كليات الإعلام في مصر.. منابع جافة أمام واقع فياض

كليات الإعلام في مصر.. منابع جافة أمام واقع فياض

"ماتدرسه شيء وما تحتاجه وتعمل به في سوق العمل شيء مختلف تماماً".. تلك الجملة التي أخبرنيها أحد أساتذتي أثناء عامي الدراسي الأول، وظل صداها يتردد في أذني طيلة الأربع سنوات الدراسية، وتعاود زيارتي كلما صدمني موقف في واقع الممارسة يبتعد كثيرا عما درست، جملة تجلت حقيقتها في عيني يوم فوجئت بمحتوى مادة النقد الفني التي كنت أتخيل أنني سأدرس فيها أساليب نقد إعلامي، لأفوق على حقيقة أنني أدرس نقدا شعريا وأساليب بلاغية، وفيما عدا ذلك استمر الأساتذة في ترديد تلك العبارات التي تنذر بطريق وعر يستنفذ جهدك ووقتك ومالك، إن كنت تطمح في أن تصبح صحفيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

 هذا الطريق الذي يأتي غالبية السائرين فيه من غير دارسي الإعلام الذين شكَّل بعضهم رموزا للعمل الصحفي، ففي دراسة قمت بإعدادها في مرحلة الدراسات العليا طبقتها على الصحفيين بثلاث من كبرى المؤسسات الصحفية في مصر "الأهرام والوفد والمصري اليوم" - 2012، اتضح أن 60.3% من جملة الصحفيين عينة الدراسة لم يدرسوا الإعلام أو الصحافة في مرحلة الدراسة الجامعية، وعليه كان لا بد من البحث في أثر الدراسة الأكاديمية على الممارسة الإعلامية مع أولئك الذين عايشوا واقع العمل بالمجال.

فعلى اختلاف وتشعب مواقعهم وتخصصاتهم الفرعية في سوق العمل الصحفي، تشعبت أيضا أنواع التعليم الأكاديمي التي تلقوها في المرحلة الجامعية، وتعددت الإمكانيات المادية والبشرية التي أتيحت لهم خلال الدراسة، حسب المؤسسة المالكة للكلية أو المعهد الذي تخرجوا منه، فهناك التعليم الحكومي والأزهري والتعليم الخاص والأجنبي، وكذلك كان منهم المحرر والمخرج والمراسل الصحفي.. إلخ.

وعلى مستوى التجربة اختلفت استفادتهم من دراسة الإعلام، كما اختلف تطبيقها في الواقع العملي.

قشور العمل الصحفي

تبقى كلية الإعلام في جامعة القاهرة الصرح الأكاديمي الأكبر والأقدم في مصر، حيث تأسست عام 1974 بعد تحويل معهد الإعلام بالجامعة إلى أول كلية مستقلة للإعلام في العالم العربي ضمت أقسام: الصحافة والنشر، الإذاعة والتلفزيون، العلاقات العامة والإعلان.. ويقوم نظام الكلية على دراسة الأقسام الثلاث، قبل أن يختار تخصصه الذي يتحدد بناء على رغباته المقدمة ونتيجة المقابلة الشخصية للقبول بالقسم، والتي تتحدد في قسم الصحافة بثلاثة معايير: المعلومات العامة لدى الطالب ومستوى متابعة الطالب للأحداث الجارية وإلمام الطالب بالخريطة الإعلامية والصحفية في مصر (1)، وكذلك كانت هناك معايير قبول مماثلة لباقي الأقسام.

وعلى طول مشوارها خرَّجت الآلاف من المشتغلين بالإعلام داخل مصر وخارجها، كان من بينهم الصحفي محمد نبيل الألفي، المحرر بجريدة البوابة نيوز.. تحدث إلى مجلة الصحافة عن تجربته بين العمل والدراسة. 

