صراع داخل صراع.. التغطية الإعلامية والرقابة في اليمن

مقابلة مع باشراحيل باشراحيل، نائب رئيس تحرير صحيفة "الأيام"

 

تشكّل الصراعات والنزاعات الداخلية والخارجية جزءاً كبيراً من تاريخ اليمن. فهذا البلد تتنازعه الحروب الأهلية وحركات التمرّد التي أدت إلى أَسْرِ عشرات من الصحفيين منذ العام 2010 في عمليات انتقام مباشرة بسبب عملهم (1). ومنذ العام 2015، تضاعف الخطر على حياة الصحفيين والمدنيين بفعل الغارات الجوية وقتال الشوارع. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ يواجه العاملون في القطاع الإعلامي في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون خطر الخطف والرقابة أيضاً. فسلطة القانون غائبة منذ عقود، والسلطات تملي على الناس جميع تفاصيل حياتهم اليومية، في أي مكان وجدوا وأي زمان.

في المقابلة التالية التي أجراها المحرر عواد جمعة نغوص مع الصحفي باشراحيل باشراحيل، في بعض من هذه الصراعات التي يخوضها بصفته نائب رئيس تحرير صحيفة "الأيام" وهي أكبر الصحف الوطنية اليمنية (2). وسيتم التحدث لاحقاً عن تجربته في سياق خبرته في العمل تحت المناخ السياسي اليمني الهش. ونظراً إلى الصعوبات التي تفرضها الحرب المستمرة في البلاد، كان من المستحيل على باشراحيل أن يكتب بنفسه عن تجربته. فهو يعيش في حالة خوف دائمة على حياته وحياة عائلته، لذلك ينتقل بشكل مستمر لتفادي الساعين إلى إسكات صوت الإعلام المستقل (3). عمل مراسلاً صحفياً لأول مرة خلال الحرب في يوغسلافيا السابقة حين كان متدرباً في صحيفة غربية كبرى. ويروي لي ضاحكاً: "قررت الصحيفة إرسالي إلى هناك لأنّه كان بالإمكان الاستغناء عنّي". غير أن باشراحيل يتحدّر من عائلة تتمتع بتاريخ عريق في إدارة الصحف في اليمن.

الصحافة: تقليد قديم في العائلة (4)

 

عواد جمعة: هشام باشراحيل هو والدك. وكان المؤسس ورئيس التحرير السابق لصحيفة "الأيام" التي تعد إحدى أهم مصادر الأخبار المستقلة في اليمن. وقد رحل في 16 حزيران/يونيو 2012. حزن عليه الناس داخل اليمن وخارجه. العديد من البيانات التي نعته تحدثت أيضاً عن قلبه الكبير والتزامه بصحفة حرة ومفتوحة. كان من المعلّقين الذين يحظون باحترام كبير من القراء. وكانت له مكانة عالية لدى القرّاء وفي أروقة السلطة ولدى الصحفيين في اليمن. وحتى الذين لا يتفقون مع آرائه، كانوا يقدّرونه ويقدّرون عمله. يقول كثيرون إن قصة حياة عائلتك غير منفصلة عن قصة "الأيام" والصحافة في اليمن بشكل عام. هل يمكنك أن تخبرنا قصة "الأيام" وعلاقة عائلتك بها؟

 

باشراحيل: نحاول طيلة عقود إدارة صحيفة يومية مستقلة. أسست عائلتي الصحيفة في العام 1958 خلال الحكم البريطاني لعدن. حينها كان في عدن حركة نشيطة تدعم حرية التعبير. غير أن إدارة صحيفة لطالما شكّل تحدّيًا في هذا البلد. بعد الاستقلال في العام 1967، أغلقت جميع الصحف الحرة أو المعارضة بمرسوم حكومي. وحين حكم الاشتراكيون الشطر الجنوبي، أغلقت "الأيام" أيضاً. حينها انتقل أبي بنا إلى صنعاء حيث أدار شركة لتجارة الورق قبل أن يسافر لاحقاً إلى كندا. توحّد الشطران الشمالي والجنوبي (5) لليمن في 22 أيار/مايو 1990. تمت المصادقة على قانون الصحافة في أيلول/سبتمبر ثم أعيد افتتاح الصحيفة مجدداً في تشرين الثاني/نوفمبر العام 1990. ولكنّ حين توحّد اليمن، لم يدرك النظام اليمني تماماً ما الذي كان يفعله بمجرّد موافقته في اتفاقية الوحدة، على نظام ديمقراطي يتضمّن حرية التعبير في البلاد. وقال العديد من الصحفيين حينها إن النظام لم يكن يفهم نطاق حرية التعبير أو عمقها، فسريعاً ما تحوّلت حرية التعبير إلى إزعاج واضح للسلطات التي باتت تتعرض للمحاسبة على يد الصحفيين وهو أمر لم يعجبها بالطبع.

في مطلع العام 1998، بدأ النظام حملة قمع منظّمة ضد الصحفيين. وفي العام 2005، بدأ مكتب النيابة العامة للاستجواب، بالاستهداف الواضح للصحفيين والتحريض على العنف ضدهم. استدعى ذلك منّا جميعاً أن نكون يقظين أكثر من أي وقت مضى أثناء عملنا كإعلام مستقل.

وكان على الإعلاميين دائماً الامتثال إلى قانون الصحافة بحذافيره في مناطق عملهم. فالحكومة سواء في اليمن أو غيرها ستستغل كل فرصة متاحة لاستغلال القانون ضدك إذا كنت صحفياً ناقداً أو مستقلاً.

لذلك أشجع زملائي الصحفيين على أن يتنبّهوا دائماً إلى قانون الصحافة الوطني. فعليهم ألاّ يعطوا السلطات أي ذريعة لاستخدام النظام القضائي ضدهم. معظم القوانين في العالم العربي تمنح حيّزاً لحرية الرأي. فإذا استخدمت القانون بشكل صحيح، سوف تقترب خطوة نحو حماية نفسك. وهذا ينطبق على صحيفة "الأيام" في اليمن. فهنا، 74% من القضايا التي رفعتها الحكومة ضد الصحافة كانت ضد صحفيين ومحررين يعملون لصالح "الأيام"، غير أن الحكومة لم تربح أي قضية ضدّنا. فنحن ببساطة لم نمنحها أي ذريعة قانونية أو نرتكب أي خطأ قد تستخدمه ضدّنا. فقد عملنا في إطار القانون وعرفنا حقوقنا. وحين فشل كلّ ذلك، بدأت الحكومة تستخدم العنف ضد الصحيفة حيث أغلقتها بالقوة وليس عن طريق المحاكم. حصل ذلك لأول مرة في العام 2009، ومجدداً في العام 2015 بسبب الحرب الأهلية.

