في هذه المادة نجمع لكم عددا من الأفلام والمسلسلات الصادرة مؤخرا، والتي تعالج أحداثا سياسية وتاريخية بمقاربة تفيد الصحفيين حول العالم، والموجودة عبر خدمة Netflix. هذه الأفلام والمسلسلات لا يتحدث معظمها عن الصحافة بشكل مباشر، إنما تستعرض أحداثا وقضايا تهم الصحفيين حول العالم، كما تثير لديهم العديد من التساؤلات حول تحديات الصحافة في العصر الحالي، وكذلك تؤمن لهم مخزونا جيدا من الأفكار التي يمكنهم تطويرها في قصص صحفية.
وهذه القائمة هي مجموعة من الأعمال التي شاهدتها شخصيا وتنعكس من كمّ الإسقاطات التي رأيتها ممكنة في عالم الصحافة، والتي ربما يراها البعض بعيدة عن الأفلام التقليدية التي ترونها في قوائم "شاهد .. ١٠ أفلام تهم الصحفيين" وتقترب أكثر من التجربة، والاحتكاك بالمشاهدات التي تحفّز الصحفيين على ابتكار أفكار لقصتهم الجديدة، والابتعاد عن مجرد الوقوف على الثغرة الحاصلة بين الصحافة بشكلها المثالي الذي يصور في بعض الأفلام، وبين واقع الصحافة العربية المرير.
1- مسلسل Tijuana ٢٠١٩
يَعرض هذا العمل الدرامي قصّة طاقم عمل صحيفة مكسيكية أسبوعية متخصصة في الصحافة الاستقصائية تدعى Frente Tijuana، والتي، وبعد اغتيال مرشح في الانتخابات الرئاسية المكسيكية في ضواحي مدينة تيخوانا؛ بدأ فريق عملها بالبحث في خيوط مؤامرة كبرى تقف وراء اغتيال المرشح. وخلال رحلة الصحفيين لكشف خيوط هذه المؤامرة، يعرض المسلسل صورة عن واقع الصحافة المحلية في المكسيك والصراع الدائم بينها وبين عصابات تجارة المخدرات الـ "كارتيل" والمسؤولين الحكوميين المتورطين مع تلك العصابات، والخطر المحدق بالصحفيين المكسيكين المعرضين للاغتيال من تلك العصابات في أي لحظة. كذلك يقدم المسلسل عددا من الإسقاطات المهنية حول الصراعات الأخلاقية التي يمر بها الصحفيون؛ سواءً ضمن علاقته بالمصدر أو فيما يتعلق برسم ملامح لحدود العلاقة الضبابية بين المسؤولين الحكوميين والصحفيين. ويمكن قراءة كثير من مشاهد هذا العمل من مقاربة قيمة الصحافة الاستقصائية كصحافة متأنية، وما تؤمنه للصحفي من امتياز في الوقت، يتمكّن من توظيفه للبحث عميقا في ما وراء الخبر.
2- سلسلة الوثائقي الدرامي (Historia de un Crimen: Colosio (Crime Diaries: The Candidate ٢٠١٩
تتناول سلسلة الوثائقي الدرامي هذه واحدة من أكثر النقاط سوادا في تاريخ الديمقراطية في المكسيك؛ وهي حادثة اغتيال المرشح الرئاسي لويس دونالدو كولوسيو والذي تم اغتياله على الهواء مباشرة خلال إحدى حملاته الانتخابية في شوارع مدينة تيخوانا المكسيكية عام 1994 -ويمكن اعتبار مسلسل Tijuana هو إعادة تجسيد لهذه الحادثة الغامضة في التاريخ المكسيكي من مقاربة صحفية أكثر-، ويعرض هذا العمل الدرامي قصة محققين مكسيكيين لاحظوا وجود شبهات حول تورط مسؤولين رفيعين في شبهة التآمر على اغتيال كولوسيو، وهي الحادثة التي لم تكشف التحقيقات فيها حتى اليوم عن الطرف أو الجهة التي كانت تقف وراء الاغتيال. ويعتبر العمل إعادة تذكير للشارع المكسيكي بفاجعة كولوسيو في محاولة لممارسة ضغط على الجهات الرسمية لبذل جهود أكبر في التحقيقات التي دامت لأكثر من 25 سنة.
3- مسلسل "عندما يروننا When They See Us" ٢٠١٩
يعرض هذا العمل الدرامي الوثائقي، قصة واحدة من أفضع القضايا التي تعامل معها القضاء الأميركي في السنوات الأخيرة، وهي الحادثة التي أصبح يُطلق عليها إعلاميا بـ Central Park Jogger Case حينما وجد القضاء 5 أطفال (4 من ذوي البشرة السوداء، وأميركي من أصل لاتيني) مذنبين في تهمة الاعتداء والاغتصاب على عشرينية في حديقة سنترال بارك في نيويورك عام 1989. ويظهر المسلسل حجم التلفيق والاعترافات التي أخذت من الأطفال تحت الإكراه من قبل محققي الشرطة ليلفقوا لهم تهم لم يرتكبوها. المسلسل لاقى ضجة واسعة بعد عرضه على منصة Netflix ودفع كثيرا من الناشطين الحقوقين للتحرك ضد أعضاء الادعاء العام في تلك القضية، كان آخرها إجبار المحامية وأستاذة القانون، إليزابيث ليدرر؛ على الاستقالة من جامعة كولومبيا على خلفية انتقادات طالتها لأدائها كمدعية عامة في تلك القضية، وكيف حاولت جاهدا إلصاق التهمة بالأطفال على الرغم من عدم وجود دليل ملموس على ارتكابهم لجريمة الاعتداء والاغتصاب.