يرى الألفي أن كلية الإعلام وفرت له الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية الغائبة في أي كلية أو معهد حكومي آخر في مصر، فكان تركيز الدراسة الكبير في العامين الأخيرين في تدريب الطالب على بيئة العمل الصحفي في التخصصات الدقيقة مثل: الإخراج الصحفي والتحرير الإخباري والديسك المركزي.. "كانت اللغتان العربية والإنجليزية جزئين أصيلين في تدريبي داخل الكلية، وكانت نقطة التميز لدي كخريج إعلام هي معرفة مصطلحات العمل الصحفي وبنيته الأساسية بما اكتسبته من تدريب عملي داخل الجامعة، في وقت تعج فيه الساحة الإعلامية بفوضى عارمة دون أسس سليمة، ورغم أن بعض النماذج التدريبية التي حصلنا عليها تتم عبر نماذج تواكب تجهيزات الصحف الحديثة، إلا أن الكثير من نماذج تدريبنا كان قد عفا عليها الزمن نظرا لأنها لم تتطور بالقدر الكافي لمواكبة العصر، كما كانت هذه التدريبات تفتقر إلى إدخال التقنيات الحديثة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، كنظم التشغيل الخاصة بتلك المواقع على سبيل المثال.. وعليه قدمت لي الدراسة قشور العمل الصحفي رغم استفادتي الكبيرة من التدريبات الجامعية، إلا أن وقتها محدود والأعداد كثيفة.. ولهذا كنت أحتاج للانغماس في لب العمل لدى المؤسسات التي انتميت إليها لأستطيع أن أخطو أولى خطواتي العملية في المجال، فالفجوة كبيرة بين الدراسة والممارسة".

اضطر الألفي للحصول على الكثير من الدورات التدريبية المتخصصة رغم ارتفاع أسعارها في مراكز تدريب معتمدة وتابعة لمؤسسات ضخمة يقوم عليها خبراء مثل: مركز النيل لرواد الإعلام ورويترز.

تَمَيُزْ كارنية النقابة  

وبعيداً عن مركزية كلية الإعلام، يظهر دور أقسام ومعاهد الصحافة بالمحافظات في تخريج المشتغلين بمجال الصحافة والإعلام بصفة عامة، وأقدم هذه الأقسام هو قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة سوهاج، الذي أسس عام 1976 قسماً للصحافة، ثم تحول إلى قسم إعلام شاملاً شعب، الصحافة والعلاقات العامة والإعلام السياحي عام 1999، فهل مثلت الدراسة فيه فارقاً في سوق الممارسة لخرّيجيه؟

جاءت الإجابة عن هذا التساؤل من أحد خريجي القسم العاملين بمجال الإخراج الصحفي بالنفي الكلي، حيث يرى كرم بكر، المخرج الصحفي بجريدة الشروق المصرية أن "الإخراج الصحفي لا يدرّس في القسم بالشكل القوي الذي يؤهل أي شخص لأن يصبح ممارسا لهذه المهنة في الواقع العملي، فهو مادة واحدة تدرس مرة في السنة الثالثة للدراسة وأخرى في السنة الرابعة بشكل نظري كامل، انكشف حجم القصور فيه مع أول خطواتي العملية في المجال، فلم يزد حجم الإضافة التي أعطتني إياها الدراسة عن 10-15% مما تعلمته في الثلاثة شهور الأولى فقط ، تمثلت في المبادئ الأولية التي جعلتني أفهم وأطبق ما يقوله مديري ومعلمي في الجريدة التي أعمل بها بسرعة".

مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.
مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.
الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

وبرأي بكر أن المشكلة تكمن في المنظومة، فبالإضافة إلى الحاجة إلى توفير الإمكانيات المادية ومعدات التدريب للطالب مثل الكاميرات والماكيتات وبرامج الحاسوب المتخصصة -وهي أشياء غير مكلفة- فالمطلوب توفير العنصر البشري المؤهل لتدريب الطالب.

ويرى بكر أن دارسة الإعلام لم تضف له في حقل العمل إلا سرعة حصوله على العضوية الثابتة في نقابة الصحفيين -أو ما يعرف لدى الصحفيين في مصر بكارنيه المشتغلين- حيث يحصل عليه دارس الإعلام بعد عام واحد فقط من القيد المبدئي، بينما يحصل عليه غير الدارسين للإعلام بعد عامين من القيد الأولي، وذلك طبقا لقانون النقابة.

