يعرف المشهد الإعلامي في المغرب والجزائر الكثير من الأخبار اليومية التي تمسّ غالبية المجالات من الرياضة إلى السياسة، ممّا يشكّل مساحة خصبة لعشرات المؤسسات الإعلامية لأجل تتبع هذه الأخبار بالنقل والتحليل والتمحيص، وبين ثنايا هذا الكم الصحفي تبرز قضايا خلافية تُقسّم وجهات النظر وتخلق نقاشَا مستفيضَا بين الصحفيين والمهتمين حول أفضل الطرق للتغطية بشكل يحترم أخلاقيات المهنة وقواعدها.
اختطاف الطفلة نهال
من هذه القضايا، التركيز الكبير على قصص اختطاف الأطفال في الجزائر، إذ هيمنت هذه الأخبار على كبريات وسائل الإعلام، وهو أمر متوقع نظرا للبعد الإنساني في هذه القصص ولدّق ناقوس الخطر حول ما يتهدّد الطفولة الجزائرية، خاصة بعد الجريمة النكراء التي تعرّضت لها الطفلة نهال، وما رافق ذلك من جدل كبير حول ضرورة تنفيذ أحكام الإعدام لخاطفي الأطفال.
وبعيدًا عن القصة في حد ذاتها، تبيّن أن التناول الإعلامي للقضية أثار إشكاليات مهنية كبيرة نبّهت إليها سلطة ضبط السمعي البصري، وهي الهيئة المكلّفة بمراقبة أداء وسائل الإعلام المرئية والسمعية، إذ أكدت وجود تجاوزات في معالجة القضية وصل أحيانًا حدّ الانحراف، داعية إلى الامتثال للقواعد المهنية وأخلاقيات المهنة واحترام المقوّمات الأساسية للمجتمع والالتزام بمضمون النصوص القانونية، ومنها قانون محلي متعلق بحماية الطفل، والمعاهدات والمواثيق الدولية.
وإن كان بعض ما جاء في بيان السلطة يثير النقاش حقًا ولا يوجد بشأنه إجماع مهني كحديثها عن ضرورة الالتزام ببيان وكيل الجمهورية المختص والتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية بغية عدم إعاقة عملية التحريات، إلّا أن تأكيدها على ضرورة وضع الأحداث في سياق إخباري سليم يحترم خصوصية المعالجة الإعلامية لمثل هذه الحوادث، أمر مطلوب بشدة نظرا لحساسية الموضوع.
ومن الأخطاء المهنية التي رافقت قضية الطفلة نهال، نشر أخبار حول العثور عليها ميتة بناء على تكهنات قب أيام من الإعلان الرسمي عن وفاتها، ممّا أضرّ كثيرا بنفسية العائلة، زيادة على نشر معلومات سرية من التحقيق يمكن أن تساعد الجاني في معرفة تحرّكات الشرطة، وكذا نشر معلومات عن الحياة الخاصة لأسرة الطفلة، إضافة إلى عدم الحرص على أمان الطفلة في طريقة مخاطبة الجاني، إذ كثرت الخطابات الداعية إلى إنزال أشدّ العقوبات به رغم أن الطفلة لا تزال غائبة عن بيت أسرتها.
يشير موقع "أونا إثيكس" لجمعية صحافة أخبار الأون لاين بالولايات المتحدة إلى أن أهم ما يجب الحرص عليه أثناء تناول أخبار الاختطاف هو ضمان التوازن بين أمن الضحايا وحق الجمهور في المعرفة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بأشخاص معروفين. ويشكّل الحديث عن الاختطاف في وسائل الإعلام سيفا ذا حدين، فأحيانًا يمكن أن يشكل آلية للضغط على الخاطفين، غير أن عملية تحرير الرهائن قد تكون أسهل بالنسبة للسلطات إذا لم يتناول الإعلام أخبار الواقعة.
ويظهر الشق الثاني في مطالب منظمة الصليب الأحمر بخصوص واقعة اختطاف مسؤولتهم في اليمن، التونسية نوران حواس، إذ طلبت المنظمة من وسائل الإعلام عدم نشر فيديو تظهر فيه الضحية رفقة الخاطفين احتراما لها، كما سبق لوزارة الخارجية التونسية أن أكدت أن القضية حساسة ولا يمكن لها أن تعطي معلومات تفصيلية لوسائل الإعلام حفاظا على سلامة الموظفة.
