"عندما كان وزير الدولة الأول في حكومة التناوب، عبد الرحمن اليوسفي، يعقد اجتماعاً لوزرائه الرجال فقط؛ كان يبدأ حديثه بـ"سيداتي سادتي"، لقد كنتُ المرأة الوحيدة التي أقف بينهم وألتقط الصور الخاصة باليوسفي"
رُبّما لم تسبقها فتاة أخرى إلى مرتبة المصورة الصحفية الأولى بالمغرب، لقد تركت زوليخة أسبدون دراسة القانون وذهبت لتتعلّم التصوير الفوتوغرافي على يد أحد المنتمين لحزب "الاتحاد الاشتراكي" المغربي عام 1997، وحصلت على وظيفتها رسمياً عندما انسحب زميلها من المنافسة عام 1998.
ظلّت أسبدون طوال عشرين عاماً منذ أن بحثت جريدة "الاتحاد الاشتراكي" عن فتيات للعمل كصحفيات مصورات وهي تحمل الكاميرا كطير. لم تبادر الصحف حينها بمثل هذا، ولم تكن أسبدون ابنة الميدان العادي، فقد أصبحت المصورة الخاصة بوزير الدولة الأول عبد الرحمن اليوسفي في حكومة التناوب المغربية (1998-2002).
على عهدها، عهد التسعينيات، لم تكن أدوار المرأة الصحفية بارزة في التصوير أو الإخراج أو الإنتاج، تقول أسبدون لمجلة "الصحافة": "التقيت وقتها بامرأتين تعملان وراء الكاميرا في القناة الأولى والثانية (2M) فقط".
عاصرت أسبدون تصوير الـ"نيجاتيف" وانتقلت لاحقاً لـ"ديجيتال"، تقول عن حُقبتها: "لم أعرف التصوير من قبل، لكن انطلاقتي بصعود اليوسفي لمنصب وزير أول حيث وثقت أنشطته الوزارية جعلتها مميزة وموضع حسد من الزملاء الذكور. كان اليوسفيّ رجلاً حقوقيّاً ويقدر مكانة المرأة في المجتمع". تحتفظ أسبدون الآن بأرشيف خاص يمكن إضافته للأرشيف السياسي المغربي.
كاميرات مكسّرة في الميدان
بعيداً عن الحياة البرلمانية، لم تمر تجربة مصورة اليوسفي في الميدان بسلام، لقد اصطدمت بقوات الأمن والشرطة ببعض التغطيات أدت إلى كسر كاميرتها أربع مرات وإصابتها كمصورة برضوض.
على صعيد آخر، يختلف وعي الناس بمهمة الكاميرا حسب المناطق بالمغرب، المناطق المحافظة قد تواجه الكاميرا بخوف ورود فعل غير محببة للصحفية المصوّرة، قد تعرضها للشتم أو الإسقاطات غير المبررة، خاصة إن كانت صحفية محجبة بغض النظر عن جنسيتها، كمحاججتهم: "أنتِ مسلمة مثلنا، لماذا تصورينا؟"، كذلك قد يتحول الأمر إلى كارثة إذا لم تحصل الصحفية على إذن بالتصوير لمجموعة من النساء أمامها، وقد يتعذرن بنشر صورهن على "الإنترنت" مما قد يسبب مشاكل مع أزواجهنّ أو عائلاتهنّ.
تقول أسبدون "يعي الناس في مدن الرباط والدار البيضاء العمل الصحفيّ، نأخذ بطاقاتنا المهنية إلى الميدان، الأهمّ الالتزام بأخلاقيات المهنة، ويحق للناس أن لا نلتقط لهم الصور ولا نخدش حياءهم أو نسبب لهم الأذى"، تضيف "للصورة أدبيات، ومصورون كُثر لا يعرفن حقوق وثقافة الصورة بعيداً عن ساحة البرلمان التي وجدنها بيئة سهلة للتصوير، وقد تميعت الأخيرة بسبب منافسة صورة الهاتف المحمول والتحايل على وظيفة المصور الصحفي". بيد أن هذا التميع لم يمنع أسبدون من الانتصار لصورة الكاميرا التي تظلّ "أرشيفا وتاريخا"، أما صورة الهاتف المحمول فـ"تختفي ولا أثر لها" وفق تعبيرها.
