تستحق صحيفة "بيلد" الألمانية أن تكون المثال الأبرز على الإطلاق على غياب أخلاقيات المهنة والانحياز التام إلى حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. ورغم أن استشهاد أنس الشريف في قصف إسرائيلي كان يفرض على هذه الصحيفة أن تستحضر - ولو للحظة - أن الأمر يتعلق بزميل يتقاسم معها المهنة ذاتها، دون أن تستطيع مطلقا أن تتقاسم معه شجاعته ونكرانه الذات ومعيشته في الجوع وتحت القصف، رافضاً الخروج من غزة بأي طريقة، فإن الصحيفة تمادت في تحريضها ضد الفلسطينيين كما هو معتاد، لدرجة أنها نشرت مقالين ضد أنس الشريف.
اعتمد الأول - وكان خبرا - بشكل كبير جداً على الرواية الإسرائيلية وكان عنوانه: "الصحفي المقتول كان إرهابياً على ما يظهر"، بينما جاء المقال الثاني بعنوان: "إسرائيل تقتل مراسلاً في غزة: صحفي أم إرهابي؟" وأرفقته بصورة قديمة متداولة نشرها جيش الاحتلال يزعم أنها تُظهِر يحيى السنوار مع أنس الشريف.
والواقع أن التغطية المتحللة من أدنى أخلاقيات المهنة التي تقوم بها أكبر صحيفة ألمانية وأوروبية من حيث التوزيع ليست مصادفة؛ فهي تنتمي إلى مجموعة "أكسل شبرينغر" التي تضم عدة وسائل إعلامية، وتنص في ميثاقها الأساسي على "دعمها لحق إسرائيل في الوجود" وتلزم المجموعة كل من يريد العمل معها بتوقيع عقد يؤكد هذا الدعم. وقد بدأت هذه المجموعة في انحيازها لإسرائيل منذ حرب 1967 عندما التقى مؤسسها أكسل شبرينغر مع دافيد بن غوريون، واستمر الخط التحريري بكل هذه المساوئ إلى غاية اليوم.
الواقع أن التغطية المتحللة من أدنى أخلاقيات المهنة التي تقوم بها أكبر صحيفة ألمانية وأوروبية من حيث التوزيع ليست مصادفة؛ فهي تنتمي إلى مجموعة "أكسل شبرينغر" التي تضم عدة وسائل إعلامية، وتنص في ميثاقها الأساسي على "دعمها لحق إسرائيل في الوجود" وتلزم المجموعة كل من يريد العمل معها بتوقيع عقد يؤكد هذا الدعم. وقد بدأت هذه المجموعة في انحيازها لإسرائيل منذ حرب 1967 عندما التقى مؤسسها أكسل شبرينغر مع دافيد بن غوريون، واستمر الخط التحريري بكل هذه المساوئ إلى غاية اليوم.
متخصصة في الكذب
اشتهر اسم "بيلد" قبل مدة بسيطة عندما نشرت تقريراً مطولاً استناداً إلى وثيقة زعمت أنها كانت في حاسوب يحيى السنوار، لكن تبين وفق ما أكدته الصحافة الإسرائيلية نفسها أن الوثيقة قديمة وكانت مجرد توصية ولم تأتِ من عند السنوار، وأن هناك من سربها من مكتب نتنياهو لأجل خدمة هذا الأخير، ما كان يعني أن الصحيفة تعمل ذراعا إعلاميا لخدمة نتنياهو.
لكن التحريض المستمر ضد الصحفيين الفلسطينيين لم يقتصر فقط على أنس الشريف، بل اتهمت الصحيفة قبل أيام المصور الفلسطيني أنس زايد فتيحة الذي يعمل مع وكالة الأناضول باستخدام صور مضللة لأجل تضخيم معاناة سكان القطاع من المجاعة، واستخدمت الصحيفة أساليب قدحية من بينها كلمة "باليوود" التي تعني التمثيل وهي تركيب بين كلمتي "فلسطيني" و"وود" بشكل قريب من كلمة هوليوود.