 

صورة للصفحة الأولى لصحيفة الأيام من العام 2008.
صورة للصفحة الأولى لصحيفة الأيام من العام 2008.

 

الرقابة وحرية التعبير في اليمن

 

 عواد جمعة: إذا عدنا خطوة إلى الوراء، ماذا عن الصحفيين الذين يجعلون نظاماً أو حكومة أو سلطة، خاصة في بيئات معادية، حساسة تجاه أي انتقاد من الصحفيين؟ ما الذي يصيبهم بالارتياب من عملنا، بناء على تجربتك؟

 

 باشراحيل: في اليمن، لطالما كانت الصحف التقليدية ملتزمة بالخط الحكومي. والحكّام يعتبرون حرية التعبير نوعاً من التمرّد على حكمهم. وهذه من أكبر المشاكل التي نواجهها في اليمن اليوم. فحرية التعبير لا ينظر إليها على أنها حق. الجمهور لديه الحق في التعبير عن رأيه وفي انتقاد الممارسات الخاطئة للذراع التنفيذية للحكم. هذه المشكلة التي نواجهها في اليمن. لا يفهم السياسيون نطاق حرية التعبير والدور الحساس الذي تلعبه الصحافة في مراقبة أداء الحكومات.

 

 عواد جمعة: إذاً بشكل عام لا ينظر إلى الصحافة في العالم العربي على أنها حق بل على أنها تهديد؟

 

 باشراحيل: لنأخذ على سبيل المثال الرئيس علي عبد الله صالح. اعتبر الرئيس علي عبد الله صالح هذا الحق بمثابة امتياز منحه للجمهور. هذا كان رأيه في حرية التعبير. وأصبح ذلك واضحاً بالنسبة لنا نحن الصحفيين في منتصف تسعينيات القرن الماضي حين قال "منحتكم حرية التعبير". غير أن حرية التعبير لا تمنح، لأنها حق، حق أساسي من حقوق الإنسان. والجميع لديهم الحق في التعبير عن أنفسهم.

وثمة عقبة أخرى نواجهها ألا وهي غياب التفكير النقدي لدى الجمهور. فنحن في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يتم إعدادنا لكيلا نفكر بطريقة نقدية. وهناك قلّة بيننا في المنطقة تنتقد عمل حكوماتها. فثمة نوع من التقليد بألاّ ننتقد حكّامنا. غير أن الأمر يتغيّر ببطء الآن. فمع ظهور الربيع العربي، تفجّر التفكير النقدي في أنحاء المنطقة على يد شباب تعرّفوا على أشكال جديدة من الإعلام.

ومهّد ظهور الفضائيات في تسعينيات القرن الماضي ولاحقاً الإعلام الاجتماعي، الطريق لحصول ذلك. لقد قادت هذه التغييرات إلى تحوّل في طريقة تفكير الجمهور وحكمه على أداء الحكومات.

 

عواد جمعة: أنت تشير إلى غياب التفكير النقدي في اليمن. ما سبب ذلك؟

 

باشراحيل: أنا أؤمن بأن الديمقراطية أمر نتعلّمه تدريجياً. نحن لم نكن نعيش في مجتمع ديمقراطي باستثناء بعض المناطق القليلة من بينها عدن. فعدن كانت تتمتّع بحرية التعبير منذ أربعينيات القرن الماضي. والناس هناك كانوا معتادين على انتقاد أداء الحكومة مما أوجد أصواتاً مستقلة في الإعلام يدعمها الناس. غير أن مناطق أخرى في اليمن لم تكن قد اختبرت ذلك. وقد رأينا مثلاً كيف أصبح الناس يخشون التعبير عن انتقادهم للفساد. غير أن ذلك تغيّر تدريجياً على مرّ السنين. فهي مسألة مرتبطة بالتربية وبالبيئة التي نعيش فيها وبالتقاليد المحلية؛ كلها تلعب دوراً في قدرة الشعب على التفكير النقدي. فمن الأصعب أن يزدهر التفكير النقدي في المجتمعات القبلية. فهي دائماً ترفض انتقاد الزعماء بسبب هرميتها الداخلية المشددة.

 

 عواد جمعة: يأخذني هذا إلى سؤال آخر: المنظور الشخصي مقابل المهني. في حالتك هذه وحالات صحفيين آخرين، غالباً ما يتحوّل الشخصي إلى عام. فالحدود غير واضحة. ولكن اسمح لي أن أعود لأسألك عن مسألة الديمقراطية. أرغب أن آخذ لبنان كمثال على بلد يحظى منذ عقود بالإشادة على أنه منارة الحرية في العالم العربي فيما يخصّ حرية الصحافة. ورغم الاختلافات في السياق والتاريخ (بينه وبين اليمن)، هل صحيح أنه بمجرّد أن يتمتع بلد ما بنوع من حرية التعبير، سيمارس مواطنوه تلقائياً التفكير النقدي؟ أعتقد أنّنا يجب أن نختلف هنا أليس كذلك؟ فمهما كان نطاق حرية الصحافة كبيراً في لبنان، إلاّ أن قدرة المواطنين على التشكيك في الوضع القائم لا تأتي بشكل طبيعي وتلقائي لأنهم منحوا الحرية للقيام بذلك. هل تتفق مع ذلك؟

 

 باشراحيل: لست مخطئاً. ثمة عناصر عدة مطلوبة لضمان حرية التعبير وتعزيزها. فأنت تحتاج إلى حماية قانونية صلبة ونظام قضائي يحافظ على سلطة القانون ولا ينصاع لضغط الحكومات. ولكن بشكل عام القضاء والدساتير في منطقتنا مبهمة ولا تذهب بعيداً في ضمان حرية التعبير. وهذه هي الحال في اليمن حيث يسجن الصحفيون بشكل روتيني ويتعرّضون للتعذيب والمضايقات. ولكن حرية التعبير ليست مجرّد قانون مكتوب بل هي تقليد وأسلوب تربية وعلى القضاء أن يحمي هذا الحق. إنه أمر يجب أن تكافح من أجله؛ لا أحد يمنحك هذه الحقوق، بل عليك أن تجهد في كسبها وتدفع ثمنها دماً ودمعاً.

 

 

 عواد جمعة: قلت في البداية إن على الصحفي أن يحرص على الإلمام بالقانون والبيئة في المنطقة التي يعمل فيها. قد يبدو ذلك بالنسبة للكثير من الصحفيين مهمة شاقة. فالقوانين معقدة وكثيفة كما أنه من المكلف جداً خوض معارك قضائية من أي نوع مع الحكومة، ليس في اليمن فحسب بل في أي مكان في العالم أيضاً. كيف تتصرّف حيال ذلك؟ ما هي الخطوات الملموسة التي يمكن أن يتخذها المرء ليتآلف مع هذه القوانين؟

 

باشراحيل: نصائح أساسية تساعدك على حماية نفسك:

 

• دافع عن حقوق الناس.