بعض المهارات لا يمكن للصحفي تعلمها –بحسب بكر- لا من الجامعة ولا من مراكز التدريب كالإخراج الصحفي الذي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة من رياضة واقتصاد وفن وسياسية.. "والمشكلات اليومية التي نواجهها وبناء الصفحة وإعادة بنائها طبقا لظروف العمل والإنتاج والطبعات".

الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.
الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.

السلامة المهنية المحذوفة من المقرر

مع بداية الألفية الثالثة ظهرت الكليات الخاصة في مصر كمشروعات استثمارية في مجال التعليم، توفر للطلبة إمكانيات مادية كبيرة، وتستوعب أعدادا أقل من الطلبة بسبب اعتمادها على مصروفات دراسية مرتفعة.. وكان لكليات وأكاديميات الإعلام الخاصة السبق في الظهور وسط تلك المنظومة، ومن بينها كلية الإعلام في جامعة الأهرام الكندية التابعة لمؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، والتي تأسست عام 2005 ضمن خمس كليات تأسست بها الجامعة، وفرت الكلية بتبعيتها لأحد أكبر المؤسسات الصحفية في مصر مستوى تعليميا مختلفا، حيث تتمتع الكلية بقاعدة تكنولوجية متطورة، كما يدرِّس فيها مجموعة من كبار الصحفيين بمؤسسة الأهرام.

الأمر الذي يفرض البحث وراء تأثير ذلك على الممارسة الصحفية لخريجيها في المجال العملي.. نادر باسم، أحد خرّيجي قسم الصحافة - الشعبة الإنجليزية بالكلية، كان قد عمل لعامين بجريدة المصري اليوم كصحفي ميداني تحت التمرين، يرى أن الدراسة لها جوانب إيجابية لمسها بنفسه في واقع الممارسة، وجوانب أخرى سلبية لا تتماشى مع الواقع العملي.. "أعلى استفادة دراسية تحققت لي من الدراسة عندما درَّسني صحفي يعمل في "الأهرام ويكلي"، وهو ذو خبرة كبيرة في العمل لدى وسائل الإعلام العالمية، فقام بتغذيتي بالقواعد والقيم الأصيلة في الإعلام من المنظور التطبيقي: ما ينشر وما لا ينشر، كيف أتعامل مع مصدري وأحترم خصوصيته وأجعله يثق بي ويحترمني، كيف تطبق القيم بدون تشدد الكتب ولا تسيُّب الممارسة العشوائية، عندما أقع في مشكلة ما هي أشكال المواءمات والحلول الوسط التي أتبعها حتى لا أخسر مهنيتي، ولا أفقد موضوعا مهما أو جانبا من جوانبه أو أخسر مصدري إن كانت المشكلة تتعلق به.. تعلمت أن دور الصحفي نشر الحقائق فقط وترك الحكم للجمهور فلسنا محامين أو قضاة، وقد ساعدني ذلك كثيرا في واقع الممارسة". أما عن الجوانب السلبية فيقول.. "أهملت الدراسة جوانب كبيرة اكتشفتها في سوق العمل، فقد تمتعت في إعلام الأهرام الكندية بقاعدة تكنولوجية لا توجد في أي مكان في مصر، أستوديو على أعلى مستوى تقني كلّف ملايين الجنيهات، وكذلك المعامل، إلا أنه ما من فائدة لهذه التكنولوجيا إن كان من يدرِّب فيها ليس خبيراً باستخدام هذه المعدات والأدوات، فكان المسؤول عن تدريس مادة مثل التصوير الصحفي هو مخرج صحفي من جريدة كبيرة -جاء وفقا لمعيار المجاملة- لم يمسك كاميرا في حياته، فأصبح يحكم على مستوى التصوير ومستوى تعلمنا له شخص لا يفقه شيئا فيه، وهنا مثِّل اختيار المورد البشري نقطة قصور كبيرة.. كذلك تعلمتُ التصوير الخارجي في أماكن هادئة أو في مكاتب مغلقة، ولم تهتم الجامعة بتدريسنا في أماكن الحركة والنزاع ووسط زخم الشارع، كما تعلمت كيف أجري لقاء مع وزير أو مسؤول داخل المكتب، ولم أتعلم في الكلية أن الشارع أهم من الوزير والمسؤول، أو كما يقول مصطفى أمين "الصحافة الحرة تقول للحاكم ما يريده الشعب، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم"، وذلك بسبب انتماء جامعتي لمدرسة صحفية رسمية أو محافظة".

