في غرف الأخبار.. الأخطاء ستقع دائما

كانت الأسئلة التي تثار حول الجزيرة كثيرة، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة: كيف تصلها أشرطة الفيديو لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن؟ وكيف تتأكد الجزيرة من صحّة هذه المواد أو توقيتها أو المكان الذي سجلت فيه؟

لم تكن التقنيات الرقمية في ذلك الوقت مثلما هي عليه اليوم، ولم يكن سهلًا تحديد المكان أو الزمان، لأن القاعدة كانت تعمد إلى التمويه وتجنّب إظهار أية إشارات تدل على موقعها.

كانت الجزيرة بدون شك تُخضع أشرطة الفيديو لعملية التحقق ولسياستها التحريرية قبل بثها. ولم يكن الجدل الذي سيثيره بث مثل هذا النوع من الأشرطة هو ما يقلق الجزيرة، لأنها تؤمن بحقّ المشاهد في المعرفة. كان ما يشغلها هو احتمال الوقوع في الخطأ أو عرض مادة غير صحيحة للمشاهد. وعلى الرغم من أنّ عملية التحقق كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الجهد البشري في ذلك الوقت، فقد اتبعت الجزيرة مجموعة من الخطوات للتحقق والتثبت من صحة أشرطة الفيديو:

•  تقييم المصدر ومدى صدقيته بالنسبة للجزيرة.

• مشاهدة المادة مشاهدة متأنية وتحليل الشكل والمضمون تحليلًا دقيقًا، والتأكّد من خلوها مما يدعو للشك.

• الاستعانة بخبراء وفنيين للتأكد أن المادة لم تتعرض للفبركة أو التلاعب.

• الاستعانة بمراسل الجزيرة في أفغانستان المطلع على الظروف السياسية للمنطقة.

• محاولة توفير مصدر آخر يعزز صحة شريط الفيديو أو التسجيل الصوتي.

• التريث قبل بث الشريط وإخضاع المحتوى للنقاش من قبل هيئة التحرير، إذ كثيرا ما تأخر بث الشريط للتأكد من موافقته للسياسة التحريرية وأخلاقيات المهنة، دون الوقوع في فخ المنافسة وتحقيق السبق الصحفي على حساب الدقة.

•  بث الشريط مع ترك المجال مفتوحًا في حال وجود شكوك، وتعريف المشاهدين بذلك تحقيقا للشفافية، إذ كثيرًا ما كانت الجزيرة تقول إن الشريط "منسوب" إلى تنظيم القاعدة دون أن تقطع بصدقية ذلك، أو تقول "لم يتسنّ التأكد من صحته". والجزيرة تدرك أن المسؤولية الأخلاقية لا تسقط عنها في هذه الحالة، وأنّ القرار التحريري يجب أن يكون مدروسًا بعناية.

• شرح وتوضيح السياق الذي حصلت فيه الجزيرة على شريط الفيديو، وفتح النقاش بهذا الخصوص على شاشتها مع الاستعانة بخبراء ومحللين.

•  عرض الرأي الآخر ووجهة نظر الطرف الأميركي تحديدًا والذي كان يُصدر بدوره بيانات رسمية تؤكّد أو تنفي صحة أشرطة الفيديو أو التسجيلات الصوتية.

التحولات الكبيرة

في عام 1996 التقطت الجزيرة فرصة التحول الكبير من القنوات الأرضية التي تسيطر عليها الدولة إلى القنوات الفضائية التي يمكن استقبالها عبر الأطباق اللاقطة دون رقابة مسبقة. انتهزت الجزيرة هذه الفرصة وساهمت مع قنوات كثيرة في رفع سقف الإعلام العربي وتجاوز الخطوط الحمراء.

وفي عام 2006 التقطت الجزيرة مرّة أخرى فرصة التحول السريع إلى الإعلام الرقمي، وأدركت مبكّرًا أن المستقبل سيغيّر من أسلوب تغطية الأخبار والتفاعل مع الجمهور الذي لن يكتفيَ بدور المتفرج فقط. أسّست الجزيرة في ذاك العام وحدة الإعلام الجديد استعدادًا للمستقبل، ومساعدة القناة التي تعمل بالأسلوب التقليديّ على التكيف مع هذا التحول السريع. ولأول مرة نشاهد تقنيّين وصحفيين يعملون معًا بأسلوب مختلف، ونجد أنفسنا في مساحة تتقاطع فيها التقنية مع الصحافة.

