في غرف الأخبار.. الأخطاء ستقع دائما

في غرف الأخبار.. الأخطاء ستقع دائما

كانت الأسئلة التي تثار حول الجزيرة كثيرة، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة: كيف تصلها أشرطة الفيديو لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن؟ وكيف تتأكد الجزيرة من صحّة هذه المواد أو توقيتها أو المكان الذي سجلت فيه؟

لم تكن التقنيات الرقمية في ذلك الوقت مثلما هي عليه اليوم، ولم يكن سهلًا تحديد المكان أو الزمان، لأن القاعدة كانت تعمد إلى التمويه وتجنّب إظهار أية إشارات تدل على موقعها.

كانت الجزيرة بدون شك تُخضع أشرطة الفيديو لعملية التحقق ولسياستها التحريرية قبل بثها. ولم يكن الجدل الذي سيثيره بث مثل هذا النوع من الأشرطة هو ما يقلق الجزيرة، لأنها تؤمن بحقّ المشاهد في المعرفة. كان ما يشغلها هو احتمال الوقوع في الخطأ أو عرض مادة غير صحيحة للمشاهد. وعلى الرغم من أنّ عملية التحقق كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الجهد البشري في ذلك الوقت، فقد اتبعت الجزيرة مجموعة من الخطوات للتحقق والتثبت من صحة أشرطة الفيديو:

•  تقييم المصدر ومدى صدقيته بالنسبة للجزيرة.

• مشاهدة المادة مشاهدة متأنية وتحليل الشكل والمضمون تحليلًا دقيقًا، والتأكّد من خلوها مما يدعو للشك.

• الاستعانة بخبراء وفنيين للتأكد أن المادة لم تتعرض للفبركة أو التلاعب.

• الاستعانة بمراسل الجزيرة في أفغانستان المطلع على الظروف السياسية للمنطقة.

• محاولة توفير مصدر آخر يعزز صحة شريط الفيديو أو التسجيل الصوتي.

• التريث قبل بث الشريط وإخضاع المحتوى للنقاش من قبل هيئة التحرير، إذ كثيرا ما تأخر بث الشريط للتأكد من موافقته للسياسة التحريرية وأخلاقيات المهنة، دون الوقوع في فخ المنافسة وتحقيق السبق الصحفي على حساب الدقة.

•  بث الشريط مع ترك المجال مفتوحًا في حال وجود شكوك، وتعريف المشاهدين بذلك تحقيقا للشفافية، إذ كثيرًا ما كانت الجزيرة تقول إن الشريط "منسوب" إلى تنظيم القاعدة دون أن تقطع بصدقية ذلك، أو تقول "لم يتسنّ التأكد من صحته". والجزيرة تدرك أن المسؤولية الأخلاقية لا تسقط عنها في هذه الحالة، وأنّ القرار التحريري يجب أن يكون مدروسًا بعناية.

• شرح وتوضيح السياق الذي حصلت فيه الجزيرة على شريط الفيديو، وفتح النقاش بهذا الخصوص على شاشتها مع الاستعانة بخبراء ومحللين.

•  عرض الرأي الآخر ووجهة نظر الطرف الأميركي تحديدًا والذي كان يُصدر بدوره بيانات رسمية تؤكّد أو تنفي صحة أشرطة الفيديو أو التسجيلات الصوتية.

التحولات الكبيرة

في عام 1996 التقطت الجزيرة فرصة التحول الكبير من القنوات الأرضية التي تسيطر عليها الدولة إلى القنوات الفضائية التي يمكن استقبالها عبر الأطباق اللاقطة دون رقابة مسبقة. انتهزت الجزيرة هذه الفرصة وساهمت مع قنوات كثيرة في رفع سقف الإعلام العربي وتجاوز الخطوط الحمراء.

وفي عام 2006 التقطت الجزيرة مرّة أخرى فرصة التحول السريع إلى الإعلام الرقمي، وأدركت مبكّرًا أن المستقبل سيغيّر من أسلوب تغطية الأخبار والتفاعل مع الجمهور الذي لن يكتفيَ بدور المتفرج فقط. أسّست الجزيرة في ذاك العام وحدة الإعلام الجديد استعدادًا للمستقبل، ومساعدة القناة التي تعمل بالأسلوب التقليديّ على التكيف مع هذا التحول السريع. ولأول مرة نشاهد تقنيّين وصحفيين يعملون معًا بأسلوب مختلف، ونجد أنفسنا في مساحة تتقاطع فيها التقنية مع الصحافة.

