كليات الإعلام في مصر.. منابع جافة أمام واقع فياض

كليات الإعلام في مصر.. منابع جافة أمام واقع فياض

"ماتدرسه شيء وما تحتاجه وتعمل به في سوق العمل شيء مختلف تماماً".. تلك الجملة التي أخبرنيها أحد أساتذتي أثناء عامي الدراسي الأول، وظل صداها يتردد في أذني طيلة الأربع سنوات الدراسية، وتعاود زيارتي كلما صدمني موقف في واقع الممارسة يبتعد كثيرا عما درست، جملة تجلت حقيقتها في عيني يوم فوجئت بمحتوى مادة النقد الفني التي كنت أتخيل أنني سأدرس فيها أساليب نقد إعلامي، لأفوق على حقيقة أنني أدرس نقدا شعريا وأساليب بلاغية، وفيما عدا ذلك استمر الأساتذة في ترديد تلك العبارات التي تنذر بطريق وعر يستنفذ جهدك ووقتك ومالك، إن كنت تطمح في أن تصبح صحفيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

 هذا الطريق الذي يأتي غالبية السائرين فيه من غير دارسي الإعلام الذين شكَّل بعضهم رموزا للعمل الصحفي، ففي دراسة قمت بإعدادها في مرحلة الدراسات العليا طبقتها على الصحفيين بثلاث من كبرى المؤسسات الصحفية في مصر "الأهرام والوفد والمصري اليوم" - 2012، اتضح أن 60.3% من جملة الصحفيين عينة الدراسة لم يدرسوا الإعلام أو الصحافة في مرحلة الدراسة الجامعية، وعليه كان لا بد من البحث في أثر الدراسة الأكاديمية على الممارسة الإعلامية مع أولئك الذين عايشوا واقع العمل بالمجال.

فعلى اختلاف وتشعب مواقعهم وتخصصاتهم الفرعية في سوق العمل الصحفي، تشعبت أيضا أنواع التعليم الأكاديمي التي تلقوها في المرحلة الجامعية، وتعددت الإمكانيات المادية والبشرية التي أتيحت لهم خلال الدراسة، حسب المؤسسة المالكة للكلية أو المعهد الذي تخرجوا منه، فهناك التعليم الحكومي والأزهري والتعليم الخاص والأجنبي، وكذلك كان منهم المحرر والمخرج والمراسل الصحفي.. إلخ.

وعلى مستوى التجربة اختلفت استفادتهم من دراسة الإعلام، كما اختلف تطبيقها في الواقع العملي.

قشور العمل الصحفي

تبقى كلية الإعلام في جامعة القاهرة الصرح الأكاديمي الأكبر والأقدم في مصر، حيث تأسست عام 1974 بعد تحويل معهد الإعلام بالجامعة إلى أول كلية مستقلة للإعلام في العالم العربي ضمت أقسام: الصحافة والنشر، الإذاعة والتلفزيون، العلاقات العامة والإعلان.. ويقوم نظام الكلية على دراسة الأقسام الثلاث، قبل أن يختار تخصصه الذي يتحدد بناء على رغباته المقدمة ونتيجة المقابلة الشخصية للقبول بالقسم، والتي تتحدد في قسم الصحافة بثلاثة معايير: المعلومات العامة لدى الطالب ومستوى متابعة الطالب للأحداث الجارية وإلمام الطالب بالخريطة الإعلامية والصحفية في مصر (1)، وكذلك كانت هناك معايير قبول مماثلة لباقي الأقسام.

وعلى طول مشوارها خرَّجت الآلاف من المشتغلين بالإعلام داخل مصر وخارجها، كان من بينهم الصحفي محمد نبيل الألفي، المحرر بجريدة البوابة نيوز.. تحدث إلى مجلة الصحافة عن تجربته بين العمل والدراسة. 