كان أبرز ما أتاحه الإعلام الجديد هو التفاعل بشكل أكبر مع الجمهور العربي الذي يتابع الجزيرة عبر المنصات الرقمية إلى جانب الشاشة. كانت ظاهرة المواطن الصحفي قد بدأت بالاتساع، وتجاوبت الجزيرة بسرعة كبيرة مع هذه الفكرة للأسباب التالية:

•  قرار الجزيرة منذ اليوم الأول انحيازها إلى الإنسان المهمّش، وعدم الانشغال قدر الإمكان بتغطية أخبار الزعماء والمشاهير.

•  قناعة الجزيرة بأنّ التطور التقني يفسح المجال أمام الناس للمشاركة في نقل الأخبار والصور، وبأنّ المواطن العادي يمكنه القيام بدور الصحفي خاصة في الأماكن التي لا يستطيع مراسل الجزيرة بلوغها، مع إخضاع ما يرسل المواطن للتثبت والتحقق.

•  وجود الإعلام البديل وإتاحة المجال أمام الأخبار التي ينقلها أناس عاديّون سيساهم في تحرير الإعلام من سطوة الإعلام الرسمي الذي يخضع لأجندة أنظمة مستبدة، ومن الإعلام التجاري الذي يعطي أولوية للربح على حساب المصداقية والصالح العام.

وبالفعل قامت الجزيرة عبر وحدة الإعلام الجديد بتوزيع عشرات الكاميرات على نشطاء في مناطق عدة من العالم العربي لتمكينهم من نقل صورة عن واقعهم، واستعانت بهذه الصور في تغطياتها الإخبارية، ولكن الوقت لم يكن قد حان لاختبار مدى نجاح هذه التجربة.

الصحفيون الجدد

كانت فكرة الإعلام الجديد والمواطن الصحفيّ تستهوي الجيل الشابّ داخل قناة الجزيرة، وعلى الفور وُضعت خطة لإنتاج فيلم وثائقي عن المدونين في مصر. كانت المدونات بمثابة منصات بديلة للإعلام التقليدي، ونجحت في إيصال صوت الشباب الذين ينتقدون الواقع السياسي والاجتماعي في مصر. تتبّع الفيلمُ مسيرة أربع شخصيات مختلفة لديها مدونات حظيت بانتشار واسع.. مجموعة من النشطاء أو الصحفيين الجدد يحملون كاميرات صغيرة وينقلون قصصا من داخل الحراك الذي بدأت تشهده مصر ضد استمرار الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك في الحكم، ومحاولته توريث منصبه لنجله جمال مبارك.

تعززت قناعة الجزيرة بأهمّية دور المواطن الصحفي وتوفرت لديها مع الوقت مصادر جديدة للأخبار، ولكن هذا قد أتى أيضًا مع تحدّيات جديدة.

كانت سياسة الجزيرة في التثبّت من صحة المواد التي تصلها من النشطاء تعتمد على الثقة بالمصدر، وعلى بناء شبكة واسعة من هؤلاء الذين استقطبتهم الجزيرة ووفرت لهم في بعض الأحيان التدريب الصحفي. لم يكن تحدي الصور المفبركة جدّيًا بعد، كما أنّ اكتشاف وقوع خطأ في مقطع فيديو أو صورة ما وصلت من الناشطين لم يكن سهلًا من قِبل الجزيرة ولا من قبل المشاهدين.

انتشرت مع مرور الوقت شبكات التواصل الاجتماعي وتعاظم دورها، وأتاح تحسّن خدمات الإنترنت وتوفر الهواتف الذكية تدفق عشرات مقاطع الفيديو والصور. اندلعت ثورة تونس في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2010 ولعبت الجزيرة دورًا مهمًّا في تغطية المظاهرات الحاشدة التي خرجت إلى الشوارع في تحدٍ لسلطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. كان مكتب الجزيرة في تونس مغلقًا بأمر السلطات في ذلك الوقت، وبفضل مقاطع الفيديو التي كان يرسلها أو يحمّلها على شبكات التواصل الاجتماعي أناسٌ عاديون ونشطاء في الثورة، نجحت الجزيرة في كسر التعتيم المفروض من قبل النظام التونسي، واستطاع العالم متابعة الأحداث حتّى لحظة هروب الرئيس بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 كما يظهر في شريط الفيديو التالي الذي التقطه نشطاء، وتحوّل إلى أيقونة في الثورة:

رابط الفيديو على يوتيوب: 

 

وفي ذات الشهر اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر. استجاب الآلاف من الشباب لنداء عبر الفيسبوك بالتظاهر في "عيد الشرطة" تنديدًا بانتهاكاتها. عزّزت مقاطع الفيديو التي وصلت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تغطية فريق الجزيرة على الأرض، وفي كثير من الأحيان تفوّق النشطاء والهواة الذين التقطوا مقاطع الفيديو على الصحفيين المحترفين. كانت أقوى الصور التي حركت مشاعر الناس حول العالم قد التُقِطت بهواتف هواة منتشرين في المدن المصرية المختلفة.