الكاميرا تحتاج للصوت المرتفع
تتمسك أسبدون بثقافة كوّنتها على مدى عشرين عاماً أو يزيد "عدم بيع الصور"، وهي تحتفظ بأرشيف كبير من "البورتريهات" لشخصيات عامة، ولم تخرج عن مسارها في تصوير السياسيين، تقول: "أرتاح في مساري وحافظت عليه رغم نزوعي قليلاً إلى تصوير الممثلات أو العارضات، لكنّ الكاميرا ترينا أبعد من ذلك كلّما ذهبنا لمناطق مهمشة بالمغرب، هكذا يحصل التنوع بالصورة والوجوه والمواضيع".
تجد أسبدون أن المغرب تطور حالياً في مجال التصوير الصحفي، على الصحفيات الصغيرات وفق نصيحتها أن يكنّ شجاعات ومبادرات، وتنصحهنّ: "كوني قوية حتى تحصلي على الصورة" حتى يواجهن أيضاً "احتقار واحتكار" المصورين الذكور، وعليهنّ "رفع أصواتهنّ عند اللزوم".
يُدرّس التصوير الصحفي حالياً ثلاثة معاهد خاصة موزعة بين الرباط وكازابلانكا إضافة إلى "المعهد العالي للإعلام"، تخرجت لمياء عقيرة من الأخير وتعمل حالياً في قناة "Tele Maroc"، ولا توجد إحصائيات دقيقة حول مراكز أو نسبة المصورات الصحفيات المغربيات.
توجهت عقيرة للتصوير لأنها تحبّ "رواية القصص المرئية"، وكان شغفها الأول يتعلق بالأفلام الوثائقية التي "ما زالت تعاني بالمغرب" وفق حديثها لـ"مجلة الصحافة".
انخراطها بالمؤسسات الإعلامية يعني أن تنفذ الأوامر التحريرية، لكنّ ذلك "لم يمنعها من العمل على مواضيع تُحبّها كالالتحاق بمجموعات شبابية هوايتها تسلق الجبال وتوثيق الرحلات الطبيعية بالصور".
لم تواجه عقيرة صعوبات في مواقع التصوير، فالعمل بالمؤسسات الإعلامية يُسهل الحصول على رُخص تمكّن الصحفي من العمل بيسر.. "يحضر المسؤولون والشرطة للتأكد من تراخيصنا عند التصوير بالأماكن العامة". كذلك تنفي أنها تعرضت للمضايقة أو الشتم ولكن "المسؤولين يتعاملون بطريقة فظّة نوعاً ما"، فضلاً عن "حذر الناس مع الكاميرا لأنهم غير معتادين على الإعلام الذي قد يستغلهم للوصول إلى هدف ما، لذلك يجب أن نتعامل بمهنية والحصول على إذنهم قبل التصوير".
التصوير بطنجة: ضربة حظّ
وترجح عقيرة ندرة وجود الصحفيات المصورات في المغرب إلى "طريقة التفكير التي يتعامل بها الجنسين"، تقول: "اعتاد الناس على أن يأخذ الرجل المنصب الذي يريد، أمّا المرأة فلا يتوقعون أن تكون ذكية أو متعلمة بشكل جيد وقد يقللون من شأنها".