• اطّلع جيداً على قوانين البلد لا سيما القوانين المتعلقة بحرية التعبير.

• تنبه إلى القوانين المتعلقة بالتشهير ومكافحة الإرهاب، فالحكومات قد تستخدمها ضدك.

• احرص أن يكون بحوزتك أوراق الاعتماد الصحفية الصحيحة.

• تقدّم دائماً بطلب للحصول على إذن عند الضرورة حتى لو رفض طلبك.

• احتفظ بنسخة عن جميع مراسلاتك في مكان آمن.

• حرص على أن يتحقق الفريق القانوني للناشر من عملك. وإن كنت صحفياً مستقلاً، أدرج ذلك في إطار تفاهماتك مع الجهات الناشرة.

• إذا كان لديك الكثير من المعلومات التي تؤثر سلباً على القوى السياسية والاقتصادية في منطقة ما، قيِّم التداعيات القضائية التي قد تعقب نشرها.

• خذ بعين الاعتبار العواقب البعيدة عن القانون التي يمكن أن يجرّها إليك أحد الأطراف التي تضررت من المادة المنشورة.

• فكر بكتابة القصة في أجزاء ونشر المعلومات بالتدريج.

•  أسس شبكة مع صحفيين يشاطرونك طريقة التفكير.

•  انضم إلى نقابة أو اتحاد صحفيين محليين.

  باشراحيل: علّمتنا تجربتنا في اليمن في بداية تسعينيات القرن الماضي أنه يجب أن يكون لدينا فريق قانوني يتحقق من كل شيء نكتبه قبل أن يذهب إلى الطباعة. فمن دون ذلك سيكون من السهل جداً على الحكومة أن تغلق (صحيفتنا) إن انتهكنا قانون الصحافة. الأمر حصل أكثر من مرة مع صحف أخرى. استخدمنا نظاماً مشابهاً للذي يعمل بموجبه الصحفيون في مجلة "نيويوركر" في نيويورك و"تايمز" في لندن. فقد جمعتنا صداقة وثيقة مع المؤسستين، وعلاقة جيدة مع العديد من الصحفيين فيهما. استعرنا بعض أساليبهم. في البداية تتعلّم من غيرك ومن ثم تطوّر نظامك الخاص الذي يناسب بيئتك الفريدة.    

 ثمن الصحافة: التضحيات الشخصية

 

عواد جمعة: أرغب في الخوض في مسألة الشخصي مقابل العام. خلال المعارك التي خاضتها "الأيام" في الماضي، كنت أنت وعائلتك في خطر. كيف يتعامل المرء مع هذا النوع من الضغط وما يحمله من تحديات؟

 

باشراحيل: قبل أن أجيب على هذا السؤال، اسمح لي أن أضيف عنصراً إلى المعادلة: الاستقلالية المالية، فهي تعدّ إحدى المشاكل الكبرى للصحف. فالمعضلة هنا في اليمن أن العديد من الصحف لا تملك نظاماً مالياً فعالاً، هذا إذا امتلكت واحداً في الأساس. فتمويل الصحيفة عنصر أساسي في استمرارها ونزاهتها. فاستقلالية "الأيام" كانت متوقفة على ذلك. وقد أجرينا العديد من ورش العمل للصحف حول هذه المسألة، كان الهدف منها شرح أهمية الاستقلالية وكيفية تحقيقها على الصعيد المالي. فلا يمكن أن تصنّف مستقلاً، كصحيفة أو كمؤسسة إعلامية، إن لم تكن مستقلاً مالياً.

والآن بالعودة إلى سؤالك حول التضحيات. الأمر شاق في الواقع، فأنت تدفع ثمناً باهظاً. كصحفي في اليمن، تواجه ضغطاً عاطفياً هائلاً، ليس أنت وحدك بل عائلتك أيضاً. فعائلتي مثلاً، كانت تعيش تقريباً في ظل إقامة جبرية من العام 2008 حتى 2012.

نتيجة لذلك، اضطررت إلى تعليم أولادي في المنزل. وقد كان التهديد باختطافهم موجوداً. كما أن الهجمات على الأملاك كانت أمراً شائعاً. ففي العام 2010، شنت الحكومة هجوماً غير مسبوق على منزلنا. كنّا نعيش تحت التهديد الدائم، ففي العام نفسه شنت الحكومة أيضاً حملة عسكرية على صحيفتنا استخدمت فيها المدافع والقنابل الصاروخية (آر بي جي)، والأسلحة الثقيلة ضدّ مجمّعنا. وحاصرت القوات الحكومية مطبعتنا ولم تسمح بإدخال أو إخراج أي شيء. صادروا شحنات الصحيفة المطبوعة في ميناء عدن من دون أي تبرير أو غطاء قانوني. كان ذلك بمثابة عملية عسكرية حقيقية. في الخلاصة، هذا مستوى العنف الذي كان علينا التعامل معه.

 

عواد جمعة: هذا خطير جداً. معظم الصحفيين معتادون دخول المعتقلات والخروج منها ولكنّ هذا شيء مختلف تماماً. ما هي إجراءات الحماية التي اتخذتموها؟

 

باشراحيل: عملت معنا فرق قانونية، ووقف الجمهور إلى جانبنا. هذه أمور أساسية لأي صحفي. الطريقة الوحيدة التي يمكنك حماية نفسك بها هي أن تضمن الحصول على حماية من الجمهور. وهذا يأتي نتيجة دفاعك عن مصالحهم. لقد حظينا بدعم شعبي واسع في اليمن. جميعهم تكتّلوا حولنا وهو ما قلّص شدّة حملة القمع الحكومية ضدّنا.

يافطة مؤيدة لحرية التعبير تظهر فيها صورة رئيس تحرير صحيفة الأيام هشام باشراحيل.
يافطة مؤيدة لحرية التعبير تظهر فيها صورة رئيس تحرير صحيفة الأيام هشام باشراحيل.

 

الصحافة كخدمة عامة

 باشراحيل: أحد الأدوار الرئيسية للإعلام المستقل هو مراقبة أداء الحكومة وكتابة التقارير حوله والمساهمة جوهرياً في ضمان محاسبتها. في الخلاصة، يجب أن يحمي الإعلام مصالح الناس ويبرز ما الذي يجري في المجتمع وفي السلطة التنفيذية والقضاء والسلطات التشريعية. إذا قمت بما في وسعك لتغطية هذه المجالات بصدق ومن دون انحياز، ستبني علاقة جيدة مع الجمهور. ستحظى بالاحترام وبالحماية حين تحتاجها.

