تتوالى الأحداث بلا توقف، وتتوالى معها التغطيات الإخبارية، ويقف الصحفي حائرا أمام الأحداث المتكررة، وينصب تفكيره على كيفية تنويع تغطيته وتجاوز حالة "النمطية والتقليدية" في كتابته. في الجزء الأول من المقال (1) سلطت الأضواء على كيفية إنجاز تغطية إخبارية منوعة ومشوقة لأحداث متكررة، من خلال الاتجاهات الحديثة في التغطية الإخبارية والأساليب التجديدية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة عبر التغطية التفاعلية و"أنسنة" الأحداث، إضافة إلى القصص الإخبارية المبنية على تفاعلات الجمهور.
وفي الجزء الثاني والأخير نستكمل أساليب التغطية "التجديدية" المتنوعة لتلك الأحداث.
استكشف الحدث من خلال أشخاصه
عندما ترغب بالخروج من نمطية التغطية لحدث متكرر، ابتعد عن المعلومات المكررة واقترب أكثر من الشخصيات المرتبطة بالحدث. توجه إلى شخصية أو أكثر لهم علاقة وطيدة بالحدث لإجراء حوار معمق حول الحدث من خلال تداعياته على الشخصية ومحيطها (حديث يجمع بين جانبين: الإخباري والشخصي). ففي حالة الأخبار المتكررة المتعلقة باللاجئين السوريين في أوروبا مثلاً؛ يمكن للصحفي إجراء حوار مع لاجئ مسن أو طفل أو ربة بيت للتعرف إلى تفاصيل حياتها الجديدة وكيف تغيرت بعد رحلة اللجوء القسري ومحاولات التكيف والاندماج مع المجتمع والثقافة الجديدة وأبرز المواقف المختلفة التي يمرون بها.
في إحدى اعتصامات أهالي الأسرى الفلسطينيين –وهو نموذج أشرنا إليه في الجزء الأول– كان أحد محاور التغطية الصحفية مقابلة شخصية مع إبنة أحد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي ألقت كلمة الأهالي يومها واندفع الصحفي باتجاهها لمحاورتها ليكتشف الكثير من المعلومات والجوانب الإنسانية غير المرئية للجمهور عن حياة أهالي الأسرى وخاصة أطفالهم، مع تدعيم المقابلة بخلفيات معلوماتية عن الحدث، وبذا يتحول الحدث المتكرر التقليدي إلى مادة صحفية متميزة.
"هذه قصتي"..
في الإنتاج التلفزيوني يمكن تقديم نفس منهجية التغطية التي تركز على الأشخاص المرتبطين بالحدث المتكرر، حيث تتحول قصة الشخص إلى النقطة الرئيسية للتغطية بينما تصبح خلفية الحدث ثانوية. والجمهور شغوف جدا بالقصص الإنسانية خاصة المرئية؛ لأنها أقرب إلى التفاعل والفهم والتبسيط، ومن هنا نجد أن الصحفي قد تمكن من تسليط الضوء على الحدث بطريقة غير مباشرة من خلال الشخص الذي حاوره، ويمكن أن تمثل قصة نجاح له في جانب من حياته.
ومن بين النماذج البارزة التي يمكن الاستدلال بها في هذا الإطار برنامج "هذه قصتي" عبر قناة الجزيرة الفضائية، حيث يعرض البرنامج قصصا إنسانيا خفيفة (تتراوح ما بين 1:30 – 3 دقائق فقط) حول أشخاص تعكس من خلالها أحداثا مختلفة بعدسة الكاميرا، وبصورة مؤثرة شبه درامية، ولو عدنا إلى أرشيف البرنامج لوجدنا العديد من حلقاته تتناول موضوع اللاجئين من زوايا مختلفة أو تسلط الأضواء على قضية حصار غزة من زوايا التحدي والإبداع وغير ذلك.
استطلاعات بطريقة "النوافذ"
جمهور وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية لا يحتمل أن يقرأ مواد صحفية مطولة عن حدث متكرر، لأنه يضع في مخيلته أن الخبر لن يقدم له جديدا طالما تم إنتاجه بنفس الصيغة المعتادة، لذا يمكن أن تلجأ في بعض الأحيان عند إجراء تغطية إخبارية لحدث متكرر إلى إجراء استطلاع رأي ميداني لأشخاص مرتبطين به على أن يتم تقديم الموضوع بصورة جديدة. وتكمن الصورة الجديدة هنا في عرض الآراء بما يمكن تسميته مجازا "طريقة النوافذ"، بحيث يتم عرض الآراء منفردة لكل شخص مع اسمه ومهنته أو علاقته بالحدث وتلخيص كلامه بصورة مبسطة وواضحة وموجزة، مع الحرص على عدم تكرار نفس المعلومات وتنويع الآراء إذا كان الموضوع يتعلق برصد اتجاهات الجمهور لقضية أو مشكلة معينة. قد تواجه الصحفيون في الصحف الإلكترونية مشكلة الإخراج الفني حيث يستلزم ذلك إخراج الموضوع بشكل خاص به يشبه النوافذ، ويمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال الطلب من المبرمجين المختصين بتجهيز صفحة معدة لهذا الغرض.
وقلما يتم تطبيق هذا الفن بصورته المتكاملة في الصحف المطبوعة، ويمكن أن تجد نموذجا مشابها لفكرته وإخراجه في صحيفة "الحال" الصادرة عن مركز تطوير الإعلام بجامعة بيرزيت، أو في بعض المجلات أكثر منها في الصحف.
صورة قلمية للحدث..
