"أن تعيش لتروي قصتي"

استمع إلى المقالة

في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي". كانت هذه وصيته التي تشابهت مع وصايا كثيرين من أهالي قطاع غزة، الذين طالبوا العالم بألا يعاملهم بوصفهم أرقاما فقط، وأن ينظر إليهم بوصفهم أفرادا كانوا يحلمون ويخططون لحياة طبيعية لم يشأ لها الاحتلال أن تستمر.

وقد برزت في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، المستمرة منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، محاولات كثيرة من قبل صحفيين لــ "أنسنة" قصص الشهداء والأحياء على حد سواء، ومن هؤلاء الصحفي يوسف فارس، الذي يراسل العديد من وسائل الإعلام لتغطية الحرب على القطاع، ولكنه يُخصّص المنشورات على صفحاته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لنوع آخر من المحتوى.

يجد المتصفح لصفحاته الصور التي أُخذت في سياقات إنسانية متعددة، ليست دموية بالضرورة، ولكنها تشهد على ما يحدث بعد الدموية وأثر الحرب على أدق تفاصيل حياة الناس. نجده يوثق إرادة البقاء في مخيم جباليا الذي دمره العدوان الإسرائيلي تارة، ويحتفي بأول صلاة جمعة وسط كل الخراب، ونجده يمازح شخصا ما بشأن طول لحيته التي منعته الحرب من حلقها منذ شهور طويلة تارة أخرى.

يؤمن فارس بأهمية القصة الإنسانية التي يعدُّها "بطلة العمل الصحفي"، والتي قد تعلق بالذاكرة متجاوزة في أثرها الآلاف من الأخبار التي تركز على الأعداد حصرا. وفي حديثه المكتوب مع "مجلة الصحافة"، يشرح فارس بأنه مضطر، في عمله مع القنوات والصحف التي يتعاون معها، للالتزام بـ "بالخط التحريري الذي لا يعطيني مساحة لاستعراض ما شعرت به، ما أحسست به تجاه الأهل الذين أنتمي إليهم".

 من هنا، فإن مساحته البديلة هي تلك التي يجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتيح له الخلط بين الكتابة التي تستند إلى المعلومات والأحداث الحقيقية وتلك التي تُعبّر عن المشاعر المتبادلة بينه وبين بطل القصة.

يجد المتصفح لصفحات فارس الصور التي أُخذت في سياقات إنسانية متعددة، ليست دموية بالضرورة، ولكنها تشهد على ما يحدث بعد الدموية وأثر الحرب على أدق تفاصيل حياة الناس. نجده يوثق إرادة البقاء في مخيم جباليا الذي دمره العدوان الإسرائيلي تارة، ويحتفي بأول صلاة جمعة وسط كل الخراب.

يعترف فارس بأنه لم يكتب عن أي إنسان إلا بعدما تشاطرا الهمّ ذاته؛ فهو بحسب تعريفه لنفسه: "صحفي فلسطيني من مخيم جباليا، يعايش كل ما يعيشه الناس، يتحدثون عن الفقد، أنا فقدت 17 شهيدا عزيزا من أفراد عائلتي المقربين، يتحدثون عن هدم المنزل، هُدِم منزلي ومنزل عائلتي، يتحدثون عن الجوع، جعت معهم". بسبب كل هذه القواسم المشتركة بينه وبين أبطال قصصه، يرى فارس أن الكتابة تُصبح أسهل، لأنه قادر على التعبير عمّا عايشوه بصدق.

1
يؤمن فارس بأهمية القصة الإنسانية التي يعدُّها "بطلة العمل الصحفي"، والتي قد تعلق بالذاكرة متجاوزة في أثرها الآلاف من الأخبار التي تركز على الأعداد حصراً

