في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي". كانت هذه وصيته التي تشابهت مع وصايا كثيرين من أهالي قطاع غزة، الذين طالبوا العالم بألا يعاملهم بوصفهم أرقاما فقط، وأن ينظر إليهم بوصفهم أفرادا كانوا يحلمون ويخططون لحياة طبيعية لم يشأ لها الاحتلال أن تستمر.
وقد برزت في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، المستمرة منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، محاولات كثيرة من قبل صحفيين لــ "أنسنة" قصص الشهداء والأحياء على حد سواء، ومن هؤلاء الصحفي يوسف فارس، الذي يراسل العديد من وسائل الإعلام لتغطية الحرب على القطاع، ولكنه يُخصّص المنشورات على صفحاته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لنوع آخر من المحتوى.
يجد المتصفح لصفحاته الصور التي أُخذت في سياقات إنسانية متعددة، ليست دموية بالضرورة، ولكنها تشهد على ما يحدث بعد الدموية وأثر الحرب على أدق تفاصيل حياة الناس. نجده يوثق إرادة البقاء في مخيم جباليا الذي دمره العدوان الإسرائيلي تارة، ويحتفي بأول صلاة جمعة وسط كل الخراب، ونجده يمازح شخصا ما بشأن طول لحيته التي منعته الحرب من حلقها منذ شهور طويلة تارة أخرى.
يؤمن فارس بأهمية القصة الإنسانية التي يعدُّها "بطلة العمل الصحفي"، والتي قد تعلق بالذاكرة متجاوزة في أثرها الآلاف من الأخبار التي تركز على الأعداد حصرا. وفي حديثه المكتوب مع "مجلة الصحافة"، يشرح فارس بأنه مضطر، في عمله مع القنوات والصحف التي يتعاون معها، للالتزام بـ "بالخط التحريري الذي لا يعطيني مساحة لاستعراض ما شعرت به، ما أحسست به تجاه الأهل الذين أنتمي إليهم".
من هنا، فإن مساحته البديلة هي تلك التي يجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتيح له الخلط بين الكتابة التي تستند إلى المعلومات والأحداث الحقيقية وتلك التي تُعبّر عن المشاعر المتبادلة بينه وبين بطل القصة.
يجد المتصفح لصفحات فارس الصور التي أُخذت في سياقات إنسانية متعددة، ليست دموية بالضرورة، ولكنها تشهد على ما يحدث بعد الدموية وأثر الحرب على أدق تفاصيل حياة الناس. نجده يوثق إرادة البقاء في مخيم جباليا الذي دمره العدوان الإسرائيلي تارة، ويحتفي بأول صلاة جمعة وسط كل الخراب.
يعترف فارس بأنه لم يكتب عن أي إنسان إلا بعدما تشاطرا الهمّ ذاته؛ فهو بحسب تعريفه لنفسه: "صحفي فلسطيني من مخيم جباليا، يعايش كل ما يعيشه الناس، يتحدثون عن الفقد، أنا فقدت 17 شهيدا عزيزا من أفراد عائلتي المقربين، يتحدثون عن هدم المنزل، هُدِم منزلي ومنزل عائلتي، يتحدثون عن الجوع، جعت معهم". بسبب كل هذه القواسم المشتركة بينه وبين أبطال قصصه، يرى فارس أن الكتابة تُصبح أسهل، لأنه قادر على التعبير عمّا عايشوه بصدق.
كما يُدرك فارس أن هناك من يظن بأن هذه المشاعر، إن ظهرت للعلن، قد "تقدح في موضوعية الصحفي ومهنيته"، ولكنه مؤمن بأهميتها لأنه يراهن على "الشعور البشري المتجدد، الذي هو بخلاف الحواس، لا يعتاد مشهدا أو صوتا، ولا سيما أننا في حالة حرب أورثتنا عددا هائلا من القصص التي تتكرر فيها الضحية والجزار، البداية والخاتمة، وهنا، تصبح التفاصيل والانطباعات المتبادلة، هي عمود القصة ولبها". ويلفت فارس إلى أنه كان ينشر القصص المستوحاة ممّا كان يشهده في يومه، ومن ثم أصبح زملاؤه يقترحون عليه قصصا جديدة تستحق أن يسلط الضوء عليها إلى أن بدأ الناس، أصحاب القصص أنفسهم، الذين "هم بحاجة إلى أن يحمل أحد معهم هول مصابهم الأليم"، بحسب تعبيره، يتواصلون معه طالبين منه كتابة حكاياتهم.
