ساهمت الأحداث الساخنة في العالم العربي بظهور المواطن الصحفي الذي بات أحد المصادر الرئيسية للوسائل الإعلامية، وأحيانا كان المواطنون الصحفيون هم المصدر الوحيد.
انطلق المواطنون الصحفيون أكثر في الساحات التي غاب عنها أو قلّ فيها الصحفيون المحترفون العاملون في مؤسسات إعلامية معروفة، وعملوا دون معرفة سابقة بأصول العمل الصحفي، لكن صورهم ومقاطع الفيديو التي كانوا يرسلونها للقنوات التلفزيونية، غيرت مسرى التغطيات الإخبارية وفرضت ذاتها على الساحة الصحفية.
ورغم أن الصحفي المحترف أو المواطن الصحفي معرضان لخطر الاختطاف أو الاعتقال أو الاستهداف في مناطق التوتر، إلا أن المواطن الصحفي يفتقد لمؤسسة صحفية تدافع عنه أو تهتم بتعويضه أو تعويض عائلته عند غيابه.
بالنسبة لخالد فهيم، وهو صحفي مهتم بالإعلام الجديد وشريك مؤسس في شبكة رصد فإن "الحرية الصحفية مفقودة في العالم العربي، وهذا الأمر يشمل الصحفي والمواطن الصحفي على حد سواء.. "تقرير مراسلون بلا حدود الصادر لعام 2017 حول حرية الصحافة وأمن العمل الإعلامي ذكر أن هناك 9 دول عربية تم تصنيفها على أن وضع العمل الصحفي بها وُصف بالـ"خطير للغاية" و8 دول العمل الصحفي فيها وُصِف بالـ"صعب".. ومن واقع تعاملي اليومي مع مواطنين صحفيين يمكن القول إن المواطن الصحفي لا يتمتع بأى ضمانة حقيقية للحفاظ على سلامته خاصة في دولة كمصر مجرد حمل كاميرا فيها يُعدُّ دليل اتهام واعتقال، كما أن الصحفي العادي يتمتع بقدر ما من إمكانية الحفاظ على سلامته إذا كان عضوا في نقابة صحفية أو يحمل هوية مؤسسة إعلامية، غير ذلك فإن الدول العربية لا تعترف بمن يمارسون مهنة الصحافة من المواطنين العاديين".
ويعتقد فهيم أن الدور الأكبر في دعم المواطن الصحفي يقع على عاتق المؤسسة التي يتعاون معها الصحفي ومدى التزامها بتقديم الدعم والإعلامي والمالي والحقوقي له في حال تعرضه لمخاطر.
وعن تجربته في شبكة رصد يشير إلى أنه حين بدؤوا عام 2010، كانت وسائل التواصل مع المواطن الصحفي معدودة جدا، فكان فريق التحرير –وهو منهم- يتواصلون عن طريق أرقام الهواتف الأرضية وفي بعض الأحيان عند انقطاع الإنترنت، لكن اليوم فالتواصل يتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. كما سهلت برامج الاتصال المجانية المهمَّة من حيث سرعة التقاط الصورة وسرعة إرسالها، حتى أن بعض البرامج يمكن تشفيرها بحيث يتم مسح المواد المرسلة عقب إرسالها فورا. وخلال عام 2012 أسسوا في رصد مركز تدريب صحفي كان مختصا بتأهيل المواطنين الصحفيين فقط، وقد قدّمت الشبكة من خلاله تدريبا حول أساسيات العمل كمواطن صحفي.
تتفق السورية سمارة القوتلي -التي بدأت مسيرتها مواطنة صحفية قبل انضمامها رسميا لطاقم الجزيرة- تتفق مع خالد فهيم فيما يتعلق بمعاناة كل من المواطن الصحفي والصحفي، وتضرب مثلا بمحمد نور، مراسل الجزيرة في درعا الذي فقد ذراعه أثناء التغطية مع تقيده بقواعد السلامة.. "الحرب في سوريا لا تفرق بين أحد".
التجربة السورية
عادة ما ينقل المواطن الصحفي في البلدان العربية الرواية الأخرى التي ترفضها الأنظمة ولذلك فهو مصنف –ضمنا- من المعارضة ويتعرض للكثير من الأذى. وفي سوريا تتعقّد الأمور بالنسبة للصحفي المحترف وتزيد تعقيدا أمام المواطن الصحفي.. حسام تقي الدين، أحد الصحفيين السوريين الذي بدأ مواطنا صحفيا ذكر بعض المشاكل التي يعاني منها المواطنون الصحفيون كضياع الحقوق؛ فالوكالة الصحفية التي يعمل معها المواطنون الصحفيون لا تكفلهم إن تعرضوا لإصابة مثلا، كما أن الأجور المادية مجحفة جدا لا تتجاوز الـ200 دولار، في حين أن المواطن الصحفي بحاجة لتوفير أدوات مكلفة للعمل لا تتكفل بها الوكالات الصحفية، فضلا عما يدفعه لتوفير الإنترنت وبديل للكهرباء. كما أن قلة الوعي لدى المواطن الصحفي يساهم في استغلاله؛ فالعقد عادة ما يكون شفاهيا وفي حالة تقي الدين، فهو لم يستلم حتى الآن مستحقاته من الوكالة التي كان يعمل لحسابها، وقد رفضت الأخيرة منحه شهادة خبرة كي لا تكون دليلا على عمله مع الوكالة إن قاضاها.
