كليات الإعلام في مصر.. منابع جافة أمام واقع فياض

"ماتدرسه شيء وما تحتاجه وتعمل به في سوق العمل شيء مختلف تماماً".. تلك الجملة التي أخبرنيها أحد أساتذتي أثناء عامي الدراسي الأول، وظل صداها يتردد في أذني طيلة الأربع سنوات الدراسية، وتعاود زيارتي كلما صدمني موقف في واقع الممارسة يبتعد كثيرا عما درست، جملة تجلت حقيقتها في عيني يوم فوجئت بمحتوى مادة النقد الفني التي كنت أتخيل أنني سأدرس فيها أساليب نقد إعلامي، لأفوق على حقيقة أنني أدرس نقدا شعريا وأساليب بلاغية، وفيما عدا ذلك استمر الأساتذة في ترديد تلك العبارات التي تنذر بطريق وعر يستنفذ جهدك ووقتك ومالك، إن كنت تطمح في أن تصبح صحفيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

 هذا الطريق الذي يأتي غالبية السائرين فيه من غير دارسي الإعلام الذين شكَّل بعضهم رموزا للعمل الصحفي، ففي دراسة قمت بإعدادها في مرحلة الدراسات العليا طبقتها على الصحفيين بثلاث من كبرى المؤسسات الصحفية في مصر "الأهرام والوفد والمصري اليوم" - 2012، اتضح أن 60.3% من جملة الصحفيين عينة الدراسة لم يدرسوا الإعلام أو الصحافة في مرحلة الدراسة الجامعية، وعليه كان لا بد من البحث في أثر الدراسة الأكاديمية على الممارسة الإعلامية مع أولئك الذين عايشوا واقع العمل بالمجال.

فعلى اختلاف وتشعب مواقعهم وتخصصاتهم الفرعية في سوق العمل الصحفي، تشعبت أيضا أنواع التعليم الأكاديمي التي تلقوها في المرحلة الجامعية، وتعددت الإمكانيات المادية والبشرية التي أتيحت لهم خلال الدراسة، حسب المؤسسة المالكة للكلية أو المعهد الذي تخرجوا منه، فهناك التعليم الحكومي والأزهري والتعليم الخاص والأجنبي، وكذلك كان منهم المحرر والمخرج والمراسل الصحفي.. إلخ.

وعلى مستوى التجربة اختلفت استفادتهم من دراسة الإعلام، كما اختلف تطبيقها في الواقع العملي.

قشور العمل الصحفي

تبقى كلية الإعلام في جامعة القاهرة الصرح الأكاديمي الأكبر والأقدم في مصر، حيث تأسست عام 1974 بعد تحويل معهد الإعلام بالجامعة إلى أول كلية مستقلة للإعلام في العالم العربي ضمت أقسام: الصحافة والنشر، الإذاعة والتلفزيون، العلاقات العامة والإعلان.. ويقوم نظام الكلية على دراسة الأقسام الثلاث، قبل أن يختار تخصصه الذي يتحدد بناء على رغباته المقدمة ونتيجة المقابلة الشخصية للقبول بالقسم، والتي تتحدد في قسم الصحافة بثلاثة معايير: المعلومات العامة لدى الطالب ومستوى متابعة الطالب للأحداث الجارية وإلمام الطالب بالخريطة الإعلامية والصحفية في مصر (1)، وكذلك كانت هناك معايير قبول مماثلة لباقي الأقسام.

وعلى طول مشوارها خرَّجت الآلاف من المشتغلين بالإعلام داخل مصر وخارجها، كان من بينهم الصحفي محمد نبيل الألفي، المحرر بجريدة البوابة نيوز.. تحدث إلى مجلة الصحافة عن تجربته بين العمل والدراسة. 

