أطفأت جوائز بوليتزر هذا العام شمعتها المئة محتفلة بقرن كامل من تتويج أفضل الجهود في الصحافة الأميركية، ولم يكن غريبا أن تحضر أسماء صحف تقليدية توجت أكثر من مرة بهذه الجائزة، منها جريدة نيويورك تايمز التي حققت ثلاث جوائز في دورة 2017.
وتقدم بوليتزر في المجموع 21 جائزة، بينها 14 للأعمال الصحفية، أهمها فرع "الخدمة العامة"، ثم فروع التحقيق الاستقصائي والتغطية المحلية والتغطية الوطنية والتغطية الدولية، والمقالات الخاصة (الفيتشرز) والتغطية التفسيرية والمقال الافتتاحي وأفضل كاريكاتير وأفضل صورة إخبارية والأخبار العاجلة ومقال التعليق ومقال النقد والصورة الخاصة.
أبرز النتائج الصحفية
ومن بين أهم النتائج التي جرى الإعلان عنها هذا الأسبوع، من أصل 21 جائزة، كان فوز الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بجائزة التغطية التفسيرية عن عمل وثائق بنما الذي هز العالم خلال عام 2016 وشارك فيه حوالي 300 صحفي من دول متفرقة، إذ كشف عن قيام عشرات الشخصيات العمومية بتهريب الأموال نحو بنما للاستفادة من ملاذات ضريبية.
كما فازت جريدة "نيويورك تايمز" بجائزة التغطية الدولية عن عمل من عدة حلقات أنجزته مجموعة من صحفييها يخصّ ما يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته لأجل تقوية تأثير روسيا في العالم، فيما فاز ديفيد فرينتولد من "الواشنطن بوست" بجائزة التغطية الوطنية لتغطيته الخاصة بالحملة الانتخابية الأميركية، وتحديدا تتبِّعه لأنشطة وتصريحات دونالد ترامب وكشف العديد من الأمور المثيرة للجدل.
كما فاز موقعا "ديلي نيوز" و"بروبابليكا" بجائزة الصحافة العامة لنشرهما تحقيقا يظهر انتهاكات شرطة نيويورك بحق مجموعات من الأقليات، إذ منعتهم من العمل وطردتهم من منازلهم عبر توجيه تهم جنائية لهم، وفي صنف التحقيق الاستقصائي فاز إيريك أير عن جريدة "ذشارلستون غازيت ميل" عبر مجموعة من المقالات حول تعاطي المخدرات في ولاية فرجينينا الغربية.
ومن الأعمال التي توجت بالجائزة، بروفايل يصل إلى حوالي 18 ألف كلمة، حاز جائزة المقالات الخاصة (الفيتشرز)، يعود للصحفي سي شيفرز من جريدة "نيويورك تايمز"، إذ قضى عدة أشهر يكتب عن محارب قديم في أفغانسان تطارده تجاربه، وهو (المحارب) مسجون بسبب عراك عنيف مع شخص أجنبي.
ورغم استمرار وجود أسماء الصحف الكبيرة، إلَّا أن بعض الصحف الصغيرة تمكنت من إثبات نفسها، ومنها صحيفة "ستورم ليك تايمز" التي حصدت جائزة المقال الافتتاحي لأحد مالكي الجريدة وهو "أرت كولين"، بفضل مقالاته المتخصصة بالمجال الزراعي، ولا يتجاوز عدد العاملين بهذه الجريدة الموجودة في مدينة ستورك بولاية آيوا 14 شخصا، بينهم خمسة محررين ومدير نشر ورئيس تحرير، وفازت الصحيفة بالجائزة متفوقة على جريدة الواشنطن بوست العريقة.
للفنون والآداب والتاريخ كذلك نصيب من الجوائز
البوليتزر لا تتوج فقط ما يصدر في الصحف والمواقع من مقالات وتحقيقات وأعمدة رأي وصور وكاريكاتير، بل تتوج كذلك فروع الكتابة غير الصحفية بست جوائز إلى جانب جائزة للموسيقى. وقد فاز هذا العام في فرع "الخيال" الروائي كولسون وايتهيد عن روايته "مترو الأنفاق" التي تحكي عن عالم العبودية، كما توجت مسرحية "عرق" للكاتبة لين نوتاج بجائزة الدراما.
ومن اللافت في الجوائز الأدبية، فوز الكاتب الليبي هشام مطر بجائزة "السيرة الذاتية" عن كتابه "العودة: الآباء والأبناء وبينهما الأرض"، ويتحدث الكتاب عن رحلة هشام للبحث عن والده الذي كان معارضا لنظام القذافي واختطفافه من لندن وهو متجه إلى ليبيا حيث انقطعت أخباره.
تاريخ الجائزة
تعدُّ جائزة بوليتزر أو أوسكار الصحافة كما يطلق عليها في الولايات المتحدة، من أرفع الجوائز الصحفية ليس فقط داخل بلاد العم سام ولكن في العالم ككل. بدأت عام 1917، واقتُبس اسمها من الصحفي الأميركي جوزيف بوليتزر الذي توفي قبل البداية الرسمية للجائزة بسنوات، وكان قد دعا إليها في عام 1904 لأجل تتويج 13 عملا بينها أربعة تخصّ الصحافة، ووضع لها مجموعة من القواعد التي لا تزال الكثير منها حاضرة حتى اليوم.