كان أبرز ما أتاحه الإعلام الجديد هو التفاعل بشكل أكبر مع الجمهور العربي الذي يتابع الجزيرة عبر المنصات الرقمية إلى جانب الشاشة. كانت ظاهرة المواطن الصحفي قد بدأت بالاتساع، وتجاوبت الجزيرة بسرعة كبيرة مع هذه الفكرة للأسباب التالية:

•  قرار الجزيرة منذ اليوم الأول انحيازها إلى الإنسان المهمّش، وعدم الانشغال قدر الإمكان بتغطية أخبار الزعماء والمشاهير.

•  قناعة الجزيرة بأنّ التطور التقني يفسح المجال أمام الناس للمشاركة في نقل الأخبار والصور، وبأنّ المواطن العادي يمكنه القيام بدور الصحفي خاصة في الأماكن التي لا يستطيع مراسل الجزيرة بلوغها، مع إخضاع ما يرسل المواطن للتثبت والتحقق.

•  وجود الإعلام البديل وإتاحة المجال أمام الأخبار التي ينقلها أناس عاديّون سيساهم في تحرير الإعلام من سطوة الإعلام الرسمي الذي يخضع لأجندة أنظمة مستبدة، ومن الإعلام التجاري الذي يعطي أولوية للربح على حساب المصداقية والصالح العام.

وبالفعل قامت الجزيرة عبر وحدة الإعلام الجديد بتوزيع عشرات الكاميرات على نشطاء في مناطق عدة من العالم العربي لتمكينهم من نقل صورة عن واقعهم، واستعانت بهذه الصور في تغطياتها الإخبارية، ولكن الوقت لم يكن قد حان لاختبار مدى نجاح هذه التجربة.

الصحفيون الجدد

كانت فكرة الإعلام الجديد والمواطن الصحفيّ تستهوي الجيل الشابّ داخل قناة الجزيرة، وعلى الفور وُضعت خطة لإنتاج فيلم وثائقي عن المدونين في مصر. كانت المدونات بمثابة منصات بديلة للإعلام التقليدي، ونجحت في إيصال صوت الشباب الذين ينتقدون الواقع السياسي والاجتماعي في مصر. تتبّع الفيلمُ مسيرة أربع شخصيات مختلفة لديها مدونات حظيت بانتشار واسع.. مجموعة من النشطاء أو الصحفيين الجدد يحملون كاميرات صغيرة وينقلون قصصا من داخل الحراك الذي بدأت تشهده مصر ضد استمرار الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك في الحكم، ومحاولته توريث منصبه لنجله جمال مبارك.

تعززت قناعة الجزيرة بأهمّية دور المواطن الصحفي وتوفرت لديها مع الوقت مصادر جديدة للأخبار، ولكن هذا قد أتى أيضًا مع تحدّيات جديدة.

كانت سياسة الجزيرة في التثبّت من صحة المواد التي تصلها من النشطاء تعتمد على الثقة بالمصدر، وعلى بناء شبكة واسعة من هؤلاء الذين استقطبتهم الجزيرة ووفرت لهم في بعض الأحيان التدريب الصحفي. لم يكن تحدي الصور المفبركة جدّيًا بعد، كما أنّ اكتشاف وقوع خطأ في مقطع فيديو أو صورة ما وصلت من الناشطين لم يكن سهلًا من قِبل الجزيرة ولا من قبل المشاهدين.

انتشرت مع مرور الوقت شبكات التواصل الاجتماعي وتعاظم دورها، وأتاح تحسّن خدمات الإنترنت وتوفر الهواتف الذكية تدفق عشرات مقاطع الفيديو والصور. اندلعت ثورة تونس في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2010 ولعبت الجزيرة دورًا مهمًّا في تغطية المظاهرات الحاشدة التي خرجت إلى الشوارع في تحدٍ لسلطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. كان مكتب الجزيرة في تونس مغلقًا بأمر السلطات في ذلك الوقت، وبفضل مقاطع الفيديو التي كان يرسلها أو يحمّلها على شبكات التواصل الاجتماعي أناسٌ عاديون ونشطاء في الثورة، نجحت الجزيرة في كسر التعتيم المفروض من قبل النظام التونسي، واستطاع العالم متابعة الأحداث حتّى لحظة هروب الرئيس بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 كما يظهر في شريط الفيديو التالي الذي التقطه نشطاء، وتحوّل إلى أيقونة في الثورة:

رابط الفيديو على يوتيوب: 

 

وفي ذات الشهر اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر. استجاب الآلاف من الشباب لنداء عبر الفيسبوك بالتظاهر في "عيد الشرطة" تنديدًا بانتهاكاتها. عزّزت مقاطع الفيديو التي وصلت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تغطية فريق الجزيرة على الأرض، وفي كثير من الأحيان تفوّق النشطاء والهواة الذين التقطوا مقاطع الفيديو على الصحفيين المحترفين. كانت أقوى الصور التي حركت مشاعر الناس حول العالم قد التُقِطت بهواتف هواة منتشرين في المدن المصرية المختلفة.

وفرت الجزيرة آنذاك منصّة كبيرة لعرض مقاطع الفيديو والصور، وكان ذلك سببًا رئيسيًّا في استمرار التغطية من الميادين، وتحدي الأنظمة التي حاولت التصدي لهذه الثورات وحجب الصورة عن المشاهدين حول العالم. وقد أقرّت الجزيرة بأن تغطيتها وطواقمها على الأرض لم تكن لتحقق هذا النجاح بدون جهود النشطاء والمتطوعين.

مدير شبكة الجزيرة السابق وضّاح خنفر الذي لعب دورًا بارزًا في قيادة تغطية الجزيرة لثورات الربيع العربي، كتب في صحيفة ذي غارديان البريطانية يصف هذا المشهد ويقول: "قرر النظام المصري إغلاق مكاتب الجزيرة ومنع مراسليها وطواقمها من العمل، ظنًّا منه أنّه إن استطاع حجب شاشة الجزيرة فسيتمكن من إخفاء الوقائع الجارفة التي تجتاح البلاد.. لم تكن تلك المرةَ الأولى التي يُغلق لنا فيها مكتب في المنطقة، وكنّا مستعدّين تمامًا لمثل هذا القرار المتوقع، ففي ذلك اليوم وجهنا نداء لمُشاهدينا في مصر، وقلنا لهم إن كانت السلطات قد منعت مراسلينا من العمل فكل واحد منكم هو مراسل للجزيرة.. عندها بادر مئات الناشطين الإلكترونيين بتزويدنا بفيض من الأخبار ومقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فخصّصنا فريقًا من المحرّرين لاستلام هذه المشاركات والتوثّق منها وتزويد غرفة الأخبار بالصّالح منها للنشر.. لقد نجحنا في كسر الحصار الذي فرضته أجهزة الأمن المصرية بفضل إيمان المشاهدين برسالتنا، وإيماننا بقدراتهم، فقد عمدنا إلى بناء شبكة من المتعاونين والناشطين الإلكترونيين لتزويدنا بالأخبار، بينما انبثّت طواقمنا في أرجاء القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية وباشرت عملها سرًّا. ونجح فنيو الجزيرة في توفير خدمة البث المباشر من ميدان التحرير عبر أجهزة بث صغيرة موصولة بالأقمار الصناعية لم تستطع أجهزة الأمن المصرية اكتشاف موقعها".

سعت الجزيرة للتحقّق من صحّة الصور التي كانت تصلها من النشطاء في تونس ومصر، ولكن لا يمكن القول إنه كانت لديها سياسة واضحة ومنهجيّة في التعامل مع هذا النوع الجديد من المصادر غير التقليدية. كانت تجربة جديدة، وكان تسارع الأحداث يفرض التعامل بسرعة مع المواد المتدفّقة عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ممّا مهد لوقوع أخطاء في المستقبل.

ففي مارس/آذار 2011 اندلعت ثورتا سوريا واليمن، وكان عدد المواد التي تصل الجزيرة كبيرًا جدًّا. وبثت الجزيرة مرّة مقطعَ فيديو قالت إنّه يظهر تعذيب سجناء على يد قوات الأمن اليمنية، وتبين لاحقا أنه فيديو قديم لتعذيب سجناء عراقيين في عهد الرئيس السابق صدام حسين. لقد وقعت الجزيرة في خطأ لم يكن مقصودًا، لكنّه حملها على الاعتذار للمشاهدين وتصحيح الخبر. وانتهزت قناة "اليمن" الموالية لنظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الفرصة لمهاجمة الجزيرة والتشكيك في مهنيتها بسبب هذا الخطأ.