بيد أن الفجوة الكبيرة التي اكتشفها باسم هي إغفال كليات الإعلام بصفة عامة تدريس ما يعرف بقواعد السلامة المهنية، مع أنها أهم ما يجب أن يتعلمه الصحفي، ولم يكن يعرف المكان الصحيح للوقوف عند تغطية أماكن الاشتباكات ومناطق النزاع والشغب، ولا كيف يتحرك في المكان، وكيف يستخدم خريطة المكان الذي يتواجد فيه، ولا كيفية تأمين وجوده مع قوات الأمن مثلاً وتجنب الدخول معها في مشاكل. كل هذا تغفله الجامعة بشكل يجعل الصحفي في بداية عمله عرضة لكل أشكال الإيذاء في الشارع، والمثال على ذلك: مقتل إحدى الصحفيات خريجة كلية الإعلام أثناء تغطيتها لإحدى المظاهرات التي حملت أحداث شغب.

اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.
اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.

باسم اضطر أمام ذلك للجوء للدورات التدريبية الخارجية فحصل على أكثر من 15 منحة في مراكز تدريبية إعلامية وحقوقية، تنوعت بين التصوير الفوتوغرافي وصحافة الفيديو وتصوير البورتريه وأخلاقيات المهنة والتعامل مع الأقليات العرقية والتعامل مع ضحايا التعذيب والحوادث، وكان أهم هذه الدورات التدريبية هي دورة السلامة المهنية، وهو ما كان له عظيم الأثر في تشكيل شخصيته الصحفية.

يعتقد باسم أنه كخريج صحافة يتميز بأنه على دراية بأبجديات العمل الصحفي ويفهم ما ينبغي عليه فعله، مضيفا "أفادتني الدراسة في كسب احترام المصادر، فالمصادر تبدي احتراما وتقديرا لخريج الصحافة، وبالتالي يسهل تكوين العلاقات مع هذه المصادر وتكرار اللجوء إليها، وعلى جانب أخر كان تميزي الدراسي كطالب من أوائل كلية الإعلام الفضل في أن معظم الدورات التي حصلت عليها في مراكز كبيرة كانت مجانية كمكافآت تفوق، وجميع تلك المنح كان زملائي يدفعون تكاليف مرتفعة للغاية ليحصلوا عليها، حيث تصل تكلفة الدورة الواحدة إلى ما يزيد عن 2500 جنية".  

تهميش التخصص وثقافة الاقتباس

كلية الإعلام - جامعة الأزهر: هي إحدى الكليات حديثة التأسيس بالجامعة، فقد كانت في البداية قسما للإعلام والصحافة بكلية اللغة العربية، ثم تحولت لكلية مستقلة عام 2011، فهل اختلف حال خريجي إعلام الأزهرعن باقي الجامعات المصرية؟ تحدث في هذا الأمر محمد سيد فراج، وهو باحث وإعلامي حر في الصحافة الاقتصادية وأحد خريجي قسم إعلام الأزهر.. يقول "لما كانت الكلية في بداية الأمر قسما تابعا لكلية اللغة العربية، كان من الصعب أن تتوفر لها الإمكانيات المادية اللازمة للتدريب العملي مثل الاستوديوهات والمعامل. وكانت الجامعة تحاول تعويض ذلك عبر رحلات دورية للصحف والقنوات التلفزيونية، لتعرفنا على مراحل الإنتاج الإعلامي وكيفية العمل، وكان بعض الطلبة يستمرون في التدريب بهذه الصحف والمؤسسات ويكملون العمل بها.. ومع بداية عملي اخترت العمل بالصحافة الاقتصادية التي تمثل أصعب أنواع الصحافة، فلم يكن لعملي أي علاقة بالدراسة في أي من جوانبها.. كنت بحاجة لتعلم المصطلحات الاقتصادية وفهمها والتعرف إلى هذا المجال الجديد، وهذا ما اكتسبته بالخبرة، لأن عرف التدريس في كليات وأقسام الإعلام يقول إن الصحفي يجب أن يعرف شيئا عن كل شيء، والخطة الدراسية للأربع سنوات لا تسمح بالتعمق في فروع التخصص العام بشكل كبير، وعليه لم تكن دراستي للصحافة المتخصصة لتعلمني أساليب المعالجة والتناول للموضوعات الاقتصادية بشكل احترافي".