يرى الألفي أن كلية الإعلام وفرت له الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية الغائبة في أي كلية أو معهد حكومي آخر في مصر، فكان تركيز الدراسة الكبير في العامين الأخيرين في تدريب الطالب على بيئة العمل الصحفي في التخصصات الدقيقة مثل: الإخراج الصحفي والتحرير الإخباري والديسك المركزي.. "كانت اللغتان العربية والإنجليزية جزئين أصيلين في تدريبي داخل الكلية، وكانت نقطة التميز لدي كخريج إعلام هي معرفة مصطلحات العمل الصحفي وبنيته الأساسية بما اكتسبته من تدريب عملي داخل الجامعة، في وقت تعج فيه الساحة الإعلامية بفوضى عارمة دون أسس سليمة، ورغم أن بعض النماذج التدريبية التي حصلنا عليها تتم عبر نماذج تواكب تجهيزات الصحف الحديثة، إلا أن الكثير من نماذج تدريبنا كان قد عفا عليها الزمن نظرا لأنها لم تتطور بالقدر الكافي لمواكبة العصر، كما كانت هذه التدريبات تفتقر إلى إدخال التقنيات الحديثة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، كنظم التشغيل الخاصة بتلك المواقع على سبيل المثال.. وعليه قدمت لي الدراسة قشور العمل الصحفي رغم استفادتي الكبيرة من التدريبات الجامعية، إلا أن وقتها محدود والأعداد كثيفة.. ولهذا كنت أحتاج للانغماس في لب العمل لدى المؤسسات التي انتميت إليها لأستطيع أن أخطو أولى خطواتي العملية في المجال، فالفجوة كبيرة بين الدراسة والممارسة".

اضطر الألفي للحصول على الكثير من الدورات التدريبية المتخصصة رغم ارتفاع أسعارها في مراكز تدريب معتمدة وتابعة لمؤسسات ضخمة يقوم عليها خبراء مثل: مركز النيل لرواد الإعلام ورويترز.

تَمَيُزْ كارنية النقابة  

وبعيداً عن مركزية كلية الإعلام، يظهر دور أقسام ومعاهد الصحافة بالمحافظات في تخريج المشتغلين بمجال الصحافة والإعلام بصفة عامة، وأقدم هذه الأقسام هو قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة سوهاج، الذي أسس عام 1976 قسماً للصحافة، ثم تحول إلى قسم إعلام شاملاً شعب، الصحافة والعلاقات العامة والإعلام السياحي عام 1999، فهل مثلت الدراسة فيه فارقاً في سوق الممارسة لخرّيجيه؟

جاءت الإجابة عن هذا التساؤل من أحد خريجي القسم العاملين بمجال الإخراج الصحفي بالنفي الكلي، حيث يرى كرم بكر، المخرج الصحفي بجريدة الشروق المصرية أن "الإخراج الصحفي لا يدرّس في القسم بالشكل القوي الذي يؤهل أي شخص لأن يصبح ممارسا لهذه المهنة في الواقع العملي، فهو مادة واحدة تدرس مرة في السنة الثالثة للدراسة وأخرى في السنة الرابعة بشكل نظري كامل، انكشف حجم القصور فيه مع أول خطواتي العملية في المجال، فلم يزد حجم الإضافة التي أعطتني إياها الدراسة عن 10-15% مما تعلمته في الثلاثة شهور الأولى فقط ، تمثلت في المبادئ الأولية التي جعلتني أفهم وأطبق ما يقوله مديري ومعلمي في الجريدة التي أعمل بها بسرعة".

مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.
مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.
الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

وبرأي بكر أن المشكلة تكمن في المنظومة، فبالإضافة إلى الحاجة إلى توفير الإمكانيات المادية ومعدات التدريب للطالب مثل الكاميرات والماكيتات وبرامج الحاسوب المتخصصة -وهي أشياء غير مكلفة- فالمطلوب توفير العنصر البشري المؤهل لتدريب الطالب.

ويرى بكر أن دارسة الإعلام لم تضف له في حقل العمل إلا سرعة حصوله على العضوية الثابتة في نقابة الصحفيين -أو ما يعرف لدى الصحفيين في مصر بكارنيه المشتغلين- حيث يحصل عليه دارس الإعلام بعد عام واحد فقط من القيد المبدئي، بينما يحصل عليه غير الدارسين للإعلام بعد عامين من القيد الأولي، وذلك طبقا لقانون النقابة.

