الخبر بالنسبة لجلّ وسائل الإعلام الألمانية فيما يتعلّق بالحرب على غزة، هو ذلك الذي يبدأ أساساً بما يعلنه الجيش الإسرائيلي، وليس ضرورياً أن ينتهي بما تقوله أطراف أخرى، حتى ولو تعلّق الأمر بالأمم المتحدة أو جهة أخرى تقلّل من الدعاية الإسرائيلية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأخبار العاجلة التي تنقلها القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف.
أما أن يحمل الخبر ما تقوله حركة حماس في الشأن الإنساني، فذلك أمر مستبعد للغاية فيما يخصّ حكومة الحركة والهيئات المدنية التابعة لها، كما من النادر أن يتضمن الخبر أيّ رد من حماس على الاتهامات الإسرائيلية فيما يتعلق بالشؤون العسكرية وبوضع القتال داخل غزة، أو يتم ذكر الرد بشكل سريع جداً مقابل إفراد مساحة أكبر لإسرائيل، ما يجعل وسائل الإعلام الألمانية بشكل عام تكرّر الدعاية الإسرائيلية وتجعلها خبراً مقدساً.
القنوات العامة منخرطة في الانحياز
أكبر مثال هو رابط التغطية المباشرة الذي ينشره موقع "تاغز شاو" التابع لمجموعة الإعلام العمومي "إي أر دي" ARD. يضع هذا الرابط على منصة "إكس" (تويتر سابقا) صورة ثابتة لم يتم تغييرها منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهي صورة العلم الإسرائيلي.
تعيد إدارة الموقع نشر الرابط عدة مرات في اليوم على موقع إكس دون تحديث للصورة. وتتماهى في ذلك مع الموقف الرسمي الألماني الذي ينحاز تماماً إلى إسرائيل لدرجة أن المستشار الألماني أولاف شولتس، وعكس جلّ بلدان العالم، يتشبث برفض وقف إطلاق النار في غزة.
وينهال الموقع بالانتقاد على حماس ويصف ما تقوله بـ "الدعاية"، بينما من النادر أن تجد انتقاداً من الموقع لإسرائيل رغم وقوع آلاف من الضحايا في القصف الإسرائيلي على غزة، أو يتم نسب هذا الانتقاد لأطراف أخرى كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو الأمم المتحدة، مع ضمان حق الرد الإسرائيلي.
وتنقل مراسلة القناة، الأكثر مشاهدة في ألمانيا، ما يجري في غزة، انطلاقاً من مرافقتها للجيش الإسرائيلي، علماً أن عموم القنوات الألمانية ليس لها مراسلون داخل غزة منذ مدة؛ تنقل الأحداث في القطاع والضفة الغربية المحتلة من مكاتبها في تل أبيب.
وعندما يتعلق الأمر بتغطية ردود حماس، يكون الهدف داخل الموقع هو شيطنتها. المثال هو تقرير بعنوان "حماس في لبنان.. حيث تجد الدعاية والأكاذيب الكثير من الصدى"، ويكتب المراسل الألماني في تقريره الإخباري: "من أكثر الأمور التي لا تحتمل في هذا الزمن الشرير: أن يجد التشويه البشع للحقائق والدعاية والأكاذيب استجابة مذهلة في العالم العربي". ويتهم حماس بالسيطرة على الخطاب العام في وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. ويحضر مسؤولون إسرائيليون بشكل شبه دائم في القنوات العمومية الألمانية، ومنهم مسؤولون في الجيش الإسرائيلي، بينما لا يحضر الجانب الفلسطيني إلا بشكل قليل جدا، حتى ولو تعلق الأمر بمسؤولين من السلطة الفلسطينية.
تورستن مينجه، أستاذ الفلسفة في جامعة نورثويسترن قطر، قام بمشاركة فيديو من القناة التلفزيونية الثانية ZDF التابعة بدورها لهيئة البث العام، استضافت فيه خلال النشرة الإخبارية متحدثاً من الجيش الإسرائيلي. ويقول الأستاذ: "القناة تحاور ناطقاً باسم جيش يرتكب جرائم حرب، دون تقييم نقدي أو استحضار خبراء القانون الدولي، ودون استحضار لضرورة حماية المدنيين حسب اتفاقيات جنيف".