توافقها حنان أورزي، الصحفية المصورة بمدينة طنجة. عندما درست التصوير بمعهد خاص بمدينة الدار البيضاء كان الأساتذة يؤثرون على اهتمامات طلابهم، كأن يوجهوا الفتيات نحو الكتابة والميادين "غير الذكورية" بحجة أن مجال التصوير قد تكثر فيه المشاكل، لكنّ أوزري أكملت تعليمها وفق ما تطمح إليه، وواجهت منافسة خفية على حمل الكاميرا.. "عندما تدربتُ ببعض الإذاعات، كانت الكاميرات تزن 17 كلغ، كانت حجة سهلة للزملاء الذكور أن يبعدوننا نحو كتابة السيناريو أو التقرير وهم يتزعمون مسؤولية الكاميرا، منذ متى كانت وظيفة بمسمى "Camerawoman"؟ لقد اقترنت الكاميرا بالرجل،على الدوام، وانتشرت بعدها الصور النمطية".
اشتبكت أوزري مع الميدان جيداً، فقد تطوعت لتغطية حراك "20 فبراير" بكاميرتها بعد أن انتقلت إلى طنجة للعمل على فيلم حول أطفال الشوارع أنتجته جمعية إسبانية، واستقرت وعملت بمناطق مهمشة وصعبة بالمدينة، في أول مهماتها الميدانية في حي "بني مكادة" تعرضت للرشق بالحجارة من قبل الأطفال، حمت الكاميرا ولم تحمِ نفسها حينها.. "لا يتقبل الناس عمل الفتاة المصورة خاصة إذا كانت تنتمي لمدينة أخرى وترتدي لباساً مغايراً. لقد تعرضت للرشق وسرقة الكاميرا مرتين، لكن الصعوبات خفّت الآن، أصبح لديّ شبكة أصدقاء يحاولون حمايتي، إلّا أنّني ما زلت استغرب وعي الناس حيث يعتقدون أن كلّ كاميرا كبيرة تعود لقناة "دوزيم""، تردف: " لم يفرض الإعلام الجديد نفسه بعد".
مخاوف العامة من الكاميرا تعود لأسباب ثقافية واجتماعية بالمغرب، تقول أوزري: "اعتاد الناس في مدينتي الرباط وكازابلانكا على الكاميرا العادية، أصبحوا يخافون من كاميرا الهاتف المحمول، بقدر ما هي إيجابية إلّا أنها سلبية بمواقف عدة، كذلك أساءت المواقع الإخبارية والصحفيين غير المهنيين للصورة، أغلبهم يتعاملون بأنانية"، تضيف: "من جانب آخر يتقبل الناس بسهولة تصوير الصحفي الأجنبي أو السائح، لكنني كصحفية مغربية أحتاج لثلاثة أيام تقريباً للتمهيد لعمل تقرير مُصوّر، قد يُصاب الناس بالصدمة عندما تقابلينهم وأنتِ تحملين الكاميرا في المرة الأولى. التصوير بطنجة ضربة حظ، ونحتاج هنا إلى الصبر".
تحاول أوزري الحفاظ على علاقة متوازنة بعيدة عن المنافسة مع زملائها الذكور في الميدان، تقول: "أصنع اسمي من خلال التقاط الجوانب الثقافية للمدينة، هنا أترك بصمتي الخاصة وأجد تميزي، وهذا لا يعني أن أبخل بتقديم المساعدة أو الصور لمن يحتاجها من الزملاء.
ميسا لا تعمل بدون ترخيص
بيارتس ميسا الصحفية الإسبانية في موقع "Cope.es" تستخدم الفيديو في معظم تغطياتها الإخبارية، لا تستطيع ميسا العمل بدون ترخيص داخل المغرب، تقول: "مهنياً، المغرب بلد صعب لأنه غير ديمقراطي بشكل كامل، فحرية الصحافة والتعبير مضطهدة، أشعر بعدم الأمان من طرف السلطات على عكس المواطنين، لا يمكنني التحدث بحرية كما يجب، كذلك لا توجد علاقات جيدة بين الصحفي والسلطة/ النظام.. أسلط الضوء على القضايا الإنسانية كالنساء والمهاجرين، إضافة للسياسة والاقتصاد وبدون تراخيص وزارة الاتصال قد يضع الصحفي موضع سؤال وقد يُطرد من البلاد".