وفرت الجزيرة آنذاك منصّة كبيرة لعرض مقاطع الفيديو والصور، وكان ذلك سببًا رئيسيًّا في استمرار التغطية من الميادين، وتحدي الأنظمة التي حاولت التصدي لهذه الثورات وحجب الصورة عن المشاهدين حول العالم. وقد أقرّت الجزيرة بأن تغطيتها وطواقمها على الأرض لم تكن لتحقق هذا النجاح بدون جهود النشطاء والمتطوعين.

مدير شبكة الجزيرة السابق وضّاح خنفر الذي لعب دورًا بارزًا في قيادة تغطية الجزيرة لثورات الربيع العربي، كتب في صحيفة ذي غارديان البريطانية يصف هذا المشهد ويقول: "قرر النظام المصري إغلاق مكاتب الجزيرة ومنع مراسليها وطواقمها من العمل، ظنًّا منه أنّه إن استطاع حجب شاشة الجزيرة فسيتمكن من إخفاء الوقائع الجارفة التي تجتاح البلاد.. لم تكن تلك المرةَ الأولى التي يُغلق لنا فيها مكتب في المنطقة، وكنّا مستعدّين تمامًا لمثل هذا القرار المتوقع، ففي ذلك اليوم وجهنا نداء لمُشاهدينا في مصر، وقلنا لهم إن كانت السلطات قد منعت مراسلينا من العمل فكل واحد منكم هو مراسل للجزيرة.. عندها بادر مئات الناشطين الإلكترونيين بتزويدنا بفيض من الأخبار ومقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فخصّصنا فريقًا من المحرّرين لاستلام هذه المشاركات والتوثّق منها وتزويد غرفة الأخبار بالصّالح منها للنشر.. لقد نجحنا في كسر الحصار الذي فرضته أجهزة الأمن المصرية بفضل إيمان المشاهدين برسالتنا، وإيماننا بقدراتهم، فقد عمدنا إلى بناء شبكة من المتعاونين والناشطين الإلكترونيين لتزويدنا بالأخبار، بينما انبثّت طواقمنا في أرجاء القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية وباشرت عملها سرًّا. ونجح فنيو الجزيرة في توفير خدمة البث المباشر من ميدان التحرير عبر أجهزة بث صغيرة موصولة بالأقمار الصناعية لم تستطع أجهزة الأمن المصرية اكتشاف موقعها".

سعت الجزيرة للتحقّق من صحّة الصور التي كانت تصلها من النشطاء في تونس ومصر، ولكن لا يمكن القول إنه كانت لديها سياسة واضحة ومنهجيّة في التعامل مع هذا النوع الجديد من المصادر غير التقليدية. كانت تجربة جديدة، وكان تسارع الأحداث يفرض التعامل بسرعة مع المواد المتدفّقة عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ممّا مهد لوقوع أخطاء في المستقبل.

ففي مارس/آذار 2011 اندلعت ثورتا سوريا واليمن، وكان عدد المواد التي تصل الجزيرة كبيرًا جدًّا. وبثت الجزيرة مرّة مقطعَ فيديو قالت إنّه يظهر تعذيب سجناء على يد قوات الأمن اليمنية، وتبين لاحقا أنه فيديو قديم لتعذيب سجناء عراقيين في عهد الرئيس السابق صدام حسين. لقد وقعت الجزيرة في خطأ لم يكن مقصودًا، لكنّه حملها على الاعتذار للمشاهدين وتصحيح الخبر. وانتهزت قناة "اليمن" الموالية لنظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الفرصة لمهاجمة الجزيرة والتشكيك في مهنيتها بسبب هذا الخطأ.

الرابط لمقطع الفيديو:

كان ذلك درسًا مهمًّا فرض لاحقًا الاهتمام بتعزيز آليّات التحقق من صحة مقاطع الفيديو أو الصور. ورغم كل المحاولات في هذا الصدد إلا أنّ منهجية العمل لم تكن واضحة بعدُ بالقدر الكافي، وإنّما كانت تعتمد على جهود فردية، ربما لأن التجربة كانت ما تزال جديدة.

