منصات التواصل الاجتماعي.. مساحة فلسطين المصادرة

استمع إلى المقالة

 

تخيل أنك تجلس مع مجموعة من أصدقائك في حديقة عامة وكنت تحدثهم عن موضوع ما، وجاءك حارس الحديقة وأخبرك أنك ممنوع من التحدث معهم داخلها، لأنك تناقشت معهم بموضوع يحظر النقاش فيه، ماذا ستكون ردة فعلك؟ هل من حق حارس الحديقة أن يتحكم بما تقوله لأصدقائك؟ وأنت لم تؤذ أحدًا، ولم تعتد على حرية أحد، ولم تجبر أحدًا على الاستماع إليك، وللجميع الحرية في عدم الإنصات، لكن حارس الحديقة يصر أنك لا تستطيع التحدث عن هذا الموضوع، وعند سؤالك له عن الأسباب يتجنب الإجابة.

هذا ليس من ضرب الخيال، إنما حدث ويحدث في فضائنا الرقمي، فمنصات التواصل الاجتماعي، - هذا الفناء الرقمي الذي نجالس  فيه الآخرين ونتواصل معهم –  تقمعنا، أو تكمم أفواهنا، أو تمنعنا من دخول هذا الفناء. يصادر منا حق الحديث مع من وافق على الاستماع لنا، ونمنع من متابعة من قررنا متابعته ووافق على ذلك دون مراعاة لاحتياجات المستخدمين المختلفة. وبالعكس تتكرس هذه الممارسات القمعية ضد محتوى بعينه في أشد أوقات حاجة المستخدمين لمعرفة المزيد عنه، ومتابعته من أكثر من زاوية ليتسنى لهم تكوين وجهة نظرهم الخاصة عن الموضوع.

ساهمت منصات التواصل الاجتماعي  في تحرير القضية الفلسطينية من الإعلام التقليدي الذي تسيطر عليه السردية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يدم طويلًا فقد امتد نفوذ إسرائيل إلى مسؤوليها لمحاصرة الرواية الفلسطينية.

ولطالما كانت ثمة مخاوف عالمية حول مدى حيادية منصات التواصل الاجتماعي كمنصات تعدّ وسيطًا لعملية الاتصال، في حجب أو تفضيل محتوى على آخر، تحديدًا في ظل غياب أنظمة وتشريعات واضحة وناظمة لصلاحيات هذه المنصات. فكما تقول ماريام سميث المختصة في الحقوق الرقمية وأخلاقيات الإنترنت: "الحقوق الرقمية تشمل حق الوصول إلى المعلومات.. وهو جوهر عالم الإنترنت والتكنولوجيا وهذا حقًا سؤال مهم، فما فائدة الإنترنت والمنصات التي تعمل في فضائه إن كانت ستمنع من الوصول أو تمنع الوصول إلينا؟

لقد ساهم الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي  في تحرير القضية الفلسطينية من الإعلام التقليدي والذي تسيطر عليه في معظم العالم الرواية والسردية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يدم طويلًا فقد امتد نفوذ إسرائيل إلى إدارات منصات التواصل الاجتماعي وفرضت ثقلها لتكون المساحة المعطاة للرواية الإسرائيلية أكبر مما يعطى للرواية الفلسطينية من خلال وضع قيود كثيرة على المستخدمين الفلسطينيين أو الداعمين لفلسطين. مع كل حدث ميداني في فلسطين تفعل بشكل أكبر خوارزميات هذه المنصات لاصطياد أكبر قدر ممكن من المحتوى الداعم لفلسطين، وظهر ذلك جليًا بالتزامن مع عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول للعام 2023 وما تبعها من مجازر إسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة، أعلنت منصة ميتا أنها حذفت 795 ألف منشورًا على منصاتها المختلفة في الأيام الثلاثة الأولى من العدوان باللغات العبرية والعربية والإنجليزية.