يرى الألفي أن كلية الإعلام وفرت له الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية الغائبة في أي كلية أو معهد حكومي آخر في مصر، فكان تركيز الدراسة الكبير في العامين الأخيرين في تدريب الطالب على بيئة العمل الصحفي في التخصصات الدقيقة مثل: الإخراج الصحفي والتحرير الإخباري والديسك المركزي.. "كانت اللغتان العربية والإنجليزية جزئين أصيلين في تدريبي داخل الكلية، وكانت نقطة التميز لدي كخريج إعلام هي معرفة مصطلحات العمل الصحفي وبنيته الأساسية بما اكتسبته من تدريب عملي داخل الجامعة، في وقت تعج فيه الساحة الإعلامية بفوضى عارمة دون أسس سليمة، ورغم أن بعض النماذج التدريبية التي حصلنا عليها تتم عبر نماذج تواكب تجهيزات الصحف الحديثة، إلا أن الكثير من نماذج تدريبنا كان قد عفا عليها الزمن نظرا لأنها لم تتطور بالقدر الكافي لمواكبة العصر، كما كانت هذه التدريبات تفتقر إلى إدخال التقنيات الحديثة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، كنظم التشغيل الخاصة بتلك المواقع على سبيل المثال.. وعليه قدمت لي الدراسة قشور العمل الصحفي رغم استفادتي الكبيرة من التدريبات الجامعية، إلا أن وقتها محدود والأعداد كثيفة.. ولهذا كنت أحتاج للانغماس في لب العمل لدى المؤسسات التي انتميت إليها لأستطيع أن أخطو أولى خطواتي العملية في المجال، فالفجوة كبيرة بين الدراسة والممارسة".

اضطر الألفي للحصول على الكثير من الدورات التدريبية المتخصصة رغم ارتفاع أسعارها في مراكز تدريب معتمدة وتابعة لمؤسسات ضخمة يقوم عليها خبراء مثل: مركز النيل لرواد الإعلام ورويترز.

تَمَيُزْ كارنية النقابة  

وبعيداً عن مركزية كلية الإعلام، يظهر دور أقسام ومعاهد الصحافة بالمحافظات في تخريج المشتغلين بمجال الصحافة والإعلام بصفة عامة، وأقدم هذه الأقسام هو قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة سوهاج، الذي أسس عام 1976 قسماً للصحافة، ثم تحول إلى قسم إعلام شاملاً شعب، الصحافة والعلاقات العامة والإعلام السياحي عام 1999، فهل مثلت الدراسة فيه فارقاً في سوق الممارسة لخرّيجيه؟

جاءت الإجابة عن هذا التساؤل من أحد خريجي القسم العاملين بمجال الإخراج الصحفي بالنفي الكلي، حيث يرى كرم بكر، المخرج الصحفي بجريدة الشروق المصرية أن "الإخراج الصحفي لا يدرّس في القسم بالشكل القوي الذي يؤهل أي شخص لأن يصبح ممارسا لهذه المهنة في الواقع العملي، فهو مادة واحدة تدرس مرة في السنة الثالثة للدراسة وأخرى في السنة الرابعة بشكل نظري كامل، انكشف حجم القصور فيه مع أول خطواتي العملية في المجال، فلم يزد حجم الإضافة التي أعطتني إياها الدراسة عن 10-15% مما تعلمته في الثلاثة شهور الأولى فقط ، تمثلت في المبادئ الأولية التي جعلتني أفهم وأطبق ما يقوله مديري ومعلمي في الجريدة التي أعمل بها بسرعة".

مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.
مكتب جريدة الشروق المصرية . القاهرة -2016. تصوير مروة علي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.
الفجوة كبيرة بين ما يتعلمه الصحفي في الكلية وما يمارسه في الميدان. القاهرة، 15 ديسمبر/كانون أول 2012 - تصوير دانيال بريهولاك، غيتي.

ويؤكد بكر أن المشكلة تمتد أيضاً للتحرير لكنها أكثر تعقيدا بالنسبة للإخراج والتصوير الفني كمجالين للإبداع.. "طوال فترة دراستي لمادة التصوير الصحفي، لم أر كامير ولم يسمح لي بممارسة التصوير.. وعليه لم أتعرف على أنواع الصورة بشكل عملي لأميز بينها، وحتى على مستوى الكتاب النظري الضخم الذي درسته في هذا المجال، لم يحتو الكتاب على نماذج مصورة من أنواع الصورة الصحفية التي يذكرها لي كأسماء نظرية، وعليه لا يكون هناك فارق بيني وبين المصور الذي لم يدرس الإعلام، على العكس قد يكون الممارسون للتصوير بحكم الهواية أكثر تميزا من دارسي الإعلام".