وبهذا، فقد كانت كفة الميزان متوازنة بين فراج وزملائه الذين لم يدرسوا الإعلام، بل التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كانوا على دراية بالاقتصاد وجهل بقواعد الممارسة الإعلامية من كتابة وصياغة وتغطية وقيم، على العكس منهم كان فراج يفتقد الفهم الكامل للمادة الخام للمعلومات التي يقدمها في المجال الاقتصادي مع إدراكه أبجديات العمل الإعلامي.. التعاون بينهم كخريجي أقسام مختلفة في مناخ صحفي عملي واحد جعلهم يكملون نقص بعضهم للوصول إلى مستوى الاحتراف.

كان الأمر يتطلب من فراج تكثيف القراءة في المجال الاقتصادي، التي أكسبته فهما نظريا لمجال عمله بنسبة "قد تصل إلى 60%"، وعليه كانت الممارسة هي داعمه الأول.

ويحيل فراج تلك الفجوة بين الممارسة والدراسة الأكاديمية بمرحلة الدراسات العليا إلى عدة أسباب.. "يأتي في مقدمتها الأدبيات الصحفية القديمة جدا التي يتم الاعتماد عليها في التدريس، فجميع هذه الكتابات عن كيفية كتابة الخبر وإجراء المقابلة الصحفية وعمل التحقيق، كتبت في حقبة تاريخية قديمة جدا، كانت فيها صناعة الصحافة وظروفها مختلفة عن الوضع الحالي ولم يتم الاهتمام بتحديثها بالشكل الذي يناسب متطلبات العصر، لأن جميع الباحثين والكتاب في هذا المجال يعيشون ثقافة الاقتباس، بل وتأتي الاقتباسات كأحد الاشتراطات الرئيسية للبحث العلمي وإلا وصف الطرح المقدم بالضعف والهشاشة. كما أن الدراسات الإنسانية ليس بها ثوابت مما يجعلها تقبل التطوير والتحديث والإضافة والابتكار، ورغم ذلك تعاني الطروحات النظرية في الصحافة من الجمود الكبير. أما السبب الثاني فهو عدم مواكبة الطروحات الأكاديمية للتقدم التقني الكبير الموجود في واقع الممارسة والذي يتم تحديثه كل يوم، فتجد تلك الكتابات التي تتناول البعد التقني للمجال مثل مادة "نشأة وسائل الإعلام"، يدرس فيها الطلاب موضوعات بدائية جدا مثل: الطباعة الورقية بالحفر البارز والغائر، والتلفزيون الكابلي والأرضي.. إلخ، وهي أشياء لم تعد موجودة بحكم التطور التقني الكبير في مجال الإنتاج الإعلامي".

كيف تقترن الدراسة بالممارسة؟

كانت الجامعة الأميركية بالقاهرة (AUC) الأكثر اقترابا للإجابة على هذا التساؤل، فجعلت أحد أهم شروط قبول المتقدمين في مرحلة التعليم الجامعي لدراسة الصحافة والاتصال الجماهيري وكذلك التلفزيون والصحافة الإلكترونية، أن يكون المتقدم قد درس ما لا يقل عن ثلاث مواد مؤهلة لتلك الدراسة في مرحلة ما قبل الجامعة. كذلك الأمر في مرحلة الدراسات العليا، حيث يشترط أن يكون لدى المتقدم خبرة سابقة في العمل في هذا المجال، وأن يرفق نماذج من أعماله المنشورة أو المذاعة، كما ينبغي أن يدرج ضمن استمارة التقدم مكان عمله الحالي والذي يشترط ارتباطه بمجال الدراسة.