في هذه الحرب أيضا، نشطت منصة "إنسان"، التي أنشئت في عام 2023، بغاية التركيز على قصص البشر، التي ترى مؤسستُها الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل أنها أهم من صورة "ألف صاروخ". وُلدت هذه المنصة قبل عام واحد فقط، ولكنها فكرة كانت تراود المدلل منذ زمنٍ بعيد، وبالتحديد منذ أن كانت تغطي العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة في عام 2008. وكانت تدرك قصور الإعلام عن تناول قصص الناس بالشكل الكافي. ترى المدلل أن هدف المنصة هو نشر الوعي عن طريق قصص الناس العاديين، الذين تتعامل معهم "على أنهم آخر من تبقى، آخر من نجا، آخر من شاهد، آخر من استمع"، وتترجم قصصهم إلى اللغة الإنجليزية حتى لا يكون القائمون على المنصة كمن يخاطب نفسه فقط.
تعُدّ المدلل التفاصيل الإنسانية مهمة، وتقول في حديثها مع المجلة، إن قصة لسيدة تعترف بأنها خائفة من القصف، ولكنها عاجزة عن التعبير عن هذا الخوف لتظل مصدر أمان لأطفالها، ومن ثم تنفجر من البكاء بعد أن يخلدوا إلى النوم، قد تكون من أدق الأوصاف لما يحدث.
وتسرد مؤسسة المنصة أمثلة كثيرة عن قصص كان من المهم أن تخرج إلى العلن، ولكن أبطالها فضلوا الصمت، ومنها قصص الفتيات اللواتي شعرن بـ"الذل" بعد أن عجزن عن توفير حاجاتهن النسائية في فترة الحيض، ولكنهن رفضن الحديث للإعلام على الرغم من أن هذا الحديث كان من الممكن أن يُستخدم برأيها أداةَ ضغط لضمان شمول المساعدات لهذه الحاجات النسائية.
ترى المدلل أن هدف المنصة هو نشر الوعي عن طريق قصص الناس العاديين، الذين تتعامل معهم "على أنهم آخر من تبقى، آخر من نجا، آخر من شاهد، آخر من استمع"، وتترجم قصصهم إلى اللغة الإنجليزية حتى لا يكون القائمون على المنصة كمن يخاطب نفسه فقط.
في تعليقها على تغطية الإعلام للصراعات طويلة المدى، ترى أستاذة الإعلام في الجامعة الأمريكية في الشارقة الدكتورة عبير النجار أن "معظم القصص، بغض النظر عن قسوتها، تذهب طي النسيان في زحمة تغطيات الحدث اليومي، وهذا جزء مهم وأساسي لتفسير القصور الجوهري والبنيوي للإعلام في التعاطي البنّاء مع الصراعات والقضايا". وتلفت النجار إلى أن كلمة "الأنسنة" في الأساس تُشير إلى "القاع الجديد" الذي وصلنا إليه؛ ذلك لأن الكلمة في اللغة تُستخدم، وفق رؤيتها، مع الجماد، أي مع ما لا ينتمي إلى البشر، ومن هنا فإن مجرد استخدامنا للكلمة يؤكد أن الإنسان "صار بالنسبة لنا شيئا ونريد إعادته للحياة واعادة توصيف الإنسانية له". وترى النجار أن "الصحفي ليس بحاجة إلى أنسنة أي شخص إلا إذا كان المجتمع لا يراه إنسانا بالأساس، ولكنه لربما أصبح بحاجة إلى هذه المقاربة اليوم بسبب تسييس الفروقات المبنية على العرق والدين واللغة ولون البشرة، بسبب سنوات وعقود طويلة من الانحيازات وتفوق العرق الأبيض".