كما يُدرك فارس أن هناك من يظن بأن هذه المشاعر، إن ظهرت للعلن، قد "تقدح في موضوعية الصحفي ومهنيته"، ولكنه مؤمن بأهميتها لأنه يراهن على "الشعور البشري المتجدد، الذي هو بخلاف الحواس، لا يعتاد مشهدا أو صوتا، ولا سيما أننا في حالة حرب أورثتنا عددا هائلا من القصص التي تتكرر فيها الضحية والجزار، البداية والخاتمة، وهنا، تصبح التفاصيل والانطباعات المتبادلة، هي عمود القصة ولبها". ويلفت فارس إلى أنه كان ينشر القصص المستوحاة ممّا كان يشهده في يومه، ومن ثم أصبح زملاؤه يقترحون عليه قصصا جديدة تستحق أن يسلط الضوء عليها إلى أن بدأ الناس، أصحاب القصص أنفسهم، الذين "هم بحاجة إلى أن يحمل أحد معهم هول مصابهم الأليم"، بحسب تعبيره، يتواصلون معه طالبين منه كتابة حكاياتهم.

في هذه الحرب أيضا، نشطت منصة "إنسان"، التي أنشئت في عام 2023، بغاية التركيز على قصص البشر، التي ترى مؤسستُها الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل أنها أهم من صورة "ألف صاروخ". وُلدت هذه المنصة قبل عام واحد فقط، ولكنها فكرة كانت تراود المدلل منذ زمنٍ بعيد، وبالتحديد منذ أن كانت تغطي العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة في عام 2008. وكانت تدرك قصور الإعلام عن تناول قصص الناس بالشكل الكافي. ترى المدلل أن هدف المنصة هو نشر الوعي عن طريق قصص الناس العاديين، الذين تتعامل معهم "على أنهم آخر من تبقى، آخر من نجا، آخر من شاهد، آخر من استمع"، وتترجم قصصهم إلى اللغة الإنجليزية حتى لا يكون القائمون على المنصة كمن يخاطب نفسه فقط.

تعُدّ المدلل التفاصيل الإنسانية مهمة، وتقول في حديثها مع المجلة، إن قصة لسيدة تعترف بأنها خائفة من القصف، ولكنها عاجزة عن التعبير عن هذا الخوف لتظل مصدر أمان لأطفالها، ومن ثم تنفجر من البكاء بعد أن يخلدوا إلى النوم، قد تكون من أدق الأوصاف لما يحدث.

 وتسرد مؤسسة المنصة أمثلة كثيرة عن قصص كان من المهم أن تخرج إلى العلن، ولكن أبطالها فضلوا الصمت، ومنها قصص الفتيات اللواتي شعرن بـ"الذل" بعد أن عجزن عن توفير حاجاتهن النسائية في فترة الحيض، ولكنهن رفضن الحديث للإعلام على الرغم من أن هذا الحديث كان من الممكن أن يُستخدم برأيها أداةَ ضغط لضمان شمول المساعدات لهذه الحاجات النسائية.

ترى المدلل أن هدف المنصة هو نشر الوعي عن طريق قصص الناس العاديين، الذين تتعامل معهم "على أنهم آخر من تبقى، آخر من نجا، آخر من شاهد، آخر من استمع"، وتترجم قصصهم إلى اللغة الإنجليزية حتى لا يكون القائمون على المنصة كمن يخاطب نفسه فقط.

1
نشطت منصة "إنسان"، التي أنشئت في عام 2023، بغاية التركيز على القصص، وهي فكرة تراود مؤسستها إسراء المدلل منذ أن كانت تغطي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008.

في تعليقها على تغطية الإعلام للصراعات طويلة المدى، ترى أستاذة الإعلام في الجامعة الأمريكية في الشارقة الدكتورة عبير النجار أن "معظم القصص، بغض النظر عن قسوتها، تذهب طي النسيان في زحمة تغطيات الحدث اليومي، وهذا جزء مهم وأساسي لتفسير القصور الجوهري والبنيوي للإعلام في التعاطي البنّاء مع الصراعات والقضايا". وتلفت النجار إلى أن كلمة "الأنسنة" في الأساس تُشير إلى "القاع الجديد" الذي وصلنا إليه؛ ذلك لأن الكلمة في اللغة تُستخدم، وفق رؤيتها، مع الجماد، أي مع ما لا ينتمي إلى البشر، ومن هنا فإن مجرد استخدامنا للكلمة يؤكد أن الإنسان "صار بالنسبة لنا شيئا ونريد إعادته للحياة واعادة توصيف الإنسانية له". وترى النجار أن "الصحفي ليس بحاجة إلى أنسنة أي شخص إلا إذا كان المجتمع لا يراه إنسانا بالأساس، ولكنه لربما أصبح بحاجة إلى هذه المقاربة اليوم بسبب تسييس الفروقات المبنية على العرق والدين واللغة ولون البشرة، بسبب سنوات وعقود طويلة من الانحيازات وتفوق العرق الأبيض".

