دفع المناخ المهني والتشريعي الخاص بالصحافة في الأردن لانتقال العديد من العاملين في المؤسسات الصحفية المحلية؛ إلى العمل الصحفي الحرّ مع جهات محليّة أو خارجيّة، دون الالتزام بعقد ثابت مع أيٍّ منها.
ويتجسّد هذا المناخ في محدودية فرص العمل في مجال الصحافة بالأردن، وشحّ المؤسسات الصحفيّة المستقلة، لا سيما في ظل رفض شريحة من الصحفيين العملَ في المؤسسات الصحفية الرسمية، بسبب ظروف العمل فيها وخطها التحريري الذي يتبنى الرواية الواحدة.
هكذا، يفضل الصحفيون مؤسساتٍ محلية ودولية تضمن لهم سقفا أعلى من الحرية وظروفا معيشية أفضل، غير أن هذا الأمر لا يخلو من تحديات.
"منتحلو صفة صحفي"
تعليمات قانون النقابة تُعرّف الصحفيَّ بأنه "عضو النقابة المسجّل في سجل الصحفيين الممارسين واتخذَ الصحافة مهنة له"، وتحظر على غير أعضاء النقابة ممارسة مهنة الصحافة. وبمثل ذلك تذكر المادة (2) من قانون المطبوعات والنشر أن الصحفيّ هو "عضو الصحافة المسجل في سجلها واتخذ الصحافة مهنة له وفق أحكام قانونها". وبهذا يصبح جزءٌ لا بأس به من الصحفيين في الأردن يمارسون مهنتهم بشكل غير قانوني، ويعتبرهم القانون "منتحِلي صفة صحفيّ"، وعلى رأسهم الصحفي المستقل.
وحددت النقابة في قانونها شرطًا يُلزم الصحفي بالتفرغ "لممارسة العمل الصحفي ممارسة فعلية، وبأن يكون عاملا في مؤسسة، وأن يكون له اشتراك في الضمان الاجتماعي عن طريق مؤسسته، وليس اشتراكًا فرديًّا يدفعه بنفسه. وبهذا تُرفض عضوية جميع الصحفيين المستقلين العاملين بنظام القطعة الذين ينطبق عليهم مسمى "الصحفي الحر" (Freelance journalist).
ويبرر عضو نقابة الصحفيين الأردنيين خالد القضاة هذه القوانين باعتبار أن العمل الصحفي المستقل غير مُطبّق في الأردن والمنطقة العربية بالصورة الصحيحة الموجودة في دول العالم المتقدم. فمصطلح "الفريلانس" يُساء استخدامه محليًّا، ويَفسحُ المجالَ أمام المؤسسات الصحفيّة لاستغلال خريجي الصحافة والإعلام مقابلَ أجور زهيدة، كما يُشجع على التحايل على قانون العمل باستخدام عقود شراء الخدمات وعقود العمل المؤقتة، ويتجاوز بشكلٍ صريح قانون النقابة في تعريفه للصحفي، على حد تعبيره.
ويرى القضاة في نفس السياق، أن غالبية الصحفيين المستقلين في الأردن هم كتّاب مقالات وليسوا صحفيين، ويعملون على موادّ في ظاهرها تصلح للنشر، لكنها لا تستجيب للمعايير الصحفية. وهذا -بحسبه- يُعطي النقابة الحق في عدم تمثيل الذين "يدّعون" العمل الصحفي المستقل أو الدفاع عنهم، "فالنقابة غير معنية بالدفاع إلا عن منتسبيها".
الصحفية شفاء القضاة -وهي صحفية مستقلة تعمل بنظام القطعة- تساءلت عن جدوى وجود نقابة لا تُمثل غالبية الصحفيين العاملين في الأردن، ولا تعترف بحقيقة أنّ الكثير من الصحفيين المستقلين أنجزوا تقارير موسّعة وتحقيقات تراعي جودة البناء الصحفي وكافّة المعايير الصحفية. وقالت في هذا الصدد: "إنْ كنّا غير صحفيين، فهل المنتسبُ للنقابة -بصرف النظر عن مهنيته ونوعية موادّه- صحفي؟ وإن كانت موادُّنا غير صحفية فما هي الصحافة التي تُريدها النقابة؛ صحافة الانحياز إلى الرواية الواحدة؟"، قبل أن تجيب: الأوْلى بالنقابة تعديل بنود قانونها الذي يُعقّد آلية انتساب خريجي الصحافة والإعلام بدلا من الخوف على استغلالهم من قبل المؤسسات الصحفية.