أمّا أضخم التحديات فكانت تتعلّق بالتّعامل مع المواد المتدفّقة من سوريا. أذكر جيّدًا عندما توصلتُ إلى مقطع فيديو لأول مظاهرة في سوق الحميدية وسط دمشق يوم 15 مارس/آذار 2011. كنت أبحث وقتها في موقع يوتيوب عن أيّ مادة تصل من سوريا بعد أن انتشرت على الإنترنت دعوات للخروج في مظاهرات تطالب بالتغيير. فحصلت على الفيديو وعرضته على هيئة التحرير في غرفة الأخبار، ولكنّ أعضاءها بدوا جميعًا متشكّكين من صحّته. كان صاحب مقطع الفيديو يؤكد بصوته أنّ تاريخ اليوم هو 15 مارس/آذار 2011 وأنّ المكان هو سوق الحميدية. أمّا تاريخ تحميل الفيديو على يوتيوب فكان بنفس تاريخ المظاهرة، وكان بوسعي تمييز المكان لأنّني زرت سوق الحميدية مرارًا في الماضي وأعرفه جيّدًا، ومع ذلك استعنت بزملاء من سوريا للتوثّق من المكان والبحث عن أية إشارات تؤكد صحة الفيديو أو تنفيها. ولم نستطع التأكد من مراسل الجزيرة في دمشق آنذاك، ولكني نجحت عبر الاتصال بنشطاء من تأكيد الوقائع. قد لا أستطيع القول إنّنا كنا متأكدين 100%، ولكن رجحت لدينا كفة العوامل التي تقول بصحته، وهو ما ثبت بالفعل. فبثت الجزيرة مقطع الفيديو في ذلك اليوم بعد تردّد طويل ومعارضة من البعض.

الرابط لمقطع الفيديو:

 

لا أنكر أننا كنا نخطئ أحيانًا فنبثُّ شريط فيديو من سوريا مثلًا، ليتّضح بعدَ ذلك أنّه وقع في منطقة أخرى أو في تاريخ قديم. وكلّما أتيحت لنا الفرصة كنّا نسارع في تصحيح الخبر في نشرات الأخبار اللاحقة. وهكذا بدأت تترسّخ داخل غرفة الأخبار ثقافةٌ جديدة في التحقق من مقاطع الفيديو والصور والأخبار دون أن يكون هنالك قسم متخصّص لديه سياسةٌ محدّدة يسير وفقها في هذا الصدد.

وحدة التحقق

اهتمام الجزيرة بالإعلام الرقميّ بدأ مبكّرًا، ولكن في العام 2014 قررت القناة تأسيس وحدة الإعلام الاجتماعي داخل غرفة الأخبار. كان من أبرز مهامّ هذه الوحدة، التحقّق من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون ( User Generated Content ) على اعتبار أنّ هذا المحتوى قد بات مصدرًا مهمًّا من مصادر الأخبار يوازي بأهمّيته مصادر الأخبار التقليدية داخل غرفة الأخبار (المراسلون ووكالات الأنباء).

في 16 فبراير/شباط 2015 شنّت مقاتلات مصرية غارة جويّة على مدينة درنة شرقي ليبيا، استهدفت -حسب السلطات المصرية- مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك ردًّا على إعدام التنظيم 21 مصريًّا قبطيًّا في مدينة سرت غربي البلاد. لكن سرعان ما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تظهر استهداف المقاتلات المصرية مواقع مدنية في مدينة درنة، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أطفال، خلافًا للرواية الرسمية المصرية.

بدأت وحدة الإعلام الاجتماعي في قناة الجزيرة بحثًا فوريًّا على شبكات التواصل الاجتماعي بموازاة الأخبار المتدفّقة عن الغارات المصريّة على وكالات الأنباء، وحاولت تعقّب صورة جثث ثلاثة أطفال قيل إنهم لقوا حتفهم في الغارة. تم التواصل مباشرة مع أحد الذين نشروا الصورة على الفيسبوك وأكّد أنّها صحيحة 100%، لكنّ شكوك الجزيرة كانت كبيرة لأنّ صاحب الصفحة يُقيم في فرنسا لا في ليبيا، كما تبيّن أنّه في الأصل من سكّان مدينة بنغازي وليس من مدينة درنة حيث وقعت الغارة. ثمّ تواصلت الوحدة مع صحفيّ مستقلّ في مدينة درنة عبر تويتر وأكّد هو الآخر صحة الصورة. وبمراجعة حسابه على تويتر والبحث فيه بدا لنا أنّه يحرص على نشر معلومات صحيحة. ومع الاتصالات التي قام بها مراسل الجزيرة في طرابلس مع مصادر مختلفة على الأرض في مدينة درنة، توصّلت الجزيرة إلى قناعة بأنّ الصورة صحيحة فعلًا فنشرتها عبر المنصات الرقمية وعلى شاشة القناة.