لذلك يرى بوب ستيل، من منظمة بوينتر الإعلامية، أن أفضل طريقة للتعامل الصحفي المهني مع حوادث الاختطاف بتفضيل الجانب الإنساني على الجانب الخبري والحرص أولا على سلامة ضحية الاختطاف. وقد أتى ذلك الكلام في مقال نشره الكاتب كريك ميشيل في مقال له حول أسباب عدم الحديث عن صحفي نيويورك تايمز "ديفيك روهد" الذي اختُطف في باكستان حيث قال إن وسائل الإعلام لم تكتب شيئا عن الصحفي المختطف رغم علمها بذلك ورغم مكانة روهد وشهرته ورغم أن جريدته لم تطلب من بقية الصحف تجاهل الخبر للحفاظ على سلامته، إلا أن الأخبار عنه لم تظهر إلّا بعد قضائه سبعة أشهر في الاختطاف وهروبه بشكل درامي.
في حديث مع مجلة الصحافة، يرى أستاذ الإعلام في الجزائر، توفيق بوقعدة، أن بعض وسائل الإعلام الجزائرية تبحث عن السبق والإثارة، وأن الصحافة الجزائرية تعيش عموما حالة من الفوضى في المجالين التشريعي والمهني، ممّا خلق حالة من التسيّب في ضبط احترام أخلاقيات المهنة، زيادة على عدم اهتمام المؤسسات الصحفية بتكوين مستمر لصحفييها في مجال استقصاء الخبر. غير أن الأخطاء التي شهدتها التغطية الإعلامية لقضية الطفلة نهال لا تنحصر فقط لدى وسائل الإعلام، بل أيضا تشترك فيها المؤسسات الأمنية التي كثيرا ما تضع حاجزا أمام الإعلاميين حتى وإن لم يكن هناك مبرّر في إخفاء المعلومة، يضيف بوقعدة.
ويشير إلى طريقتين لمعالجة إعلامية أفضل لحوادث الاختطاف في الجزائر: الأولى ممكنة بشكل مباشر، وهي حظر النشر في مثل هذه القضايا حتى يتسنى لأجهزة الأمن العمل دون ضغط الشارع، لكنها تملك أثرا محدودا بسبب عدم القدرة على ضبط الإعلام البديل ما دام هذا الخبر يمكن أن يتسرّب إلى الشبكات الاجتماعية. أما الثانية، فهي تكوين صحفيين متخصصين في مثل هذه القضايا، يتمكَّنون من تمييز ما ينشر وما لا ينشر، وهو تكوين يجب أن تساهم فيه كل الجهات المعنية، منها الأجهزة الأمنية التي تضمن قناة اتصال مع الصحفيين لنشر الأخبار المؤكدة.
خروج سيدة مُدانة بالإعدام من السجن
كانت قضية السجينة المدانة سابقَا بحكم الإعدام، خديجة أمرير، من أكثر القضايا التي خلقت نقاشا إعلاميا بالمغرب في صيف هذا العام، فقد استفادت هذه السيدة- التي أدينت عام 1995 بقتل زوجها- من العفو الملكي بداية أغسطس/آب 2016. وبرّر المجلس الوطني لحقوق الإنسان استفادتها من العفو بسلوكها الحسن داخل أسوار السجن، زيادة على تطوّر مسار التخفيض من عقوبتها، فقد انتقلت العقوبة أولا من الإعدام إلى المؤبد، ومن المؤبد إلى الحبس المحدد، وأخيرا مكّنها العفو الملكي من حذف سنتين من العقوبة الحبسية لتعانق الحرية.