وبرأي بكر أن المشكلة تكمن في المنظومة، فبالإضافة إلى الحاجة إلى توفير الإمكانيات المادية ومعدات التدريب للطالب مثل الكاميرات والماكيتات وبرامج الحاسوب المتخصصة -وهي أشياء غير مكلفة- فالمطلوب توفير العنصر البشري المؤهل لتدريب الطالب.

ويرى بكر أن دارسة الإعلام لم تضف له في حقل العمل إلا سرعة حصوله على العضوية الثابتة في نقابة الصحفيين -أو ما يعرف لدى الصحفيين في مصر بكارنيه المشتغلين- حيث يحصل عليه دارس الإعلام بعد عام واحد فقط من القيد المبدئي، بينما يحصل عليه غير الدارسين للإعلام بعد عامين من القيد الأولي، وذلك طبقا لقانون النقابة.

بعض المهارات لا يمكن للصحفي تعلمها –بحسب بكر- لا من الجامعة ولا من مراكز التدريب كالإخراج الصحفي الذي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة من رياضة واقتصاد وفن وسياسية.. "والمشكلات اليومية التي نواجهها وبناء الصفحة وإعادة بنائها طبقا لظروف العمل والإنتاج والطبعات".

الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.
الإخراج الصحفي يعدَ مهارة فنية تُكتسب من خلال الاحتكاك اليومي بإنتاج الصفحات المتنوعة – جريدة المصري اليوم، القاهرة، غيتي.

السلامة المهنية المحذوفة من المقرر

مع بداية الألفية الثالثة ظهرت الكليات الخاصة في مصر كمشروعات استثمارية في مجال التعليم، توفر للطلبة إمكانيات مادية كبيرة، وتستوعب أعدادا أقل من الطلبة بسبب اعتمادها على مصروفات دراسية مرتفعة.. وكان لكليات وأكاديميات الإعلام الخاصة السبق في الظهور وسط تلك المنظومة، ومن بينها كلية الإعلام في جامعة الأهرام الكندية التابعة لمؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، والتي تأسست عام 2005 ضمن خمس كليات تأسست بها الجامعة، وفرت الكلية بتبعيتها لأحد أكبر المؤسسات الصحفية في مصر مستوى تعليميا مختلفا، حيث تتمتع الكلية بقاعدة تكنولوجية متطورة، كما يدرِّس فيها مجموعة من كبار الصحفيين بمؤسسة الأهرام.

الأمر الذي يفرض البحث وراء تأثير ذلك على الممارسة الصحفية لخريجيها في المجال العملي.. نادر باسم، أحد خرّيجي قسم الصحافة - الشعبة الإنجليزية بالكلية، كان قد عمل لعامين بجريدة المصري اليوم كصحفي ميداني تحت التمرين، يرى أن الدراسة لها جوانب إيجابية لمسها بنفسه في واقع الممارسة، وجوانب أخرى سلبية لا تتماشى مع الواقع العملي.. "أعلى استفادة دراسية تحققت لي من الدراسة عندما درَّسني صحفي يعمل في "الأهرام ويكلي"، وهو ذو خبرة كبيرة في العمل لدى وسائل الإعلام العالمية، فقام بتغذيتي بالقواعد والقيم الأصيلة في الإعلام من المنظور التطبيقي: ما ينشر وما لا ينشر، كيف أتعامل مع مصدري وأحترم خصوصيته وأجعله يثق بي ويحترمني، كيف تطبق القيم بدون تشدد الكتب ولا تسيُّب الممارسة العشوائية، عندما أقع في مشكلة ما هي أشكال المواءمات والحلول الوسط التي أتبعها حتى لا أخسر مهنيتي، ولا أفقد موضوعا مهما أو جانبا من جوانبه أو أخسر مصدري إن كانت المشكلة تتعلق به.. تعلمت أن دور الصحفي نشر الحقائق فقط وترك الحكم للجمهور فلسنا محامين أو قضاة، وقد ساعدني ذلك كثيرا في واقع الممارسة". أما عن الجوانب السلبية فيقول.. "أهملت الدراسة جوانب كبيرة اكتشفتها في سوق العمل، فقد تمتعت في إعلام الأهرام الكندية بقاعدة تكنولوجية لا توجد في أي مكان في مصر، أستوديو على أعلى مستوى تقني كلّف ملايين الجنيهات، وكذلك المعامل، إلا أنه ما من فائدة لهذه التكنولوجيا إن كان من يدرِّب فيها ليس خبيراً باستخدام هذه المعدات والأدوات، فكان المسؤول عن تدريس مادة مثل التصوير الصحفي هو مخرج صحفي من جريدة كبيرة -جاء وفقا لمعيار المجاملة- لم يمسك كاميرا في حياته، فأصبح يحكم على مستوى التصوير ومستوى تعلمنا له شخص لا يفقه شيئا فيه، وهنا مثِّل اختيار المورد البشري نقطة قصور كبيرة.. كذلك تعلمتُ التصوير الخارجي في أماكن هادئة أو في مكاتب مغلقة، ولم تهتم الجامعة بتدريسنا في أماكن الحركة والنزاع ووسط زخم الشارع، كما تعلمت كيف أجري لقاء مع وزير أو مسؤول داخل المكتب، ولم أتعلم في الكلية أن الشارع أهم من الوزير والمسؤول، أو كما يقول مصطفى أمين "الصحافة الحرة تقول للحاكم ما يريده الشعب، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم"، وذلك بسبب انتماء جامعتي لمدرسة صحفية رسمية أو محافظة".