بعض المهارات لا يمكن للصحفي تعلمها –بحسب بكر- لا من الجامعة ولا من مراكز التدريب كالإخراج الصحفي الذي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة من رياضة واقتصاد وفن وسياسية.. "والمشكلات اليومية التي نواجهها وبناء الصفحة وإعادة بنائها طبقا لظروف العمل والإنتاج والطبعات".

الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.
الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.

السلامة المهنية المحذوفة من المقرر

مع بداية الألفية الثالثة ظهرت الكليات الخاصة في مصر كمشروعات استثمارية في مجال التعليم، توفر للطلبة إمكانيات مادية كبيرة، وتستوعب أعدادا أقل من الطلبة بسبب اعتمادها على مصروفات دراسية مرتفعة.. وكان لكليات وأكاديميات الإعلام الخاصة السبق في الظهور وسط تلك المنظومة، ومن بينها كلية الإعلام في جامعة الأهرام الكندية التابعة لمؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، والتي تأسست عام 2005 ضمن خمس كليات تأسست بها الجامعة، وفرت الكلية بتبعيتها لأحد أكبر المؤسسات الصحفية في مصر مستوى تعليميا مختلفا، حيث تتمتع الكلية بقاعدة تكنولوجية متطورة، كما يدرِّس فيها مجموعة من كبار الصحفيين بمؤسسة الأهرام.

الأمر الذي يفرض البحث وراء تأثير ذلك على الممارسة الصحفية لخريجيها في المجال العملي.. نادر باسم، أحد خرّيجي قسم الصحافة - الشعبة الإنجليزية بالكلية، كان قد عمل لعامين بجريدة المصري اليوم كصحفي ميداني تحت التمرين، يرى أن الدراسة لها جوانب إيجابية لمسها بنفسه في واقع الممارسة، وجوانب أخرى سلبية لا تتماشى مع الواقع العملي.. "أعلى استفادة دراسية تحققت لي من الدراسة عندما درَّسني صحفي يعمل في "الأهرام ويكلي"، وهو ذو خبرة كبيرة في العمل لدى وسائل الإعلام العالمية، فقام بتغذيتي بالقواعد والقيم الأصيلة في الإعلام من المنظور التطبيقي: ما ينشر وما لا ينشر، كيف أتعامل مع مصدري وأحترم خصوصيته وأجعله يثق بي ويحترمني، كيف تطبق القيم بدون تشدد الكتب ولا تسيُّب الممارسة العشوائية، عندما أقع في مشكلة ما هي أشكال المواءمات والحلول الوسط التي أتبعها حتى لا أخسر مهنيتي، ولا أفقد موضوعا مهما أو جانبا من جوانبه أو أخسر مصدري إن كانت المشكلة تتعلق به.. تعلمت أن دور الصحفي نشر الحقائق فقط وترك الحكم للجمهور فلسنا محامين أو قضاة، وقد ساعدني ذلك كثيرا في واقع الممارسة". أما عن الجوانب السلبية فيقول.. "أهملت الدراسة جوانب كبيرة اكتشفتها في سوق العمل، فقد تمتعت في إعلام الأهرام الكندية بقاعدة تكنولوجية لا توجد في أي مكان في مصر، أستوديو على أعلى مستوى تقني كلّف ملايين الجنيهات، وكذلك المعامل، إلا أنه ما من فائدة لهذه التكنولوجيا إن كان من يدرِّب فيها ليس خبيراً باستخدام هذه المعدات والأدوات، فكان المسؤول عن تدريس مادة مثل التصوير الصحفي هو مخرج صحفي من جريدة كبيرة -جاء وفقا لمعيار المجاملة- لم يمسك كاميرا في حياته، فأصبح يحكم على مستوى التصوير ومستوى تعلمنا له شخص لا يفقه شيئا فيه، وهنا مثِّل اختيار المورد البشري نقطة قصور كبيرة.. كذلك تعلمتُ التصوير الخارجي في أماكن هادئة أو في مكاتب مغلقة، ولم تهتم الجامعة بتدريسنا في أماكن الحركة والنزاع ووسط زخم الشارع، كما تعلمت كيف أجري لقاء مع وزير أو مسؤول داخل المكتب، ولم أتعلم في الكلية أن الشارع أهم من الوزير والمسؤول، أو كما يقول مصطفى أمين "الصحافة الحرة تقول للحاكم ما يريده الشعب، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم"، وذلك بسبب انتماء جامعتي لمدرسة صحفية رسمية أو محافظة".