أما الأمر الآخر، فهو إهمال الوكالات الصحفية تدريب المواطنين الصحفيين الذين يتعاملون معهم. صحيح أن الخبرة التي اكتسبها المواطن الصحفي على الأرض كبيرة جدا لكنه بحاجة للتأهيل أكثر من الناحية النظرية وباتخاذ إجراءات السلامة. كما يرى تقي الدين أنه من المجحف بحقه كمواطن صحفي أن تنظر المؤسسات الصحفية له ولزملائه نظرة أقل من الصحفي العادي أو المراسل الصحفي وتفضل أن تطور مراسليها دون منح المتعاونين معها فرصة التطوير مع ثقته أن الخبرة التي يمتلكها المواطن الصحفي في سوريا تؤهله للاحتراف، إذا حرصت الوكالات الصحفية على رعايته.
الحاجة للتدريب
بحسب خالد فهيم، يتطلب موضوع إجراءات السلامة بحثا من المواطن الصحفي نفسه في اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تساعده في الحفاظ على أمنه، أما فيما يخص الدعم الحقوقي فـ"لا توجد منصات معنية بهذا الشأن في الوقت الحالي، لكن في مصر بعد ثورة يناير أسس بعض الصحفيين نقابة خاصة بالإعلام الإلكتروني كانت مهتمة بدعم الصحفيين غير المسجلين في نقابة الصحفيين، وكان من أحد أدوارها دعم المواطن الصحفي، لكن عملها توقف نتيجة الأوضاع الأمنية الصعبة في مصر، وهناك مؤسسات صحفية مهتمة جدا أن تكون هناك قوانين تنظم عمل وتحفظ حقوق المواطن الصحفي، لأنه يساعدها في تغطية الأخبار التي لا يستطع الصحفي العادي الوصول إليها".
بالنسبة للمواطنين الصحفيين في سوريا تقول سمارة القوتلي إنه كانت هناك محاولات لتشكيل مجموعة تهتم بحقوق المواطن الصحفي لكن فضاءها لم يتجاوز صفحات الفيسبوك، كما حاول أحد الفصائل تزويد المواطنين الصحفيين ببطاقات تعرّف بهم، لكن البطاقات كانت من نصيب من تتفق أفكاره وأفكار ذلك الفصيل.
المواطن الصحفي ليس محقّاً تماما
مشكلة المواطن الصحفي برأي فهيم أنه سهل الانجرار وراء الشائعات، وقد لا يستطيع التأكد من صحة بعض الأرقام الخاصة مثلا بأعداد الضحايا إن كان يغطي خبراً به موت لعدد من الأشخاص، أو قد تدفعه توجهاته السياسية ووجهات نظره الشخصية لتداول وإرسال أخبار غير صحيحة؛ فمسألة التزامه بأخلاقيات العمل الصحفي أمر غير وارد، إما لأنه لا يعرف ما هي أوأنه يتأثر بوجهه نظره الشخصية في تغطية الأحداث، فيتغاضى عن نقل أجزاء من المشهد لإيصال رسالة معينة. عندها يكون يقع الدور على غرف الأخبار للتحقق من الأخبار.
واستكمالا لثغرات يقع فيها المواطن الصحفي يقول (س) من سوريا إن الإعلام السوري المعارض للنظام والذي نما مع بداية الثورة، اتخذ طريقين أساسيين:
الأول هو المواطن الصحفي والناشط الميداني اللذان يرفعان مقاطع الفيديو والصور عبر قنوات الفيسبوك واليوتيوب وغيرها. والثاني، هو تحول المواطن الصحفي من النشاط الميداني الإعلامي للعمل والتنسيق مع وكالة إخبارية محددة أو قناة عالمية. وبذلك حقق "الإعلام السوري المعارض" بكلا الطريقين عددا من الإنجازات الكبيرة الدولية بدءاً من جائزة مراسلون بلا حدود للناشط هادي العبدالله، وانتهاء بعدد من الجوائز العالمية لبعض مراسلي الوكالات العالمية. بيد أن للقصة جانب مختلف، وهو الكم الغزير جدا من المشاكل الإعلامية الكبيرة التي تجسدت بدخول عدد كبير من عديمي الخبرة.. ويردف (س) بأن "الحصار وقلة الوعي والاعتماد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وإهمال الصحف والمجلات والمنصات الإعلامية الأساسية، ساهموا في عدم نضوج العمل الصحفي داخل سوريا" وأشار إلى أن الحصار عرقل عملية التواصل بين الصحفيين والمواطنين الصحفيين.