 

 عواد جمعة: هذه نقطة حساسة لأننا غالباً ما ننظر إليها من منظار آخر، فالعديد من الصحفيين في العالم العربي أو على الأقل الذين ما زال لديهم تأثير، مقربون من الحكومة.

 

 باشراحيل: نعم ولكنّ الصحفيين المقربين من الحكومة لا يحظون باحترام الجمهور. صحيح أنهم معروفون جداً ولكنّنا نسمّيهم "حاشية الحكم". وفي المقابل، أعتقد أن لدينا صحفيين مستقلين ممتازين، يحظون باحترام المجتمع ولا ينتقدون لأنهم ببساطة يحبون الانتقاد، وإنما لأنهم يريدون أن تتم الأمور بشكل صحيح، لا من أجل الشهرة بل سعياً لتحل القيم الخيِّرة بدل الخاطئة في المجتمع. هذه خدمة عامة. وأعتقد أنّ هذا ما يجب أن تكون عليه الصحافة.

 

 عواد جمعة: جميل كيف عبّرت عن ذلك. أنت تبني خطابك على الفضائل والواجبات والمسؤوليات المدنية. كيف يمكن تطبيق ذلك في اليمن وفي الشرق الأوسط بشكل عام؟

 

 باشراحيل: ستعثر دائماً على صحفيين ناجحين يقومون بالصواب في كل بلد في العالم العربي. وللأسف ستجدهم أيضاً يتعرضون للقمع من جانب حكوماتهم. ولكن لا يجب أن يحبط ذلك عزيمتهم، بل يجب مواصلة الدفع باتجاه تحقيق درجة أعلى من الحرية لا سيما في ظل ما يحصل الآن في العالم العربي. نحن على شفير تغيير كبير في البنى الاجتماعية والحكومية. ومن المتوقع أن نرى إصلاحات سريعة وعميقة نتيجة ما يجري في العالم العربي وجهود الصحفيين الذين ينادون بتوحيد كلمة الحق.

 

تغطية الحروب الأهلية

عواد جمعة: مقارنة بفترة ما قبل الربيع العربي وما قبل الثورات، حدد أمراً أو أمرين شهدتَ تغييره/هما الجذري بشكل خاص فيما يتعلّق بدور الصحفيين والبيئة التي يعملون فيها؟

 

باشراحيل: حسناً، قبل الثورات العربية، كان لدينا أنظمة مستبدّة، بشكل أساسيّ. حتى في اليمن التي تفاخرت بالديمقراطية والحرية؛ كان لدينا طاغية. غير أن الربيع العربي جعلنا نتبنّى أسلوباً في تغطية ما يجري في الشارع كأننا نغطي حرباً أهلية. التغيير الذي حصل هو أننا انتقلنا من تغطية الإصلاح والفساد اللذين يعتبران موضوعين عاديين لمجتمع مستقر، إلى تغطية الحرب. غير أن الحرب ستنتهي دائماً وعندها سنبدأ التركيز من جديد على أداء الحكومة. بالطبع، خلال هذه الحرب يدفع الصحفيون ثمناً باهظاً. على سبيل المثال في اليمن أغلقت جميع الصحف. وصحيفتي كادت تدمّر بالكامل في العام 2015 ونحن نعيد بناءها ببطء. هذا ثمن ملموس تدفعه بسبب الحرب الأهلية. غير أنها مرحلة مؤقتة أو وضع مؤقت ولن تصبح حالة دائمة.

 

عواد جمعة: قلت شيئاً مهماً جداً أرغب في التوقف عنده لأنه أساسي لهذا الكتاب. فقد فرّقت بين الصحافة في ظل ظروف طبيعية وهي بالنسبة إليك تركّز بشكل خاص على محاسبة سلطات الدولة وبين ما تصفه "تغطية حربية". هل يمكنك أن تشرح الفرق في الديناميكيات في ما خصّ التغطية الإعلامية؟

 

باشراحيل: خلال الانقلاب في اليمن، في العام 2015، وبدء الحرب، لم يكن من حكومة لننتقدها. لم يكن من سلطة تنفيذية ولا قضائية ولا تشريعية لننتقدها. فالنظام برمّته كان في حالة فوضى عارمة. ومعظم أعضاء الحكومة كانوا إما مختبئين أو اضطروا للفرار خارج البلاد. ولم يكن الناس مهتمين سوى بمتابعة سير المعارك التي يخوضها الجيش. فقد أرادوا مثلاً أن يعرفوا مواقع مختلف القوى المتحاربة: إلى أي مدى تقدّمت وكيف سيؤثر ذلك عليهم؟ هذا ما شغل بال الناس حينها. لذلك فأنت تجبر على هذا النوع من التغطية بفعل الديناميكيات من حولك، من دون أن يكون لك الخيار. وهذا النوع من التغطيات كان خطيراً دائماً وإلى أقصى الحدود. وفي حالتي، كان أول شيء فعله المتمرّدون حين سيطروا على المنطقة التي أسكن فيها، هو طرق بابنا. طبعاً لم نكن في المنزل ولكنّهم كانوا يبحثون عنّا. فقد كان البحث عن الصحفيين أولوية بالنسبة إليهم حيث اعتقلوا وعاقبوا الكثيرين. وحتى الآن، ما زال العديد منهم معتقلين في صنعاء بسبب مهنتهم. كنّا بالفعل الضحايا الأوائل لأن الصحفيين كانوا دائماً الأضعف والأسهل للاستهداف. وفي كل مجتمع، وفي كل دولة، الصحفيون هم أول من يستهدف عند اندلاع الحروب.  

 

عواد جمعة: غالباً ما يكون ثمة لاعبون عدة في أي نزاع، فكيف يبقى المرء "متوازناً" إذا صح التعبير؟

 

باشراحيل: وجدت من المفيد أن أكتب عن الإشكالات على الأرض حين تحصل. فأنت تغطي فقط ما يجري في تلك اللحظة من دون إضافة تحليل. في الحرب وأثناء تغطيتها، لن يكون طرفا المعادلة متوفّرين أمامك. وككائن بشري، إذا تعرضت بلدتك للغزو، لا يمكنك أن تنفصل عاطفياً بالكامل. لذلك أجد من المفيد أن أكتب عمّا يجري على الأرض بأقصى درجة ممكنة من الصدق.