بيد أن الفجوة الكبيرة التي اكتشفها باسم هي إغفال كليات الإعلام بصفة عامة تدريس ما يعرف بقواعد السلامة المهنية، مع أنها أهم ما يجب أن يتعلمه الصحفي، ولم يكن يعرف المكان الصحيح للوقوف عند تغطية أماكن الاشتباكات ومناطق النزاع والشغب، ولا كيف يتحرك في المكان، وكيف يستخدم خريطة المكان الذي يتواجد فيه، ولا كيفية تأمين وجوده مع قوات الأمن مثلاً وتجنب الدخول معها في مشاكل. كل هذا تغفله الجامعة بشكل يجعل الصحفي في بداية عمله عرضة لكل أشكال الإيذاء في الشارع، والمثال على ذلك: مقتل إحدى الصحفيات خريجة كلية الإعلام أثناء تغطيتها لإحدى المظاهرات التي حملت أحداث شغب.

اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.
اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.

باسم اضطر أمام ذلك للجوء للدورات التدريبية الخارجية فحصل على أكثر من 15 منحة في مراكز تدريبية إعلامية وحقوقية، تنوعت بين التصوير الفوتوغرافي وصحافة الفيديو وتصوير البورتريه وأخلاقيات المهنة والتعامل مع الأقليات العرقية والتعامل مع ضحايا التعذيب والحوادث، وكان أهم هذه الدورات التدريبية هي دورة السلامة المهنية، وهو ما كان له عظيم الأثر في تشكيل شخصيته الصحفية.

يعتقد باسم أنه كخريج صحافة يتميز بأنه على دراية بأبجديات العمل الصحفي ويفهم ما ينبغي عليه فعله، مضيفا "أفادتني الدراسة في كسب احترام المصادر، فالمصادر تبدي احتراما وتقديرا لخريج الصحافة، وبالتالي يسهل تكوين العلاقات مع هذه المصادر وتكرار اللجوء إليها، وعلى جانب أخر كان تميزي الدراسي كطالب من أوائل كلية الإعلام الفضل في أن معظم الدورات التي حصلت عليها في مراكز كبيرة كانت مجانية كمكافآت تفوق، وجميع تلك المنح كان زملائي يدفعون تكاليف مرتفعة للغاية ليحصلوا عليها، حيث تصل تكلفة الدورة الواحدة إلى ما يزيد عن 2500 جنية".  

تهميش التخصص وثقافة الاقتباس

كلية الإعلام - جامعة الأزهر: هي إحدى الكليات حديثة التأسيس بالجامعة، فقد كانت في البداية قسما للإعلام والصحافة بكلية اللغة العربية، ثم تحولت لكلية مستقلة عام 2011، فهل اختلف حال خريجي إعلام الأزهرعن باقي الجامعات المصرية؟ تحدث في هذا الأمر محمد سيد فراج، وهو باحث وإعلامي حر في الصحافة الاقتصادية وأحد خريجي قسم إعلام الأزهر.. يقول "لما كانت الكلية في بداية الأمر قسما تابعا لكلية اللغة العربية، كان من الصعب أن تتوفر لها الإمكانيات المادية اللازمة للتدريب العملي مثل الاستوديوهات والمعامل. وكانت الجامعة تحاول تعويض ذلك عبر رحلات دورية للصحف والقنوات التلفزيونية، لتعرفنا على مراحل الإنتاج الإعلامي وكيفية العمل، وكان بعض الطلبة يستمرون في التدريب بهذه الصحف والمؤسسات ويكملون العمل بها.. ومع بداية عملي اخترت العمل بالصحافة الاقتصادية التي تمثل أصعب أنواع الصحافة، فلم يكن لعملي أي علاقة بالدراسة في أي من جوانبها.. كنت بحاجة لتعلم المصطلحات الاقتصادية وفهمها والتعرف إلى هذا المجال الجديد، وهذا ما اكتسبته بالخبرة، لأن عرف التدريس في كليات وأقسام الإعلام يقول إن الصحفي يجب أن يعرف شيئا عن كل شيء، والخطة الدراسية للأربع سنوات لا تسمح بالتعمق في فروع التخصص العام بشكل كبير، وعليه لم تكن دراستي للصحافة المتخصصة لتعلمني أساليب المعالجة والتناول للموضوعات الاقتصادية بشكل احترافي".