بيد أن الفجوة الكبيرة التي اكتشفها باسم هي إغفال كليات الإعلام بصفة عامة تدريس ما يعرف بقواعد السلامة المهنية، مع أنها أهم ما يجب أن يتعلمه الصحفي، ولم يكن يعرف المكان الصحيح للوقوف عند تغطية أماكن الاشتباكات ومناطق النزاع والشغب، ولا كيف يتحرك في المكان، وكيف يستخدم خريطة المكان الذي يتواجد فيه، ولا كيفية تأمين وجوده مع قوات الأمن مثلاً وتجنب الدخول معها في مشاكل. كل هذا تغفله الجامعة بشكل يجعل الصحفي في بداية عمله عرضة لكل أشكال الإيذاء في الشارع، والمثال على ذلك: مقتل إحدى الصحفيات خريجة كلية الإعلام أثناء تغطيتها لإحدى المظاهرات التي حملت أحداث شغب.

اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.
اشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين قرب ميدان التحرير، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وهي من التغطيات التي لا يحصل فيها طالب الإعلام المصري بشكل عام على معرفة بقواعد السلامة المهنية.. تصوير أسماء وجيه، رويترز.

باسم اضطر أمام ذلك للجوء للدورات التدريبية الخارجية فحصل على أكثر من 15 منحة في مراكز تدريبية إعلامية وحقوقية، تنوعت بين التصوير الفوتوغرافي وصحافة الفيديو وتصوير البورتريه وأخلاقيات المهنة والتعامل مع الأقليات العرقية والتعامل مع ضحايا التعذيب والحوادث، وكان أهم هذه الدورات التدريبية هي دورة السلامة المهنية، وهو ما كان له عظيم الأثر في تشكيل شخصيته الصحفية.

يعتقد باسم أنه كخريج صحافة يتميز بأنه على دراية بأبجديات العمل الصحفي ويفهم ما ينبغي عليه فعله، مضيفا "أفادتني الدراسة في كسب احترام المصادر، فالمصادر تبدي احتراما وتقديرا لخريج الصحافة، وبالتالي يسهل تكوين العلاقات مع هذه المصادر وتكرار اللجوء إليها، وعلى جانب أخر كان تميزي الدراسي كطالب من أوائل كلية الإعلام الفضل في أن معظم الدورات التي حصلت عليها في مراكز كبيرة كانت مجانية كمكافآت تفوق، وجميع تلك المنح كان زملائي يدفعون تكاليف مرتفعة للغاية ليحصلوا عليها، حيث تصل تكلفة الدورة الواحدة إلى ما يزيد عن 2500 جنية".  