لا تخفي النجار أن لديها تحفظاتها على القصص الإنسانية بشكل عام، ولعل أبرزها هو غياب السياقين السياسي والحقوقي في بعضها، ما يجعلها تفقد شيئا من قيمتها. على سبيل المثال، لا يكفي أن يقول الصحفي، وفقا للنجار، إن عددا من السكان يعانون من الجوع؛ لأن ذلك قد يشبه مجاعات حدثت في أماكن أخرى، بينما الأصح أن توضع المعلومة في سياقها، ويُوضّح أن هذه المجاعة من "صنع البشر". وهذا ينسحب على قصة أخرى استوقفت النجار، وهي قصة إنسانية لطالبة ثانوية عامة تُحضّر للامتحانات في الخيمة بعد أن أصبحت مَسكنا لها، وتقول: "القصة مش قصة بنت ضاعت عليها سنة بالتوجيهي، القصة قصة أجيال كاملة ضاعت عليها سنوات من عمرها وهي خارج إطار التعليم، ما يولد الإحباط وانغلاق الآفاق أمامها". ومن هنا، فإن القصص الإنسانية ليست إشكالية بحد ذاتها، ولكن الإشكالية تكمن في السؤال التالي برأيها: "إلى أي حد تسمح هذه القصة للصحفي برواية "القصة الأكبر"، بأن يقدم شيئا يلقي الضوء على القضية الأكبر التي يحاول تقديمها من خلال قصة الفرد الواحد؟".

الصحفي ليس بحاجة إلى أنسنة أي شخص إلا إذا كان المجتمع لا يراه إنسانا بالأساس، ولكنه لربما أصبح بحاجة إلى هذه المقاربة اليوم بسبب تسييس الفروقات المبنية على العرق والدين واللغة ولون البشرة، بسبب سنوات وعقود طويلة من الانحيازات وتفوق العرق الأبيض.

هذا السياق بالغ الأهمية بالنسبة لإسراء المدلل، التي تخبرنا أنها توصي المحررين بكتابة "المعلومات البديهية لنا ولكنها ضرورية للغرب، الذي لا يعرف غزة وجغرافيتها وتفاصيلها. ومن هنا، فإن المنصة تحرص على ذكر مساحة قطاع غزة، وكثافته السكانية، وعدد مخيماته، والمعابر التي تدخل منها البضائع للقطاع وعدد أيام عملها في السنة، أملا في أن تشكل هذه المعلومات لدى المتلقي صورة واضحة عن فداحة الجريمة المرتكبة بحق أهالي القطاع".

 

أخلاقيات القصة الإنسانية في سياق الحرب

بينما يسعى الصحفي إلى نقل الحقيقة عن طريق قصص الأفراد، ثمة معايير أخلاقية عامة يتعيّن عليه الالتزام بها. تُبرِز النجار في هذا السياق أهمية احترام كرامة الأفراد وخصوصيتهم، وإخفاء الوجه إذا كان الوضع الإنساني للأفراد يستدعي ذلك، والحرص على التقليل من المعلومات التي يمكن أن تكشف هوية الشخص في حال رغب في إخفاء هويته. كذلك تُذكّر بأن الأطفال لهم خصوصية مختلفة، نظرًا لعدم امتلاكهم لـ "الإرادة القانونية"، ولأن أهم معيار هو وضع "مصلحة الإنسان الذي نغطي قصته قبل مصلحة المؤسسة وقبل مصلحتنا الشخصية".