وأوصى بوليتزر بخلق كلية للصحافة في جامعة كولومبيا زيادة على تنظيم الجائزة، وقد منح لأجل الجائزة حوالي 250 ألف دولار، قبل أن يرحل عن الحياة عام 1911 دون أن يرى رغبته تتحقق.
ويستطيع الصحفيون ترشيح أعمالهم عبر الموقع الرسمي للجائزة، ومن الشروط الأساسية أن يكون العمل منشورا في موقع أو صحيفة بالولايات المتحدة الأميركية وليس بالضرورة أن يكون المرشح أميركيا. كما لا تقبل الجائزة الأعمال التلفزيونية أو الإذاعية، ويختار مجلس الجائزة المكوّن من 19 عضوا لجنة من الصحفيين لانتقاء أفضل الأعمال، ثم تعرض الأعمال المرشحة الثلاثة في كل جائزة على المجلس الذي يتولى عملية اختيار الفائزين.
ومن التواريخ المؤثرة في مسار الجائزة، ما جرى عام 1999 عندما بدأت اللجنة تعتمد الأعمال المنشورة على الإنترنت لكن فقط أعمالا تكميلية للنسخة الورقية في نصف الخدمة العامة، وكان ضروريا انتظار عام 2008 حتى تقبل اللجنة أعمال الإنترنت المستقلة عن الورق، شرط أن تكون أعمالا لمؤسسات إعلامية أميركية تَنشر على الأقل مرة في السنة.
زوابع بوليتزر
- صحفي الحكومة
في أكثر من مرة، أحدثت جوائز بوليتزر ضجة واسعة، منها ما دعا إليه الصحفي إيمي غودمان عام 2005 من ضرورة حذف اسم ويليام لورنس من قائمة الفائزين بالجائزة عام 1946 عندما قام بتغطية إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغاساكي خلال الحرب العالمية الثانية، إذ كشف غودمان أن العمل كان ممولا من الخارجية الأميركية، وأن سفر لورنس إلى اليابان كان مجهودا حكوميا لمحاربة ما اعتبرته "صحافة سلبية" من صحفي مستقل وثق لـ"الطاعون الذري" الذي تسبّبت به القنبلتين.
- جائزة حُجبت
حُجبت جائزة "الخيال" عام 1974، إذ رشحت اللجنة فائزا واحدا وكان الأمر يتعلق برواية "قوس قزح الجاذبية" لتوماس بينشون، غير أن اللجنة قالت إن العمل كان مليئا بما اعتبرته تصويرا جنسيا ومدحا للمخدرات، وقامت بحجب الجائزة، الأمر الذي أدى إلى عدة انتقادات.
- صورة أعدمت صاحبها
عام 1993، التقط المصور الجنوب أفريقي كيفن كارتر ما اعتُبر أشهر صورة للمجاعة.. طفلة (قيل كذلك إنها طفل) في جنوب السودان لم يتبق منها سوى الجلد والعظام تقاوم الموت ووراءها نسر ينتظر وفاتها حتى يلتهمها. التقط كارتر الصورة التي نشرتها صحيفة نيويوك تايمز، وفاز من خلالها بجائزة بوليتزر لأحسن صورة عام 1994، قبل أن يوجد منتحرا في العام ذاته، لأسباب تتعلّق بالإحباط.
قيل الكثير عن كارتر، كتابات كثيرة اتهمته بأنه ركز على الصورة أكثر من التركيز على الطفلة، وقد برأه أحد أصدقائه من تهمة أن يكون تركها، إذ أكد في حوار له أن كارتر طرد النسر بعد التقاط الصورة، كما نشر صحفي إسباني من جريدة إلموندو عام 2011 أن الطفلة هي في الحقيقة طفل، وأنه لم يمت إلّا عام 2007 بسبب الملاريا.
جائزة المتسببين باستقالة الرئيس
عام 1972، اعتقلت قوات الأمن عدة أشخاص اتهموا بوضع أجهزة تصنت في مكاتب الحزب الديمقراطي داخل مبنى ووترغيت بواشنطن، أدين المتهمون لكن القضية لم تقف هنا، إذ اكتشف القضاء وجود شكوك في تورط مسؤولين بالبيت الأبيض، هنا تلقى صحفيان شابان هما بوب وودوورد وكارل برنستين معلومات من مصدر، أدى التحقيق إلى التوصل إلى حقيقة أن نيكسون كان متورطا في التجسس لأجل الفوز في الانتخابات.
نتحدث هنا عن فضيحة ووترغيت التي مكنت وودوورد وكارل برنستين، من جريدة الواشنطن بوست بالفوز بجائزة بوليتزر عام 1974، بإشراف من الصحفي المخضرم بن برادلي، في أكبر إنجاز تحققه الصحافة الأميركية في تاريخها، إذ لم يستقل أبدا أيّ رئيس للدولة بسبب تحقيق صحفي كشف تورطه في أمور ممنوعة.