لم توفّق صحيفة الـ"نيويورك تايمز" في عنونة التقرير الذي نشرته يوم 14 مايو/أيار الحالي على صفحتها بتويتر. العنوان كما ظهر في التغريدة يختلف عن العنوان الأصلي للتقرير.
فترويسة التقرير تقول "إسرائيل تقتل العشرات على حدود غزة مع افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس". بينما جاء في التغريدة، "موت عشرات الفلسطينيين مع افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس".
جلبت التغريدة الكثير من النقد لما اعتبره معلّقون استخفافا بدماء الضحية، إذ يبدو الفرق شاسعا بين الموت ذي الأسباب المتعددة والقتل بواسطة الآلة العسكرية. إضافة لعدم استخدام التغريدة لصيغة المبني للمعلوم بخلاف التقرير نفسه الذي أشار بوضوح إلى إسرائيل.
محمد زيدان، الصحفي والمترجم، كان من بين من انتقد على صفحته الشخصية في فيسبوك تلك التغريدة، متسائلا بلهجة ساخرة عن إن كان علينا الاهتداء بهذه "الصحافة المحترمة". وفي حديثه لمجلة الصحافة، قال "إنالتقليد الغربي الذي اعتدنا عليه في تغطية القضية الفلسطينية يجنح عادة لاستخدام توصيفات يمكن وصفها بأنها تخدم وجهة النظر الإسرائيلية أكثر من كونها "حيادية". فالكل يستطيع أن يتفق على أن كلمة "موت" هي تشويه للحقيقة أو تهرب منها حين تستخدم في سياق "القتل"، أو استخدام كلمة "عنف" في سياق الحديث عن مجزرة متكاملة الأركان. الإعلام الغربي (والآن بعض الإعلام التطبيعي العربي) يتماهى مع حق "الأبيض العقلاني" في استخدام أدوات الدولة الحديثة والكفؤة لضبط غيره من الأمم الهوجاء من العالم الثالث، والدعاية الإسرائيلية نجحت في اللعب على هذه الصورة على الدوام".
أفضل من التغطيات السابقة
وصف الصحفي الحر والمدرب، عماد الرواشدة، المشهد الإعلامي الغربي لتغطية المجزرة التي وقعت في غزة على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي، وصفا مختلفا، بقوله "أظهر الإعلام الأميركي قدرا كبيرا من التوازن، على غير العادة، تجاه ما يحدث في غزة إذا ما قسنا الأمر بتغطيات سابقة. خلال الأحداث الأخيرة شهدنا محللين أميركيين وأميركيين من أصول عربية على شاشات سي أن أن وسي بي إس وغيرها، يُسهبون في نقد قرار نقل السفارة وبالعنف الممارس على الفلسطينيين عموما وعلى أوضاع غزة خصوصا. شهدنا أيضا كيف أن الصفحات الأولى للصحف الكبرى مثل الـ"نيويورك تايمز" والـ"واشنطن بوست"، خصصت مساحات لتغطية ما حدث في غزة من زاوية قتل المحتجين غير المسلحين. طبعا لا يزال الإعلام الأميركي يمارس كل ذلك بنوع من الاستحياء، فحتى نقد العنف الإسرائيلي يأتي في سياق تفهم "حاجة إسرائيل لحماية حدودها"، والحدود هنا كلمة مفصلية لأنها تخلق صورة ذهنية لدى المتلقي الأميركي وكأن ثمة محتجين يريدون اختراق الحدود مع دولة أخرى، وهذا طبعا يجعل العنف الإسرائيلي مبررا أو مفهوما بالنسبة لشريحة واسعة من الأميركيين.. لكن كل ذلك لا ينفي أن الإعلام الأميركي يبدو هذه المرة أقرب للفلسطينيين منه للإسرائيليين، والسبب هو السياق السياسي العام في الداخل الأميركي. الولايات المتحدة كما نعلم، تعيش استقطابا سياسيا حادا وغير مسبوق، ربما على امتداد تاريخها القريب على الأقل. انتخاب ترمب عمق الهوة بين التيارين الليبرالي والمحافظ، فيما تبدو سياسات ترمب عموما محل نقد حاد من قبل معارضيه، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية. هذا الانقسام وتلك الحسابات السياسية تنعكس بطبيعة الحال على الإعلام، الليبرالي في غالبيته، والمعارض لترمب عموما. ملف نقل السفارة والاحتجاجات في غزة شكلت فرصة جديدة للتيار الليبرالي لنقد سياسات الإدارة بوصفها لا تراعي المصالح العليا للبلاد.. تحليلات كثيرة تشير الآن إلى الدور الذي لعبته إسرائيل ودول إقليمية في إلغاء اتفاق إيران وفِي الضغط لنقل السفارة، وكيف أن هذه التحالفات ليست في صالح البلاد وتعمق حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما يعني عدم كفاءة الإدارة الحالية في التعاطي في ملفات السياسة الخارجية. النيورك تايمز منذ بداية تولي ترمب مثلا أشارت للخلفية اليهودية والصهيونية لجارد كوشنر، صهره والمسؤول عن ملف السلام، وعلاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولمحت وبقية وسائل الإعلام لعدم إمكانية أن يمثل الرجل وسيطا نزيها في الملف".
عتاب للبي بي سي
ورغم إقلاله من نشر آرائه على صفحته الشخصية بالفيسبوك، إلا أن فيل ريس، رئيس وحدة التحقيقات الاستقصائية في شبكة الجزيرة، وجّه رسالة عتاب لزملائه في شبكة بي بي سي الإخبارية، قال فيها: "عملت في بي بي سي لمدة 23 عاما وأقدر مبادئها الأساسية وأفتخر بها. لكن كيف تصف المذبحة المتعمدة بحق مدنيي غزة بالاشتباكات؟ لا يستوي القتلى وأولئك الذين سحبوا الزناد وذبحوا مدنيين. لا يستوي شعب تحت الاحتلال العسكري وأولئك الذين يفرضون احتلالا وحشيا. ماذا حدث للبي بي سي في هذا الشأن؟
وفي آخر الرسالة توجه ريس لرئيس التحرير طالبا منه فعل شيء حيال هذا الأمر، لأن الرأي العام البريطاني لن يقبل ليَّ الحقائق.
من ناحية أخرى، فاجأت مجلة "نيويورك ديلي نيوز" قرّاءها ومتابعيها بوضع صورة إيفانكا ترامب على غلاف عددها الصادر يوم 14 ماير/أيار الماضي، خلال مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، بتعديل في الصورة يظهر ما يحدث على حدود غزة من مجازر يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين ووصفتها بأنها "غولة أبيها الصغيرة".
شياطين الصحافة العالمية
وفي انتقاده للصحافة العالمية بشأن تغطية أخبار المجزرة المرتكبة بحق فلسطينيي غزة، قال الناشط الفلسطيني علاء أبو دياب إن عنوان إحدى الصحف الدنماركية كان، "الإسرائيليون يتظاهرون أمام منزل نتنياهو احتجاجاً على أحداث غزة". بمعنى أن الإسرائيليين شعب طيب لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحمل المسؤولية، وأن الصحيفة بهذه الطريقة قد غطت على أخبار غزة لأنها مضطرة لذلك، وفي الوقت نفسه فقد حافظت على سمعة إسرائيل، وتابع في بوسته المنشور على صفحته الشخصية بالفيسبوك، أن "الصحافة العالمية أخرجت كل شياطينها اليوم لتمرير أحداث الأمس (يقصد يوم 14 مايو/أيار ) دون أن تزعج إسرائيل".