الرابط لمقطع الفيديو:

كان ذلك درسًا مهمًّا فرض لاحقًا الاهتمام بتعزيز آليّات التحقق من صحة مقاطع الفيديو أو الصور. ورغم كل المحاولات في هذا الصدد إلا أنّ منهجية العمل لم تكن واضحة بعدُ بالقدر الكافي، وإنّما كانت تعتمد على جهود فردية، ربما لأن التجربة كانت ما تزال جديدة.

أمّا أضخم التحديات فكانت تتعلّق بالتّعامل مع المواد المتدفّقة من سوريا. أذكر جيّدًا عندما توصلتُ إلى مقطع فيديو لأول مظاهرة في سوق الحميدية وسط دمشق يوم 15 مارس/آذار 2011. كنت أبحث وقتها في موقع يوتيوب عن أيّ مادة تصل من سوريا بعد أن انتشرت على الإنترنت دعوات للخروج في مظاهرات تطالب بالتغيير. فحصلت على الفيديو وعرضته على هيئة التحرير في غرفة الأخبار، ولكنّ أعضاءها بدوا جميعًا متشكّكين من صحّته. كان صاحب مقطع الفيديو يؤكد بصوته أنّ تاريخ اليوم هو 15 مارس/آذار 2011 وأنّ المكان هو سوق الحميدية. أمّا تاريخ تحميل الفيديو على يوتيوب فكان بنفس تاريخ المظاهرة، وكان بوسعي تمييز المكان لأنّني زرت سوق الحميدية مرارًا في الماضي وأعرفه جيّدًا، ومع ذلك استعنت بزملاء من سوريا للتوثّق من المكان والبحث عن أية إشارات تؤكد صحة الفيديو أو تنفيها. ولم نستطع التأكد من مراسل الجزيرة في دمشق آنذاك، ولكني نجحت عبر الاتصال بنشطاء من تأكيد الوقائع. قد لا أستطيع القول إنّنا كنا متأكدين 100%، ولكن رجحت لدينا كفة العوامل التي تقول بصحته، وهو ما ثبت بالفعل. فبثت الجزيرة مقطع الفيديو في ذلك اليوم بعد تردّد طويل ومعارضة من البعض.

الرابط لمقطع الفيديو:

 

لا أنكر أننا كنا نخطئ أحيانًا فنبثُّ شريط فيديو من سوريا مثلًا، ليتّضح بعدَ ذلك أنّه وقع في منطقة أخرى أو في تاريخ قديم. وكلّما أتيحت لنا الفرصة كنّا نسارع في تصحيح الخبر في نشرات الأخبار اللاحقة. وهكذا بدأت تترسّخ داخل غرفة الأخبار ثقافةٌ جديدة في التحقق من مقاطع الفيديو والصور والأخبار دون أن يكون هنالك قسم متخصّص لديه سياسةٌ محدّدة يسير وفقها في هذا الصدد.

وحدة التحقق

اهتمام الجزيرة بالإعلام الرقميّ بدأ مبكّرًا، ولكن في العام 2014 قررت القناة تأسيس وحدة الإعلام الاجتماعي داخل غرفة الأخبار. كان من أبرز مهامّ هذه الوحدة، التحقّق من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون ( User Generated Content ) على اعتبار أنّ هذا المحتوى قد بات مصدرًا مهمًّا من مصادر الأخبار يوازي بأهمّيته مصادر الأخبار التقليدية داخل غرفة الأخبار (المراسلون ووكالات الأنباء).

في 16 فبراير/شباط 2015 شنّت مقاتلات مصرية غارة جويّة على مدينة درنة شرقي ليبيا، استهدفت -حسب السلطات المصرية- مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك ردًّا على إعدام التنظيم 21 مصريًّا قبطيًّا في مدينة سرت غربي البلاد. لكن سرعان ما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تظهر استهداف المقاتلات المصرية مواقع مدنية في مدينة درنة، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أطفال، خلافًا للرواية الرسمية المصرية.