تعي النجار أن "المذبحة" التي تجري في غزة تفرض تحديات كثيرة على الصحفيين الذين يفترض فيهم مراعاة هذه الأخلاقيات ويجدون أنفسهم واقعين تحت ضغوطات كبيرة؛ لذلك تؤمن أن ما يجب أن يحدث هو الموازنة واتباع مبدأ "درء المفاسد وجلب المنافع"، بمعنى أن يفكر الصحفي بالمنفعة العامة من نشر القصة دون أن يغفل مصلحة الإنسان صاحب هذه القصة، وأن يضع كرامته وحقه في الخصوصية قبل ضغط "المواعيد النهائية للتسليم والنشر والإعجابات وكل الاعتبارات الأخرى". في غزة حاليا، هناك سياق استثنائي بالفعل، بحسب النجار، ولكن مجرد انتهاك العدو لكرامة الناس ورغبة الصحفيين في الدفاع عن قضية وطنية لا يعطيهم المبرر ليكونوا سببًا في تفاقم المأساة، بحيث تنشر صور تبث على كل شاشات العالم، وتؤثر على أصحابها في المستقبل، بل "يجب أن تظل لدينا هذه الحساسية تجاه الكرامة الإنسانية كيفما كان الوضع استثنائيا".

بالعودة إلى الميدان، فإن ما قالته النجار ليس بعيدا عن أذهان كل من فارس والمدلل، اللذين يقران بمواجهة العديد من الأسئلة الأخلاقية في عملهما. بحسب تجربة يوسف فإن "ضيوف القصص وأبطالها يعطونك تفويضا أخلاقيا في نقل قصصهم"، ويرى فارس أن هذا التفويض هو أكبر عبء أخلاقي"، ما دعاه إلى إعادة التفكير فيما يكتب بشكل شخصي تحديدا؛ إذ يقدِّم الناس أحيانا "تفاصيل مهمة بعيدا عن الكاميرا والتوثيق، في كثير من الأحيان، تتجاوز أهميتها ووقعها كل ما سجلته، وهنا يبدأ الصراع؛ إذ إن كثيرا من القصص أعرضها على أصحابها قبل نشرها، وبعضها أحجم عن نشرها في صفحاتي كليا لأنني عجزت عن التواصل مجددا مع أبطالها لأنال موافقتهم".

حتى في حالة الحرب المستمرة، يفكر فارس في أثر هذه القصص على أصحابها بعد النشر، ويروي لنا أنه نشر قصة لشاب جامعي اضطرته ظروف الحرب إلى البحث عن الأكل بطريقة ربما يعدها بعض الأشخاص مهينة بالنظر إلى مستواه الاجتماعي. على الرغم من أن الشاب كان موافقا على نشر قصته، بل وسُعد بها بعد النشر، فإن أحد أفراد عائلته كان له رأي آخر، وعاتب فارس الذي تفهم هذا الشعور واحتواه. يقول إنه حاور هذا الشخص وشاركه تجارب مشابهة لأفراد من عائلته لا يقل مستواهم الاجتماعي عن الشاب المذكور في القصة، فهذا "حالنا وواقعنا الذي لا نستطيع القفز عنه، وإن ما نعيشه لا ينتقص من قيمتنا ومكانتنا؛ لأن البلاء لا يتفاضل فيه أحد عن الآخر"، لينجح في النهاية في امتصاص العتب وتجاوزه.  

من جهتها، تسرد المدلل هي الأخرى جملة من التحديات الأخلاقية التي تواجه الفريق؛ فهم أيضا حريصون على احترام خصوصية الأفراد الجسدية، فلا ينشرون الصور التي تُظهر أماكن حساسة من أجسادهم أو الصور التي تظهر فيها نساء يعرفون أنهن محجبات بلا حجاب، وما إلى ذلك من اعتبارات يجب أخذها في الحسبان. كذلك ترى المدلل أن "هناك أسئلة محظورة عند التعامل مع الأطفال، مثل سؤال "شو شعورك" (ما هو شعورك؟)، أو الأسئلة التي تحاول تذكيرهم بما شهدوه واستحضار الأحداث مرة أخرى، لما في ذلك من أذى نفسي على الطفل، وهو أمر تعلمته بالتجربة والخطأ، وأحرص اليوم على إيصاله للعاملين في المنصة لكي يلتزموا به".