 أما كلية الإعلام جامعة القاهرة، فقد أطلقت في يناير/كانون الثاني من العام الجاري إذاعتها الشبابية عبر الإنترنت باسم "إعلام أونلاين"، ليقوم فيها طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون بخوض تجربة العمل الإذاعي عبر مجموعة من البرامج الإذاعية، تحت شعار "صوتك حدوده السما"، وكذلك أطلقت قناة على موقع "يوتيوب" ضمن المبادرة ذاتها (2).

 

هوامش

http://masscomm.cu.edu.eg, موقع كلية الإعلام جامعة القاهرة (1)  

(2)  http://www.e3lamonline.com/

More Articles

Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 25 Mar, 2024
Silenced Voices: The Battle for Free Expression Amid India’s Farmer’s Protest

The Indian government's use of legal mechanisms to suppress dissenting voices and news reports raises questions about transparency and freedom of expression. The challenges faced by independent media in India indicate a broader narrative of controlling the narrative and stifling dissenting voices.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 17 Mar, 2024
Targeting Truth: Assault on Female Journalists in Gaza

For female journalists in Palestine, celebrating international women's rights this year must take a backseat, as they continue facing the harsh realities of conflict. March 8th will carry little celebration for them, as they grapple with the severe risks of violence, mass displacement, and the vulnerability of abandonment amidst an ongoing humanitarian crisis. Their focus remains on bearing witness to human suffering and sharing stories of resilience from the frontlines, despite the personal dangers involved in their work.

Fatima Bashir
Fatima Bashir Published on: 14 Mar, 2024
A Woman's Journey Reporting on Pakistan's Thrilling Cholistan Desert Jeep Rally

A Woman's Voice in the Desert: Navigating the Spotlight

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024
Why Journalists are Speaking out Against Western Media Bias in Reporting on Israel-Palestine

Over 1500 journalists from various US news organizations have signed an open letter criticizing the Western media's coverage of Israel's actions against Palestinians. They accuse newsrooms of dehumanizing rhetoric, bias, and the use of inflammatory language that reinforces stereotypes, lack of context, misinformation, biased language, and the focus on certain perspectives while diminishing others. They call for more accurate and critical coverage, the use of well-defined terms like "apartheid" and "ethnic cleansing," and the inclusion of Palestinian voices in reporting.

Belle de Jong journalist
Belle de Jong Published on: 26 Feb, 2024
Silenced Voices and Digital Resilience: The Case of Quds Network

Unrecognized journalists in conflict zones face serious risks to their safety and lack of support. The Quds Network, a Palestinian media outlet, has been targeted and censored, but they continue to report on the ground in Gaza. Recognition and support for independent journalists are crucial.

Yousef Abu Watfe يوسف أبو وطفة
Yousef Abu Watfeh Published on: 21 Feb, 2024
Artificial Intelligence's Potentials and Challenges in the African Media Landscape

How has the proliferation of Artificial Intelligence impacted newsroom operations, job security and regulation in the African media landscape? And how are journalists in Africa adapting to these changes?

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 18 Feb, 2024
Media Blackout on Imran Khan and PTI: Analysing Pakistan's Election Press Restrictions

Implications and response to media censorship and the deliberate absence of coverage for the popular former Prime Minister, Imran Khan, and his party, Pakistan Tehreek-e-Insaf (PTI), in the media during the 2024 elections in Pakistan.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 14 Feb, 2024
Digital Battlegrounds: The New Broadcasting Bill and Independent Journalism in India

New legislation in India threatens the freedom of independent journalism. The draft Broadcasting Services (Regulation) Bill, 2023 grants the government extensive power to regulate and censor content, potentially suppressing news critical of government policies.

