بعد امتلاك بعض النصائح والمهارات الأساسية لإعداد خطة محكَمَة لتغطية صحفية، وحديثنا عن "الأمن الشخصي في مناطق النزاع واختيار وتأمين مقر الإقامة خارج أرض المهمة في القاعدة صِفر"، والخوض في قواعد "السفر في مناطق النزاع"، و"التعامل مع نقاط التفتيش المنتشرة على طريق الرحلة نحو أرض المهمة"، وتناول ملف الاختطاف والمراحل التي يمر بها المخطوف حتى إطلاق السراح، وآليات اختيار المقر في أرض المهمة، والبحث في إجراءات الحماية من الأسلحة النارية والقصف الجوي وحقول الألغام، سنتناول اليوم الإجراءات التي يجب على الصحفي معرفتها خلال تغطية المظاهرات الشعبية وأعمال الشغب.
لابد من التذكير أيضاً بأن قراءة هذه المقالات لا تُغنيِ بأي شكلٍ من الأشكال عن الخضوع لدورات مباشرة في السلامة المهنية، بإمكانِك الاتصال بأقرب نقابة صحفية لك أو التواصل مع المؤسسات ذات الصِلة بما فيها مؤسسة " الجزيرة".
تغطية المظاهرة
إذا كُلِّفتَ بتغطية مظاهرة أو حشد شعبي، والحشد أو المظاهرة هي تجمع لما لا يقل عن خمسة وعشرين شخصاً يقفون في مكان واحد بشكل متماسك للتعبير عن غضب أو موقف، فإنَّك أمام جملة من المخاطر التي عليكَ أخذها بعين الاعتبار. تبدأ هذه المخاطر بالإصابة ولا تنتهي بالاعتقال. لابد بداية من معرفة نوع الحدث التي تُغطِّيه.. هل هو مظاهرة أم اعتصام، مسيرة أم وقفة احتجاجية، إضراب أم إعلان للمقاطعة، أيضاً لابد أن تحصل على معلومات عن الموقف القانوني للسلطة القائمة من هذا التحرك، هل حصل منظّمو الحدث على ترخيص لإقامته أم أنه مخالف للقانون، إذا كان الحدث قانونيا فأنت أمام مخاطر أقل، أما إذا كان غير قانوني فأمامك احتمال حدوث مصادمات بين قوات الأمن التي تختلف تسميتها من بلدٍ إلى آخر، وهذه المصادمات ستزيد من مخاطر تعرضك شخصياً للأذى.
قبل البدء بتغطية الحدث تفحص المكان. لقد حصلت مسبقاً على خط مسير التجمُّع، فضَع جغرافية المكان في ذهنك وجهِّز نفسك لاستخدام الشوارع الفرعية التي تؤدي إلى المخارج والساحات البعيدة داهمك خطر. هناك أيضاً علامات رئيسية يجب الانتباه لها، وحاول أن تجيب عن هذه الأسئلة: مَن هم الأشخاص الرئيسيون في التحرك وأين مواقعهم؟ هل يحمل أو يخفي المتظاهرون أسلحة مهما كان نوعها، حتى لو كانت عصيّا خشبية فهذا أمر يجب أن تأخذه بالحسبان، هل هناك حجارة في الشارع؟ هل هي موجودة أصلاً أم جُمعت ووضعت؟ ماهي استعدادات قوات الأمن؟ ما هي الأسلحة التي يحملوها؟ هل هناك سيارات تحمل خزانات مياه وخراطيم كبيرة لاستخدامها؟ هل هناك سيارات إسعاف في المكان؟ ما هي الحالة العاطفية للتجمُّع الشعبي الموجود؟ هل هم في حالة انفعال تام؟ هذا يعني أنهم على استعداد للعنف. هل التجمُّع مؤقَّت أم أن هناك نقاط تمركزِ كالخيام مثلاً؟ إنَّ معرفتك لهذه الإجابات يعني أنَّك قادر على التعامل مع المخاطر التي قد تحدث.
سلامتك الشخصية
إذا كانت هذه المرة الأولى التي تغطي فيها مظاهرات أو أعمال شغب فجهِّز نفسك جيداً، لأنك لست على دراية كاملة بتكتيكات الأمن. وإن سبَق لك أن غطَّيتَ هذا النوع من الأحداث، لا تتردد بسؤال قيادات الحراك والقوات الأمنية الموجودة عن توقعاتهم خلال عملية فض المظاهرات، بناء على أجوبتهم "إن استطعتَ الحصول عليها" تبدأ بتقدير إجراءاتك الخاصة بسلامتك. هناك اقتراحات أساسية لتحقيق السلامة الشخصية.. عليك ارتداء خوذة شبيهة بقبعة البيسبول، نظارات سميكة تحمي العيون ويمكن الاستعاضة عنها بنظارة غوص خاصة بالسباحة، هذه تفيد في الحماية من الغاز المسيل للدموع، قناع تصفية للهواء في حال إطلاق قنابل غازية، واقيات للركبة والذراع، سدادات أذن، درع مضاد للطعنات والرصاص المطاطي، ملابس داخلية مضادة للحرائق، حذاء مريح ذو مقدمة معدنية لحماية أصابعك، قفازات سميكة، مناديل معقمة برائحة الليمون لتغطية الفم والأنف كوقاية سريعة من الغازات إذا لم يكن هناك أقنعة، بيل ضوئي يفيد في الرؤية. انزع ملابسك إذا كانت شبيهة بلباس قادة المظاهرات أو القوات الأمنية واستبدلها فوراً بسترة فوسفورية أو ما يشير إلى أنك صحفي.