لا تخفي النجار أن لديها تحفظاتها على القصص الإنسانية بشكل عام، ولعل أبرزها هو غياب السياقين السياسي والحقوقي في بعضها، ما يجعلها تفقد شيئا من قيمتها. على سبيل المثال، لا يكفي أن يقول الصحفي، وفقا للنجار، إن عددا من السكان يعانون من الجوع؛ لأن ذلك قد يشبه مجاعات حدثت في أماكن أخرى، بينما الأصح أن توضع المعلومة في سياقها، ويُوضّح أن هذه المجاعة من "صنع البشر". وهذا ينسحب على قصة أخرى استوقفت النجار، وهي قصة إنسانية لطالبة ثانوية عامة تُحضّر للامتحانات في الخيمة بعد أن أصبحت مَسكنا لها، وتقول: "القصة مش قصة بنت ضاعت عليها سنة بالتوجيهي، القصة قصة أجيال كاملة ضاعت عليها سنوات من عمرها وهي خارج إطار التعليم، ما يولد الإحباط وانغلاق الآفاق أمامها". ومن هنا، فإن القصص الإنسانية ليست إشكالية بحد ذاتها، ولكن الإشكالية تكمن في السؤال التالي برأيها: "إلى أي حد تسمح هذه القصة للصحفي برواية "القصة الأكبر"، بأن يقدم شيئا يلقي الضوء على القضية الأكبر التي يحاول تقديمها من خلال قصة الفرد الواحد؟".
الصحفي ليس بحاجة إلى أنسنة أي شخص إلا إذا كان المجتمع لا يراه إنسانا بالأساس، ولكنه لربما أصبح بحاجة إلى هذه المقاربة اليوم بسبب تسييس الفروقات المبنية على العرق والدين واللغة ولون البشرة، بسبب سنوات وعقود طويلة من الانحيازات وتفوق العرق الأبيض.
هذا السياق بالغ الأهمية بالنسبة لإسراء المدلل، التي تخبرنا أنها توصي المحررين بكتابة "المعلومات البديهية لنا ولكنها ضرورية للغرب، الذي لا يعرف غزة وجغرافيتها وتفاصيلها. ومن هنا، فإن المنصة تحرص على ذكر مساحة قطاع غزة، وكثافته السكانية، وعدد مخيماته، والمعابر التي تدخل منها البضائع للقطاع وعدد أيام عملها في السنة، أملا في أن تشكل هذه المعلومات لدى المتلقي صورة واضحة عن فداحة الجريمة المرتكبة بحق أهالي القطاع".
أخلاقيات القصة الإنسانية في سياق الحرب
بينما يسعى الصحفي إلى نقل الحقيقة عن طريق قصص الأفراد، ثمة معايير أخلاقية عامة يتعيّن عليه الالتزام بها. تُبرِز النجار في هذا السياق أهمية احترام كرامة الأفراد وخصوصيتهم، وإخفاء الوجه إذا كان الوضع الإنساني للأفراد يستدعي ذلك، والحرص على التقليل من المعلومات التي يمكن أن تكشف هوية الشخص في حال رغب في إخفاء هويته. كذلك تُذكّر بأن الأطفال لهم خصوصية مختلفة، نظرًا لعدم امتلاكهم لـ "الإرادة القانونية"، ولأن أهم معيار هو وضع "مصلحة الإنسان الذي نغطي قصته قبل مصلحة المؤسسة وقبل مصلحتنا الشخصية".
تعي النجار أن "المذبحة" التي تجري في غزة تفرض تحديات كثيرة على الصحفيين الذين يفترض فيهم مراعاة هذه الأخلاقيات ويجدون أنفسهم واقعين تحت ضغوطات كبيرة؛ لذلك تؤمن أن ما يجب أن يحدث هو الموازنة واتباع مبدأ "درء المفاسد وجلب المنافع"، بمعنى أن يفكر الصحفي بالمنفعة العامة من نشر القصة دون أن يغفل مصلحة الإنسان صاحب هذه القصة، وأن يضع كرامته وحقه في الخصوصية قبل ضغط "المواعيد النهائية للتسليم والنشر والإعجابات وكل الاعتبارات الأخرى". في غزة حاليا، هناك سياق استثنائي بالفعل، بحسب النجار، ولكن مجرد انتهاك العدو لكرامة الناس ورغبة الصحفيين في الدفاع عن قضية وطنية لا يعطيهم المبرر ليكونوا سببًا في تفاقم المأساة، بحيث تنشر صور تبث على كل شاشات العالم، وتؤثر على أصحابها في المستقبل، بل "يجب أن تظل لدينا هذه الحساسية تجاه الكرامة الإنسانية كيفما كان الوضع استثنائيا".