وبهذا، فقد كانت كفة الميزان متوازنة بين فراج وزملائه الذين لم يدرسوا الإعلام، بل التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كانوا على دراية بالاقتصاد وجهل بقواعد الممارسة الإعلامية من كتابة وصياغة وتغطية وقيم، على العكس منهم كان فراج يفتقد الفهم الكامل للمادة الخام للمعلومات التي يقدمها في المجال الاقتصادي مع إدراكه أبجديات العمل الإعلامي.. التعاون بينهم كخريجي أقسام مختلفة في مناخ صحفي عملي واحد جعلهم يكملون نقص بعضهم للوصول إلى مستوى الاحتراف.

كان الأمر يتطلب من فراج تكثيف القراءة في المجال الاقتصادي، التي أكسبته فهما نظريا لمجال عمله بنسبة "قد تصل إلى 60%"، وعليه كانت الممارسة هي داعمه الأول.

ويحيل فراج تلك الفجوة بين الممارسة والدراسة الأكاديمية بمرحلة الدراسات العليا إلى عدة أسباب.. "يأتي في مقدمتها الأدبيات الصحفية القديمة جدا التي يتم الاعتماد عليها في التدريس، فجميع هذه الكتابات عن كيفية كتابة الخبر وإجراء المقابلة الصحفية وعمل التحقيق، كتبت في حقبة تاريخية قديمة جدا، كانت فيها صناعة الصحافة وظروفها مختلفة عن الوضع الحالي ولم يتم الاهتمام بتحديثها بالشكل الذي يناسب متطلبات العصر، لأن جميع الباحثين والكتاب في هذا المجال يعيشون ثقافة الاقتباس، بل وتأتي الاقتباسات كأحد الاشتراطات الرئيسية للبحث العلمي وإلا وصف الطرح المقدم بالضعف والهشاشة. كما أن الدراسات الإنسانية ليس بها ثوابت مما يجعلها تقبل التطوير والتحديث والإضافة والابتكار، ورغم ذلك تعاني الطروحات النظرية في الصحافة من الجمود الكبير. أما السبب الثاني فهو عدم مواكبة الطروحات الأكاديمية للتقدم التقني الكبير الموجود في واقع الممارسة والذي يتم تحديثه كل يوم، فتجد تلك الكتابات التي تتناول البعد التقني للمجال مثل مادة "نشأة وسائل الإعلام"، يدرس فيها الطلاب موضوعات بدائية جدا مثل: الطباعة الورقية بالحفر البارز والغائر، والتلفزيون الكابلي والأرضي.. إلخ، وهي أشياء لم تعد موجودة بحكم التطور التقني الكبير في مجال الإنتاج الإعلامي".

كيف تقترن الدراسة بالممارسة؟

كانت الجامعة الأميركية بالقاهرة (AUC) الأكثر اقترابا للإجابة على هذا التساؤل، فجعلت أحد أهم شروط قبول المتقدمين في مرحلة التعليم الجامعي لدراسة الصحافة والاتصال الجماهيري وكذلك التلفزيون والصحافة الإلكترونية، أن يكون المتقدم قد درس ما لا يقل عن ثلاث مواد مؤهلة لتلك الدراسة في مرحلة ما قبل الجامعة. كذلك الأمر في مرحلة الدراسات العليا، حيث يشترط أن يكون لدى المتقدم خبرة سابقة في العمل في هذا المجال، وأن يرفق نماذج من أعماله المنشورة أو المذاعة، كما ينبغي أن يدرج ضمن استمارة التقدم مكان عمله الحالي والذي يشترط ارتباطه بمجال الدراسة.