في الميدان
في ميدان التغطية، لابد أن تحمل بشكل دائم بطاقتك الصحفية وهويات التعريف بك. إذا كان الانفعال واضحاً في الحراك، فتقديرك في التعريف عن نفسك يعود إلى موقف المتظاهرين والقوات الأمنية من مؤسستك الإعلامية. وإن كان لديهم موقف مسبق ضد مؤسستك الإعلامية، فلا تستخدم ما يشير إليها كالقبعة أو دفتر ملاحظات يحمل الشعار، سيضعك هذا في أخطار محتملة. إذا كنت مراسلاً صحفياً لمؤسسة إعلامية مقروءة فلا سبب وجيه لتكون في قلب المظاهرات، سِرعلى جانب الطريق وراقب ما يحدث مع التزامك التام بإجراءات السلامة، أما إذا كنت صحفياً تلفزيونيا فاعمل على ترتيب لقاءاتِك المصورة قبل البدء بالمظاهرة وخارج العلامات التي تنص على عدم تخطيها، هذه العلامات قد وضعتها قوات الأمن في وقت سابق، تذكَّر أن الحصول على لقطة جيدة للحراك والقوات الأمنية لا يكون من قلبِها أبداً، اللقطة الأفضل تكون من مرتفع عالٍ بعيد.
إذا رأيت قوات الأمن تركض إلى المكان الذي أنت فيه، اهرب مباشرة وإلا ستُعامَل كما لو كنتَ واحداً من المتظاهرين. لا تلتقط أي شيء خلال هروبك، واترك كل ما يسقط منك على الأرض، إن انشغالك بتجميع أغراضك سيضعك في دائرة احتمال الاعتقال، لأن انحناءك سيوحي للآخرين كما لو أنك تستعد لتناول حجر من الأرض، لا تلمس قنابل الغاز بيديك لأنها ستحرق أصابعك إذا لم تكن ترتدي القفازات، اركلها بقدمِك بعيداً وضع المنديل بنكهة الليمون على فمك وابتعد، لا تتواجد في نقطة عنق الزجاجة حيث سيُحصر المتظاهرون ويُجبرون على الحركة تجاهها. دراستك لجغرافية المكان ستضمن لك توقع هذه النقطة ومعرفتها. كن متواجداً على بعد أقصاه 150 إلى 200 متر من أول تقاطع طريق او مخرج يؤدي بك بعيداً عن مكان التظاهر. إذا استطعت الهرب، لا تطلب المساعدة من الكمائن الشعبية أو قوات الأمن المجاورة، اركض باتجاه أقرب متجر أو مكان مزدحم وفوراً عرِّف عن نفسك واطلب المساعدة.
إن حوصرت أو هاجمتك عناصر من قوات الأمن فلا تقاوم الاعتقال أبداً، يجب أن تعلم أنه بالرغم من صراخك والتعريف بنفسك على أنك صحفي، ستؤخذ إلى مكان الاحتجاز وعليك الانتظار لحين الانتهاء من مراجعة ملفات وأوضاع الموقوفين حتى يُفرج عنك. لا تصرخ في مكان الاحتجاز بحجة أنَّك صحفي بحضور موقوفين من المتظاهرين، قد يضعك هذا في خطر الاعتداء عليك جسدياً، اكتفِ بالتعريف عن نفسك أمام قوات الأمن أثناء التحقيق والتزم الهدوء قدر ما تستطيع. لا تتردد في طلب الأدوية من قوات الأمن إذا كنتَ تعاني من أمراض معينة، واطلب الحديث مع أحد مسؤوليك في المؤسسة الإعلامية التي تعمل بها.
في قلب المواجهات
عندما تبدأ المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، حافظ على هدوئك وتركيزك وثباتك الانفعالي عندما يزداد توتر الآخرين. كن على استعداد دائم للهرب من النيران وقوات الأمن وغضب المتظاهرين. حاول أن تبقى وسط مجموعة من الصحفيين، وإذا انفصلتَ عنهم اعمل جاهداً على العودة فوراً إلى مكان التجمع معهم؛ فهذا يجعل الآخرين يتعاملون معكم ككل وليس كمفرد. في حال إطلاق الغاز المسيل للدموع، قف في الاتجاه المعاكس للريح واركض بعيداً ثم أخرج علبة الماء من حقيبتك واغسل وجهك، ستشعر ببعض الألم وهذا طبيعي، إذا كنتَ تضع عدسات لاصقة فإن الغاز سينحصر بين العين والعدسات وهذا سيسبب مخاطر كبيرة لذا ينصح الصحفيون بارتداء نظارات طبية خلال تغطية المظاهرات. إن استُخدم الرصاص المطاطي ولم تستطع الوصول إلى حماية ثابتة أو متحركة، أدر ظهرك لقوات الأمن واجلس على ركبتيك واحمِ رأسك ووجهك.
بالنسبة للغاز بأنواعه المختلفة، فإنه يسبب حكة وحرقة في العينين والأنف والجلد، رؤية غير واضحة، إفرازات مخاطية من الأنف، سيلان اللعاب، سعال وصعوبة في التنفس، وأفضل دفاع تقوم به إذا لم تضع القناع المضاد، هو المنديل أو قطعة قماش مبللة بماء الليمون. إذا لم تجد كل هذا عليك باستنشاق البصل بعد تقطيعه ووضعه تحت فتحة الأنف.
حاول مهما حدث ألا تخف، لأن الخوف يسبب تسارعاً في عملية التنفس، وعندها ستستنشق مزيداً من الغاز. لا تضع كريمات زيتية أو مضادة للشمس قبل ذهابك لتغطية المظاهرة، هذه النوعية من الكريمات ستزيد من إمكانية امتصاص الجلد.