أطراف سياسية وقبلية في امتلاك وإدارة هذه الوسائل وتوجيهها لضرب السلم المُجتمعي والتحريض على العنف أو الدعوة للانتقام، مما أحدثت شرخاً اجتماعيا واسعا وانقساما في الشارع الليبي.
مناخ يسوده العنف
قال الباحث معاذ الشيخ إن الصحافة اليوم في ليبيا تمر بأصعب أوقاتها التي لم نعهدها من قبل ولم نعرف لها شبها، حيث إن الجناة الذين يمارسون هذه الانتهاكات التي تصل حدَّ القتل لا يجدون عقابا رادعاً لأفعالهم من قبل السلطة القضائية، مما جعل هذا الأمرَ سهلاً وبسيطاً إلى حد كبير، فيستطيع أي شخصٍ أن يعتدي على صحفي دون أن يلاحق قانونيا، الأمر الذي وضع على كاهلنا أمانة يجب أن نلتزم بها، ألا وهي الحث والمطالبة بوقف هذه الانتهاكات قانونيا وقضائيا وأخلاقيا وإنسانيا، فمثل هذه الأعمال مخالفة للدين والعرف والإنسانية.
ومن جهته قال رئيس تحرير جريدة برنيق معتز المجبري، دعينا في بادئ الأمر نعترف أن ما يحدث في ليبيا للصحفي أثناء عمله أمر طبيعي في ظل مرور البلاد بحالة من الفوضى العارمة التي تطال حتى من لا علاقة لعملة بمحاور الصراع سواء السياسي أو الأمني أو حتى الاقتصادي والاجتماعي. فعمل الصحفي في بلد لا تملك قاعدة يتركز عليها مثل القوانين أو الوعي المجتمعي وأقصد هنا "الوعي في الشارع"، إضافة لغياب الدور النقابي الذي في العادة ما يكون له دور ليس بالقليل في الحماية والدفاع عن الصحفيين. كل تلك الأمور مجتمعة تجعل من العمل الصحفي في ليبيا أكثر خطورة من أي مكان أخر، ناهيك عن سبب آخر أراه عاملا أساسيا أيضا فيما يتعرض له الصحفي، وهو عدم مهنية أكثر من 50% من العاملين في هذا المجال، ولا أريد ان أقول الصحفيين، بل "العاملين" في المجال الصحفي؛ فتناولهم الخاطئ لكثير من المواضيع والنقل غير المهني والبحث عن الشهرة على حساب الوطن في الكثير من الأوقات، تخلق جميعها بيئة خطرة، بل وتجعل المجتمع لا يبالي بما يحدث للصحفيين لأنه في نظرهم يصبح "يستأهل ما يصير له".
وتابع المجبري: مواجهة ذلك الخطر ليس بالهين ولكنه ليس بالمستحيل أيضا، وللوصول لذلك هناك الكثير من الخطوات التي يجب أن تنجز ولكن أهمها وأولها العمل على رفع الوعي لدي المجتمع والدولة معا بشأن أهمية مهنة الصحافة، وهو أمر يمنح الصحفي نوعا من الحصانة التي تجعل الاقتراب منه خطا أحمر، مثل ما هو حاصل في دولة تونس التي يتمتع فيها الصحفي في الشارع باحترام كبير وتقدير الدولة.
وأوضح المجبري، حالة الاستقطاب والتموقع التي تشهدها البلاد والاصطفاف الحاصل بين خندقين لا ثالث لهما، هو سبب رئيسي فيما يتعرض له الصحفي من مخاطر وانتهاكات. ومن الطبيعي أن الصحفي في الحالة الليبية لا يستطيع أن يكون محايدا؛ فالحياد من وجهة نظري ليس الوقوف في المنتصف بين فريقين أو تيارين بل هو بكل تأكيد الوقوف لجانب الحق دائما وبشكل مطلق. نعم ربما يكون ما يكون صحيحا وحقا بالنسبة لنا هو غير ذلك بالنسبة لغيرنا ولكن دائما ما يحرك الصحفي في المرتبة الأولى قناعاته، إضافة إلى عدة مواثيق أخلاقية يراعيها في عمله.
حرية مشروطة
لاحظت المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في ليبيا أن الصيغة الحالية لمسودة مشروع الدستور الليبي تعترف بالحق في حرية التعبير على نحو محدود، وبينما تنص المادة (37) بشكل غامض على حرية التعبير والنشر باعتبارها من الحريات المصونة، فإن الاتفاقات الدولية التي تُعد ليبيا طرفاً فيها، وعلى وجه التحديد المادة (19)، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترسخ مبدأ حرية التعبير وتحدد بدقة القيود التي من الممكن وضعها في هذا الصدد، على نحو محدود، وفقاً لمعايير الشرعية والمشروعية والضرورة. وبناءً عليه، ينبغي أن تعكس المادة (37 )،هذه المضامين من خلال نفس التعابير.
وتنص المادة نفسها على أن تتخذ الدولة التدابير اللازمة لحماية الحياة الخاصة وحظر التحريض على الكراهية، لكن دون أن تقدم تعريفاً واضحاً لهذين المصطلحين. كما تتضمن هذه المادة تقييداً لحرية التعبير نظراً لما تنطوي عليه من غموض فيما يتعلق بحدود هذه الحقوق، مما يشكل تعارضاً مع أحكام المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد على حق كل إنسان في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
وفي المقابل ترحب هذه المنظمات بما تعكسه المادة (38)، من رغبة في حماية تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها. ومع ذلك، فإنه يتعين على الهيئة التأسيسية أن تحدد بوضوح الوسائل المتاحة للدولة للحد من تمركز وسائل الإعلام وضمان تعددية الرأي. كما لوحظ أن عدم إيجاز الحبس الاحتياطي في قضايا الصحافة لا يكفي لضمان حرية التعبير بشكل كامل، علماً أن عدم إتاحة حل المؤسسات الإعلامية إلا بأمر قضائي يعتبر ضمانة غير كافية ضد القيود التعسفية المفروضة على حرية التعبير.
مهنة خطرة
قال مدير المركز الليبي للإعلام وحرية التعبير (المستقل)، الصحفي ابراهيم بالقاسم، أن هناك 250 حالة انتهاك بحق الصحفيين الليبيين خلال العام 2017، من بينهم 100 حالة فقط في شهر أبريل الماضي. حالات الإخفاء القسري متنوعة ما بين صحفيين ومدونين وأصحاب رأي. وتسجل مدينة طرابلس الرقم الأكبر في حالات الإخفاء القسري، وأضاف بالقاسم "بالدرجة الأولى لا بد من وجود تشريعات تحمي الصحفي، وللأسف القوانين الموجودة الآن تزيد من القيود التي يتعرض لها الصحفي. وعدم وجود نقابة للصحفيين تعمل على المطالبة بحقوقه أو حمايته. يجب على الصحفيين أن يسعوا لتقديم مذكرة للسلطة التشريعية لإلغاء القانون رقم (5)، 2014 ، الصادرعن المؤتمر الوطني. لأن هذا القانون يعتبر طعنة في ظهر الحقوق والحريات في ليبيا"، وتابع "كان المفترض في هذه المرحلة أن نناقش موضوع الملكية الفكرية، لكن للأسف نعود للخلف ونتحدث عن أنه يجب أن تمنح حريات للصحفي في إطار دوره في نقل الخبر دون أن يتعرض للمساءلة".