 أما كلية الإعلام جامعة القاهرة، فقد أطلقت في يناير/كانون الثاني من العام الجاري إذاعتها الشبابية عبر الإنترنت باسم "إعلام أونلاين"، ليقوم فيها طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون بخوض تجربة العمل الإذاعي عبر مجموعة من البرامج الإذاعية، تحت شعار "صوتك حدوده السما"، وكذلك أطلقت قناة على موقع "يوتيوب" ضمن المبادرة ذاتها (2).

 

هوامش

http://masscomm.cu.edu.eg, موقع كلية الإعلام جامعة القاهرة (1)  

(2)  http://www.e3lamonline.com/

المزيد من المقالات

طلبة الصحافة في غزة.. ساحات الحرب كميدان للاختبار

مثل جميع طلاب غزة، وجد طلاب الإعلام أنفسهم يخوضون اختبارا لمعارفهم في ميادين الحرب بدلا من قاعات الدراسة. ورغم الجهود التي يبذلها الكادر التعليمي ونقابة الصحفيين لاستكمال الفصول الدراسية عن بعد، يواجه الطلاب خطر "الفراغ التعليمي" نتيجة تدمير الاحتلال للبنية التحتية.

أحمد الأغا نشرت في: 26 ديسمبر, 2024
الضربات الإسرائيلية على سوريا.. الإعلام الغربي بين التحيز والتجاهل

مرة أخرى أطر الإعلام الغربي المدنيين ضمن "الأضرار الجانبية" في سياق تغطية الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا. غابت لغة القانون الدولي وحُجبت بالكامل مأساة المدنيين المتضررين من الضربات العسكرية، بينما طغت لغة التبرير وتوفير غطاء للاحتلال تحت يافطة "الحفاظ على الأمن القومي".

زينب عفيفة نشرت في: 25 ديسمبر, 2024
صحافة المواطن في غزة.. "الشاهد الأخير"

بكاميرا هاتف، يطل عبود بطاح كل يوم من شمال غزة موثقا جرائم الاحتلال بلغة لا تخلو من عفوية عرضته للاعتقال. حينما أغلق الاحتلال الإسرائيلي غزة على الصحافة الدولية وقتل الصحفيين واستهدف مقراتهم ظل صوت المواطن الصحفي شاهدا على القتل وحرب الإبادة الجماعية.

Razan Al-Hajj
رزان الحاج نشرت في: 22 ديسمبر, 2024
مقابلة الناجين ليست سبقا صحفيا

هل تجيز المواثيق الأخلاقية والمهنية استجواب ناجين يعيشون حالة صدمة؟ كيف ينبغي أن يتعامل الصحفي مع الضحايا بعيدا عن الإثارة والسعي إلى السبق على حساب كرامتهم وحقهم في الصمت؟

Lama Rajeh
لمى راجح نشرت في: 19 ديسمبر, 2024
جلسة خاطفة في "فرع" كفرسوسة

طيلة أكثر من عقد من الثورة السورية، جرب النظام السابق مختلف أنواع الترهيب ضد الصحفيين. قتل وتحقيق وتهجير، من أجل هدف واحد: إسكات صوت الصحفيين. مودة بحاح، تخفت وراء أسماء مستعارة، واتجهت إلى المواضيع البيئية بعد "جلسة خاطفة" في فرع كفرسوسة.

مودة بحاح نشرت في: 17 ديسمبر, 2024
الصحافة السورية المستقلة.. من الثورة إلى سقوط الأسد

خلال 13 سنة من عمر الثورة السورية، ساهمت المنصات الصحفية المستقلة في كشف الانتهاكات الممنهجة للنظام السابق. الزميل أحمد حاج حمدو، يقدم قراءة في أدوار الإعلام البديل من لحظة الثورة إلى لحظة هروب بشار الأسد

Ahmad Haj Hamdo
أحمد حاج حمدو نشرت في: 13 ديسمبر, 2024
صحفيو شمال غزة يكسرون عاما من العزلة

رغم الحصار والقتل والاستهداف المباشر للصحفيين الفلسطينيين في شمال غزة، يواصل "الشهود" توثيق جرائم الاحتلال في بيئة تكاد فيها ممارسة الصحافة مستحيلة.