نزعت الصحيفة الصور من سياقها متهمة الصحفي بأنه لم ينشر صور حصول السكان على المساعدات، بينما الحقيقة أنه نشرها ضمن ألبوم موجود على موقع الأناضول، كما "تجسست" على حسابه الشخصي وضخمت منشورا يتضمن عبارة "الحرية لفلسطين" وحرفته تماما. وقد دفع الكذب الواضح في التقرير منظمةً إسرائيليةً هي "فيك ريبورتر" إلى الرد على الصحيفة الألمانية وانتقاد طريقة تحويرها للحقائق، بينما أكد الصحفي المعني أن "بيلد" لم تتواصل معه نهائياً لطلب رد فعله عكس ما زعمته في مقالها.
إنكار المجاعة في غزة
لكن فضائح هذه الصحيفة لا تتوقف هنا فهي تكذب مع سبق إصرار والترصد رغم كل الأدلة الموثقة على أنها "تكذب". ونستدل في هذا السياق بما نشرته قبل مدة حول إنكارها لوجود مجاعة في غزة في مقال بعنوان: "خطة حماس الشيطانية للجوع"، الذي تظهر فيه الصحيفة متبرمة من تراجع دعم إسرائيل في ألمانيا وتوجه العالم للاعتراف بدولة فلسطينية.
وبغاية تبرير عنوانها المتحامل وغير المهني، اعتمدت بشكل رئيسي على ما كتبه أحمد فؤاد الخطيب الذي يقدم نفسه باحثاً، وهو فلسطيني الأصل يعيش في أمريكا في مقال له بصحيفة أتلانتيك. هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح حول هذا الشخص الذي نشر في فبراير/شباط الماضي تدوينة على تويتر اتهم فيها أنس الشريف والمصور الذي يعمل معه بمحاولة جمع معلومات استخباراتية واستطلاعية لصالح حماس في ممر نتساريم، دون أن تدلي بأي معلومة أخرى مُؤَكَّدة تثبت وجود خطة من حماس لاستغلال الجوع.
وفي مقال آخر كتبه نائب رئيس قسم السياسة في الصحيفة، فيليب بياتوف، بعنوان "ثماني حقائق عن جوع غزة لا يريد أحد سماعها"، ينكر وجود مجاعة في غزة ويعتبر الأمر سوء تغذية وليس مجاعة شاملة، ثم يُحمّل حماس المسؤولية الرئيسية عما يجري، متهماً إياها بالسيطرة على المساعدات الإنسانية، بل وينتقد حتى وكالات الإغاثة الدولية، بينما يقلل من مسؤولية إسرائيل بل ويدافع عنها ويقول إن "جيشها يعمل على تسهيل دخول المساعدات"!
ورغم أن بيانات الأمم المتحدة والشهود العيان المستقلين ووسائل إعلام غربية لها ممثلون في عين المكان يؤكّدون وجود مجاعة، لكن الصحيفة تستمر في الإنكار. ومن المفارقات أنه في المرّات القليلة التي وصلت فيها الصحيفة إلى غزة كانت بدعم من جيش الاحتلال الذي سافر معه مراسلها إلى داخل القطاع لتصوير ما يخدم سردية الاحتلال.
شيطنة المدافعين عن غزة
ولا تتوقف الصحيفة عند هذا الحد، بل دأبت منذ بداية الحرب على شيطنة المتظاهرين في ألمانيا ووصفهم بعبارات من بينها "الغوغاء" و"كارهو إسرائيل" و"معادو السامية"، مستغلة عقدة الذنب في ألمانيا تجاه اليهود، ووصل بها الأمر لحد الكشف عن معلومات شخصية لطلبة متظاهرين طالبوا بوقف الحرب للتحريض ضدهم.
كما تحرض الصحيفة بشكل كبير على الصحفيين والنشطاء الداعمين لغزة، فقد كانت سبباً رئيسياً في دفع تلفزيون محلي عمومي إلى وقف التعاقد مع صحفية من أصل فلسطيني بمجرد أنها شاركت في مظاهرة "يوم القدس" قبل سبع سنوات من تقدمها للعمل في هذا التلفزيون، كما لقي مقدم برامج أطفال المصير ذاته في تلفزيون آخر بعدما نشرت الصحيفة خبراً عن مشاركته في مهرجان في الضفة الغربية المحتلة، تضمن فقرة ضد عنف المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
يعرف الألمان المتتبعون لوسائل الإعلام أن هذه الصحيفة تندرج ضمن "الصحافة الصفراء"، وهي أكثر الصحف الألمانية تلقياً للتوبيخ من طرف مجلس الصحافة الألمانية؛ إذ تلقت قرابة 300 توبيخ منذ عام 1986، وهو رقم يفوق بكثير باقي وسائل الإعلام الأخرى نتيجة لانحيازها الواضح، فهي من أقل وسائل الإعلام الألمانية حصولاً على ثقة الجمهور فيما يتعلق بالحرب على غزة، علماً أن استطلاع رأي نشرته هيئة البث العمومية الألمانية أظهر أن حوالي نصف الألمان إما لا يثقون مطلقا أو يثقون بشكل ضعيف جداً في تغطية وسائل الإعلام الألمانية بخصوص هذه الحرب.
