عندما التحقت بمقاعد الدراسة في الجامعة، كان أول سؤال طرحه أحد المدرسين: لماذا تريدون أن تصبحوا صحفيين؟
كانت أغلب الأجوبة توحي بحب الطلاب للكتابة والتعبير عن الرأي، وتشير إلى عمق في فهم المعنى الجوهري للصحافة وهو إخبار الناس بالأخبار والقصص التي لا يعرفونها بطريقة مهنية إبداعية جذابة.
لكن مع مرور الوقت، وبعد أن يتجه الطالب أو الصحفي إلى التخصص أكثر -إذا ما اعتبرنا أن الكتابة أساس- فهل يحافظ على ملكة الكتابة، هل يكتب فعلاً؟
كثيرا ما نظن أن الفيديو أو الصوت هو العنصر الأساسي في التلفزيون أو الراديو، لأنك ترى الفيديو وتسمع الصوت، ولكن في الواقع، إنها الكتابة التي تشكل القصة التي يرويها المذيع أو المراسل، الكلمات هي قلب الخبر والقصة.
ومن هذا المنطلق، عليك ببساطة أن تقول ما تعنيه. في التلفزيون، الكلمات تدعم المشهد. في الراديو، الكلمات يمكن أن ترسم الصور. في مواقع الإنترنت، الكلمات هي محرك البحث الأساسي.
في النهاية هناك غرض واحد، أن تحمل الناس على قراءة القصة أو الاستماع إليها أو مشاهدتها.. إذا لم يفعلوا ذلك، فما الهدف من نشرها وبثها؟ وهنا يجب التوجه إلى السؤال الأكثر أهمية: هل تمت معالجة القصة بشكل سليم؟
لمعرفة ذلك، يجب أن نعي أولاً أن قراءة الكتاب مختلفة تماما عن القراءة للصحافة. فعلى سبيل المثال: ستتغاضى عن كلمة لم تفهمها أثناء قراءتك الرواية وتكمل ومن غير المتوقع أن تستثمر جهدا في هذا المسعى، لكن كلمة أو جملة واحدة غير واضحة في القصة الصحفية ستؤدي إلى ارتباك القارئ وسيعني هذا بالنهاية التخلي عن القصة تماما.
ولذلك يقول الصحفي والكاتب الإنجليزي الشهير، الراحل نيكولاس تومالين "الصفات والسمات المطلوبة للنجاح الحقيقي في الصحافة، هي البراعة المبدعة والأسلوب المعقول، وقليل من القدرة الأدبية".
لكن أين المشكلة وما هو التحدي؟
الأجيال الصحفية الجديدة تنغمس كلياً في صحافة الوسائط المتعددة التي رفعت وسائل التواصل الاجتماعي من وتيرة استخدامها فأصبحوا مشاركين نشطين فعلياً ويقدمون أعمالهم ومشاريعهم عبر الإنترنت وأحيانا حتّى بدون كتابة نص واحد مكتمل أو تغريدة مبدعة، ما يمكن أن يعتبر خيبة أمل كبرى تقتل الصحفي في مهده.
المشكلة تبدأ عندما يتم تدريب الصحفيين لكي يكونوا منتجي "ملتميديا" لا ليُصبحوا "كُتاباً"، ما يعني فقدان القاعدة الأساسية ونسفا لجهود سنوات من التعليم في الجامعات العربية التي لا توفر في الغالب التدريب على تلك التقنيات، بل تعطي دروسا نظرية في الكتابة والتحرير.
ولذلك فقد تغيرت المنظومة الطبيعية التي يبدأ فيها الصحفي بالتعلم على كيفية كتابة الخبر والتقرير وأصبح مبتغاه الأول هو الظهور كمذيع أو مراسل، ومع تحقيق ذلك، فالهشاشة في التعبير وأخطاء اللغة تبدأ بالظهور أثناء المداخلات والتغطيات الميدانية مع الافتقار إلى حصيلة لغوية متينة.
يقول أحد صحفيي التلفزيون من فلسطين لـ"مجلة الصحافة": "هناك بعض الزملاء الذين تجاوز عملهم خمس سنوات كمراسلين لقنوات فضائية عربية يستعينون بي وبآخرين عند كتابة تقاريرهم. هم فعلاً قفزوا من الجامعة إلى التلفزيون ولم يتعلموا كتابة الخبر الصحفي أو حتى آلية البحث عن المعلومات وليس لهم دراية بكيفية التأكد من مصادر الأخبار".
ويتابع هذا المراسل التلفزيوني طالبا عدم التصريح باسمه "أفضل صحفيي التلفزيون على الإطلاق هم من تدرجوا في العمل الصحفي وبدأوا من الخبر والصحيفة.. أما من يعانون أثناء كتابة تقاريرهم التلفزيونية، فلا تتجاوز خبرتهم صوتهم النقي أثناء قراءة التقرير مستعينين بآخرين في اختيار الكلمات والتحرير".
كذلك فإن برقيات الراديو ونشراته الإخبارية وقصصه هي عناصر رئيسية للمحطات الإذاعية، يمكن أن تكون حية أو مسجلة تبث من الميدان أو الأستوديو وتشكلها الكلمات التي تحتاج أن تكون واضحة قدر الإمكان.
أنت لا تسمع سوى الصوت، والتأثيرات الموسيقية لن تجدي نفعاً مع المتلقي الذكي إذا كانت الرسالة مشوشة. بعد أن تنتهي من كتابة رسالتك، فكر لبضع ثوان: ما هذه القصة في خمس كلمات، وهل تم تغطية جوانبها فعلاً؟.
لكن كيف تبدأ الكتابة الأولية؟
- الزاوية:
قصة الأخبار دون زاوية هي كالبيتزا دون الجبن. حاول أكلها دون الجبن ستشعر أنها فقط قطعة من الخبز. عندما تريد أن تتعلم كيفية الكتابة كصحفي، فإن أول شيء يجب عليك أن تدرسه هو كيفية تحديد الزوايا، والتي هي في الواقع جوهر الموضوع والسبب الذي يدفعك لكي تكتب مقالة أو تقرير ما.
- المقدمة:
هي فقرتك الأولى أو الأولى والثانية من القصة، ففي حين أن الزاوية تحدد من خلالها ماذا ستكتب، فالمقدمة هي المرحلة الثانية التي تضعك في مدخل الموضوع وجوهره وتوظفه في كلمات وجمل وفقرات. تجيب على أسئلة من قبيل: من ومتى وأين ولماذا وكيف في سبيل دفع القارئ لمعرفة القصة قبل أن يبدأ الشعور بالملل.
- الاقتباس:
أغلب الأخبار والقصص تحتوي على نوع من الاقتباس، فهو يؤنس القصة ويعطيها مزيدا من القوة. أفضل أنواع الاقتباس تلك التي تدعم ما تكتبه في المقدمة. يجب أن يحتوي الاقتباس على الاسم والتوصيف الخاص بالشخص. قد لا تجتوي المقالات على اقتباسات لكنها قد تفقد بعض المثالية.
في المحصلة، لكي تصبح كاتبا بشكل أفضل، فعليك القراءة أكثر والتعرف على مصادر الأخبار، والانتباه إلى بنية التقرير أو القصة وتطوير أسلوب الكتابة بذات السرعة والمهارة التي تتقدم فيها ثورة التكنولوجيا، ذلك أن الاعتماد على التقنيات فقط يحدث خللا في بنية المادة الصحفية ويربكها.