هذه المرة قرر الصحفي المكلف بالتغطية عدم كتابة تقرير أو خبر أو إجراء حوار شخصية للحدث المتكرر، فقد ارتأى أن يعبر عنه بطريقة غير مألوفة تعرف باسم "الصورة القلمية" وهي تندرج في إطار فن المقال أكثر من كونها تقريرا صحفيا. والمقصود بالصورة القلمية أن يعبر الصحفي بقلمه عن الحدث الذي عاينه وشاهد تفاصيله دون الحاجة إلى إجراء مقابلات خاصة، مع الاستفادة من بعض الاقتباسات أو الجمل التي سجلها خلال تغطيته ومتابعته.
وبالعودة إلى المثال السابق الخاص بتغطية الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى الفلسطينيين؛ فإن الصحفي يتابع بعدسته الخاصة "عينيه" الحدث من جوانبه المختلفة ويسجل تفاصيل المشهد ويكتب ما تتناقله الألسن من هنا وهناك مع رسم صورة للأشخاص من زوجات وأمهات وأطفال الأسرى والحالة التفاعلية أو الدرامية التي يتواجدون ويشاركون بها والتقاطعات بين المشاهد وغير ذلك، ثم يقدم مقالته بقالب وصفي تصويري درامي. ويبتعد الكثير من الصحفيين عن كتابة هذا النوع من الفنون الصحفية لدقة الوصف التي يتطلبها والمهنية العالية في رسم الصورة والمشهد بالكلمات المعبرة مع الحرص على التسلسل والترابط الذي يجعل من الصورة القلمية ما يشبه "السيمفونية".
قصصاً لا أرقاماً...
من الأساليب التي يمكن أن تقتل تغطيتك لحدث ما التركيز على الأرقام والإحصاءات، والتعامل معها بصورة مجردة بعيدا عن قصص أصحابها وظروف حياتهم وتفاصيل معاناتهم وآمالهم وآلامهم وغير ذلك.
هنا يمكن للصحفي أن يسجل قفزات كبيرة من خلال تغطيته المعتمدة على القصة الصحفية أو الفنون المشابهة لها، من زاوية تناول الحدث من خلال قصة رئيسية لشخص أو شخصين أو ثلاثة على أكثر تقدير تربطهم علاقة وطيدة بالحدث من زوايا متعددة. والقصة الصحفية تعكس في جوهرها قضية أو مشكلة أو موضوع يهم عددا من الناس، بحيث تكون القصة واجهة الموضوع التي تتصدر التغطية الإخبارية مع تدعيمها بالمعلومات والخلفيات اللازمة بدون إفراط.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان – مؤسسة حقوقية وليست إعلامية – استفاد من هذه المنهجية ووظفها في مشروع يتناول حصار غزة بأبعاده وتداعياته المختلفة على حياة المواطنين، حيث أنتج سلسلة حلقات موجهة للغرب تحكي قصة الحصار من خلال قصص المتضررين وأحلامهم وتطلعاتهم، ليتحول المشروع إلى منصة إعلامية بصرية متميزة عن حصار غزة. وبنفس الطريقة لو انتهجنا هذا الأسلوب في التغطية لوسائل الإعلام المختلفة لوجدنا أن الإنتاج سيكون مغايرا للإنتاج التقليدي، فتكرار الأرقام المتعلقة بقضية الأسرى الفلسطينيين بصورة مجردة لا يفيد، لكن تقديمها بصورة جديدة من خلال القصة الصحفية يبث فيها الحياة.
ونجد أن التقارير الإنشائية والمحشوة بالمعلومات الغزيرة لا تلقى الاهتمام الكافي من الجمهور مقارنة بالتقارير التي تحوى قصصا إخبارية وإنسانية عن الأسرى أو اللاجئين أو مختلف الموضوعات.
نصائح للصحفيين "المجدّدين"
وأخيرا أقدم بعض النصائح والتوجيهات التي من شأنها أن تفيد الصحفيين في تغطياتهم للأحداث المتكررة، وتعينهم على تجديد أسلوبهم وتغيير أنماط تغطياتهم الإخبارية، والتخلص من عقدة التكرار الممل.
-
احرص على التنويع في أدوات التغطية الإخبارية المستخدمة، واستفد جيدا من الوسائط المتعددة والتكنولوجيا الحديثة.
-
اصنع لنفسك أسلوبا يتوافق مع طبيعة الفن الصحفي والقالب والموقف والموضوع الذي أنت بصدد تغطيته.
-
لا تكرر سيناريوهاتك يوميا بنفس الصورة والطريقة والمضمون.
-
لا تتعامل مع الضحايا كأرقام مجردة لأن هذا الأسلوب يقتل القيمة الحقيقية للحدث.
-
ابحث عن القصة وراء كل ضحية أو متضرر أو إنسان له علاقة بموضوع تغطيتك ما تسنى لك ذلك.
-
أنسنة الحدث طريقك إلى جعله أقرب إلى إحداث التأثير في عقول وقلوب الجمهور.
-
إحرص دائما على تقديم محتوى أفضل، لأنه الأساس في أية مادة صحفية متميزة ومؤثرة، وفقا للقاعدة الراسخة "المحتوى هو الملك".
-
استخدم منهجية الربط والتحليل بين المواقف والتصريحات والاشياء التي ترصدها للخروج باستنتاجات جديدة.
-
الربط بين الأزمنة الخاصة بالحدث: الماضي والحاضر والمستقبل يفيدك في إثراء محتوى تغطيتك الإخبارية.
هامش
(1) http://training.aljazeera.net/ar/ajr/article/2016/06/160626094341816.html