تهميش التخصص وثقافة الاقتباس

كلية الإعلام - جامعة الأزهر: هي إحدى الكليات حديثة التأسيس بالجامعة، فقد كانت في البداية قسما للإعلام والصحافة بكلية اللغة العربية، ثم تحولت لكلية مستقلة عام 2011، فهل اختلف حال خريجي إعلام الأزهرعن باقي الجامعات المصرية؟ تحدث في هذا الأمر محمد سيد فراج، وهو باحث وإعلامي حر في الصحافة الاقتصادية وأحد خريجي قسم إعلام الأزهر.. يقول "لما كانت الكلية في بداية الأمر قسما تابعا لكلية اللغة العربية، كان من الصعب أن تتوفر لها الإمكانيات المادية اللازمة للتدريب العملي مثل الاستوديوهات والمعامل. وكانت الجامعة تحاول تعويض ذلك عبر رحلات دورية للصحف والقنوات التلفزيونية، لتعرفنا على مراحل الإنتاج الإعلامي وكيفية العمل، وكان بعض الطلبة يستمرون في التدريب بهذه الصحف والمؤسسات ويكملون العمل بها.. ومع بداية عملي اخترت العمل بالصحافة الاقتصادية التي تمثل أصعب أنواع الصحافة، فلم يكن لعملي أي علاقة بالدراسة في أي من جوانبها.. كنت بحاجة لتعلم المصطلحات الاقتصادية وفهمها والتعرف إلى هذا المجال الجديد، وهذا ما اكتسبته بالخبرة، لأن عرف التدريس في كليات وأقسام الإعلام يقول إن الصحفي يجب أن يعرف شيئا عن كل شيء، والخطة الدراسية للأربع سنوات لا تسمح بالتعمق في فروع التخصص العام بشكل كبير، وعليه لم تكن دراستي للصحافة المتخصصة لتعلمني أساليب المعالجة والتناول للموضوعات الاقتصادية بشكل احترافي".

وبهذا، فقد كانت كفة الميزان متوازنة بين فراج وزملائه الذين لم يدرسوا الإعلام، بل التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كانوا على دراية بالاقتصاد وجهل بقواعد الممارسة الإعلامية من كتابة وصياغة وتغطية وقيم، على العكس منهم كان فراج يفتقد الفهم الكامل للمادة الخام للمعلومات التي يقدمها في المجال الاقتصادي مع إدراكه أبجديات العمل الإعلامي.. التعاون بينهم كخريجي أقسام مختلفة في مناخ صحفي عملي واحد جعلهم يكملون نقص بعضهم للوصول إلى مستوى الاحتراف.

كان الأمر يتطلب من فراج تكثيف القراءة في المجال الاقتصادي، التي أكسبته فهما نظريا لمجال عمله بنسبة "قد تصل إلى 60%"، وعليه كانت الممارسة هي داعمه الأول.

ويحيل فراج تلك الفجوة بين الممارسة والدراسة الأكاديمية بمرحلة الدراسات العليا إلى عدة أسباب.. "يأتي في مقدمتها الأدبيات الصحفية القديمة جدا التي يتم الاعتماد عليها في التدريس، فجميع هذه الكتابات عن كيفية كتابة الخبر وإجراء المقابلة الصحفية وعمل التحقيق، كتبت في حقبة تاريخية قديمة جدا، كانت فيها صناعة الصحافة وظروفها مختلفة عن الوضع الحالي ولم يتم الاهتمام بتحديثها بالشكل الذي يناسب متطلبات العصر، لأن جميع الباحثين والكتاب في هذا المجال يعيشون ثقافة الاقتباس، بل وتأتي الاقتباسات كأحد الاشتراطات الرئيسية للبحث العلمي وإلا وصف الطرح المقدم بالضعف والهشاشة. كما أن الدراسات الإنسانية ليس بها ثوابت مما يجعلها تقبل التطوير والتحديث والإضافة والابتكار، ورغم ذلك تعاني الطروحات النظرية في الصحافة من الجمود الكبير. أما السبب الثاني فهو عدم مواكبة الطروحات الأكاديمية للتقدم التقني الكبير الموجود في واقع الممارسة والذي يتم تحديثه كل يوم، فتجد تلك الكتابات التي تتناول البعد التقني للمجال مثل مادة "نشأة وسائل الإعلام"، يدرس فيها الطلاب موضوعات بدائية جدا مثل: الطباعة الورقية بالحفر البارز والغائر، والتلفزيون الكابلي والأرضي.. إلخ، وهي أشياء لم تعد موجودة بحكم التطور التقني الكبير في مجال الإنتاج الإعلامي".