المسلسل يشكّل نقلة نوعية في الدراما الأميركية التي أصبحت أداة يمكن للصحفيين استغلالها من أجل الترويج بشكل أكبر للانتهاكات الحقوقية؛ نظرا لحجم تفاعل العامة مع القضية بعد نشر المسلسل، على الرغم من أن أغلب الحقائق الواردة في المسلسل، كانت قد كشفت كلها قبل أكثر من 15 عاماً.
4- فيلم "ليلة الاثني عشر عاما (La noche de 12 años (A Twelve-Year Night" ٢٠١٩
رائعة المخرج البرازيلي ألفارو بريشنر التي يعيد فيها عرض جزء من قصة ثلاثة من أبرز قيادات حركة "التوباماروس" اليساريّة في الأوروغواي، واحدة من أشهر الحركات الثورية في أميركا اللاتينية والتي نشطت خلال منتصف القرن العشرين. يركّز العمل على عرض حياة السجن الانفرادي الذي وضع فيه كل من الشاعر والصحفي ماوريسيو روسينكوف، والروائي والصحفي إليوتريو فرنانديز هويدوبرو (1942-2016) وخوسيه ألبرتو موخيكا الذي أصبح لاحقا رئيسا للأوروغواي. حيث بقي هؤلاء الثلاثة في الحبس الانفرادي لمدة 12 عاما لجعلهم ينقادون نحو الجنون، طوال فترة الحكم الديكتاتوري (المدني-العسكري) منذ عام 1972 حتى عام 1985 . وحاول بريشنر في هذا الفيلم خلق تصور عن واقع الحياة داخل الحبس الانفرادي من خلال تجسيد عدد من المشاهد التي تعكس الحالة النفسية للسجناء السياسيين في الأوروغواي خلال فترة الحكم العسكري، وكذلك العلاقة بين السجناء السياسيين والسجانين.
5- فيلم "الدكتاتور الأمثل (La Dictadura Perfecta (The Perfect Dictator" ٢٠١٤
ربما يبدو هذا العمل الكوميدي الساخر في جزء منه، أنه الأكثر وضوحا فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام في نشر الأخبار الكاذبة لخدمة السياسيين، حيث يعرض الفيلم دور إحدى القنوات الإخبارية المكسيكية في كشف فساد حاكم المدينة عبر تسريب مقاطع مسجلة له وهو يتقاضى رشاوٍ من زعماء العصابات، من ثم يعمد ذات الحاكم على أن يقوم بدفع مبلغ مالي ضخم لذات القناة كي تحاول إعادة تنظيف سمعته قبل الترشح لرئاسة المكسيك، وهنا يعرض الفيلم ملامح العلاقات المشبوهة بين الصحفيين والسياسيين، وكيف يمكن للصحفيين أن يتحولوا لأداة خطرة تهدد الديمقراطية بدلا من حمايتها؛ من خلال تلاعبهم في وعي العامة واهتماماتهم، عبر المبالغة في توظيف عنصري التشويق والفضائح في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي أيضا، ليجعلوا العامة غير قادرين على تمييز المسؤول الفاسد من ذاك الذي يسعى لتحقيق الرفاه والعدالة، وكذلك توجيه اهتماماتهم لقضايا مفتعلة تلمّع صورة السياسي وتصرف الأنظار عن فساده. من يشاهد الفيلم، بالتأكيد، سيرى حجم الإسقاطات التي يمكن ربطها بين أحداث الفيلم وما يحدث في الواقع، لا سيما بعد صعود اليمين للسلطة في عدد من دول العالم.
6- فيلم "الاختراق العظيم The Great Hack" ٢٠١٩
يتناول هذا الفيلم الذي أخرجه كل من كريم عامر وجيهان نجيم، قصّة "الاختراق الكبير" الذي حدث من قبل شركة كامبريدج أناليتكا التي استحوذت على بيانات ملايين من مستخدمي فيسبوك للمساهمة في استهدافهم بدعاية منظمة تخدم أجندات شخصيات سياسية، كان آخرهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مقابل حملة تشويه لمنافسته في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016 هيلاري كلنتون. الفيلم يعرض قصة موظفة كانت تعمل داخل الشركة وقررت أن تفصح عن كثير من الخفايا التي لم يستعرضها الإعلام حول جرائم انتهاك الخصوصية التي مارستها الشركة، بالإضافة إلى أستاذ جامعي رفع دعوى قضائية تجاه شركة كامبريدج أناليتكا مطالبا إياها بتسليمه معلوماته الشخصية التي جمعوها عنه من بين ملايين المستخدمين، الأمر الذي مهد الطريق أمام حملة OwnYourData# التي تطالب شركات مثل كامبريدج أناليتكا بتسليم المستخدمين كافة المعلومات التي جمعوها عنهم.