بدأت وحدة الإعلام الاجتماعي في قناة الجزيرة بحثًا فوريًّا على شبكات التواصل الاجتماعي بموازاة الأخبار المتدفّقة عن الغارات المصريّة على وكالات الأنباء، وحاولت تعقّب صورة جثث ثلاثة أطفال قيل إنهم لقوا حتفهم في الغارة. تم التواصل مباشرة مع أحد الذين نشروا الصورة على الفيسبوك وأكّد أنّها صحيحة 100%، لكنّ شكوك الجزيرة كانت كبيرة لأنّ صاحب الصفحة يُقيم في فرنسا لا في ليبيا، كما تبيّن أنّه في الأصل من سكّان مدينة بنغازي وليس من مدينة درنة حيث وقعت الغارة. ثمّ تواصلت الوحدة مع صحفيّ مستقلّ في مدينة درنة عبر تويتر وأكّد هو الآخر صحة الصورة. وبمراجعة حسابه على تويتر والبحث فيه بدا لنا أنّه يحرص على نشر معلومات صحيحة. ومع الاتصالات التي قام بها مراسل الجزيرة في طرابلس مع مصادر مختلفة على الأرض في مدينة درنة، توصّلت الجزيرة إلى قناعة بأنّ الصورة صحيحة فعلًا فنشرتها عبر المنصات الرقمية وعلى شاشة القناة.

واجهت الجزيرة هجومًا عنيفا من الإعلام المصريّ الذي قال إنّ صورة الأطفال الثلاثة مفبركة، وإنها تعود إلى حادثة وفاة أطفال جراء الاختناق بغاز مدفأة في مدينة طرابلس، واتّهم الجزيرة بتزوير الوقائع ومحاولة تضليل المشاهدين. وفي لحظة ما تحت وطأة الانتقادات تشكّكت الجزيرة في صحّة الصورة ، واتّخذت قرارًا بحذفها من المنصّات الرقمية وعدم استخدامها على الشاشة. كانت تلك لحظة ارتباك دون شك، ولم يكن قرار حذف الصورة صائبًا لأنّ تراجع الجزيرة عن روايتها لم يقم على أسس مهنية تثبت أنّ الصورة بالفعل مفبركة مقابل المعطيات والأدلّة التي ترجّح صحتها.

هنا لعب الإعلام التقليدي دورًا حاسمًا عندما نجح مراسل الجزيرة في طرابلس عبر مصادره على الأرض في الحصول على فيديو خاص يؤكّد مجدّدًا رواية الجزيرة وصحة الصورة التي نشرتها لمقتل أطفال في القصف المصري على درنة. بعدها، عادت الجزيرة وتمسكت بصحة الخبر والصورة واستخدمت الفيديو الجديد لتعزيز روايتها التي تناقض رواية السلطات المصرية، وبثت تقريرًا يوضح مسار الرواية الصحفية للخبر ويفنّد ادعاءات الإعلام المصري.

رابط مقطع الفيديو:

 

منظّمة العفو الدولية بدورها قالت إنّ التحقيقات التي أجرتها بشأن الغارات المصرية على أهداف في مدينة درنة الليبية يوم 16 فبراير/شباط 2015 أظهرت سقوط صاروخين على الأقل في منطقة سكنيّة، مما أسفر عن مقتل سبعة مدنيين هم أمّ وأطفالها الثلاثة وثلاثة أشخاص آخرين.

  رابط الخبر على موقع منظمة العفو الدوليّة:

https://www.amnesty.org/en/latest/news/2015/02/libya-mounting-evidence-war-crimes-after-egypt-airstrikes /

 

الأخطاء تقع دائمًا

الخطوة الثانية التي اتخذتها قناة الجزيرة لتطوير أدائها في التعامل مع المحتوى الذي ينتجه المستخدمون، هي تدريب فريق وحدة الإعلام الاجتماعي تدريبًا متخصصًّا على آليات التحقق الجديدة، إضافة إلى تدريب نحو مئة صحفيّ من غرفة الأخبار تدريبًا أساسيًّا لفهم قيمة المحتوى الذي ينتجه المستخدمون، والتحدّيات التي يفرضها التعامل مع هذا النوع من المحتوى. ومع ذلك كانت الأخطاء تقع.

