"كيف يمكن لدرعٍ كتب عليه "صحافة" في الخط العريض وباللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى خوذة ومعدّات أخرى أن تكف جرائم إسرائيل عنّا؟ ماذا عسانا نفعل؟ يا ترى على مين الدور فينا يا شباب؟". الأسئلة التي ترافق الصحفيين والصحفيات في قطاع غزّة منذ بدء مسيرات العودة الكبرى في الثلاثين من مارس/آذار من العام الجاري.
يبدو الأمر مرعبا فعليا.. لا قوانين دولية ولا معاهدات ولا اتفاقيات تكفل حمايتك مقابل جيش الاحتلال. وحتى إن كنت صحفيا ترتدي درعا واقيا وخوذة، شرعت القوانين الدولية حمايتك وتحييدك عن المشهد، إلا أن الاحتلال لا يفهم سوى أنك عدوه الأوحد، يتربّص بك، ويستهدفك دون تردّد، ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين خير دليل.
في الجمعة الثانية من مسيرات العودة، فقد الوسط الإعلامي في قطاع غزّة ياسر مرتجى، (30 عاما) عامًا، يصفه الصحفيون بأنه "الشهيد الشاهد على الحقيقة". رصاصة واحدة، اخترقت جسده وتفجّرت فيه بينما كان يغطي الأحداث الميدانية لمسيرة العودة يوم السادس من نيسان/أبريل شرق خانيونس جنوب قطاع غزّة، رصاصة ضربت ياسر في مقتل وطارت بروحه إلى السماء التي حلم بأن يحلّق فيها بعدسته ولم يحدث!
عمل الشهيد "صانع أفلام" ومصورا صحفيا، وهو أحد مؤسسي شركة "عين ميديا"، للإنتاج الفني والإعلامي، وشارك في صناعة مجموعة من الأفلام الوثائقية التي بُثت عبر وسائل إعلام عربية وأجنبية عن الأوضاع في قطاع غزة.
في الميدان، الصحفي أشرف أبو عمرة، وهو الشاهد على حادثة إصابة ياسر، أكّد أن جنود الاحتلال تعمَّدوا استهداف زميله كي يثنيه عن القيام بدوره لكشف جرائمه تجاه المدنيين، قائلا "كنا نغطي مسيرة العودة الكبرى، وصورنا في البداية صلاة الظهر، وبعد ذلك هممنا لتصوير الشبان بالقرب من الحدود، كنت بجوار زميلي الشهيد ياسر في المظاهرات على الخطوط الخلفية، ومن ثم بدأنا نتقدم مع باقي الزملاء الصحفيين، وحدث إطلاق نار مباشر من قبل القناصة الإسرائيلية تجاه المتظاهرين، وحدثت إصابات فتقدمنا جميعا لتصوير وتوثيق الحدث، فتفاجأت أن ياسر سقط أرضا بعد أن أصابه طلق ناري في بطنه".
بعد أسبوع واحد فقط، أي في الجمعة اللاحقة لاستهداف ياسر، أصيب الشهيد الصحفي أحمد أبو حسين (25 عاما)، قضى بعد 13 يوما من إصابته برصاصة متفجّرة استهدفه قناصة الاحتلال في المكان ذاته الذي استهدفت فيه ياسر، في البطن، في منطقة لم يغطها الدرع الواقي، ذلك خلال تغطيته للجمعة الثالثة من مسيرات العودة في الثالث عشر من نيسان/أبريل، ما يؤكّد تعمد الاحتلال قتل الصحفيين في محاولة لثنيهم عن مواصلة عملهم في توثيق استهداف المتظاهرين السلميين على الحدود.
تتجاوز إسرائيل القانون الدولي الإنساني، الذي ينص في مادته 79 على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين. ناهيك عن قوانين دولية أخرى كقرار 1738 لمجلس الأمن الدولي، ودراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني 2005، والتي دعت بموجبها لحماية الصحفيين في مناطق الصراع واحترامهم، وهذا ما لا يحدث في فلسطين المحتلّة.
وفي الرابع عشر من مايو/أيار، وهو الأكثر دموية منذ بدء المسيرات بحسب مركز الدوحة للإعلام: أصيب مصور "التلفزيون الجزائري"، عمر حمدان، برصاصة مباشرة، بينما أصيب مصور صحيفة "فلسطين"، ياسر قديح، برصاصة في البطن. كذلك أصيب الصحفي محمد وائل الدويك، مصور "اتحاد برس" بشظايا طلق متفجر، وأصيب مصور "رويترز" أحمد زقوت بشظايا في الفخذ، والمصور فرحان هاشم أبو حدايد بطلق ناري في الساق اليسرى في رفح. وأصيب الصحفي عبد الله الشوربجي بطلق ناري في القدم، والصحفي محمد أبو دحروج في قدمه شرق غزة.
كما أصيب المصور الصحفي يحيى تمراز برصاصة مباشرة في الفخذ أطلقها عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي إلى الشرق من وسط قطاع غزة، ووصفت حالته بالمتوسطة. وأصيب مراسل "الجزيرة"، وائل الدحدوح، برصاص قوات الاحتلال شرق مدينة غزة وجراحه طفيفة.
وأصدرت مجموعة مراكز وجهات مراقبة للعمل الإعلامي بيانات تطالب بوقف الممارسات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين، بينما حذرت مؤسسات حقوقية من خطورة الأوضاع، إذ حذر مركز الميزان لحقوق الإنسان من مغبة استمرار الصمت الدولي أمام تصعيد قوات الاحتلال، واستخدام القوة المميتة، إلى جانب التصعيد من استهداف الصحفيين.
وبحسب توثيق مركز الميزان لحقوق الإنسان، فقد استشهد صحفيين منذ بدء مسيرات العودة، وأصيب عشرات آخرين ما بين رصاص حي وقنابل الغاز الحارق والمسيل للدموع، غير أن الأمر ليس بجديد، فالجدير ذكره أن نحو 17 صحافيا قضوا خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزّة في العام 2014 وأصيب العشرات أيضا.
بات الصحفيون يلتقطون صور "السيلفي" مع بعضهم البعض في مناطق المواجهات بعدما فقدوا اثنين من زملائهم خلال فترة وجيزة، حيث أن جميعهم مستهدفون فيرغبون بتوثيق آخر لقطات يمكن أن تكون في حياة واحد منهم. وهذا بالفعل ما يجري بعد الإعلان عن إصابة أحدهم، كما حدث مع المصوّر الصحفي الجريح ياسر قديح، حيث استُهدف قديح أيضا بطلق ناري بمنطقة البطن بينما كان يرتدي درعًا واقيًا يظن أنه سيكف بطش الاحتلال عنه، إلا أن حالته حرجة، وما زال يخضع لعمليات جراحية بمستشفيات القدس المحتلة حتى نشر هذه المقال.