بالعودة إلى الميدان، فإن ما قالته النجار ليس بعيدا عن أذهان كل من فارس والمدلل، اللذين يقران بمواجهة العديد من الأسئلة الأخلاقية في عملهما. بحسب تجربة يوسف فإن "ضيوف القصص وأبطالها يعطونك تفويضا أخلاقيا في نقل قصصهم"، ويرى فارس أن هذا التفويض هو أكبر عبء أخلاقي"، ما دعاه إلى إعادة التفكير فيما يكتب بشكل شخصي تحديدا؛ إذ يقدِّم الناس أحيانا "تفاصيل مهمة بعيدا عن الكاميرا والتوثيق، في كثير من الأحيان، تتجاوز أهميتها ووقعها كل ما سجلته، وهنا يبدأ الصراع؛ إذ إن كثيرا من القصص أعرضها على أصحابها قبل نشرها، وبعضها أحجم عن نشرها في صفحاتي كليا لأنني عجزت عن التواصل مجددا مع أبطالها لأنال موافقتهم".
حتى في حالة الحرب المستمرة، يفكر فارس في أثر هذه القصص على أصحابها بعد النشر، ويروي لنا أنه نشر قصة لشاب جامعي اضطرته ظروف الحرب إلى البحث عن الأكل بطريقة ربما يعدها بعض الأشخاص مهينة بالنظر إلى مستواه الاجتماعي. على الرغم من أن الشاب كان موافقا على نشر قصته، بل وسُعد بها بعد النشر، فإن أحد أفراد عائلته كان له رأي آخر، وعاتب فارس الذي تفهم هذا الشعور واحتواه. يقول إنه حاور هذا الشخص وشاركه تجارب مشابهة لأفراد من عائلته لا يقل مستواهم الاجتماعي عن الشاب المذكور في القصة، فهذا "حالنا وواقعنا الذي لا نستطيع القفز عنه، وإن ما نعيشه لا ينتقص من قيمتنا ومكانتنا؛ لأن البلاء لا يتفاضل فيه أحد عن الآخر"، لينجح في النهاية في امتصاص العتب وتجاوزه.
من جهتها، تسرد المدلل هي الأخرى جملة من التحديات الأخلاقية التي تواجه الفريق؛ فهم أيضا حريصون على احترام خصوصية الأفراد الجسدية، فلا ينشرون الصور التي تُظهر أماكن حساسة من أجسادهم أو الصور التي تظهر فيها نساء يعرفون أنهن محجبات بلا حجاب، وما إلى ذلك من اعتبارات يجب أخذها في الحسبان. كذلك ترى المدلل أن "هناك أسئلة محظورة عند التعامل مع الأطفال، مثل سؤال "شو شعورك" (ما هو شعورك؟)، أو الأسئلة التي تحاول تذكيرهم بما شهدوه واستحضار الأحداث مرة أخرى، لما في ذلك من أذى نفسي على الطفل، وهو أمر تعلمته بالتجربة والخطأ، وأحرص اليوم على إيصاله للعاملين في المنصة لكي يلتزموا به".