في ديسمبر/كانون الأول 2015 انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عن غناء مجموعة أطفال كنديين نشيدَ "طلع البدر علينا" باللغة العربيّة ترحيبًا باللاجئين السوريين كما يدّعي الفيديو. ثمّ تبيّن لاحقًا أنّ ذلك المقطع لا صلة له باللاجئين السوريين، ولكنّ المعلومات الخاطئة التي روّجها البعض لقيت انتشارًا واسعًا، ممّا دفع العديد من القنوات التلفزيو?

الخلاصة

يبدو أنّ الأخطاء ستقع دائمًا، فهذه طبيعة العمل الصحفيّ، لاسيّما مع المنصّات الرقمية وتدفّق مئات مقاطع الفيديو والصور يوميًّا. ولكنّ وقوع الأخطاء لا ينفي أنّ تجربة الجزيرة في مجال التحقق والتثبت من المحتوى على المنصات الرقمية أصبحت أكثر نضجًا، فقد استفادت القناة من أخطائها وطوّرت سياساتها وإجراءاتها لتصبح أكثر منهجيّة وانضباطًا.

ولتعزيز الممارسات الصحيحة في هذا المجال أصدر معهد الجزيرة للإعلام دليلًا مختصرًا يساعد الصحفيّين على فهم آليّات التحقّق وكيفيّة التعامل مع هذا المحتوى. ويمكن تنزيل هذا الدليل والاطّلاع عليه عبرالرابط الآتي:

 http://training.aljazeera.net/ar/whatwedo/2016/02/160225062636961.html

كما لا يمكن إغفال أهميّة دور المستخدمين أو المتصفّحين في إنضاج هذه التجربة، فقد أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي مراقبة وسائل الإعلام والتفاعل معها بشكل أفضل ولفت انتباهها عند وقوع الأخطاء.

 

هذا التقرير هو فصل من كتاب "البحث عن الحقيقة في كومة الأخبار الكاذبة".

 

 

لتحميل النسخة العربية من الكتاب، الرجاء الضغط على الرابط 

 

النسخة الإنجليزية من هنا

 

 

More Articles

What Explains the Indian Media’s Silence on Muslim Lynchings?

A review of why the Indian media is biased in its coverage of cow vigilantes' lynchings, highlighting how the killing of a Hindu boy by such vigilantes sparked widespread outrage, while the lynching of a Muslim man over similar allegations was largely ignored, reflecting deeper anti-Muslim bias under the ruling BJP government.

Saif Khaled
Saif Khalid Published on: 11 Nov, 2024
Corporate Dominance and the Erosion of Editorial Independence in Indian Media

Corporate influence in Indian media has led to widespread editorial suppression, with media owners prioritising political appeasement over journalistic integrity, resulting in a significant erosion of press freedom and diversity in news reporting.

headshot
AJR Correspondent Published on: 3 Nov, 2024
MSNBC Deletes Interview with Journalist Criticising Western Media’s Bias Towards Israeli Narrative

MSNBC deleted an interview with journalist Jeremy Scahill after he criticised American media’s biased portrayal of Israeli actions in Gaza, condemning the framing of civilian casualties as "self-defence." Scahill argued that any discussion of Gaza’s leaders must address the broader context of occupation and longstanding injustices faced by Palestinians.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 27 Oct, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 23 Oct, 2024
Voting in a Time of Genocide

The upcoming U.S. presidential election occurs against the backdrop of the ongoing genocide in Gaza, with AJ Plus prioritising marginalised voices and critically analysing Western mainstream media narratives while highlighting the undemocratic aspects of the U.S. electoral system.

Tony Karon Published on: 22 Oct, 2024
A Half-Truth is a Full Lie

Misinformation is rampant in modern conflicts, worsened by the internet and social media, where false news spreads easily. While news agencies aim to provide unbiased, fact-based reporting, their focus on brevity and hard facts often lacks the necessary context, leaving the public vulnerable to manipulation and unable to fully grasp the complexities of these issues.

Ilya
Ilya U Topper Published on: 30 Sep, 2024
How to Bring more Balance to Western Media Coverage of Israel and Palestine

How can journalists accurately cover Palestine without becoming unbalanced or biased? Here are some concrete tools and techniques for reporters to keep in mind.

A picture of the author, Megan O'Toole
Megan O'Toole Published on: 16 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 5 Sep, 2024
Bangladesh: Why Were Foreign Correspondents Absent?