كيف تقترن الدراسة بالممارسة؟

كانت الجامعة الأميركية بالقاهرة (AUC) الأكثر اقترابا للإجابة على هذا التساؤل، فجعلت أحد أهم شروط قبول المتقدمين في مرحلة التعليم الجامعي لدراسة الصحافة والاتصال الجماهيري وكذلك التلفزيون والصحافة الإلكترونية، أن يكون المتقدم قد درس ما لا يقل عن ثلاث مواد مؤهلة لتلك الدراسة في مرحلة ما قبل الجامعة. كذلك الأمر في مرحلة الدراسات العليا، حيث يشترط أن يكون لدى المتقدم خبرة سابقة في العمل في هذا المجال، وأن يرفق نماذج من أعماله المنشورة أو المذاعة، كما ينبغي أن يدرج ضمن استمارة التقدم مكان عمله الحالي والذي يشترط ارتباطه بمجال الدراسة.

 أما كلية الإعلام جامعة القاهرة، فقد أطلقت في يناير/كانون الثاني من العام الجاري إذاعتها الشبابية عبر الإنترنت باسم "إعلام أونلاين"، ليقوم فيها طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون بخوض تجربة العمل الإذاعي عبر مجموعة من البرامج الإذاعية، تحت شعار "صوتك حدوده السما"، وكذلك أطلقت قناة على موقع "يوتيوب" ضمن المبادرة ذاتها (2).

 

هوامش

http://masscomm.cu.edu.eg, موقع كلية الإعلام جامعة القاهرة (1)  

(2)  http://www.e3lamonline.com/

More Articles

Citizen Journalism in Gaza: "The Last Witness"

With a phone camera, Abboud Battah appears every day from northern Gaza, documenting the crimes of the occupation in a language that is not devoid of spontaneity that led to his being arrested. When the Israeli occupation closed Gaza to the international press, killed journalists, and targeted their headquarters, the voice of the citizen journalist remained a witness to the killing and genocidal war.

Razan Al-Hajj
Razan Al-Hajj Published on: 25 Dec, 2024
A Survivor Interview should not be Considered a Scoop

Do ethical and professional standards allow for interviewing survivors while they are in a state of trauma? How should a journalist approach victims, away from sensationalism and the pursuit of exclusivity at the expense of their dignity and right to remain silent?

Lama Rajeh
Lama Rajeh Published on: 23 Dec, 2024
Censorship, Militarisation, and Dismantlement: How Public Media Became a Political Battlefield in Latin America

Public media in Latin America, such as Brazil's EBC and Argentina's Télam, are being undermined through militarisation and dismantlement, threatening their role as public institutions. These actions jeopardise media independence and weaken their ability to serve the public interest, posing a serious risk to democracy.

Rita Freire Published on: 19 Dec, 2024
Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Journalists and the Gen–Z protest in Kenya

Caught between enraged protesters and aggressive police officers, journalists risked their lives to keep the world informed about the Gen–Z protests in Kenya. However, these demonstrations also exposed deeper issues regarding press freedom, highlighting a troubling aspect of Ruto’s government.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 12 Dec, 2024
Behind the Burka: Journalism and Survival Under Taliban Rule

An account of a female Afghan journalist who persisted in her work in spite of the Taliban's comeback, using her writing to expose the harsh realities of oppression and promote women's rights. In defiance of the Taliban government's prohibitions on female education, she oversaw underground schools for girls and reported under a pseudonym while constantly fearing for her safety.

Khadija Haidary
Khadija Haidary Published on: 8 Dec, 2024
Fact or Fiction? Quantifying the 'Truth' in True-Crime Podcasts

Over the centuries, true crime narratives have migrated across mediums—from tabloids and books to documentaries, films, and, most recently, podcasts. Despite these evolutions, one constant endures: the storytellers’ drive to detail the darkest corners of human behaviour and the insatiable curiosity of their audiences.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 28 Nov, 2024
Why Are Journalists Being Silenced in Kashmir?