محمد أبو قمر  نشرت في: 17 نوفمبر, 2024
جيريمي سكاهيل: الحرب على غزّة وضرورة العودة إلى "صحافة المواجهة"

يدعو الصحفي الاستقصائي الشهير جيريمي سكاهيل إلى إحياء ما أسماه "صحافة المواجهة" للتصدي لحالة التفريط بالقيم المهنية والإنسانية الأساسية في وسائل إعلام غربية مهيمنة، وخاصة في سياق تغطية الإبادة في قطاع غزة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 6 نوفمبر, 2024
في السنغال.. "صحافة بلا صحافة"

شاشات سوداء، وإذاعات تكتم صوتها وصحف تحتجب عن الصدور في السنغال احتجاجا على إجراءات ضريبية أقرتها الحكومة. في البلد الذي يوصف بـ "واحة" الديمقراطية في غرب أفريقيا تواجه المؤسسات الإعلامية - خاصة الصغيرة - ضغوطا مالية متزايدة في مقابل تغول الرأسمال المتحكم في الأجندة التحريرية.

عبد الأحد الرشيد نشرت في: 5 نوفمبر, 2024
تهمة أن تكون صحفيا في السودان

بين متاريس الأطراف المتصارعة، نازحة تارة، ومتخفية من الرصاص تارة أخرى، عاشت الصحفية إيمان كمال الدين تجربة الصراع المسلح في السودان ونقلت لمجلة الصحافة هواجس وتحديات التغطية الميدانية في زمن التضليل واستهداف الصحفيين.

إيمان كمال الدين نشرت في: 28 أكتوبر, 2024
الأثر النفسي لحرب الإبادة على الصحفيين

ما هي الآثار النفسية لتغطية حرب الإبادة على الصحفيين؟ وهل يؤثر انغماسهم في القضية على توازنهم ومهنيتهم؟ وماذا يقول الطب النفسي؟

أحمد الصباهي نشرت في: 18 أكتوبر, 2024
"أن تعيش لتروي قصتي"

في قصيدته الأخيرة، كتب الدكتور الشهيد رفعت العرعير قائلا "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش لتروي قصتي".

لينا شنّك نشرت في: 15 أكتوبر, 2024
عامٌ على حرب الإبادة في فلسطين.. الإعلام الغربي وهو يساوي بين الجاني والضحيّة

ما تزال وسائل إعلام غربية كبرى تثبت أنّها طرفٌ في حـرب الرواية، ولصالح الاحتلال الاسرائيلي.. في هذا المقال، يوضّح الزميل محمد زيدان كيف أن وسائل إعلام غربية كبرى ما تزال تطوّر من تقنيات تحيّزها لصالح الاحتلال، رغم انقضاء عام كامل على حرب الإبـادة في فلسطين.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 8 أكتوبر, 2024
حسابات وهمية بأقنعة عربية.. "جيش إلكتروني منظم"

أُغرقت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف الحسابات الوهمية التي تزعم أنها تنتمي إلى بلدان العربية: تثير النعرات، وتلعب على وتر الصراعات، وتؤسس لحوارات وهمية حول قضايا جدلية. الزميلة لندا، تتبعت عشرات الحسابات، لتكشف عن نمط متكرر غايته خلق رأي عام وهمي بشأن دعم فئات من العرب لإسرائيل.

لندا شلش نشرت في: 6 أكتوبر, 2024
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 23 سبتمبر, 2024
"مأساة" الصحفي النازح في غزة

بينما تقترب حرب الإبادة الجماعية في فلسطين من سنتها الأولى، ما يزال الصحفيون في غزة يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم ويحمي عائلاتهم. يوثق الصحفي أحمد الأغا في هذا التقرير رحلة النزوح/ الموت التي يواجهها الصحفيون منذ بداية الحرب.