In the recent political upheaval in Bangladesh, many foreign journalists were reporting from nearby regions like New Delhi. In this absence, local journalists played an important role in conveying firsthand accounts of the events that unfolded to the world.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 26 Aug, 2024
Analysis: Media Disinformation and UK Far-Right Riots

Analysis on the impact of media disinformation on public opinion, particularly during UK riots incited by far-right groups. A look at how sensationalist media can directly influence audience behavior, as per the Hypodermic Needle Theory, leading to normalized discrimination and violence. The need for responsible journalism is emphasized to prevent such harmful effects.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Aug, 2024
Challenges for Female Journalists in Crisis Zones of Cameroon

Testimonies of what female journalists in Cameroon are facing and how they are challenging these difficulties.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jul, 2024
From TV Screens to YouTube: The Rise of Exiled Journalists in Pakistan

Pakistani journalists are leveraging YouTube to overcome censorship, connecting with global audiences, and redefining independent reporting in their homeland.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 28 Jul, 2024
Press Freedom in Multiple EU Countries on the "Verge of Collapse" Reports Show

The European Civil Liberties Union's Media Freedom 2024 report highlights a decline in press freedom and media pluralism in several EU countries, with calls for comprehensive reforms. The report also points out biases in Western media coverage of the Israeli offensive in Gaza, including restrictions on certain terms and unbalanced reporting. It raises concerns about diminishing media pluralism, journalist prosecution and surveillance, and declining public trust in the media.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 13 May, 2024
Amid Increasing Pressure, Journalists in India Practice More Self-Censorship

In a country where nearly 970 million people are participating in a crucial general election, the state of journalism in India is under scrutiny. Journalists face harassment, self-censorship, and attacks, especially under the current Modi-led government. Mainstream media also practices self-censorship to avoid repercussions. The future of journalism in India appears uncertain, but hope lies in the resilience of independent media outlets.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 25 Apr, 2024
Journalism in chains in Cameroon

Investigative journalists in Cameroon sometimes use treacherous means to navigate the numerous challenges that hamper the practice of their profession: the absence of the Freedom of Information Act, the criminalisation of press offenses, and the scare of the overly-broad anti-terrorism law.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 12 Apr, 2024
The Perils of Journalism and the Rise of Citizen Media in Southeast Asia

Southeast Asia's media landscape is grim, with low rankings for internet and press freedom across the region. While citizen journalism has risen to fill the gaps, journalists - both professional and citizen - face significant risks due to government crackdowns and the collusion between tech companies and authorities to enable censorship and surveillance.

AJR Contributor Published on: 6 Apr, 2024
Silenced Voices: The Battle for Free Expression Amid India’s Farmer’s Protest

The Indian government's use of legal mechanisms to suppress dissenting voices and news reports raises questions about transparency and freedom of expression. The challenges faced by independent media in India indicate a broader narrative of controlling the narrative and stifling dissenting voices.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 17 Mar, 2024
Targeting Truth: Assault on Female Journalists in Gaza

For female journalists in Palestine, celebrating international women's rights this year must take a backseat, as they continue facing the harsh realities of conflict. March 8th will carry little celebration for them, as they grapple with the severe risks of violence, mass displacement, and the vulnerability of abandonment amidst an ongoing humanitarian crisis. Their focus remains on bearing witness to human suffering and sharing stories of resilience from the frontlines, despite the personal dangers involved in their work.

Fatima Bashir
Fatima Bashir Published on: 14 Mar, 2024
A Woman's Journey Reporting on Pakistan's Thrilling Cholistan Desert Jeep Rally

A Woman's Voice in the Desert: Navigating the Spotlight

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024
Artificial Intelligence's Potentials and Challenges in the African Media Landscape

How has the proliferation of Artificial Intelligence impacted newsroom operations, job security and regulation in the African media landscape? And how are journalists in Africa adapting to these changes?

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 18 Feb, 2024
Media Blackout on Imran Khan and PTI: Analysing Pakistan's Election Press Restrictions

Implications and response to media censorship and the deliberate absence of coverage for the popular former Prime Minister, Imran Khan, and his party, Pakistan Tehreek-e-Insaf (PTI), in the media during the 2024 elections in Pakistan.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 14 Feb, 2024