أما منصة تيكتوك فقد عمدت إلى  إدخال مصطلح "من البحر إلى النهر" ضمن قائمة الكلمات المعادية للسامية والتي يحظر استخدامها في المنصة، كما أن منصة "إكس" (تويتر سابقا) بادرت أيضا مع بداية العدوان بالتعاون مع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب عبر الإنترنت لمحاربة المحتوى ذي العلاقة بالأحداث الدائرة في فلسطين.

إن هذا الانحياز الواضح من قبل المنصات وبطلبات حكومية كان أبرزها طلب الاتحاد الأوروبي لإزالة المحتوى المناهض لإسرائيل، وطلبات النيابة الإسرائيلية المتواصلة التي صرحت بعد أيام من الحرب أنها وجهت 5500 طلبًا لمنصات التواصل لإزالة محتوى "يتعارض مع السياسات الإسرائيلية" وتجاوبت المنصات المختلفة بإزالة 4450 من الطلبات المقدمة، كما أن هذه الاستجابة لم تتوقف عند إزالة المحتوى فقط، إنما قامت أيضًا بتحديث تطبيقاتها وبرمجياتها لتصبح أكثر قدرة على ملاحقة المحتوى، وظهر ذلك بتصريح رسمي من شركة ميتا.

في الوقت ذاته رصدت مؤسسات مجتمع مدني فلسطيني المنشورات الإسرائيلية التي تحرض ضد العرب والفلسطينيين والمسلمين، التي زادت عن 100 ألف منشور، فيما عزت مؤسسات أخرى الجرائم التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي على أرض الواقع إلى نتيجة متوقعة للصمت الرقمي الذي تفرضه هذه المنصات على مختلف مستخدميها المناهضين لممارسات الاحتلال.

وجه الاحتلال 5500 طلبًا لمنصات التواصل لإزالة محتوى "يتعارض مع السياسات الإسرائيلية" وتجاوبت المنصات المختلفة بإزالة 4450 من الطلبات المقدمة.

هذه الحرب الرقمية التي تسعى إلى إغراق غزة في ظلام رقمي دامس، يتوازى مع طلبات إسرائيلية من شركات إنترنت فضائي فائق السرعة مثل "سبيس إكس" أن تزود جنود الاحتلال بخدماتها على تخوم القطاع، معززة ذلك باعتقال عشرات الفلسطينيين - في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل - النشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي نتيجة تفاعلهم مع العدوان المتواصل.

 

المزيد من المقالات

صحفيو شمال غزة يكسرون عاما من العزلة

مع دخول الحرب على غزة عامها الثاني.

محمد أبو قمر  نشرت في: 17 نوفمبر, 2024
جيريمي سكاهيل: الحرب على غزّة وضرورة العودة إلى "صحافة المواجهة"

يدعو الصحفي الاستقصائي الشهير جيريمي سكاهيل إلى إحياء ما أسماه "صحافة المواجهة" للتصدي لحالة التفريط بالقيم المهنية والإنسانية الأساسية في وسائل إعلام غربية مهيمنة، وخاصة في سياق تغطية الإبادة في قطاع غزة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 6 نوفمبر, 2024
في السنغال.. "صحافة بلا صحافة"

شاشات سوداء، وإذاعات تكتم صوتها وصحف تحتجب عن الصدور في السنغال احتجاجا على إجراءات ضريبية أقرتها الحكومة. في البلد الذي يوصف بـ "واحة" الديمقراطية في غرب أفريقيا تواجه المؤسسات الإعلامية - خاصة الصغيرة - ضغوطا مالية متزايدة في مقابل تغول الرأسمال المتحكم في الأجندة التحريرية.

عبد الأحد الرشيد نشرت في: 5 نوفمبر, 2024
تهمة أن تكون صحفيا في السودان

بين متاريس الأطراف المتصارعة، نازحة تارة، ومتخفية من الرصاص تارة أخرى، عاشت الصحفية إيمان كمال الدين تجربة الصراع المسلح في السودان ونقلت لمجلة الصحافة هواجس وتحديات التغطية الميدانية في زمن التضليل واستهداف الصحفيين.