تريد منصة "إنسان" نشر الوعي بشأن ما يحدث، ولكنها تواجه مواقف شائكة يكون من المهم تذكير الصحفيين القائمين على المنصة بعدم "التلقين" فيها. تروي لنا المدلل أن المنصة استطاعت الوصول إلى قصة مهمة لطفلة مصابة نُقلت من إحدى مناطق القطاع إلى مدينة غزة، حيث تعرضت الطفلة هناك لتدخل طبي سبّب لها ألما جسديا ونفسيا كبيرا. في أثناء التصوير، ظلت الطفلة تردد أنها تكره غزة، التي عدتها مصدر ذلك الألم كله. واجهت المدلل سؤالا أخلاقيا مهما هنا، ومن ثم اختارت إرجاء النشر إلى حين استعادة الطفلة لتوازنها وقدرتها على التفريق "بين المكان الذي أوجعها، والقاتل الذي تسبب لها بهذا الوجع". على المنوال نفسه، يواجه الصحفيون مواقف يضطرون فيها إلى التفكير في إطفاء الكاميرا أو إبقائها شاهدة على الحدث. بحسب المدلل، قد يبكي أصحاب القصة ويختار الصحفي أن يسجل هذا البكاء، ولكن في بعض الأحيان، قد يكون من الأسلم المغادرة. تسرد المدلل أن المنصة كانت تعمل على قصة فتاة أحرق جسدها بالكامل، ولم تكُن قادرة على الحديث، كذلك فإن المصور المكلف بتغطية القصة وجد صعوبة في البقاء حولها. كتبت المنصة في وصف هذه القصة: "لم نستطع إكمال هذه القصة وتصويرها"، وتشرح أن "وجود الصحفي وقتئذ كان بالإمكان أن يؤذيها أكثر ويلقي عليها ضغطا أكبر، وفي الوقت نفسه كان ضروريا أن نصور معها، وفي النهاية عدَدْنا الثلاثين ثانية التي سجلناها قصة".

 

نشرت القصص الإنسانية، ماذا بعد؟

برأي يوسف فارس، فإن ما يميز بين قصة وأخرى "هو طريقة العرض، وصدقية المضمون، وأيضا، قدرة صاحب القصة على التعبير"؛ إذ يرى أن قصصا مثل قصة هند الخضري، الطفلة التي ظلت محاصرة في سيارة عائلتها، وصاحب تعبير "روح الروح"، وأم "الطفل يوسف صاحب الشعر الكيرلي"، هي قصص "صنعها أبطالها بذاتهم، ولم يتقاسم الصحفي البطولة مع أصحابها، القصة التي لا يزاحم فيها الصحفي أبطالها هي أنجح القصص وأصدقها وأكثر تداولا". ويختم فارس بالقول: "عندما يغرق الناس مع التفاصيل فقط، ويعيشون الأحداث، هذا هو النجاح المطلق في عرض القصة".

قصة هند الخضري، الطفلة التي ظلت محاصرة في سيارة عائلتها، وصاحب تعبير "روح الروح"، وأم "الطفل يوسف صاحب الشعر الكيرلي"، هي قصص "صنعها أبطالها بذاتهم، ولم يتقاسم الصحفي البطولة مع أصحابها، القصة التي لا يزاحم فيها الصحفي أبطالها هي أنجح القصص وأصدقها وأكثر تداولا.

تعترف المدلل أيضا بأن هناك من أحدث خبر استشهاده ضجة أكبر من استشهاد غيره، مثل الدكتور الشهيد رفعت العرعير، الذي اشتهر بسبب كتاباته وقصائده الإنسانية، ولكونه أول من أطلق حملة "نحن لسنا أرقاما". كذلك فإن هناك جانبا آخر يتعلق بأمور تقنية، مثل طول القصة؛ إذ تلاحظ المنصة أن "الريلز" أي الفيديوهات القصيرة تُحدث تفاعلا كبيرا بين الجمهور، لأنهم، حتى وسط كل ما يجري، يريدون شيئا قصيرا وسريعا، يجيب عن الأسئلة الأساسية ولا "يحير المتلقي".