تحرض الصحيفة بشكل كبير على الصحفيين والنشطاء الداعمين لغزة، فقد كانت سبباً رئيسياً في دفع تلفزيون محلي عمومي إلى وقف التعاقد مع صحفية من أصل فلسطيني بمجرد أنها شاركت في مظاهرة "يوم القدس" قبل سبع سنوات من تقدمها للعمل في هذا التلفزيون، كما لقي مقدم برامج أطفال المصير ذاته في تلفزيون آخر بعدما نشرت الصحيفة خبراً عن مشاركته في مهرجان في الضفة الغربية المحتلة، تضمن فقرة ضد عنف المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
مصالح اقتصادية
ولعله من الأسئلة أو المفارقات التي تطرح عن أسباب كل هذا الارتباط الذي يجعل مؤسسة "أكسل شبرينغر" تدافع عن إسرائيل بكل هذا الحجم، هو عدم انتقادها لإسرائيل إلى درجة أن الرئيس الإسرائيلي يستشهد بها لنفي وجود مجاعة، بينما ستجد فيها انتقادات يومية للحكومة الألمانية.
لقد أصبح معروفا أن الصحيفة واقعة بشكل رئيسي تحت سيطرة اللوبي الصهيوني في ألمانيا، ولكن هناك كذلك جانب مادي؛ إذ تستفيد مؤسستها كذلك من عائدات مادية نتيجة لهذا الدفاع عن إسرائيل، فقد استحوذت "أكسل شبرينغر" على الشركة الإسرائيلية الناشرة لموقع الإعلانات المبوبة "ياد 2" أكبر موقع من نوعه في إسرائيل، وينشر هذا الموقع قوائم عقارية بما فيها تلك الواقعة في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، ما جعل منظمات فلسطينية تقدم شكاوى ضد "أكسل شبرينغر" في ألمانيا. كما تُعَدُّ هذه المؤسسة شريكاً حصرياً لمنصة "أوت برين" الإسرائيلية المختصة في التسويق الرقمي.
لقد أصبح معروفا أن الصحيفة واقعة بشكل رئيسي تحت سيطرة اللوبي الصهيوني في ألمانيا، ولكن هناك كذلك جانب مادي؛ إذ تستفيد مؤسستها كذلك من عائدات مادية نتيجة لهذا الدفاع عن إسرائيل، فقد استحوذت "أكسل شبرينغر" على الشركة الإسرائيلية الناشرة لموقع الإعلانات المبوبة "ياد 2" أكبر موقع من نوعه في إسرائيل، وينشر هذا الموقع قوائم عقارية بما فيها تلك الواقعة في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، ما جعل منظمات فلسطينية تقدم شكاوى ضد "أكسل شبرينغر" في ألمانيا. كما تُعَدُّ هذه المؤسسة شريكاً حصرياً لمنصة "أوت برين" الإسرائيلية المختصة في التسويق الرقمي.
ونتيجة لدفاعها الكبير عن إسرائيل، رُشح رئيسها التنفيذي ماتياس دوبفنر للحصول على وسام الشرف الرئاسي الإسرائيلي، وقد سبق له أن نال عدة تكريمات إسرائيلية كما استقبلت مؤسسته عدداً من الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
ومن الغرائب أن في هذه المؤسسة أكاديمية لتكوين الصحفيين، تلزمهم بزيارة إسرائيل خلال تدريبهم لأجل تهيئتهم لترويج الدعاية الإسرائيلية، في عملية "غسيل دماغ" تتفرد بها هذه المجموعة.