 

عواد جمعة: انطلاقاً من كوني غطيت حروباً أيضاً، صحيح أنت ترى نصف المعادلة لأنك دائماً وراء خط دفاعي ما. ولكن حتى في ذلك الجزء تواجه الكثير من التحديات. هل يمكن أن تخبرنا عن بعض هذه التحديات في حالتك؟

 

باشراحيل: نعم، عند تغطية الحرب الأهلية (في اليمن) واجتياح الحوثيين/قوات صالح لعدن، أصعب ما شاهدته كان جثث الأطفال في المستشفيات. الجثث على الطرقات، المنازل المدمّرة ـ هذه كانت أنواع الصور التي لا تفارق بالي والتي تركت لديّ أثراً عاطفياً هائلاً. فأنت تفكّر فيها بشكل دائم وليس سهلاً أبداً التعامل معها. في عدن، في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2015، لم يكن لدينا كهرباء وكان علينا أن نخرج ونخاطر للحصول على الماء والطعام لأطفالنا. كما تطوّعنا في المستشفيات محاولين مساعدة الناس. كان صعباً جداً رؤية الموت والدمار من حولنا، صعب جداً.

 

عواد جمعة: أثناء العمل وراء خطوط الدفاع، ثمة تحديان. الأول هو كيف ينظر إليك الطرف الآخر في ظل عدم قدرتك على الوصول إلى المنطقة التي تخضع لسيطرته. والثاني هو توقعات الجيش الذي تعمل من وراء خطوطه الدفاعية. فهو يتوقع أن تهلل له. كيف تتعامل مع هذه التحديات؟

 

باشراحيل: (يقول ضاحكاً) أعجبني كيف وصفت الأمر. بالعودة إلى اليمن، إن كنت فقط تكتب عن أحداث واقعية على الأرض مع استمرار الحرب، وإن فعلت ذلك فقط فأنت تسدي خدمة عظيمة للجمهور. عليك التركيز على ما يجري من وجهة نظر إنسانية ومن وجهة نظر الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة. فالواجب الأول للصحفي ليس تجاه الفصائل المتحاربة. فأنت لا تحاول أن تكون مع طرف دون آخر، بل عليك أن تكون دائماً في صف الناس الذين يقفون على الحياد وفي صف المدنيين.

 

عواد جمعة: ولكن حين تقول لك المجموعة المتمردة أو القوة المنتشرة على الأرض التي تعمل فيها، مثلاً "لماذا لا تسمّي الناس الذين يقتلون على أرضنا شهداء؟" أو "لا تنشر عدد الضحايا اليوم، لأنه مرتفع جداً". وأنا شخصياً واجهت الموقفين أثناء تغطيتي في العراق وراء خطوط دفاع القوات الكردية. كيف تواجه هذين الموقفين؟

 

مؤيدون لحركة الجنوب يتظاهرون ضد قرارات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي قضت بعزل مسؤولين رفيعي المستوى مقربين من الإمارات العربية المتحدة، من بينهم محافظ عدن عيدروس الزبيدي. اليمن أيار/مايو 2017. رويترز - فواز سلمان - صورة ملف.
مؤيدون لحركة الجنوب يتظاهرون ضد قرارات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي قضت بعزل مسؤولين رفيعي المستوى مقربين من الإمارات العربية المتحدة، من بينهم محافظ عدن عيدروس الزبيدي. اليمن أيار/مايو 2017. رويترز - فواز سلمان - صورة ملف.

 باشراحيل: كصحفي، أنت دائماً محاور مميز تتمتع بمهارات الإقناع في الحديث مع الناس. يمكنك دائماً أن تقنعهم (متمردون أو قوات حكومية) بالفائدة الكبيرة لما تقوم به حتى من وجهة نظرهم. مثلاً، ساعدني هذا كثيراً في العام 2015 حين أبلغت مقاتلي المقاومة (في اليمن) أن عليّ أن أكتب تقريراً عمّا يجري على الأرض غير أنهم رفضوا بحجّة أن ذلك سيكشف عملياتهم وهو أقصى ما يخيفهم. غير أنّي استطعت إقناعهم بأن العالم سيأتي لمساعدتهم إذا كشفنا عمّا يجري على الأرض.

ولكن للأسف، حين تلاحقك إحدى هذه الفصائل، سيكون الوقت قد حان للاختباء. لا يمكنك أن تتخذ موقفاً صدامياً أو موقفاً قانونياً في فترة الحرب. فلا يوجد قوانين تحميك، ولا شيء يمكن أن يوقفهم عن إطلاق النار عليك فوراً لإسكاتك.

 

عواد جمعة: هل يمكنك أن تخبرنا عن موقف ما حصل معك مؤخراً أو موقف بارز واجهته؟

 

 باشراحيل: ثمة نقطة في كريتر (مديرية في عدن، اليمن) حيث كان المقاومون يقاتلون قرب المصرف المركزي. كنت وراء خطوط دفاعهم محاولاً إجراء تغطية إخبارية. كانوا حينها يحاولون ثنيي عن القيام بذلك إلاّ أنني أخبرتهم أنه إن لم تنشر قصتهم لن يعرف أحد أنهم خاضوا قتالاً هنا. واستغرقت المفاوضات بيننا حوالي الساعتين قبل أن يسمحوا لي بإجراء التغطية. التقطت صوراً للمنطقة وكانت تغطية جيدة في النهاية حين تم بثّها.

 

عواد جمعة: الحقيقة أن هناك ثلاثة أو أربعة أطراف رئيسية يتقاتلون في اليمن. وجميعهم يتعارضون بشدة. وأنا لا أستطيع أن أجد مثالاً ملموساً على كيفية النجاح في عدم إغضاب أي منهم في أي تقرير نكتبه.

 

باشراحيل: ثمة مثال آخر هو مؤتمر الحوار الوطني (6). فقد اعتمدنا مقاربة واقعية جداً في تغطية هذا النوع من الأحداث بدلاً من التحليل أو السياق. فقد كنا نغطّي فقط ما يجري في البرلمان، بحيث كنا نعرض مواقف كل حزب أو طرف من المسألة ونصف السجالات بين البرلمانيين خلال المداولات. يمكنك القول إنها كانت تغطية وصفية يجريها شخص يجلس على شرفة المجلس يصغي لما يجري في أروقته.

في هذه الأجواء، عملنا كباقي وكالات الأنباء الأخرى. فقد كانت سياسة صحيفتنا تقوم على عدم نشر رأي من أي نوع كان عند تغطية الأخبار. فالرأي لكتّاب العمود في الصحف. وإذا أردت نشر رأيك، ليس عليك إلاّ أن تكتب عموداً.