أحمد الأغا نشرت في: 22 سبتمبر, 2024
من الصحافة إلى الفلاحة أو "البطالة القسرية" للصحفيين السودانيين

كيف دفعت الحرب الدائرة في السودان العشرات من الصحفيين إلى تغيير مهنهم بحثا عن حياة كريمة؟ الزميل محمد شعراوي يسرد في هذا المقال رحلة صحفيين اضطرتهم ظروف الحرب إلى العمل في الفلاحة وبيع الخضروات ومهن أخرى.

شعراوي محمد نشرت في: 15 سبتمبر, 2024
المصادر المجهّلة في نيويورك تايمز.. تغطية الحرب بعين واحدة

ينظر إلى توظيف المصادر المجهلة ضمن المعايير المهنية والأخلاقية بأنها "الخيار الأخير" للصحفيين، لكن تحليل بيانات لصحيفة نيويورك تايمز يظهر نمطا ثابتا يوظف "التجهيل" لخدمة سرديات معينة خاصة الإسرائيلية.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 5 سبتمبر, 2024
عمر الحاج.. "التحول" الصعب من العطلة إلى بؤرة الزلزال

قبل أن يضرب زلزال عنيف مناطق واسعة من المغرب، كان عمر الحاج مستمتعا بعطلته، ليجد نفسه فجأة متأرجحا بين واجبين: واجب العائلة وواجب المهنة، فاختار المهنة. في تغطيته لتداعيات الكارثة الطبيعية، التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، خرج بدروس كثيرة يختصرها في هذه اليوميات.

عمر الحاج نشرت في: 17 أغسطس, 2024
رفاق المهنة يروون اللحظات الأخيرة لاغتيال إسماعيل الغول

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا أمس (31 يوليو/ تموز)، مراسل الجزيرة في مدينة غزة إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وصحفيون آخرو

Mohammad Abu Don
محمد أبو دون نشرت في: 1 أغسطس, 2024
في الحرب على غزة.. كيف تحكي قصة إنسانية؟

بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، كيف يمكن أن يحكي الصحفيون القصص الإنسانية؟ وما القصص التي ينبغي التركيز عليها؟ وهل تؤدي التغطية اليومية والمستمرة لتطورات الحرب إلى "التطبيع مع الموت"؟

يوسف فارس نشرت في: 17 يوليو, 2024
الأمهات الصحفيات في غزة.. أن تعيش المحنة مرتين

أن تكون صحفيا، وصحفية على وجه التحديد تغطي حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ومجردة من كل أشكال الحماية، يجعل ممارسة الصحافة أقرب إلى الاستحالة، وحين تكون الصحفية أُمًّا مسكونة بالخوف من فقدان الأبناء، يصير العمل من الميدان تضحية كبرى.

Amani Shninu
أماني شنينو نشرت في: 14 يوليو, 2024
بعد عام من الحرب.. عن محنة الصحفيات السودانيات

دخلت الحرب الداخلية في السودان عامها الثاني، بينما يواجه الصحفيون، والصحفيات خاصّةً، تحديات غير مسبوقة، تتمثل في التضييق والتهديد المستمر، وفرض طوق على تغطية الانتهاكات ضد النساء.

أميرة صالح نشرت في: 6 يونيو, 2024
الصحفي الغزي وصراع "القلب والعقل"

يعيش في جوف الصحفي الفلسطيني الذي يعيش في غزة شخصان: الأول إنسان يريد أن يحافظ على حياته وحياة أسرته، والثاني صحفي يريد أن يحافظ على حياة السكان متمسكا بالحقيقة والميدان. بين هذين الحدين، أو ما تصفه الصحفية مرام حميد، بصراع القلب والعقل، يواصل الصحفي الفلسطيني تصدير رواية أراد لها الاحتلال أن تبقى بعيدة "عن الكاميرا".

Maram
مرام حميد نشرت في: 2 يونيو, 2024