وفي الوقت الذي يعطى فيه الجانب الإسرائيلي الفرصة للحديث بشكل تام، استضافت القناة مؤخرا ليث عرفة، ممثل السلطة الفلسطينية في برلين، وكان عنوان اللقاء هو "السفير الفلسطيني.. لا إدانة لحماس؟".
وتمحور اللقاء كله حول ضرورة إدانة السفير لحماس وأسباب تردده في ذلك، رغم أن توقيت الحوار كان يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد تجاوز عدد الشهداء في غزة 11 ألف قضوا في القصف الإسرائيلي.
وتنقل مراسلة هذه القناة، الأكثر مشاهدة في ألمانيا، ما يجري في غزة، انطلاقاً من مرافقتها للجيش الإسرائيلي، علماً أن عموم القنوات الألمانية ليس لها مراسلون داخل غزة منذ مدة؛ وتنقل الأحداث في القطاع والضفة الغربية المحتلة انطلاقا من مكاتبها في تل أبيب.
ولا تخفي المراسلة انحيازها للرواية الإسرائيلية، إذ شاركت مؤخراً تغريدة تضم مقالا يتهم اليساريين الألمان الداعمين للقضية الفلسطينية بـ "تمجيد إرهاب حماس على أساس أنه مقاومة للإمبريالية"، وفي المقال يظهر ألمان يرتدون الكوفية الفلسطينية، واحدة من رموز القضية الفلسطينية.
يحضر مسؤولون إسرائيليون بشكل شبه دائم في القنوات العمومية الألمانية، ومنهم مسؤولون في الجيش الإسرائيلي، بينما لا يحضر الجانب الفلسطيني إلا بشكل قليل جدا، حتى ولو تعلق الأمر بمسؤولين من السلطة الفلسطينية.
العنصرية ضد العرب مسموح بها
من أكثر المقالات التي أثارت الجدل، عمود كتبه صحفي ألماني، يان فلايشهاور، معروف بآرائه العنصرية، على موقع فوكوس، بعنوان "اليهود أم العرب العدوانيون.. علينا أن نقرر أيهما نريد الاحتفاظ به؟"
وجاء في مقاله: "لم أر استطلاعات رأي بعد حول ما يشعر به الألمان تجاه مظاهرات "الحرية لفلسطين"، ولكن أشك أنهم إذا شاهدوا ما فعله شباب تسلقوا نافورة في برلين لرفع علمهم (العلم الفلسطيني)، فإن عددا من الألمان سيقولون لأنفسهم: "لا علاقة لنا بهؤلاء".
وحتى بعض الصحف التي كان يعتقد أنها رصينة، باتت تنحاز لإسرائيل بشكل فاضح وتسعى للدفاع عنها في وجه الانتقادات، ومنها صحيفة "تسايت" التي نشرت مؤخراً تحليلا بعنوان "من يرتكب جرائم الحرب في غزة؟"
وجاء في تقديم المقال أنه في "حالات استثنائية، تكون الهجمات على الأهداف المدنية مشروعة"، وفي تقديم التقرير على موقع "إكس"، اختارت الصحيفة هذه الفقرة: "هل تنتهك إسرائيل القانون الدولي في غزة؟ لا، يقول خبراء قانونيون، حتى المشافي يمكن مهاجمتها إذا أسيء استخدامها من المسلحين".
بينما تعيش وسائل الإعلام الألمانية الداعمة تقليدياً لإسرائيل حالة من الهستيريا، ومنها صحيفة "بيلد" التي بلغت بها درجة التضليل على المتظاهرين الداعمين لفلسطين، واتهامهم برفع شعار "اقصفوا إسرائيل"، بينما كان الشعار الأصلي هو "ألمانيا تمول.. وإسرائيل تقصف". وتصف الصحيفة شعارات عادية كـ "فلسطين حرة" بشعارات الكراهية.