إيمان كمال الدين نشرت في: 28 أكتوبر, 2024
الأثر النفسي لحرب الإبادة على الصحفيين

ما هي الآثار النفسية لتغطية حرب الإبادة على الصحفيين؟ وهل يؤثر انغماسهم في القضية على توازنهم ومهنيتهم؟ وماذا يقول الطب النفسي؟

أحمد الصباهي نشرت في: 18 أكتوبر, 2024
"أن تعيش لتروي قصتي"

في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي".

لينا شنّك نشرت في: 15 أكتوبر, 2024
عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
حسابات وهمية بأقنعة عربية.. "جيش إلكتروني منظم"

أُغرقت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف الحسابات الوهمية التي تزعم أنها تنتمي إلى بلدان العربية: تثير النعرات، وتلعب على وتر الصراعات، وتؤسس لحوارات وهمية حول قضايا جدلية. الزميلة لندا، تتبعت عشرات الحسابات، لتكشف عن نمط متكرر غايته خلق رأي عام وهمي بشأن دعم فئات من العرب لإسرائيل.

لندا شلش نشرت في: 6 أكتوبر, 2024
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 23 سبتمبر, 2024
"مأساة" الصحفي النازح في غزة

بينما تقترب حرب الإبادة الجماعية في فلسطين من سنتها الأولى، ما يزال الصحفيون في غزة يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم ويحمي عائلاتهم. يوثق الصحفي أحمد الأغا في هذا التقرير رحلة النزوح/ الموت التي يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب.

أحمد الأغا نشرت في: 22 سبتمبر, 2024
من الصحافة إلى الفلاحة أو "البطالة القسرية" للصحفيين السودانيين

كيف دفعت الحرب الدائرة في السودان العشرات من الصحفيين إلى تغيير مهنهم بحثا عن حياة كريمة؟ الزميل محمد شعراوي يسرد في هذا المقال رحلة صحفيين اضطرتهم ظروف الحرب إلى العمل في الفلاحة وبيع الخضروات ومهن أخرى.

شعراوي محمد نشرت في: 15 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
عمر الحاج.. "التحول" الصعب من العطلة إلى بؤرة الزلزال

قبل أن يضرب زلزال عنيف مناطق واسعة من المغرب، كان عمر الحاج مستمتعا بعطلته، ليجد نفسه فجأة متأرجحا بين واجبين: واجب العائلة وواجب المهنة، فاختار المهنة. في تغطيته لتداعيات الكارثة الطبيعية، التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، خرج بدروس كثيرة يختصرها في هذه اليوميات.

عمر الحاج نشرت في: 17 أغسطس, 2024
رفاق المهنة يروون اللحظات الأخيرة لاغتيال إسماعيل الغول

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا أمس (31 يوليو/ تموز)، مراسل الجزيرة في مدينة غزة إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وصحفيون آخرو

Mohammad Abu Don
محمد أبو دون نشرت في: 1 أغسطس, 2024
في الحرب على غزة.. كيف تحكي قصة إنسانية؟

بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، كيف يمكن أن يحكي الصحفيون القصص الإنسانية؟ وما القصص التي ينبغي التركيز عليها؟ وهل تؤدي التغطية اليومية والمستمرة لتطورات الحرب إلى "التطبيع مع الموت"؟

يوسف فارس نشرت في: 17 يوليو, 2024
الأمهات الصحفيات في غزة.. أن تعيش المحنة مرتين

أن تكون صحفيا، وصحفية على وجه التحديد تغطي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ومجردة من كل أشكال الحماية، يجعل ممارسة الصحافة أقرب إلى الاستحالة، وحين تكون الصحفية أُمًّا مسكونة بالخوف من فقدان الأبناء، يصير العمل من الميدان تضحية كبرى.