 

عواد جمعة: بالعودة إلى نقطتك حول تغطية الحوار الوطني، أي مقاربة اعتمدتم؟

 

شاركت في مؤتمر الحوار الوطني. كانت تجربة انطبعت بتضارب الآراء. فمعظمنا نحن الجنوبيون إن لم يكن جميعنا، كنا ضد الحوار الوطني لأنه يفرض التحدث والتفاوض مع الشمال. وكانت صحيفتنا ترزح تحت ضغط هائل من الجمهور نتيجة تغطيتنا الإخبارية المستقيمة والمباشرة. فنحن لم نكن نهلل للجنوب بل ننشر الحقائق. بعض الناس في الجنوب نظروا إلينا على أننا خونة. وفي تلك الفترة نظمت تظاهرات في عدن وجميع أنحاء الجنوب ضد الحوار الوطني في حين التزم الشماليون الصمت حياله ولم يدافعوا عنّا بسبب مشاركتنا. حين نشرنا وقائع الحوار الوطني وقرأ الناس الوثائق التي عرضناها خلاله، أدركوا الحاجة إلى التحدث إلى الطرف الآخر. اليمن مجتمع منقسم جداً وكل شيء في الجنوب يقاس بناء على الانقسام في الشمال. غير أن الناس بدأوا يدركون أن لا ضير في الحوار أبداً. المصداقية التي اكتسبناها من تغطية الحوار الوطني عززت ثقتنا في التعبير عن وجهات نظرنا. وشكّلت تغطية الحدث لحظة مفصلية في مسيرتي كصحفي. ولكن للأسف انتهى الحوار بشكل كارثي كما نعلم جميعاً ووقع اليمن في الفوضى.

مؤيدون لحركة الجنوب يتظاهرون ضد قرارات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي قضت بعزل مسؤولين رفيعي المستوى مقربين من الإمارات العربية المتحدة، من بينهم محافظ عدن عيدروس الزبيدي. اليمن أيار/مايو 2017. رويترز - فواز سلمان - صورة ملف.
مؤيدون لحركة الجنوب يتظاهرون ضد قرارات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي قضت بعزل مسؤولين رفيعي المستوى مقربين من الإمارات العربية المتحدة، من بينهم محافظ عدن عيدروس الزبيدي. اليمن أيار/مايو 2017. رويترز - فواز سلمان - صورة ملف.

 

سلامتك أولوية

 

عواد جمعة: لنعد إلى العام 2015، حين وقع الانقلاب. هل غادرت أو بحثت عن مكان للاختباء لأنك تلقّيت تحذيرات بأن المتمردين يبحثون عنك؟

 

باشراحيل: نعم. حين جاؤوا يبحثون عنّا في العام 2015، كنت في منزل جاري (يقول ضاحكاً) لأننا علمنا أنهم قادمون للبحث عنّي. كنت مختبئاً. وكنا نستطيع رؤيتهم من النوافذ حين اقتربوا. ولكن لاحقاً بلغت الأمور حداً دفعني إلى مغادرة عدن لشهرين. انتقلت إلى منطقة نائية في حضرموت تسيطر عليها "القاعدة". لذلك تدهور وضعي من سيئ إلى أسوء (7).

 

 عواد جمعة: يقودني هذا إلى سؤال عن النصائح العملية للصحفيين الذين قد يواجهون الوضع ذاته؟ هلّا أخبرتنا عن الخطوات التي قمت بها للهرب من الخطر القائم؟ وكيف طاوعك ضميرك للفرار إلى منطقة تسيطر عليها "القاعدة"؟

 

باشراحيل: الصحفيون لديهم دائماً امتياز امتلاك الكثير من المعلومات لذلك عليهم القيام بخيارات ذكية. فالحفاظ على الأمن الذاتي يجب أن يكون دائماً أولوية في أي وضع كان. وهو من أول الأمور التي تتعلّمها حين تدرس الصحافة أو حين تمارسها مع مؤسسة إعلامية جيدة. سلامتك في رأس قائمة الأولويات. وكان الفرار إلى حضرموت في ذلك الوقت أهون الشرّين.

 

 عواد جمعة: إذا نظرنا إلى اليمن وسوريا، نلاحظ أن مفهوم الحماية الذاتية مفقود لدى الكثير من الصحفيين لا سيما الذين لا يعملون لصالح إعلام عريق. لذلك ما الرسالة التي توجهها والنصائح التي تعطيها للصحفيين القادمين من إعلام خارجي تقليدي وعريق؟

 

 باشراحيل: كصحفي، أرى من الحكمة دائماً ألاّ أكون تحت الأضواء في البيئة التي أعمل فيها. عليك أن تراقب كمتفرّج. فنحن نحتاج إلى تغطية المناطق التي تشهد معارك. فعلى سبيل المثال، أغلقت مؤسستي الإعلامية خلال الحرب الأهلية في عدن ولكنّي استطعت تغطية الأحداث اليومية لصالح العديد من المؤسسات الإعلامية بينها "الجزيرة" وهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". نحتاج أن نكشف الحقيقة ولكن ليس على حساب حياتنا. لذلك خذ محيطك دائماً في الاعتبار، كن كتوماً من دون أن تثير جلبة من حولك، فلا أحد يجب أن يستدعي المتاعب إليه.

 

عواد جمعة: كيف غطّيت النزاع في السنوات الستة الماضية بعد الثورة؟ كيف غطّيت حصار تعز، والوضع في صنعاء والمعارك بين السعودية والحوثيين على الحدود؟ فأثناء تغطية هذه الأحداث ستواجه حتماً الكثير من الألغام بالمعنى المجازي. كيف نجحت في تغطيتها من دون أن تصبح في عداد الضحايا؟

 

باشراحيل: من وجهة نظري، ما نفعله كمؤسسة، بسيط جداً. الصحفيون من صنعاء مثلاً، يعملون ويراسلون من هناك. فهم يعرفون منطقتهم لذلك يستطيعون التعامل مع اللاعبين على الأرض أفضل من أي شخص قادم من عدن أو تعز. ونحن لا ننشر مساهماتهم مذيّلة بأسمائهم الحقيقية. ولا نستخدم أبداً أسماء الصحفيين في حالة الحرب. والأمر نفسه ينطبق على المناطق الساخنة. نحاول أن نعطي جميع الأطراف فرصة التعبير قدر الإمكان وهو أمر دائماً ما يكون شبه مستحيل. أحياناً، لا ننشر قصة صحفية لمجرّد شعورنا بأنها ستشكل خطراً على صحفيينا. ولكن في الوقت نفسه، علينا أن نحاول أن نكون متوازنين قدر الإمكان.