واجهت الجزيرة هجومًا عنيفا من الإعلام المصريّ الذي قال إنّ صورة الأطفال الثلاثة مفبركة، وإنها تعود إلى حادثة وفاة أطفال جراء الاختناق بغاز مدفأة في مدينة طرابلس، واتّهم الجزيرة بتزوير الوقائع ومحاولة تضليل المشاهدين. وفي لحظة ما تحت وطأة الانتقادات تشكّكت الجزيرة في صحّة الصورة ، واتّخذت قرارًا بحذفها من المنصّات الرقمية وعدم استخدامها على الشاشة. كانت تلك لحظة ارتباك دون شك، ولم يكن قرار حذف الصورة صائبًا لأنّ تراجع الجزيرة عن روايتها لم يقم على أسس مهنية تثبت أنّ الصورة بالفعل مفبركة مقابل المعطيات والأدلّة التي ترجّح صحتها.

هنا لعب الإعلام التقليدي دورًا حاسمًا عندما نجح مراسل الجزيرة في طرابلس عبر مصادره على الأرض في الحصول على فيديو خاص يؤكّد مجدّدًا رواية الجزيرة وصحة الصورة التي نشرتها لمقتل أطفال في القصف المصري على درنة. بعدها، عادت الجزيرة وتمسكت بصحة الخبر والصورة واستخدمت الفيديو الجديد لتعزيز روايتها التي تناقض رواية السلطات المصرية، وبثت تقريرًا يوضح مسار الرواية الصحفية للخبر ويفنّد ادعاءات الإعلام المصري.

رابط مقطع الفيديو:

 

منظّمة العفو الدولية بدورها قالت إنّ التحقيقات التي أجرتها بشأن الغارات المصرية على أهداف في مدينة درنة الليبية يوم 16 فبراير/شباط 2015 أظهرت سقوط صاروخين على الأقل في منطقة سكنيّة، مما أسفر عن مقتل سبعة مدنيين هم أمّ وأطفالها الثلاثة وثلاثة أشخاص آخرين.

  رابط الخبر على موقع منظمة العفو الدوليّة:

https://www.amnesty.org/en/latest/news/2015/02/libya-mounting-evidence-war-crimes-after-egypt-airstrikes /

 

الأخطاء تقع دائمًا

الخطوة الثانية التي اتخذتها قناة الجزيرة لتطوير أدائها في التعامل مع المحتوى الذي ينتجه المستخدمون، هي تدريب فريق وحدة الإعلام الاجتماعي تدريبًا متخصصًّا على آليات التحقق الجديدة، إضافة إلى تدريب نحو مئة صحفيّ من غرفة الأخبار تدريبًا أساسيًّا لفهم قيمة المحتوى الذي ينتجه المستخدمون، والتحدّيات التي يفرضها التعامل مع هذا النوع من المحتوى. ومع ذلك كانت الأخطاء تقع.

في ديسمبر/كانون الأول 2015 انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عن غناء مجموعة أطفال كنديين نشيدَ "طلع البدر علينا" باللغة العربيّة ترحيبًا باللاجئين السوريين كما يدّعي الفيديو. ثمّ تبيّن لاحقًا أنّ ذلك المقطع لا صلة له باللاجئين السوريين، ولكنّ المعلومات الخاطئة التي روّجها البعض لقيت انتشارًا واسعًا، ممّا دفع العديد من القنوات التلفزيو?

الخلاصة

يبدو أنّ الأخطاء ستقع دائمًا، فهذه طبيعة العمل الصحفيّ، لاسيّما مع المنصّات الرقمية وتدفّق مئات مقاطع الفيديو والصور يوميًّا. ولكنّ وقوع الأخطاء لا ينفي أنّ تجربة الجزيرة في مجال التحقق والتثبت من المحتوى على المنصات الرقمية أصبحت أكثر نضجًا، فقد استفادت القناة من أخطائها وطوّرت سياساتها وإجراءاتها لتصبح أكثر منهجيّة وانضباطًا.