من جهته، يرى محمود الشرعان (صحفي مستقل) أن تعريف الصحفي في قانون نقابة الصحفيين هدفه الحفاظ على مكتسبات أعضائها فقط، وأن تنظيم العمل الصحفي يكون بتهيئة البيئة القانونية والوظيفية أمام العاملين في مجال الصحافة والإعلام، وهو ما لم تفعله النقابة "بسبب تعليمات وأنظمة موضوعة للحفاظ على مكتسبات شخصية"، بحسبه.
ويؤكد الصحفيّ المتخصص في قضايا حقوق الإنسان محمد شمّا الذي يتعاون مع الصحفيين بنظام "القطعة"، أن قانون النقابة يجب ألا يؤطّر مهنة الصحافة والعاملين فيها، مشيرًا إلى أن دور النقابة يُفترض أن يقتصر على التعبير والدفاع عن حقوق أعضائها، ولا علاقة له بتصنيف العاملين في المهنة الصحفيّة.
ويضيف شما أن تعريف النقابة يحُول دون ممارسة الصحفي عمله بمهنية، ويبقيه حذرًا طوال الوقت، ويمارس "الرقابة الذاتية" التي يتجنب معها الحديث عن أمور جدلية قد تسبب له الضرر من توقيف أو غرامات أو تضييق وتهديد.
بدوره، يقول المحامي المختص في قضايا الإعلام والمطبوعات والنشر خالد خليفات، إن تعليمات قانون النقابة عقّدت شروط الانتساب إليها، مما حرَم غالبية الصحفيين من ممارسة مهنتهم بشكل قانوني، وهو بذلك يُخالف المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أن "لكل فردٍ الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه".
ويؤكد خليفات أن كلّ من يُمارس المهنة الصحفية خارج إطار النقابة قد يتعرّض لعقوبة بغرامة تم تغليظها في التعديل الأخير، بحيث "لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد عن ألفي دينار، وتتضاعف العقوبة في حالة التكرار"، وفقا للمادة (18) من قانون النقابة.
أزمة الميدان
عقبات أخرى محتملة سردتها الصحفية المستقلة روان نخلة، وتتمثل في إعراض المسؤولين عن مقابلة الصحفي المستقل، أو امتناع المصادر الرسمية عن إعطائه معلومات عندما لا يكون "عضو نقابة مرخّصا وفقًا للقانون". وهنا لا يستطيع الصحفي -"المنتحل" حسب تعريف النقابة- الحصول على المعلومة، لأن من يملكها "يتذرع" بتطبيق القانون والالتزام بتعريف النقابة للصحفي.
وتمتد تلك العقبات لتصل إلى الجانب الاقتصادي، فالعمل يتوزّع على فترات (أيام أو أشهر)، مما يعني عدم وجود استقرار مالي أو وظيفي، وفقدان الفرص التي قد يحصل عليها الصحفيون العاملون في المؤسسات، مثل المنح، إضافة إلى أن الصحفي وحده هو من يتحمّل المسؤولية إذا تعرّض لمساءلة قانونية، أو واجه تحديا في المصادر، ويُحرم غالبيتهم من الحقوق العُمّالية في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
التحديات تكاد تكون مشتركة بين الصحفيين المستقلين في كل مكان، لكن ثمة خصوصية أردنية يشرحها الصحفي محمود الشرعان الذي يعمل مع جهات عربيّة ودوليّة، بأن سوق الصحافة الأردنية في الخارج -في ظل الأزمات العربية الحالية- أصبح ضعيفًا بسبب قلّة اهتمام المواطن العربي بالأحداث المحليّة، مقارنة بأحداث وقضايا عربية أخرى ذات صخب عالمي كبير، الأمر الذي يقلل من فرص عمل الصحفي الأردني في منصات الصحافة الخارجيّة وتُغلق دونه الأبواب.
وتوضح شفاء القضاة أن بعض الصعوبات الخاصّة التي واجهتْها في تجربة العمل مع مؤسسات خارجيّة، تمثّلت في تأخر إرسال المستحقات المالية إلى رصيدها البنكي، وحتى عند وصولها فإنها تصل بالتدريج لا دفعة واحدة، مما يضطر الصحفي إلى التشبيك مع أكثر من جهة خارجيّة أو محلية حتى يضمن استمرار الدخل المادي.