وشهد موعد خروج هذه السيدة من السجن احتفاء إعلاميا من طرف ميدي 1 تيفي وبحضور مسؤولين من المجلس الوطني لحقوق الإنسان. غير أن هذا الاحتفاء سيتحوّل لدى عدد من المواقع الإلكترونية إلى نبش في سيرتها الذاتية بالعودة إلى تفاصيل الجريمة ووصف أمرير بأوصاف مسيئة. فقد نشرت تلك المواقع ما جاء في جريدة خاصة بالحوادث قبل عقدين تقريبا وما جاء في برنامج بثته ميدي 1 تيفي حول "أخطر المجرمين"، بل إن بعض المواقع نقلت ما اعتبرته غضبا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الإفراج عنها، ومطالب هؤلاء الرواد بضرورة استكمالها لعقوبتها.
ويبقى السؤال المطروح هنا: أي قيمة إخبارية في العودة بالتفصيل الممل لجريمة قديمة قضت من أجلها هذه السيدة 21 عاما في السجن، خاصة إن كانت هذه العودة الإعلامية بغرض الحض على كراهيتها وليس مجرّد الإخبار؟ إذ لا يمكن للإنسان أن يحاكم على جريمة مرتين.. مرة بعد إدانته ومرة ثانية من طرف الرأي العام بعد كل هذه السنوات، علما أن تخفيض العقوبات أمر معروف في غالبية بلدان العالم إذا ما بيّن السجين استحقاقه لذلك مع مراعاة طبيعة الجُرم، وعلما أن العفوعن السيدة لم يتح لها في النهاية سوى الاستفادة من تخفيض سنتين.
وفي هذا الإطار، يتحدث عبد اللطيف بنصفية، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أن احتفاء قناة ميدي 1 تيفي بخروج السيدة من السجن يبقى ضمن توجهات الصحافة الجادة بما أنه يقدّم قصة إنسانية تشكّل نموذجًا للمواطنين وليست استفزازا لهم، خاصة أن السيدة عوقبت على الجريمة وغيرّت سلوكها وأعطت الدليل أن السجن كان عاملًا في مراجعتها لذاتها بما يحقّق أهداف العقوبة الحبسية.
وحول الحجج التي ساقتها بعض الصحف فيما يتعلق باحترام حق أسرة الضحية بعدم الاحتفاء بالسجينة السابقة، يقول بنصفية في حديث لمجلة الصحافة إن حق الأسرة في الإحساس بالحزن لحظة خروج السيدة من السجن يبقى أمرا واردا حتى وإن تنازلت عن حق المتابعة، غير أنه من حق آلاف المواطنين كذلك أن يتعرّفوا إلى هذا النموذج الإيجابي لسجينة غيّرت سلوكها، خاصة وأن الإعلام يهدف كذلك إلى إدماج المواطنين في محيطهم.
ويرى بنصفية أن عودة الإعلام إلى تفاصيل الإدانة تبقى أمرا عاديا بل وحقًا للقارئ في معرفة جوانب قصة هذه السيدة، لكن ما ينتهك أخلاقيات المهنة هو التوجهالإعلامي المُغرض لإبراز أن هذه السيدة لا تستحق الخروج من السجن، فالتعامل الإعلامي غير الأخلاقي هو عدم الاعتراف بحق سجينة سابقة قضت عقوبتها الحبسية في حياة جديدة.
غير أن فتيحة الداودي، وهي خبيرة قانونية مهتمة بمجال حقوق الإنسان، انتقدت الاحتفاء الإعلامي بسيدة تبقى جريمتها هي إنهاء حياة شخص آخر.. "حتى وإن كنا ضد عقوبة الإعدام، فقد كان من الأجدر بالنسبة للقنوات المغربية التفكير في مشاعر أسرة الضحية.. طريقة الاحتفاء أظهرت كما لو أن السيدة حققت إنجازًا عظيمًا وليس كونها سجينة سابقة استفادت من تخفيض عقوبتها".
وفي مقال كتبته الداودي حول الموضوع تقول إن خروج هذه السيدة لم يكن يستحق كل هذه الضجة الإعلامية وأنه كان من الأفضل للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يتعامل بتحفظ مع الواقعة بدل أن يكون أوّل المستقبلين للسجينة السابقة، لافتة إلى أن التغطية الإعلامية لحدث خروجها خلقت تساؤلات كثيرة حول دور أخلاقيات العدالة، ما دام وضع قواعد واضحة في المجتمع واحترام الحياة الإنسانية من أهم أهداف صياغة القوانين في مثل هذه النوازل.