ولتعزيز الممارسات الصحيحة في هذا المجال أصدر معهد الجزيرة للإعلام دليلًا مختصرًا يساعد الصحفيّين على فهم آليّات التحقّق وكيفيّة التعامل مع هذا المحتوى. ويمكن تنزيل هذا الدليل والاطّلاع عليه عبرالرابط الآتي:

 http://training.aljazeera.net/ar/whatwedo/2016/02/160225062636961.html

كما لا يمكن إغفال أهميّة دور المستخدمين أو المتصفّحين في إنضاج هذه التجربة، فقد أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي مراقبة وسائل الإعلام والتفاعل معها بشكل أفضل ولفت انتباهها عند وقوع الأخطاء.

 

هذا التقرير هو فصل من كتاب "البحث عن الحقيقة في كومة الأخبار الكاذبة".

 

 

لتحميل النسخة العربية من الكتاب، الرجاء الضغط على الرابط 

 

النسخة الإنجليزية من هنا

 

 

المزيد من المقالات

رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 26 مارس, 2024
دعم الحقيقة أو محاباة الإدارة.. الصحفيون العرب في الغرب والحرب على غزة

يعيش الصحفيون العرب الذين يعملون في غرف الأخبار الغربية "تناقضات" فرضتها حرب الاحتلال على غزة. اختار جزء منهم الانحياز إلى الحقيقة مهما كانت الضريبة ولو وصلت إلى الطرد، بينما اختار آخرون الانصهار مع "السردية الإسرائيلية" خوفا من الإدارة.

مجلة الصحافة نشرت في: 29 فبراير, 2024
تقرير معهد رويترز: فرص وتحديات المشهد الإعلامي لعام 2024

يستعرض تقرير روتيترز 2024 نتائجاً لمسح ركز بشكل أساسي على التحديات والفرص لوسائل الإعلام في عام 2024. وقد شارك فيه 314 من قيادات وسائل الإعلام في 56 دولة وإقليما، منهم 76 يشغلون منصب رئيس تحرير، و65 رئيسا تنفيذيا أو مديرا إداريا، و53 من رؤساء الأقسام الرقمية، وبعض هؤلاء من المؤسسات الإعلامية الرائدة في العالم.

عثمان كباشي نشرت في: 30 يناير, 2024
ما يلزم الصحفي معرفته عن مفهوم "المجاعة"

أثناء حرب الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين، وظف مصطلح "المجاعة" بشكل كبير إلى درجة أنه كان من بين الأدلة الأساسية التي استندت إليها جنوب أفريقيا في دعواها بمحكمة العدل الدولية. كيف يمكن للصحفي أن يفهم "المجاعة" وتعريفاتها المعتمدة وحدودها؟ وما هي المعايير المهنية التي تحكم توظيف هذا المصطلح؟

مجلة الصحافة نشرت في: 25 يناير, 2024
"لوس أنجلوس تايمز" والحرب على غزة.. صراع المحرّر والمالك؟

يرى مراقبون أن الرهان على إستراتيجيات التقليل من قيمة حياة الفلسطينيين في وسائل إعلام غربية قد بدأ يفرز تغيّرات داخل إدارات غرف الأخبار فيها مع تزايد الضغط من قبل العاملين فيها لرفض الانحياز التامّ لإسرائيل

مجلة الصحافة نشرت في: 23 يناير, 2024
كيف يكشف تحليل كمي عن مدى التحيز في تغطية الإعلام الأمريكي للحرب على غزة؟

يتطلب تحليل التغطية الإعلامية لقضية ما الاعتماد على لغة البيانات؛ وذلك للمساعدة في البرهنة على أنماط المخالفات المهنية لدى وسائل إعلام معينة. وهذا ما اضطلع به تحقيق صدر مؤخرا عن موقع ذا إنترسيبت بتحليله 1100 مقال من ثلاث صحف أمريكية، يعرض هذا التقرير أهم النتائج التي توصل إليها.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 12 يناير, 2024
كيف يغطي الصحفيون قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟

ماهي القضايا التي ينبغي على الصحفي التركيز عليها وهو يغطي دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟ وكيف يمكن للصحفي أن يصبح رقيبا على إجراءات المحكمة ومسائلا لنزاهتها وحياديتها؟

هالة عاهد نشرت في: 10 يناير, 2024
تدقيق المعلومات.. خط الدفاع الأخير لكشف دعاية الاحتلال في فلسطين

تلاعب بالمعلومات، حملات دعائية مكثفة، تضليل على نطاق واسع، كانت أبرز ملامح معركة "السرديات" التي رافقت الحرب على غزة. حاول الاحتلال منذ اللحظة الأولى توفير غطاء إعلامي لجرائم الحرب المحتملة، لكن عمل مدققي المعلومات كشف أسس دعايته.

