لطالما كانت أخبار المنوعات جزءا من الصحف المطبوعة اليومية أو الأسبوعية، وكذلك من القنوات التلفزيونية والإذاعية، فهي من جهة تحقق الترفيه الذي يعدّ واحدا من أهداف الصحافة، ومن جهة أخرىتضمن للوسيلة الإعلامية جمهورا معينا ينفر من الأخبار الجادة، ومن جهة ثالثة تنشرالقليل من البسمة تجاه ميدان غالبا ما تحوز فيه الأخبار التي تتحدث عن المواجهات المسلحة وضحايا الحروب وجديد النزاعات؛الاهتمام الأكبر.
كان طبيعيا أن تنتقل أخبار المنوعات إلى الصحافةالرقمية، فإلى جانب العوامل المذكورة أعلاه، تبقى الفئات الشابة أكثر من يلج إلى الإنترنت عبر العالم لارتباط ذلك باكتساب مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة، (في الفيسبوك بالمغرب، هناك 7.5 ملايين مستخدم أعمارهم بين 18 و35 عاما، مقابل 1.8مليون فوق 35 عاما). وطبيعي أن جمهورا بهذا الحجم، لن تجذبه فقط الأخبار الجادة.
وما تجب الإشارة إليه،أن حذف المساحة الفاصلة بين الأخبار والإثارة بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، وأضحت وسائل الإعلام الإخبارية في الولايات المتحدة تبحث عن أخبار مثيرة لجلب القراء، ليبدأ عصر أخبار الجريمة والجنس والتلصّص على الحياة الخاصة؛ بالازدهار. ومع ذلك، استمرت قنوات إخبارية في حشد الانتباه، لاسيما خلال حرب فيتنام التي كانت أوّل حرب مصوّرة، وظهور قنوات مثل "سي.أن.أن"، واستمرار دخول الولايات المتحدة في نزاعات كما حدث في حرب الخليج.
تغيّرات في خصائص الجمهور
ونظرا لارتفاع مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي -وخصوصا فيالفيسبوك- من عام لآخر، إذ انتقلت نسبة مستخدمي الموقع من 100 مليون نهاية العام2008 إلى 1.54 مليار في الربع الأول من العام 2015، فقد كان طبيعيا أن ترتفع بذلك نسبة الوالجين إلى مواقع الصحف من هذا الموقع، بينما انخفضت في المقابل نسبة من يلجونها مباشرة من برنامج المتصفح، وذلك حسب ما كشف عنه تقرير لموقع “BuzzFeed” حول نسبة الولوج إلى عدد من المواقع المعروفة.
ولم يأتِ اعتماد المواقع الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي لرفع عدد زياراتها من فراغ، ففي دراسةأجراها مركز "بي.إي.دبليو" (PEW)للأبحاث تحت عنوان "جيل الألفية والأخبار السياسية" عام 2014، تبين أن موقع الفيسبوك أضحى مصدر الشباب الأوّل للتعرّف إلى آخر الأخبار السياسية، بنسبة بلغت 61%، بينما لم يعد التلفزيون يشكّل غير 37%،لكونه مصدر أخبار سياسية للجيل البالغ من العمر ما بين 18 و33 عاما.
غير أنه ليست الأخبار السياسية هي مايجذب الشباب، فقد أفادتقرير حول جودة وسائل الإعلام في سويسرا، مدعوم من طرف جامعة زيوريخ، بأن 61%من التقارير التي حظيت بتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2014 هي تقارير منوعات، ممّا يعني أن شباب التواصل الاجتماعي يفضلون الأخبار الطريفة، وذلك في وقت تراجعت فيه نسبة الشباب الذين يبحثون عن الأخبار في الجرائد المطبوعة، وانتقلت من 44% عام 2009 إلى 26%عام 2015.
أمثلة عن استحواذ أخبار المنوعات
ليست كل القصص التي تنشرها المواقع الإخبارية على صفحاتهابموقع الفيسبوك تحظى بالقدر نفسه من التفاعل، ونعطي هنا مثالًا بالقصص المنشورة على صفحة موقع "هسبريس" الذي يعدّ أول موقع مغربي من حيث نسب الولوج حسب ترتيب "أليكسا"، إذ نرى أن قصة حول فوائد الزنجبيل حققت في ظرف ثلاث ساعات 160 مشاركة، بينما لم تحقققصة نُشرت قبلها بساعة وخلال أربع ساعاتسوى 11 مشاركة، رغم أنها تتحدث عن تسليم وزارة الداخلية بطاقات إقامة لمهاجرين "مزوّرين"، بل إن قصة مهمة حول انخفاض نسبة نمو المغرب بسبب تأخر الأمطار، لم تحقق في ظرف خمس ساعات سوى 23 مشاركة.
هذا المثال يبيّن أن قصص المنوعات تحظى باهتمام كبير من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي. وما يؤكد ذلك أيضَا أن صفحات المنوعات والترفيه في المغرب مثلًا، تحظى بأرقام كبيرة من نسب التفاعل والمشاركة، ويلجأ الكثير من مديري المواقع الإخبارية إلى أصحاب صفحات ترفيهية على الفيسبوك لأجل نشر بعض الروابط من أجل رفع نسبة زوار مواقعهم، بل إن هذه الصفحات الترفيهية باستطاعتها مضاعفة عدد زوار موقع ما، الأمر الذي زاد من تكاليف الاستعانة بهذه الصفحات وأضحى أصحابها يطلبون تعويضات مادية مهمة للمساهمة في الترويج. وبالطبع، فإن هذه الصفحات لن تشارك القصص الجادة، بل القصص التي تنسجم مع مضمونها.