يضاف إلى ذلك انخفاض قيمة المستحقات المالية مقارنة مع الجهد المبذول على المادة الصحفية، وتعدد المهام المطلوبة من الصحفي الذي يُقبَلُ في المؤسسة بوظيفة "محرر صحفي" فقط، لكنها تطالبه لاحقًا بمحتويات أخرى كصور أو تصاميم إنفوغراف، فيُصبح الصحفي ملزمًا بتعلّم هذه المهارات حتى يستكمل مادته، أو سيضطر للاستعانة بمصورين ومصممين وإعطائهم نسبة من مستحقاته.
وعلى الرغم من عقبات العمل الصحفي الحرّ، يعتقد محمد شمّا أن الدافع الأكبر الذي يقف وراء الصحفيّ ليكون مُستقلا، هو التحرر من أعباء مؤسسات مقيِّدة للحريّة ومتحكمة بما يُنشر، أو الدافع المالي، أو فرصة التشبيك مع جهات دولية، أو الهروب من العمل المنتظم في إحدى المؤسسات. وهي جزءٌ من الأسباب التي وقفت وراء قرار الصحفي براء التميمي ليُصبح مستقلا، ويتوجه بعد سنتين تقريبًا من العمل داخل إحدى المؤسسات الصحفية بشكل منتظم إلى العمل الحرّ، وذلك "ليستعيض عن الاجتماعات الصباحيّة مع صحفيين ومحررين لمناقشة ما يجري في البلاد، بالنزول إلى الميدان والبحث عن قصةٍ تستحق أن تُروى" على حد وصفه.
أهم ما يُميز العمل الصحفي الحرّ بحسب التميمي، أنه يرى التفاصيل بنفسه ويرويها قصصًا، بينما في المكتب تُقدَّم التفاصيل للصحفي حتى يكتب منها قصّة، وليس له حرية الاختيار إلا في طريقة العرض وبعض التغييرات الثانوية. يقول التميمي: إن "قصص المكتب تعتمد على ما يقدمه الآخرون من مادة مكتوبة، أما على الأرض فتعتمد القصّة على ما تراه وتسمعه، لا على ما يُراد لك أن تراه وتسمعه".
هذه الأسباب هي نفسها التي دفعت الصحفية لين الطراونة إلى تقديم استقالتها بعد ستة أشهر من عملها في أحد المواقع الإخبارية المحلية؛ بسبب تبني الموقع للرواية الحكومية دون سواها، إضافة إلى تراتبية العمل وابتعاده عن جوهر الصحافة الحقيقية. فغالبية المواد الإخبارية كانت تأتيهم جاهزة -وفق الطراونة- دون أي جهد صحفي في البحث عن حيثيات الخبر أو متابعته. فضلا عن تدني الأجور الشهرية الممنوحة للصحفيين في الموقع، والتي كانت بحدود 200 دينار أردني (283 دولارا) فقط، أي أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 220 دينارا، والعمل لفترات طويلة تتجاوز الثماني ساعات المنصوص عليها في قانون العمل.
مقصّ الرقيب
ورغم أن أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الصحفيين للجوء إلى العمل الحر، هو الهروب من مقص الرقيب في المؤسسات الإعلامية، فإن تلك الرقابة لحقته أيضا خلال عمله المستقل.
إذ تُجرى بعض التعديلات على المادة الصحفيّة التي يرسلها الصحفي المستقل إلى إحدى المؤسسات بعلمه ورضاه أحيانا، أو بدونهما في أحيانٍ أخرى. بل إن بعض المؤسسات تلجأ إلى حذف فقرات وأفكار كاملة تتعارض مع سياستها التحريرية، بينما تقتصر أُخرى على حذف بعض الألفاظ التي التي لا تتناسب مع سياستها، وهو ما يشير إلى استمرار الرقابة على العمل الصحفي حتى عند عمله بشكل مستقل.