Amani Shninu
أماني شنينو نشرت في: 14 يوليو, 2024
بعد عام من الحرب.. عن محنة الصحفيات السودانيات

دخلت الحرب الداخلية في السودان عامها الثاني، بينما يواجه الصحفيون، والصحفيات خاصّةً، تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التضييق والتهديد المستمر، وفرض طوق على تغطية الانتهاكات ضد النساء.

أميرة صالح نشرت في: 6 يونيو, 2024
الصحفي الغزي وصراع "القلب والعقل"

يعيش في جوف الصحفي الفلسطيني الذي يعيش في غزة شخصان: الأول إنسان يريد أن يحافظ على حياته وحياة أسرته، والثاني صحفي يريد أن يحافظ على حياة السكان متمسكا بالحقيقة والميدان. بين هذين الحدين، أو ما تصفه الصحفية مرام حميد، بصراع القلب والعقل، يواصل الصحفي الفلسطيني تصدير رواية أراد لها الاحتلال أن تبقى بعيدة "عن الكاميرا".

Maram
مرام حميد نشرت في: 2 يونيو, 2024
فلسطين وأثر الجزيرة

قرر الاحتلال الإسرائيلي إغلاق مكتب الجزيرة في القدس لإسكات "الرواية الأخرى"، لكن اسم القناة أصبح مرادفا للبحث عن الحقيقة في زمن الانحياز الكامل لإسرائيل. تشرح الباحثة حياة الحريري في هذا المقال، "أثر" الجزيرة والتوازن الذي أحدثته أثناء الحرب المستمرة على فلسطين.

حياة الحريري نشرت في: 29 مايو, 2024
"إننا نطرق جدار الخزان"

تجربة سمية أبو عيطة في تغطية حرب الإبادة الجماعية في غزة فريدة ومختلفة. يوم السابع من أكتوبر ستطلب من إدارة مؤسستها بإسطنبول الالتحاق بغزة. حدس الصحفية وزاد التجارب السابقة، قاداها إلى معبر رفح ثم إلى غزة لتجد نفسها مع مئات الصحفيين الفلسطينيين "يدقون جدار الخزان".

سمية أبو عيطة نشرت في: 26 مايو, 2024
في تغطية الحرب على غزة.. صحفية وأُمًّا ونازحة

كيف يمكن أن تكوني أما وصحفية ونازحة وزوجة لصحفي في نفس الوقت؟ ما الذي يهم أكثر: توفير الغذاء للولد الجائع أم توفير تغطية مهنية عن حرب الإبادة الجماعية؟ الصحفية مرح الوادية تروي قصتها مع الطفل، النزوح، الهواجس النفسية، والصراع المستمر لإيجاد مكان آمن في قطاع غير آمن.

مرح الوادية نشرت في: 20 مايو, 2024
كيف أصبحت "خبرا" في سجون الاحتلال؟

عادة ما يحذر الصحفيون الذين يغطون الحروب والصراعات من أن يصبحوا هم "الخبر"، لكن في فلسطين انهارت كل إجراءات السلامة، ليجد الصحفي ضياء كحلوت نفسه معتقلا في سجون الاحتلال يواجه التعذيب بتهمة واضحة: ممارسة الصحافة.

ضياء الكحلوت نشرت في: 15 مايو, 2024
"ما زلنا على قيد التغطية"

أصبحت فكرة استهداف الصحفيين من طرف الاحتلال متجاوزة، لينتقل إلى مرحلة قتل عائلاتهم وتخويفها. هشام زقوت، مراسل الجزيرة بغزة، يحكي عن تجربته في تغطية حرب الإبادة الجماعية والبحث عن التوازن الصعب بين حق العائلة وواجب المهنة.

هشام زقوت نشرت في: 12 مايو, 2024
آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة

كيف استخدم الإعلام البريطاني السائد إستراتيجيات التأطير لتكوين الرأي العام بشأن مجريات الحرب على غزّة وما الذي يكشفه تقرير مركز الرقابة على الإعلام عن تبعات ذلك وتأثيره على شكل الرواية؟

مجلة الصحافة نشرت في: 19 مارس, 2024