مؤيدون مسلحون لحركة الحوقي يتظاهرون ضد إعلان الرئيس اليمني تمديد حالة الطوارئ ودعم الولايات المتحدة الأمريكية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. اليمن، 12 أيار/مايو 2017. رويترز، محمد الصياغي.
مؤيدون مسلحون لحركة الحوقي يتظاهرون ضد إعلان الرئيس اليمني تمديد حالة الطوارئ ودعم الولايات المتحدة الأمريكية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. اليمن، 12 أيار/مايو 2017. رويترز، محمد الصياغي.

 
عواد جمعة: هل واجهت مسألة الرقابة والرقابة الذاتية في عملك؟

 

باشراحيل: اسمح لي أن أخبرك بأمر ما عن الرقابة الذاتية: من الأفضل أن يكون لديّ قصة من ثلاثة أجزاء تنشر على ثلاثة أيام من أن يكون لدينا قصة كبيرة واحدة في يوم واحد. مثلاً، تغطيتنا لتفجير "يو إس إس كول" في عدن (8) كانت حدثاً يومياً. فقد كان لدينا الكثير من المعلومات المضرة للحكومة. وقررنا عدم نشر كل المعلومات دفعة واحدة. عليك أن تتنبّه إلى التداعيات القانونية لذلك وإلى ما يمكن أن يفعله الطرف الآخر لك. فليس مستساغاً أن تغلق الصحيفة بسبب مقالة واحدة. كان الأفضل لنا على المدى الطويل نشر المعلومات تدريجياً. فالحكومات في الشرق الأوسط عموماً أقل حساسية تجاه هذا النوع من المنشورات لا سيما في اليمن. إذا نشرت تدريجياً، فقد يشيحون النظر في الاتجاه المعاكس. أما إذا نشرت كل شيء دفعة واحدة، قد تصبح معركة قانونية وحتى معركة يتأذى فيها الناس.

عواد جمعة: كيف يخوض الصحفي الشاب غمار كل ذلك؟ ما هي الخطوات العملية التي تنصح الصحفيين الشباب الذين دخلوا إلى هذا المجال حديثاً؟

باشراحيل: الأمر معقّد جداً خصوصاً عندما تتعامل مع أشخاص في السلطة لا يؤمنون بحرية التعبير ولا يؤمنون بأنهم عرضة للمحاسبة على ما يرتكبونه. هنا يأتي دور الصحفيين الأكثر حنكة. عليهم توجيه الصحفيين الأصغر سناً الذين انضموا حديثاً إلى وسيلة إعلامية ما. أعتقد أن لدينا واجب تدريب الصحفيين الجدد ومواصلة تدريبهم باستمرار على كيفية العمل ضمن مجتمعاتنا. الأمر مختلف في اليمن عمّا هو في دول أخرى. كل دولة لها خصوصيّة معينة. التزام الحيطة والحذر والصبر صفتان جيدتان ومطلوبتان دائماً. الصحافة ليست فقط أن تنشر الأخبار العاجلة وأن تكون سبّاقاً في النشر، بل هي العمل بشكل متّسق ووضع الحقيقة قبل كل شيء. فإن كنت متّسقاً وصادقاً، ستكسب ثقة القراء أو المشاهدين وهذه الثقة هي بالضبط ما يميّز المؤسسات والصحف والمنظمات الإعلامية المرموقة عن غيرها.

 

الإعلام التقليدي والإعلام الاجتماعي في تغطية الحرب اليمنية

 

عواد جمعة: الحيطة والحذر والاتساق والصدق.. يبدو الأمر مثالياً جداً لا سيما حين تفكّر في العصر الرقمي الذي نحن فيه وما يصاحبه من أخبار مزيفة.

 

باشراحيل: صحيفتي "الأيام" أغلقت في العام 2009. وعادت للظهور في العام 2014. خلال تلك الفترة تغيّرت الأجواء في اليمن. حصلت فورة الإعلام الاجتماعي وكل هذه الأجهزة المحمولة. وفجأة أصبح كل مواطن صحفياً. ولكن للأسف ما يحصل في الإعلام الاجتماعي ليس صحفة، إنها شائعات لا أساس لها. فالصحفي يعمل بجد للتحقق من مصادره والتأكد من أن القصة صحيحة قبل النشر. فالصحافة ليست أن تتحدث إلى صديق وتنشر ما دار بينكما. هذا ما يقدّمه الإعلام الاجتماعي في العديد من الحالات. ولكن ثقة الناس في اليمن بالإعلام الاجتماعي تزعزعت في السنتين الأخيرتين. وها هم اليوم يبحثون عن صحفة متعمّقة من حيث مصادر المعلومات.

 

عواد جمعة: هل يمكنك إعطاؤنا مثالاً على ذلك؟

 

باشراحيل: نعم، "الأيام" بنت علاقتها مع الجمهور على الثقة والصدق. كنا الصحيفة الأكثر مبيعاً في اليمن حين أُغلقنا في العام 2009. حققنا مبيعات لم يحققها أحد غيرنا. كنا نسيطر على 81% من السوق في عدن، وعلى 78% تقريباً من السوق في اليمن، لذلك حين عدنا في العام 2014، اندفع الجمهور على الفور نحو شراء "الأيام". ولم يمرّ سوى أسبوعين على استئناف النشر حتى بلغنا مستوى البيع السابق. هذه هي الثقة التي كنت أتحدّث عنها. لا شيء أكثر أهمية من أن يقول الناس أن ما ننشره صحيح، وعندها تتغلب على جميع الصعاب. حتى لو أغلقتك الحكومة أو الجيش، لن يأخذ منك أحد هذه الثقة.

 

عواد جمعة: نحن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نعيش في مجتمعات شديدة الانقسام. معظم الناس حزبيون لذلك أجد من الصعب أن أفهم حين تقول إنهم يبحثون عن الحقيقة. انطباعي الشخصي وقد أكون مخطئاً ولكن على سبيل النقاش، أن الناس لا يريدون الحقيقة، بل يرغبون في معرفة ما هو الصحيح بالنسبة لهم أو المقبول من وجهة نظرهم. هل تتفق مع ذلك؟

 

باشراحيل: نعم، ولكنك تتحدث عن أقلية في المجتمع. ففي المجتمع، الغالبية مستقلة وليست حزبية وهي تشكّل الشريحة الأكبر من جمهورك. وهذا هو الجمهور الذي يتنافس عليه جميع الحزبيين. لذلك حين يكون لديك شعبية كمؤسسة إعلامية، سيناضل الجميع ليظهروا ضمن تغطياتك. وسيسعون جاهدين لتزويدك بوجهات نظرهم ليضمنوا أن يتم إبراز رأيهم. هذا ما حصل مع صحيفتي. فقد كانت مختلف الأحزاب السياسية تحاول أن تظهر في كل عدد لتنشر آراءها على صفحاتنا. وهذا منحني موقعاً فريداً بأن أكون نقطة مركزية للآراء. أما آرائي السياسية وآرائي الشخصية فلا تظهر في تغطيتنا الإخبارية. عليك أن تكون حيادياً جداً في الأخبار التي تنشرها. وهو ما سيكسبك شعبية. فمثلاً حين تغطّي قضية سياسية عبر عرض وجهات نظر جميع الأحزاب السياسية، فأنت تمنح الجمهور إمكانية الوصول إليها لقراءتها. وعندها يستطيع الجمهور أن يشكّل رأيه الخاص بشكل مدروس. هذا بالضبط ما يجب أن يناضل المرء لتحقيقه.