في التجربة المحلية، واجهت الصحفية المستقلة شفاء القضاة مقص الرقيب في إحدى موادها الصحفية، إذ أعيد تحريرها وحُذفت منها فقراتٌ وأفكار دون إعلامها. وساهمت تلك التعديلات في تغيير شكل المادة والهدف المراد منها، مما دفعها إلى وقف العمل نهائيًّا مع تلك المؤسسة، بينما امتنعت مؤسسة محليّة من نشر مادة لصحفي آخر إلا بعد إجراء تعديلات على فقرات معينة تنتقد سياسات الحكومة في أزمة نقابة المعلمين عام 2019. إن التعديلات المقترحة من قبل المؤسسة مسّت جوهر المادة الصحفية -وفق الصحفي معدّ المادة- فامتنع هو الآخر عن تنفيذها، ليُرسل بها إلى جهة أخرى لا تشترط إجراء تعديلات عليها.
وفي التجربة الخارجيّة تُبين إحدى الصحفيات أن المؤسسة التي تتعاون معها تلجأ أحيانًا إلى حذف بعض الفقرات أو العبارات التي لا تتناسب مع سياستها التحريرية، حتى لو كانت تحتوي على معلومات صحيحة وموضوعية.
كما رصدت صحفية أخرى أخطاء لغوية قُبيل نشر مادتها في منصة إحدى الجهات المحلية، فراسلت الجهةَ بهذه الأخطاء وضرورة تعديلها، إلا أن المادة نُشرت دون الأخذ بالملاحظات.
عقبات "مستجدة"
مع انتشار فيروس كورونا، استجدت تحديات ناتجة عن قانون الدفاع وأوامره الذي فعّلته السلطات الأردنية للحدّ من تفشي الفيروس، والتي كانت عائقا أمام عمل كثير من الصحفيين المستقلين في البلاد.
أبرز تلك العقبات تمثل في عدم إصدار تصاريح الحركة والمرور أثناء حظر التجول، إذ منذ أول أيام الحظر أصدرت الحكومة تصاريح لمجموعة من الصحفيين والصحفيات، معتمدة على كشوف الأسماء التي قدمتها المؤسسات الإعلامية المرخصة والمسجلة لدى هيئة الإعلام، وفق نسب محددة لكل مؤسسة إعلامية لم يُعلن عنها. ونتيجة لذلك، لم يحصل الصحفي المستقل -العامل خارج إطار المؤسسات- على تصريح الحركة والمرور، الأمر الذي حال دون ممارسة أعماله أثناء الحظر الشامل.
يقول رئيس مركز "حماية وحرية الصحفيين" نضال منصور إن آلية توزيع التصاريح من قبل هيئة الإعلام غير معروفة، واعتمدت على معايير غير واضحة وغير شفافة، ولم تُفحص عدالتها، مبينًا أن الصحفي المستقل هو الأكثر تضررًا لمنعه من الحركة أثناء الحظر الشامل والجزئي لبعض مناطق المملكة.
ويضيف منصور أن الصحفي المستقل تضرر بعدم دعوته لحضور المؤتمرات الصحفيّة التي تعقدها الحكومة، إذ كانت الدعوات تُوزَّع على صحفيي المؤسسات والمواقع الإخبارية بنسب معينة، وبذلك فقدَ الصحفي المستقل إمكانية الوصول إلى المعلومات بشكلٍ مباشر والتواصل مع صانعي القرار.
في هذا السياق، توضّح الصحفية المستقلة روان نخلة أن فرص عمل كثيرة فاتتها لأنها كانت تشترط وجود تصريح للحركة والمرور خلال أيام الحظر الأولى. ولم تستجب إحدى المؤسسات على الهاتف والبريد الإلكتروني إطلاقًا، الأمر الذي أدى إلى إلغاء مادة صحفيّة كاملة، في حين كان بالإمكان -بحسب نخلة- أن تحصل على المعلومات المطلوبة لتقريرها من مقر المؤسسة في الظروف الطبيعية للحركة والتنقّل.
وما يجعل الوضعية أسوأ، هو صعوبة التحقق من تصريحات المصادر بالاعتماد على الهاتف فقط وغياب الوثائق والأدلة التي يمكن الحصول عليها في المقابلات المباشرة، مما يتطلب من الصحفي جهدًا إضافيًّا في إجراء المزيد من المكالمات والمقابلات للتأكد من صحة ودقة المعلومة.