بيد أن السؤال الأهم هو مدى نجاح هذه القصص في رفع الوعي وتحريك ضمائر العالم لوقف الحرب، كما يتمنى بعض من ينشرها. تقول النجار إن "التعاطف العالمي الموجود لديه علاقة بحجم الدمار والصور التي تنشر، ولا يقتصر الأمر على جهود الأنسنة فقط". لا تقلل النجار من هذه الجهود، ولكنها تدعو إلى الموازنة بين التفاصيل الإنسانية والقضية العامة الأوسع لكي تكون "تغطية إنسانية بناءة"؛ ذلك لأن وظيفة الصحفي أن "يعلم الناس ويثير الأسئلة في رأسها". هل نعزو هذا التضامن العالمي إلى فداحة الجريمة أم إلى أنسنة القضية؟ وفقًا لرأي النجار، لا يزال البحث جاريا عن الإجابة.

مقالات ذات صلة

القصة الصحفية في غزة.. من يهتم؟

أثناء سرده لتفاصيل القصّة، حرص عباس على ذكر كلّ ما من شأنه أن يحرك مشاعر القراء إزاء قضية الأطفال -ضحايا رصاص الاحتلال- في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 12 عاما.

Mohammad Abu Don
محمد أبو دون نشرت في: 19 مايو, 2019
الإعلام الإنساني وسط ضجيج الحروب

من أهم القيم الخبرية (News Values) هي قيمة البعد الإنساني (Human Interests) حسب رأيي، لأن لها تأثيراً مباشراً

محمد ولد إمام نشرت في: 29 سبتمبر, 2019

المزيد من المقالات

عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
حسابات وهمية بأقنعة عربية.. "جيش إلكتروني منظم"

أُغرقت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف الحسابات الوهمية التي تزعم أنها تنتمي إلى بلدان العربية: تثير النعرات، وتلعب على وتر الصراعات، وتؤسس لحوارات وهمية حول قضايا جدلية. الزميلة لندا، تتبعت عشرات الحسابات، لتكشف عن نمط متكرر غايته خلق رأي عام وهمي بشأن دعم فئات من العرب لإسرائيل.

لندا شلش نشرت في: 6 أكتوبر, 2024
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 23 سبتمبر, 2024
"مأساة" الصحفي النازح في غزة

بينما تقترب حرب الإبادة الجماعية في فلسطين من سنتها الأولى، ما يزال الصحفيون في غزة يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم ويحمي عائلاتهم. يوثق الصحفي أحمد الأغا في هذا التقرير رحلة النزوح/ الموت التي يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب.

أحمد الأغا نشرت في: 22 سبتمبر, 2024
من الصحافة إلى الفلاحة أو "البطالة القسرية" للصحفيين السودانيين

كيف دفعت الحرب الدائرة في السودان العشرات من الصحفيين إلى تغيير مهنهم بحثا عن حياة كريمة؟ الزميل محمد شعراوي يسرد في هذا المقال رحلة صحفيين اضطرتهم ظروف الحرب إلى العمل في الفلاحة وبيع الخضروات ومهن أخرى.

شعراوي محمد نشرت في: 15 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
عمر الحاج.. "التحول" الصعب من العطلة إلى بؤرة الزلزال

قبل أن يضرب زلزال عنيف مناطق واسعة من المغرب، كان عمر الحاج مستمتعا بعطلته، ليجد نفسه فجأة متأرجحا بين واجبين: واجب العائلة وواجب المهنة، فاختار المهنة. في تغطيته لتداعيات الكارثة الطبيعية، التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، خرج بدروس كثيرة يختصرها في هذه اليوميات.