Safina
Safina Nabi Published on: 11 Feb, 2024
Pegasus Spyware: A Grave Threat to Journalists in Southeast Asia

The widespread deployment of spyware such as Pegasus in Southeast Asia, used by governments to target opposition leaders, activists, and journalists, presents significant challenges in countering digital surveillance. This is due to its clandestine operations and the political intricacies involved. The situation underscores the urgent need for international cooperation and heightened public awareness to address these human rights infringements.

AJR Contributor Published on: 5 Feb, 2024
Media Monopoly in Brazil: How Dominant Media Houses Control the Narrative and Stifle Criticism of Israel

An in-depth analysis exploring the concentration of media ownership in Brazil by large companies, and how this shapes public and political narratives, particularly by suppressing criticism of Israel.

Al Jazeera Logo
Rita Freire & Ahmad Al Zobi Published on: 1 Feb, 2024
Cameroonian Media Martyrs: The Intersection of Journalism and Activism

Experts and journalists in Cameroon disagree on the relationship between journalism and activism: some say journalism is activism; others think they are worlds apart, while another category says a “very thin” line separate both

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 28 Jan, 2024
Silent Suffering: The Impact of Sexual Harassment on African Newsrooms

Sexual harassment within newsrooms and the broader journalistic ecosystem is affecting the quality and integrity of journalistic work, ultimately impacting the organisation’s integrity and revenue.

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 23 Jan, 2024
Echos of Israeli Discourse in Latin American Media on Gaza

Heavily influenced by US and Israeli diplomatic efforts, Latin American media predominantly aligns with and amplifies the Israeli perspective. This divergence between political actions and media representation highlights the complex dynamics shaping Latin American coverage of the Gaza conflict.

Rita Freire Published on: 23 Nov, 2023
Why have opposition parties in India issued a boycott of 14 TV presenters?

Media workers in India argue that boycotts of individual journalists are not the answer to pro-Government reporting bias

Saurabh Sharma
Saurabh Sharma Published on: 23 Oct, 2023
The bombs raining down on Gaza from Israel are beyond scary, beyond crazy

REPORTER'S NOTEBOOK: As Israel bombarded Gaza for the third night, I found myself closer to a missile hit than I could have imagined

Maram
Maram Humaid Published on: 11 Oct, 2023
Reporter’s Notebook - what I learned from covering the Kalash people

As journalists, our fascination with Indigenous communities can blind us to our ethical obligations to respect privacy and dignity of those we document - we must reflect carefully

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 5 Oct, 2023
The French banlieues and their troubled relationship with the media

Discriminatory media coverage of recent unrest in the suburbs of Paris shows that little has changed since the uprisings of 2005

AN
Ahmed Nazif Published on: 28 Sep, 2023
Why are Zimbabwe’s elections always surrounded by media controversy?

Election season in Zimbabwe has long been shrouded in controversy, with intimidation of opposition activists and journalists, combined with disorganisation at the ballots creating a perfect storm for chaos. This year was no different

Derick M
Derick Matsengarwodzi Published on: 25 Sep, 2023
Analysis: The media’s coverage of the Pakistan cable car incident

It was a roller coaster ride with news organisations all over the world giving minute-by-minute reports on the daring rescue. How does the media create suspense and is this sort of coverage useful?

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 21 Sep, 2023
How to use data to report on earthquakes

Sifting through data sounds clinical, but journalists can use it to seek out the human element when reporting on natural disasters such as earthquakes

Arwa
Arwa Kooli Published on: 19 Sep, 2023
‘I had no idea how to report on this’ - local journalists tackling climate change stories

Local journalists are key to informing the public about the devastating dangers of climate change but, in India, a lack of knowledge, training and access to expert sources is holding them back

Saurabh Sharma
Saurabh Sharma Published on: 13 Sep, 2023
Ethical reporting - how to cover suicide responsibly

Sensationalist reporting of suicide cases has been shown to cause a rise in the numbers of people taking their own lives in affected communities. Journalists must take great care

Abeer Ayyoub
Abeer Ayyoub Published on: 7 Sep, 2023