"المقابلة عبر الهاتف في هذه الظروف تحديدًا قد تسدّ حاجة الصحفي في مواده، لكن القصة الأكبر والأكثر إثارةً ستكون هناك في الحديث مع الناس على الأرض، وما يُمكن لصحفي الميدان مُعاينته من تفاصيل صغيرة تسحبه إلى قصص أخرى"، تقول نخلة.
والصحفي المستقل براء التميمي حاول عدة مراتٍ التعاقدَ مع مؤسسات وجهات مختلفة، لكنه قُوبل بالرفض في أغلبها. كما حاول مرارا الحصول على تصاريح للحركة والمرور بطرق شتى، لكن تعذّر ذلك، فألغى كلّ التقارير التي كان يعمل عليها بسبب حاجتها إلى تصريحات رسمية من المؤسسات والوزارات التي بدورها لا تستجيب غالبًا لأي اتصال.
يشير الصحفي محمد شمّا إلى أن جائحة فيروس كورونا قيّدت الحصول على المعلومات التي يحتاجها الصحفي، وقلّصت مساحة حرية التعبير، إذ أصدرت الحكومة الأردنية يوم 15 أبريل/نيسان 2020 مرسومًا يحظر تداول أي أخبار "تثير الهلع"، وجاء فيه أنه "يحظر على كل شخص نشرُ أو إعادة نشر أو تداول أي أخبار عن الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم عبر وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي"، وتصل العقوبات إلى السَّجن ثلاث سنوات وغرامة 3 آلاف دينار أردني، أو كليهما".
هذا الأمر دعا مركز حماية وحرية الصحفيين إلى إصدار تقريرٍ بعنوان "الرواية الحكومية تهيمن على تغطيات كورونا في الإعلام"، رصد فيه كل ما نُشر من أخبار متعلقة بفيروس كورونا في الشهر الأول من انتشاره في المملكة، وتحديدًا من منتصف مارس/آذار إلى منتصف أبريل/نيسان 2020، وهي الفترة التي صدر فيها قانون الدفاع. واعتمد المركز في تقريره على عينة مكوّنة من 10 وسائل إعلامية محلية، منها ثلاث صحف يوميّة، وسبعة مواقع إخباريّة.
أظهرت نتائج الرصد تحيزًا كبيرا إلى الرواية الرسميّة الحكوميّة في تلقي المعلومات وبثها، حتى تحوّلت الحكومة من خلال الناطق الإعلامي والوزراء المعنيين وكبار الموظفين في الوزارات ذات الاختصاص، إلى مصادر محددة للمعلومات التي تتولى وسائل الإعلام تلقيها وبثها.
وبحسب التقرير، فإن تغييب أصوات المهمشين والفئات الأكثر ضعفًا وتضررًا من الجائحة أدى إلى تقديم معلومات من طرف واحد، فلم تُقدَّم رواية كاملة عن الحالات المصابة أو أماكن الانتشار إلا في حالات قليلة جدًا تم فيها نشر تقارير استندت إلى روايات العامة، لكنها لم تكن كافية لتغليب أصوات هؤلاء مقابل الصوت الحكومي الرسمي، مما أدى إلى عدم توازن المواد الصحفية التي تقدمها وسائل الإعلام.
كما أن امتناع وسائل الإعلام عن تقديم الروايات الأخرى بالموازاة مع الرواية الرسمية، أدى إلى غياب الرقابة على الرواية الرسمية، وبذلك ظلّت اشتراطات الدقة والعمق والرقابة الصحفية رهينة للرواية الرسمية، أو رواية الطرف الواحد أو المصدر المهيمن، وفق التقرير. وهو ما أكدته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها انتقدت فيه عدم تسامح السلطات في الأردن مع أي انتقاد لإجراءاتها في مواجهة فيروس كورونا، محذّرة من استخدام "الأزمة كذريعة لتقييد حرية التعبير".
يبقى واقع الصحافة في الأردن رهين توازنات قوى بين المؤسسات الإعلامية والجهات الرسمية، تُبقي الصحفيين المستقلين خارج المشهد، دونَ اعتراف رسمي بهم، رغم ما حققوه من نجاحات. بل إن كمّا يسيرا من القصص الصحفية التي شغلت الرأي العام الأردني خلال السنوات الماضية، أُنتِجت على يد صحفيين مستقلين، ليبقى السؤال معلّقا حول مصير الصحفي المستقل في الأردن، وما هي أسباب عدم الاعتراف به قانونا؟