عمر الحاج نشرت في: 17 أغسطس, 2024
رفاق المهنة يروون اللحظات الأخيرة لاغتيال إسماعيل الغول

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا أمس (31 يوليو/ تموز)، مراسل الجزيرة في مدينة غزة إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وصحفيون آخرو

Mohammad Abu Don
محمد أبو دون نشرت في: 1 أغسطس, 2024
في الحرب على غزة.. كيف تحكي قصة إنسانية؟

بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، كيف يمكن أن يحكي الصحفيون القصص الإنسانية؟ وما القصص التي ينبغي التركيز عليها؟ وهل تؤدي التغطية اليومية والمستمرة لتطورات الحرب إلى "التطبيع مع الموت"؟

يوسف فارس نشرت في: 17 يوليو, 2024
الأمهات الصحفيات في غزة.. أن تعيش المحنة مرتين

أن تكون صحفيا، وصحفية على وجه التحديد تغطي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ومجردة من كل أشكال الحماية، يجعل ممارسة الصحافة أقرب إلى الاستحالة، وحين تكون الصحفية أُمًّا مسكونة بالخوف من فقدان الأبناء، يصير العمل من الميدان تضحية كبرى.

Amani Shninu
أماني شنينو نشرت في: 14 يوليو, 2024
بعد عام من الحرب.. عن محنة الصحفيات السودانيات

دخلت الحرب الداخلية في السودان عامها الثاني، بينما يواجه الصحفيون، والصحفيات خاصّةً، تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التضييق والتهديد المستمر، وفرض طوق على تغطية الانتهاكات ضد النساء.

أميرة صالح نشرت في: 6 يونيو, 2024
الصحفي الغزي وصراع "القلب والعقل"

يعيش في جوف الصحفي الفلسطيني الذي يعيش في غزة شخصان: الأول إنسان يريد أن يحافظ على حياته وحياة أسرته، والثاني صحفي يريد أن يحافظ على حياة السكان متمسكا بالحقيقة والميدان. بين هذين الحدين، أو ما تصفه الصحفية مرام حميد، بصراع القلب والعقل، يواصل الصحفي الفلسطيني تصدير رواية أراد لها الاحتلال أن تبقى بعيدة "عن الكاميرا".

Maram
مرام حميد نشرت في: 2 يونيو, 2024
فلسطين وأثر الجزيرة

قرر الاحتلال الإسرائيلي إغلاق مكتب الجزيرة في القدس لإسكات "الرواية الأخرى"، لكن اسم القناة أصبح مرادفا للبحث عن الحقيقة في زمن الانحياز الكامل لإسرائيل. تشرح الباحثة حياة الحريري في هذا المقال، "أثر" الجزيرة والتوازن الذي أحدثته أثناء الحرب المستمرة على فلسطين.

حياة الحريري نشرت في: 29 مايو, 2024
"إننا نطرق جدار الخزان"

تجربة سمية أبو عيطة في تغطية حرب الإبادة الجماعية في غزة فريدة ومختلفة. يوم السابع من أكتوبر ستطلب من إدارة مؤسستها بإسطنبول الالتحاق بغزة. حدس الصحفية وزاد التجارب السابقة، قاداها إلى معبر رفح ثم إلى غزة لتجد نفسها مع مئات الصحفيين الفلسطينيين "يدقون جدار الخزان".

سمية أبو عيطة نشرت في: 26 مايو, 2024
في تغطية الحرب على غزة.. صحفية وأُمًّا ونازحة

كيف يمكن أن تكوني أما وصحفية ونازحة وزوجة لصحفي في نفس الوقت؟ ما الذي يهم أكثر: توفير الغذاء للولد الجائع أم توفير تغطية مهنية عن حرب الإبادة الجماعية؟ الصحفية مرح الوادية تروي قصتها مع الطفل، النزوح، الهواجس النفسية، والصراع المستمر لإيجاد مكان آمن في قطاع غير آمن.

مرح الوادية نشرت في: 20 مايو, 2024
كيف أصبحت "خبرا" في سجون الاحتلال؟

عادة ما يحذر الصحفيون الذين يغطون الحروب والصراعات من أن يصبحوا هم "الخبر"، لكن في فلسطين انهارت كل إجراءات السلامة، ليجد الصحفي ضياء كحلوت نفسه معتقلا في سجون الاحتلال يواجه التعذيب بتهمة واضحة: ممارسة الصحافة.