خالد عطية نشرت في: 10 ديسمبر, 2023
السياق الأوسع للغة اللاإنسانية في وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة

من قاموس الاستعمار تنهل غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية خطابها الساعي إلى تجريد الفلسطينيين من صفاتهم الإنسانية ليشكل غطاء لجيش الاحتلال لتبرير جرائم الحرب. من هنا تأتي أهمية مساءلة الصحافة لهذا الخطاب ومواجهته.

شيماء العيسائي نشرت في: 26 نوفمبر, 2023
كيف يمكن لتدقيق المعلومات أن يكون سلاحًا ضد الرواية الإسرائيلية؟

في السابق كان من السهل على الاحتلال الإسرائيلي "اختطاف الرواية الأولى" وتصديرها إلى وسائل الإعلام العالمية المنحازة، لكن حرب غزة بينت أهمية عمل مدققي المعلومات الذين كشفوا زيف سردية قتل الأطفال وذبح المدنيين. في عصر مدققي المعلومات، هل انتهت صلاحية "الأكاذيب السياسية الكبرى"؟

حسام الوكيل نشرت في: 17 نوفمبر, 2023
منصات التواصل الاجتماعي.. مساحة فلسطين المصادرة

لم تكتف منصات التواصل الاجتماعي بمحاصرة المحتوى الفلسطيني بل إنها طورت برمجيات ترسخ الانحياز للرواية الإسرائيلية. منذ بداية الحرب على غزة، حجبت صفحات وحسابات، وتعاملت بازدواجية معايير مع خطابات الكراهية الصادرة عن الاحتلال.

إياد الرفاعي نشرت في: 21 أكتوبر, 2023
كيف يساعد التحقق من الأخبار في نسف رواية "الاحتلال" الإسرائيلي؟

كشفت عملية التحقق من الصور والفيديوهات زيف رواية الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول أن يسوق للعالم أن حركة حماس أعدمت وذبحت أطفالا وأسرى. في هذا المقال تبرز شيماء العيسائي أهمية التحقق من الأخبار لوسائل الإعلام وللمواطنين الصحفيين وأثرها في الحفاظ على قيمة الحقيقة.

شيماء العيسائي نشرت في: 18 أكتوبر, 2023
توظيف البيانات في قصص الزلازل.. ابحث عن الإنسان

ماهي أبرز استخدامات البيانات في قصص الزلازل؟ وكيف يمكن أن تبرِز القصص الإنسانية بعيدا عن الأرقام الجافة؟ ومتى تصبح حيوية لغرف الأخبار لفهم تأثيرات الزلازل على الطبيعة والإنسان؟  الزميلة أروى الكعلي تشرح كيف يمكن توظيف البيانات لفهم أعمق للزلازل.

أروى الكعلي نشرت في: 17 سبتمبر, 2023
إعلام المناخ وإعادة التفكير في الممارسات التحريرية

بعد إعصار ليبيا الذي خلف آلاف الضحايا، توجد وسائل الإعلام موضع مساءلة حقيقية بسبب عدم قدرتها على التوعية بالتغيرات المناخية وأثرها على الإنسان والطبيعة. تبرز شادن دياب في هذا المقال أهم الممارسات التحريرية التي يمكن أن تساهم في بناء قصص صحفية موجهة لجمهور منقسم ومتشكك، لحماية أرواح الناس.

شادن دياب نشرت في: 14 سبتمبر, 2023
التنوع في غرف الأخبار.. الجزيرة بلس نموذجاً

تشكل شبكة الجزيرة الإعلامية نموذجا للتنوع في غرف الأخبار. يساعد التنوع على  فهم القضايا المحلية المعقدة ووضعها في سياقاتها الثقافية والاجتماعية، كما يبرز وجهات النظر المختلفة أثناء اتخاذ القرار التحريري. يتحدث الزميل محمد ولد إمام في هذا المقال عن مزايا التنوع في منصة AJ+.