هذا الحديث يجد صدى له إذا ما تابعنا موقع "20 دقيقة" (20minutes) وهو واحد من المواقع الإخبارية الشهيرة في فرنسا، فقصةحول عثور أسرة على قطتها المفقودة منذ سبع سنوات، كان التفاعل معها أقوى بكثير في فترة نهاية العام 2015،من التفاعل معقصةحول اعتداءات متعصبين على مسجد في مدينة أجاكسيو الفرنسية، بل إننا نجد في خانة الأكثر قراءة، عدة قصص للمنوعات، بينما تغيب كلّيًّا أخبار جدية نشرها الموقع في نهاية العام، ومنها الجدلحول سحب الجنسية من المتوّرطين في الإرهاب بفرنسا.
المثال الذي قدمناه عن موقع "20 دقيقة"، نقدمه عن موقع القناة الأميركية "فوكس59"،فمن بين أكثر الأخبار قراءة في العام 2015 على هذا الموقع، هناك أربع قصص من المنوعات، بل إن القصة الثانية الأكثر مشاهدة خلال العام، هي قصة منشور على الفيسبوك لزوج عن زوجته وعن عملها في التمريض، رغم أن العام 2015 شهد الكثير من الأحداث المهمة، سواء على صعيد الولايات المتحدة أو على الصعيد العالمي. وربما يكون هذا هو السبب الذي تُقرر لأجله كثير من المواقع الإخبارية عدم إدراجمربّع "الأكثر قراءة" على صفحات الموقعكي لا يظهر أن أفضل قصصها هي قصص المنوعات.
العمل القذر
المثير في مسألة أخبار المنوعات أن القراء غالبا ما ينتقدونها، وكثيرا ما تجد في التعليقات على قصة منوعات نشرتها جريدة معروفة بجدية خطها التحريري، انتقادات كبيرة من القراء لطبيعة القصة وعدم تناسقها مع ما تعوّدوه من الجريدة، بيدَ أن الحقيقة هي أن هذه القصة أثارت انتباههم وحققت أكبر قدر من التفاعل، بينما لا تحظى القصص الجدية بالاهتمام نفسه.
ويعطي ديريك طومسون-وهو محرر رئيسي بموقع أتلانتيك- مثالا بخبر إمكانية وقوع انقسام في العراق، إذ يتحدث في مقال له أنه بينما خيّم هذا الخبر على عناوين الصفحات الأولى لكبريات الصحف في الولايات المتحدة، كانت القصص التي حققت أكبر نسبة من التفاعل في ذلك اليوم هي قصص الترفيه والإثارة، وهو ما ظهر سواء في موقع "وول ستريت جورنال" و"ذي تايمز"، حيث نجد في خانة الأكثر قراءة، قصصا تتحدث عن ألعاب اليوتيوب وكيف يتم التغلب على الإحباط.
ولا تحظى أخبار المنوعات الغرائبية المعروفة باسم "weird news"بسمعة طيبة لدى الصحفيين الذين يتميزون بأعمال جادة، ففانسون غلاد -وهو صحفي في مجلة "سلات"- يقول في مقالله إن هذه الأخبار تعد الزاوية الميتة بالنسبة للصحافة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يتركز فيه اهتمام مديري الإعلام على مستقبل الصحافة الرقمية كإنجاح الوثائقياتعلى الويب أو صحافة البيانات، فإنهم مقتنعون بأن هذه المنوعات تمثل "العمل القذر" لجلب الجمهور قصد تمويل هذه المشاريع.
انتقادات فانسون غلاد لهذه الأخبار تنطلق من إمكانية أن تكون مجرّد شائعات أو أخبارا قديمة تمت معالجتها بشكل حديث، معطيا المثال بقصة "تغلّب مصففة شعر على لص أراد سرقتها، واحتجازها له لأجل الخدمات الجنسية"، فهذهالقصة ظهرت في أبريل/نيسان 2009 في يومية روسية هي"life.re"، ونُقلت بعد ذلك في المواقع والصحف الروسية دون أن تنتشر كثيرا في الإعلام الدولي، غير أن جريدة "الديلي ميل" البريطانية أعادت نشرالقصة عام 2011 بكثير من المبالغة دون الإشارة إلى تاريخ وقوعها، ممّا ساهم في إعادة انتشارها من جديد في مجموعة من المواقع والصحف عبر العالم.
ونختم التقرير السابق بخمس ملاحظات أساسية:
- يجذب الإنترنتالفئات الشابة بشكل ملحوظ، ويعدُّ الترفيه أهم ميدان ينشط فيه الشباب على الإنترنت.
- تنتعش وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار الترفيه والمنوّعات، ممّا يجعلها منافسا قويا للأخبار الجادة.
- باتت المواقع الإخبارية الكبرىتعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لرفع عدد زوارها، وبالتالي أصبحت تستخدم أخبار المنوعاتلكونها الأخبار الأكثر تحقيقا للانتشار في هذه الوسائل.
- رغم اعتقاد الكثير من الصحفيين بأن أخبار المنوعات قد تقلّل من القيمة المهنية لمؤسساتهم، فإنهم مقتنعون في المقابل، بضرورتها لجلب الجمهور إلى الموقع، وبالتالي تحسين ترتيب هذا الأخير، ممّا يتيح أرباحا أكبر.
- قد يدفع طغيان الهاجس المادي ببعض المؤسسات الإعلامية إلى الإغراق في أخبار المنوعات، ممّا قد يهدد القصص التي يبذل فيها الصحفيون مجهودا كبيرا، ويجعل معدل قراءتها ضعيفا مقارنة بأخبار لم يبذل أي مجهود فيها ولكنها تحقق نسبا هائلة في المتابعة والمشاركة.