ضياء الكحلوت نشرت في: 15 مايو, 2024
"ما زلنا على قيد التغطية"

أصبحت فكرة استهداف الصحفيين من طرف الاحتلال متجاوزة، لينتقل إلى مرحلة قتل عائلاتهم وتخويفها. هشام زقوت، مراسل الجزيرة بغزة، يحكي عن تجربته في تغطية حرب الإبادة الجماعية والبحث عن التوازن الصعب بين حق العائلة وواجب المهنة.

هشام زقوت نشرت في: 12 مايو, 2024
آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة

كيف استخدم الإعلام البريطاني السائد إستراتيجيات التأطير لتكوين الرأي العام بشأن مجريات الحرب على غزّة وما الذي يكشفه تقرير مركز الرقابة على الإعلام عن تبعات ذلك وتأثيره على شكل الرواية؟

مجلة الصحافة نشرت في: 19 مارس, 2024
دعم الحقيقة أو محاباة الإدارة.. الصحفيون العرب في الغرب والحرب على غزة

يعيش الصحفيون العرب الذين يعملون في غرف الأخبار الغربية "تناقضات" فرضتها حرب الاحتلال على غزة. اختار جزء منهم الانحياز إلى الحقيقة مهما كانت الضريبة ولو وصلت إلى الطرد، بينما اختار آخرون الانصهار مع "السردية الإسرائيلية" خوفا من الإدارة.

مجلة الصحافة نشرت في: 29 فبراير, 2024
يوميات صحفي فلسطيني تحت النار

فيم يفكر صحفي فلسطيني ينجو يوميا من غارات الاحتلال: في إيصال الصورة إلى العالم أم في مصير عائلته؟ وماذا حين يفقد أفراد عائلته: هل يواصل التغطية أم يتوقف؟ وكيف يشتغل في ظل انقطاع وسائل الاتصال واستحالة الوصول إلى المصادر؟

محمد أبو قمر  نشرت في: 3 ديسمبر, 2023
كيف يمكن لتدقيق المعلومات أن يكون سلاحًا ضد الرواية الإسرائيلية؟

في السابق كان من السهل على الاحتلال الإسرائيلي "اختطاف الرواية الأولى" وتصديرها إلى وسائل الإعلام العالمية المنحازة، لكن حرب غزة بينت أهمية عمل مدققي المعلومات الذين كشفوا زيف سردية قتل الأطفال وذبح المدنيين. في عصر مدققي المعلومات، هل انتهت صلاحية "الأكاذيب السياسية الكبرى"؟

حسام الوكيل نشرت في: 17 نوفمبر, 2023
انحياز صارخ لإسرائيل.. إعلام ألمانيا يسقط في امتحان المهنية مجدداً

بينما تعيش وسائل الإعلام الألمانية الداعمة تقليدياً لإسرائيل حالة من الهستيريا، ومنها صحيفة "بيلد" التي بلغت بها درجة التضليل على المتظاهرين الداعمين لفلسطين، واتهامهم برفع شعار "اقصفوا إسرائيل"، بينما كان الشعار الأصلي هو "ألمانيا تمول.. وإسرائيل تقصف". وتصف الصحيفة شعارات عادية كـ "فلسطين حرة" بشعارات الكراهية.

مجلة الصحافة نشرت في: 15 نوفمبر, 2023
استخدام الأرقام في تغطية الحروب.. الإنسان أولاً

كيف نستعرض أرقام الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي دون طمس هوياتهم وقصصهم؟ هل إحصاء الضحايا في التغطية الإعلامية يمكن أن يؤدي إلى "السأم من التعاطف"؟ وكيف نستخدم الأرقام والبيانات لإبقاء الجمهور مرتبطا بالتغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟

أروى الكعلي نشرت في: 14 نوفمبر, 2023
الصحافة ومعركة القانون الدولي لمواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي

من وظائف الصحافة رصد الانتهاكات أثناء الأزمات والحروب، والمساهمة في فضح المتورطين في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، ولأن الجرائم في القانون الدولي لا تتقادم، فإن وسائل الإعلام، وهي تغطي حرب إسرائيل على فلسطين، ينبغي أن توظف أدوات القانون الدولي لتقويض الرواية الإسرائيلية القائمة على "الدفاع عن النفس".

نهلا المومني نشرت في: 8 نوفمبر, 2023