محمد ولد إمام نشرت في: 3 سبتمبر, 2023
متدربون صحفيون "مع وقف التنفيذ"

يعاني طلبة الصحافة المتدربون في المؤسسات الإعلامية من صعوبات كثيرة للاندماج في غرف الأخبار. الصحفية المتدربة هلا قراقيش تسرد قصص لمتدربين من الأردن واجهوا الفرق الشاسع بين الواقع والتنظير.

هالة قراقيش نشرت في: 31 أغسطس, 2023
الأفلام الوثائقية ومكافحة الأخبار الكاذبة.. "للقصة بقية" نموذجا

بات نشر الأخبار الكاذبة عملية منظمة أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد التحقق التقني كافيا لمواجهة حملات تضليلية تقودها جماعات وكيانات. يبرز الفيلم الوثائقي كآلية تسمح بمحاربة الأخبار الكاذبة. يدرس المقال نموذج برنامج "للقصة بقية" الذي تنتجه قناة الجزيرة.

بشار حمدان نشرت في: 22 أغسطس, 2023
الصحافة والذكاء الاصطناعي.. خسارة الوظائف ليست الخطر الأكبر

القلق الذي عبر عنه الصحفيون من فقدان وظائفهم ليس الخطر الأكبر، بل قدرة الذكاء الاصطناعي على فرض انحيازاته على مستوى السرديات واللغة بمساعدة من الصحافة، هو التحدي الأكبر الذي يواجههم.

محمد الشاذلي نشرت في: 13 أغسطس, 2023
كيف تستفيد الصحافة من السرد السينمائي؟

كيف يستفيد السرد في الصحافة من السينما؟ وماهي حدود "الاقتراض" من مجال رأسماله الخيال إلى أسلوب صحفي يوظف في بناء الحقائق؟ وما أبرز التقنيات التي استعارتها الصحافة من السينما؟

شفيق طبارة نشرت في: 6 أغسطس, 2023
"لسعات الصيف".. حينما يهدد عنوان صحفي حياة القرّاء

انتشر "خبر" تخدير نساء والاعتداء عليهن جنسيا في إسبانيا بشكل كبير، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتلقفه وسائل الإعلام، ليتبين أن الخبر مجرد إشاعة. تورطت الصحافة من باب الدفاع عن حقوق النساء في إثارة الذعر في المجتمع دون التأكد من الحقائق والشهادات.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 30 يوليو, 2023
كيف نستخدم البيانات في رواية قصص الحرائق؟

كلما اشتد فصل الصيف تشتعل الحرائق في أماكن مختلفة من العالم مخلفة كلفة بشرية ومادية كبيرة. يحتاج الصحفيون، بالإضافة إلى المعرفة المرتبطة بالتغير المناخي، إلى توظيف البيانات لإنتاج قصص شريطة أن يكون محورها الإنسان.

أروى الكعلي نشرت في: 25 يوليو, 2023
انتفاضة الهامش على الشاشات: كيف تغطي وسائل الإعلام الفرنسية أزمة الضواحي؟

اندلعت احتجاجات واسعة في فرنسا بعد مقتل الشاب نائل مرزوق من أصول مغاربية على يدي الشرطة. اختارت الكثير من وسائل الإعلام أن تروج لأطروحة اليمين المتشدد وتبني رواية الشرطة دون التمحيص فيها مستخدمة الإثارة والتلاعب بالمصادر.

أحمد نظيف نشرت في: 16 يوليو, 2023
لماذا يفشل الإعلام العربي في نقاش قضايا اللجوء والهجرة؟

تتطلب مناقشة قضايا الهجرة واللجوء تأطيرها في سياقها العام، المرتبط بالأساس بحركة الأفراد في العالم و التناقضات الجوهرية التي تسم التعامل معها خاصة من الدول الغربية. الإعلام العربي، وهو يتناول هذه القضية يبدو متناغما مع الخط الغربي دون مساءلة ولا رقابة للاتفاقات التي تحول المهاجرين إلى قضية للمساومة السياسية والاقتصادية.

أحمد أبو حمد نشرت في: 22 يونيو, 2023
ضحايا المتوسط.. "مهاجرون" أم "لاجئون"؟

هل على الصحفي أن يلتزم بالمصطلحات القانونية الجامدة لوصف غرق مئات الأشخاص واختفائهم قبالة سواحل اليونان؟ أم ثمة اجتهادات صحفية تحترم المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وتحفظ الناس كرامتهم وحقهم في الحماية، وهل الموتى مهاجرون دون حقوق أم لاجئون هاربون من جحيم الحروب والأزمات؟

محمد أحداد نشرت في: 20 يونيو, 2023