Since the revocation of Article 370 in 2019, press freedom in Indian-administered Kashmir has sharply declined, with local journalists facing harassment, surveillance, and charges under anti-terror laws, while foreign correspondents are denied access or deported for critical reporting. These measures, aimed at controlling the region’s narrative and projecting normalcy, have drawn widespread criticism from international watchdogs, who warn of increasing suppression of both domestic and foreign media.

headshot
AJR Correspondent Published on: 27 Nov, 2024
Gender Inequity in Sports Reporting: Female Journalists Demand Equality

Gender inequality persists in sports journalism, with female reporters significantly under-represented, as shown by studies revealing that only 5.1% of sports articles are written by women. Advocates call for equal representation, more inclusive hiring practices, and a broader focus on women's sports to challenge stereotypes, improve coverage, and give women a stronger voice in shaping sports narratives.

Akem
Akem Nkwain Published on: 18 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 23 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
Journalist Mothers in Gaza: Living the Ordeal Twice

Being a journalist, particularly a female journalist covering the genocide in Palestine without any form of protection, makes practicing journalism nearly impossible. When the journalist is also a mother haunted by the fear of losing her children, working in the field becomes an immense sacrifice.

Amani Shninu
Amani Shninu Published on: 15 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
Cameroonian Journalists at the Center of Fighting Illegal Fishing

While the EU’s red card to Cameroon has undeniably tarnished its image, it has paradoxically unlocked the potential of Cameroonian journalists and ignited a movement poised to reshape the future. Through this shared struggle, journalists, scientists, conservationists, storytellers, and government officials have united, paving the way for a new era of ocean advocacy.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 21 Aug, 2024
The Gaza Journalist and the "Heart and Mind" Struggle

Inside the heart of a Palestinian journalist living in Gaza, there are two personas: one is a human who wants to protect his own life and that of his family, and the other is a journalist committed to safeguarding the lives of the people by holding on to the truth and staying in the field. Between these two extremes, or what journalist Maram Hamid describes as the struggle between the heart and the mind, the Palestinian journalist continues to share a narrative that the occupation intended to keep "away from the camera."

Maram
Maram Humaid Published on: 18 Aug, 2024
Journalists Recount the Final Moments of Ismail Al-Ghoul

Journalists remembering the slain reporter of Al Jazeera in Northern Gaza, Ismail Al Ghoul. "He insisted on continuing his coverage from the northern part of the Gaza Strip, despite the challenges and obstacles he faced. He was arrested and interrogated by the Israeli army, his brother was killed in an Israeli airstrike, and his father passed away during treatment abroad."

Mohammad Abu Don
Mohammad Abu Don Published on: 11 Aug, 2024
Analysis: Media Disinformation and UK Far-Right Riots

Analysis on the impact of media disinformation on public opinion, particularly during UK riots incited by far-right groups. A look at how sensationalist media can directly influence audience behavior, as per the Hypodermic Needle Theory, leading to normalized discrimination and violence. The need for responsible journalism is emphasized to prevent such harmful effects.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Aug, 2024
Challenges for Female Journalists in Crisis Zones of Cameroon

Testimonies of what female journalists in Cameroon are facing and how they are challenging these difficulties.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jul, 2024
From TV Screens to YouTube: The Rise of Exiled Journalists in Pakistan

Pakistani journalists are leveraging YouTube to overcome censorship, connecting with global audiences, and redefining independent reporting in their homeland.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 28 Jul, 2024
Daughters of Data: African Female Journalists Using Data to Reveal Hidden Truths

A growing network of African women journalists, data scientists, and tech experts is amplifying female voices and highlighting underreported stories across the continent by producing data-driven projects and leveraging digital technologies in storytelling.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 23 Jul, 2024
Are Podcasts the Future of African Broadcasting?

The surge of podcasts across Africa is a burgeoning trend, encompassing a wide array of themes and subjects, and swiftly expanding across various nations.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 11 Jul, 2024
Video Volunteers: How India’s Marginalised Groups Tell Their Own Stories

Video creators like Rohini Pawar and Shabnam Begum have transcended societal challenges by producing influential videos with Video Volunteers, highlighting social issues within marginalized communities. Their work exemplifies the transformative power of storytelling in fostering grassroots change and empowerment across India.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Jul, 2024