٧- سلسلة وثائقيات (Explained) ٢٠١٨-٢٠٢٠
تجيب هذه السلسلة الوثائقية المتوزعة على ٣٠ وثائقي، على الأسئلة المهمة التي تواجه العالم اليوم؛ ما هي عملة الـ Cryptocurrency؟ لماذا نفشل في عمل نظام غذائي متوازن؟ ما هو سوق الأسهم؟ هل نبالغ في استخدام علامات التعجّب؟! ما هو التصحيح السياسي (Political Correctness)؟ لماذا تتلقى النساء أجوراً أقل؟ ما هي البرمجة؟ ما الذي سيحدث إذا أصاب العالم وباء جديد؟ وهذه الحلقة على التحديد ربما كانت من أبرز المفارقات التي حدثت مع هذه السلسلة، حيث نشرت الحلقة المتعلقة بتفسير آليات التعامل مع الأوبئة قبل شهرين من اكتشاف فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية، والذي تحول لاحقا ليصبح وباءً عالميا، أو The Next Pandemic كما كان عنوان تلك الحلقة. باختصار؛ إننا أمام ٣٠ سؤال يتراود جزء منها، إن لم يكن كلها، في أذهان الناس اليوم، لذا تعد هذه السلسلة منجم أفكار كبير لقصتك الصحفية الجديدة.
٨- سلسلة وثائقيات "المال القذر Dirty Money" ٢٠١٨-٢٠٢٠
تستعرض هذه السلسلة الوثائقية أبرز فضائح الفساد المتعلقة بالشركات والسياسيين حول العالم، من فضيحة فساد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق نجيب رزاق، إلى فساد شركات صهر ترمب جارد كوشنر، إلى كواليس الإمبراطورية المالية لدونالد ترمب نفسه، وغيرها من القضايا التي تضع أمام الصحفيين صورة أوسع للأحداث والشخصيات العامة التي تتحكم بجزء من المشهد الحالي في العالم. كما تعد هذه السلسلة محفّزا للصحفيين حول العالم لاكتشاف آليات جديدة للبحث والتقصي في قضايا الفساد، وكذلك آليات جديدة لعرض تلك القصص في قالب مستساغ وسردية مرنة توسع قاعدة جماهير أعمالهم.
٩- فيلم Snowden ٢٠١٦
هذا الفيلم الدرامي يعرض قصة موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن الذي سرّب ملفات سريّة تتعلق ببرامج وكالة الأمن القومي الأميركية عام ٢٠١٣ وصار حديث الصحافة لسنوات، وربما كثير من الصحفيين قد شاهدوا جزءا من هذه القصة في الفيلم الوثائقي (CitizenFour, 2014) الذي صوّر مع سنودن شخصيا. أما هذا الفيلم الدرامي فيذهب لسرد قصّة سنودن منذ البداية، ويخوض تفاصيل عملية التسريب الضخمة تلك حول برنامج PRISM ويعرض جزءا من كيفية عمل هذا البرنامج الذي طورته وكالة الأمن القومي الأميركية، والخاص بالتجسس على الأفراد عبر تتبع نشاطاتهم على الإنترنت واختراق أجهزتهم الرقمية دون علمهم. ويسلط الفيلم الضوء على الصراع الدائم بين الأمن والحرية، والتبرير الذي تتخذه السلطات الأميركية لاختراق خصوصية الأفراد، وهو ما دفع سنودن في نهاية الأمر إلى تسريب تلك المعلومات التي حوّلته لمجرم ما زال ملاحقا حتى الآن من قبل السلطات الأميركية.
١٠-وثائقي "لا أحد يتكلم: محاكمات الصحافة الحرة Nobody Speak: Trials Of The Free Press" ٢٠١٧
يستعرض هذا الوثائقي، واحدة من أبرز القضايا المرتبطة بالإعلام في الولايات المتحدة، وهي الدعوة القضائية التي رفعها لاعب المصارعة الحرة Hulk Hogan ضد موقع Gawker المتخصص بتغطية أخبار المشاهير في الولايات المتحدة. تلك الدعوة القضائية التي اكتشف أنها تموّل من قبل رجل الأعمال والملياردير الأميركي بيتر تيل، بسبب ضغائن ضد الموقع على خلفية نشره معلومات خاصة عنه عام ٢٠٠٧. الفيلم يركّز على تأثير رجال الأعمال على الصحافة في الولايات المتحدة وسعيهم لتقييد حرية التعبير خدمة لمصالحهم الاقتصادية.