استولدت اللحظة الانتقالية التي أعقبت سقوط حُكم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في ليبيا، شكلا مفتوحا للتغيير في سمات حرية التعبير. وقد منح الحراك نسبيا فرصة لممارسة حق النقد سواء من خلال الكلمة أو الصورة أو لكاريكاتير.
بشخوص مستوحاة من الواقع الليبي وبعض مفردات باللهجة المحلية الليبية، يجسد رسام الكاريكاتير أحمد الشكري تمثُّلاته للوضع السياسي والاجتماعي ببلده.
شاشة "كرتونية" تُبرز سياسيا نعرفه أو رجل اقتصاد بملامح مبالغة في اعوجاجها وطريقة إخراجها. والهدف، نقد حدث سياسي أو اجتماعي بطريقة فنية تروي تفاصيل الواقع بشكل مبسط.
من رسم الكرتون إلى نقد الواقع
لم تكن فكرة التعبير والنقد في الجانب السياسي أو الاجتماعي متاحة، ولم تخطر ببال أحمد قبل قيام الثورة في ليبيا؛ فمنذ أن كان أحمد يبلغ أربع سنوات، لم يتوان والده عن حمل كل أدوات الزينة والورق ودعم أفكار الابن لكي يطور موهبته في رسوم الكرتون.
دأب أحمد على خط صور ترتبط أساسا بالاهتمامات البريئة والأحلام الطفولية، ولم ترتبط آنذاك لا بمجتمع ولا بساسة ولا حكومات.
وبعد سنوات الطفولة والشغف بالرسم الكرتوني، وجد أحمد نفسه ناقلا بريشته شيئا من الواقع، خاصة بعد الهبة الشعبية في ليبيا ودخولها في منعرج الاحتراب والتفتت.
وبتأجج الصراع في الحلبة السياسية، رغب أحمد في الخوض بلا تردد في رسم الواقع السياسي برؤية فنية فردية تارة وجماعية تارة أخرى.. لم يترك فكرة التعبير النقدي باعتماد رسوماته الكاريكاتيرية في بلده إلا بعد مضايقات وتهديدات من شخصيات تنبذ فكرة النقد والتعليق الساخر بالأساس.
لا خوض في التعليق على عنصر مقاتل أو آخر؛ فتلك تهمة تحيُّز لا تغتفر ولا مجال للنقد عن طريق تغيير الملامح والألوان، أو التصرف في تفاصيل الحدث السياسي. صُدَّ أحمد عن مبتغاه لحين قبل أن يقرر ترك البلد بدل ترك الموهبة. سافر إلى تونس للعمل مع مؤسسات إعلامية ليبية ومواقع إخبارية، مع الحفاظ على فكرة التعليق باللهجة العامية الليبية، حتى يؤدي الرسالة إلى الليبيين الذين يعنيهم بدرجة أولى، فهم الإطار النقدي للرسم وأيضا بغية التعريف باللهجة الليبية لعامة الشعوب العربية التي تتابع أحداث هذا البلد مثل بقية بلدان الثورات. وبالنسبة لأحمد، فاللهجة العامية تؤدي الرسالة بشكل واضح للمواطن الليبي، مثقفاً كان أو أميّاً، عالماً بالأحداث أم لا، وفي الحين ذاته تقرب للواقع أكثر، خاصة أن الشخصيات المعلَّقُ عليها ليبية وتتحدث اللهجة المحلية عادة. وهذا ما يضفي على الرسم حسا واقعيا يختلف عن التعليق بالعربية الفصحى التي تُعطي جانبا جديا، وهي مُستبعَدة من رسوم أحمد الكاريكاتيرية، كونها –برأيه- تقضي نسبيا على الطرافة التي تعد عماد الرسم الكاريكاتيري.
الكاريكاتير مقال رأي
وبحديثنا معه حول أبجديات الرسم واختيار المضمون، يقول أحمد.. "أؤمن أن الصورة الصحفية تفوق مئات التقارير والمقالات في التعبير ونقل الواقع، ولها وقع كبير على عموم الناس، لكن للرسم الكاريكاتيري وقع مضاعف، خاصة أنه يحمل وجهة نظر حول بيئة ما بطريقة طريفة ومستحبة لدى الأغلبية في ليبيا. الرسم الكاريكاتيري في الأصل هو رأي لا يختلف عن مقالات الرأي في المضمون، لكنه مبتدع وذو أسلوب أشد سلاسة، كما يمكن أن نتصرف فيه حسب ما نتخيل. ففي الرسم الكاريكاتيري، نطلق العنان لخيالنا ليغير في واقعنا شرط أن يكون هذا الخيال مشتركا.. والقصد هنا "فكرة" يرشحها ويشارك فيها ليس كل الليبيين، فهذا عصي، لكن على الأقل الشباب الذي أدعوه أحيانا عبر منصات التواصل لتقديم الرأي في الحدث الجاري".
وحول أهم إنتاجاته النقدية ورسوماته ذات المضامين الاجتماعية يضيف أحمد.. "أول صورة أسرعت إلى رسمها كانت من نبع الواقع بلا إضافات ولا تعليقات؛ فبعد معارك طاحنة حصلت بين عناصر مسلحة، ترسخت في ذهني صور وأنا أتطلع إلى الناس في شوارع بلدي.. رأيت نظرات ذعر وخوف كبيرين من هول الحرب، فوثَّقت هذه النظرات في رسم كاريكاتيري. بعدها واصلت توثيق لوحات عديدة ورسوم لنقد بعض الظواهر بغية الدعوة لإصلاحها والتصدي لها كظاهرة الهجرة غير النظامية من ليبيا، وفكرة نقص السيولة وانقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار.. إلخ".
الكاريكاتير خارج النص المقدس
ويختم أحمد.. "في ليبيا وفي كل الدول العربية، نتمنى أن تتوفر حماية لرسام الكاريكاتير الصحفي مثلما الصحفي، فهو يُحاكي مجتمعه ويعبر عن الناس بصورة لا تقل عن دور الإعلامي. وفي حين تعجز التقارير والمقالات الصحفية اليومية عن نسب صورة مبتدعة أو إضافة عبارات وفقا لقاعدة الخبر مقدس، يجد رسام الكاريكاتير مساحة خاصة في رسومه التي لا تخضع بصفة كلية لقيود الصورة الصحفية وقوانينها الصارمة".