تريد منصة "إنسان" نشر الوعي بشأن ما يحدث، ولكنها تواجه مواقف شائكة يكون من المهم تذكير الصحفيين القائمين على المنصة بعدم "التلقين" فيها. تروي لنا المدلل أن المنصة استطاعت الوصول إلى قصة مهمة لطفلة مصابة نُقلت من إحدى مناطق القطاع إلى مدينة غزة، حيث تعرضت الطفلة هناك لتدخل طبي سبّب لها ألما جسديا ونفسيا كبيرا. في أثناء التصوير، ظلت الطفلة تردد أنها تكره غزة، التي عدتها مصدر ذلك الألم كله. واجهت المدلل سؤالا أخلاقيا مهما هنا، ومن ثم اختارت إرجاء النشر إلى حين استعادة الطفلة لتوازنها وقدرتها على التفريق "بين المكان الذي أوجعها، والقاتل الذي تسبب لها بهذا الوجع". على المنوال نفسه، يواجه الصحفيون مواقف يضطرون فيها إلى التفكير في إطفاء الكاميرا أو إبقائها شاهدة على الحدث. بحسب المدلل، قد يبكي أصحاب القصة ويختار الصحفي أن يسجل هذا البكاء، ولكن في بعض الأحيان، قد يكون من الأسلم المغادرة. تسرد المدلل أن المنصة كانت تعمل على قصة فتاة أحرق جسدها بالكامل، ولم تكُن قادرة على الحديث، كذلك فإن المصور المكلف بتغطية القصة وجد صعوبة في البقاء حولها. كتبت المنصة في وصف هذه القصة: "لم نستطع إكمال هذه القصة وتصويرها"، وتشرح أن "وجود الصحفي وقتئذ كان بالإمكان أن يؤذيها أكثر ويلقي عليها ضغطا أكبر، وفي الوقت نفسه كان ضروريا أن نصور معها، وفي النهاية عدَدْنا الثلاثين ثانية التي سجلناها قصة".
نشرت القصص الإنسانية، ماذا بعد؟
برأي يوسف فارس، فإن ما يميز بين قصة وأخرى "هو طريقة العرض، وصدقية المضمون، وأيضا، قدرة صاحب القصة على التعبير"؛ إذ يرى أن قصصا مثل قصة هند الخضري، الطفلة التي ظلت محاصرة في سيارة عائلتها، وصاحب تعبير "روح الروح"، وأم "الطفل يوسف صاحب الشعر الكيرلي"، هي قصص "صنعها أبطالها بذاتهم، ولم يتقاسم الصحفي البطولة مع أصحابها، القصة التي لا يزاحم فيها الصحفي أبطالها هي أنجح القصص وأصدقها وأكثر تداولا". ويختم فارس بالقول: "عندما يغرق الناس مع التفاصيل فقط، ويعيشون الأحداث، هذا هو النجاح المطلق في عرض القصة".
قصة هند الخضري، الطفلة التي ظلت محاصرة في سيارة عائلتها، وصاحب تعبير "روح الروح"، وأم "الطفل يوسف صاحب الشعر الكيرلي"، هي قصص "صنعها أبطالها بذاتهم، ولم يتقاسم الصحفي البطولة مع أصحابها، القصة التي لا يزاحم فيها الصحفي أبطالها هي أنجح القصص وأصدقها وأكثر تداولا.
تعترف المدلل أيضا بأن هناك من أحدث خبر استشهاده ضجة أكبر من استشهاد غيره، مثل الدكتور الشهيد رفعت العرعير، الذي اشتهر بسبب كتاباته وقصائده الإنسانية، ولكونه أول من أطلق حملة "نحن لسنا أرقاما". كذلك فإن هناك جانبا آخر يتعلق بأمور تقنية، مثل طول القصة؛ إذ تلاحظ المنصة أن "الريلز" أي الفيديوهات القصيرة تُحدث تفاعلا كبيرا بين الجمهور، لأنهم، حتى وسط كل ما يجري، يريدون شيئا قصيرا وسريعا، يجيب عن الأسئلة الأساسية ولا "يحير المتلقي".
بيد أن السؤال الأهم هو مدى نجاح هذه القصص في رفع الوعي وتحريك ضمائر العالم لوقف الحرب، كما يتمنى بعض من ينشرها. تقول النجار إن "التعاطف العالمي الموجود لديه علاقة بحجم الدمار والصور التي تنشر، ولا يقتصر الأمر على جهود الأنسنة فقط". لا تقلل النجار من هذه الجهود، ولكنها تدعو إلى الموازنة بين التفاصيل الإنسانية والقضية العامة الأوسع لكي تكون "تغطية إنسانية بناءة"؛ ذلك لأن وظيفة الصحفي أن "يعلم الناس ويثير الأسئلة في رأسها". هل نعزو هذا التضامن العالمي إلى فداحة الجريمة أم إلى أنسنة القضية؟ وفقًا لرأي النجار، لا يزال البحث جاريا عن الإجابة.