 

عواد جمعة: ما هو الرأي العام تُجاه "الأيام" في مختلف أنحاء اليمن؟

 

باشراحيل: في الجنوب وجزء كبير من الشمال، ينظر إلينا على أننا صحيفة وطنية. أما في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، نعتبر أعداءً. في الحرب لا يمكنك إرضاء الجميع، ولكننا نحاول أن ننشر بعضاً من قصصهم. ولكنّهم لا يسهّلون عملنا (9) ولا يزوّدوننا بالمعلومات أو الأرقام التي تسمح لنا بإيصال وجهة نظرهم (10).

 

عواد جمعة: إذاً، عليك دائماً أن تعمل في الخفاء - هذا إذا استطعت أن تعمل أساساً - في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؟

 

باشراحيل: نعم، إنهم غير ودودين مع الصحفيين. معظم الصحفيين محتجزون في معتقلات الحوثيين في صنعاء. ولكنّ لا يوجد صحفيون في السجون التي تسيطر عليها الحكومة أو في الجنوب.

 

مستقبل الصحافة في اليمن

 

عواد جمعة: إذا نظرنا إلى الصحافة بشكل عام في اليمن، أين ترى دورها في السنوات المقبلة في ظل الحرب ومن ثم في فترة ما بعد الحرب؟

 

باشراحيل: أعتقد أننا سنشهد انحسار تغطية الحرب في جميع الصحف. وسنشهد العودة إلى محاسبة الحكومة ومن في السلطة. أرى الكثير من الصحف تختفي لأنها غير قادرة على الخوض في مجال الصحافة الاستقصائية. وفي الوقت الحالي، ما تجده في معظم الصحف والمواقع الإلكترونية في اليمن هو تغطية إخبارية مع غياب للتحقيقات الاستقصائية. هذه الأخيرة كانت تقليداً في صحيفة "الأيام" ولكن العديد من الناس يتجنبونها لأنها تكلّف الكثير من المال والوقت. ولكنّ الصحيفة التي تستطيع التحوّل إلى التحقيق الاستقصائي ستصمد بينما ستختفي الصحف الباقية. وللأسف، مع قدوم الإعلام الرقمي، ستكون معركة الصمود هذه أصعب.

 

عواد جمعة: نسمع الكثير من الناس يشيرون إلى الصحافة الاستقصائية. كيف تختلف عن الأخبار العادية والتغطية المعمّقة؟

 

باشراحيل: الصحافة الاستقصائية تأخذ موضوعاً ما وتحاول الحصول على كل المعلومات ذات الصلة من مصادر متعددة ومن وجهات نظر مختلفة. وهذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً. فعليك أن تدرس جيداً الأوجه القانونية والاجتماعية للموضوع الذي تحقق فيه. ويجب أن تكون القصة الصحفية التي تكتبها مبنية على بحث وافٍ ومحقق لكي تتمكن من الدفاع عنها بسهولة. في مؤسستنا، المجموعة الأكبر التي وظفناها كانت في قسم التحقيقات الاستقصائية. هذا القسم هو الأفضل تمويلاً وتجهيزاً وبصراحة يحصل فيه معظم العمل الصعب أيضاً. فإنتاج تقرير واحد يحتاج إلى الكثير من الناس والكثير من العمل. هذا عمل صعب ولكنّك ستشعر بالرضى العميق حين تراه منشوراً لأنك سترى الإنجاز الذي حققته والفرق الذي يحدثه عند النشر. ومن الأمثلة على ذلك في صحيفتنا هو التقرير الذي نشرناه عن السجون السرية في العام 1996. فقد ترك أثراً كبيراً وأحرج الحكومة وأدى بالتالي إلى إغلاق هذه السجون لفترة خمس سنوات.    

 

عواد جمعة: هل يمكن أن تعطي بعض النصائح العملية للصحفيين الزملاء بناءً على خبرتك؟

 

باشراحيل: أعتقد أن هذه أمور على جميع الصحفيين الشباب معرفتها:

السلامة تأتي أولاً، ثانياً الصدق، ثالثاً نقل الوقائع كما هي. رابعاً رأيك لا يهم، لأنه ليس الرأي الصائب الوحيد.

لا تقص أي رأي، بل أدرج جميع الآراء التي تعرض عليك. رأي الناس المعنيين هو ما يهم. ابدأ بالناس الذين تكرههم أولاً عند إجراء التحقيق الاستقصائي. بالنسبة لي، لطالما كرهت الذهاب إلى المؤسسات الحكومة، ولكنّي دائماً بدأت تقاريري بها. ولا تنس القيام بالعمل القانوني المطلوب.

استثمر في آلة تسجيل ميدانية جيدة، وعلبة فلاشات وكاميرا جيدة وهاتف محمول صغير جداً ـ ليس من النوع اللامع الكبير، فلا أحد سينتبه للهواتف القديمة. دائماً قم بخياطة جيب سرّي في سترتك حيث يمكنك إخفاء الفلاشات!

ليكن لديك دائماً نسخ عن هويتك تعطيها عندما يطلب منك وإن رفضوا إعادتها لن تكون قد خسرت الوثيقة الأصلية. أنا دائماً أترك معي نسخاً من هويتي تتطابق مع الأصلية وأقدمها كما لو كانت بطاقة عمل (يقول ضاحكاً). في اليمن خصوصاً، يمكنهم احتجاز هويتك أينما كان ولأي سبب كان.

كما عليك أن تحتفظ دائماً بمبلغ من المال للطوارئ ولكن كن حذراً على المال.

على المستوى العاطفي، عليك أن تطوّر آليات المواجهة الخاصة بك. نحن جميعاً بشر ولكن عليك دائماً أن تحاول أن تخرج نفسك من القصة لا سيما حين تكون جزءً منها. حاول أن تعزل عواطفك، على الأقل حين تغطي حدثاً ما. من الضروري أن يكون لديك عدة آليات للمواجهة. بالنسبة إليّ، أطفالي هم آلية المواجهة الخاصة بي.

أخيراً، الصحفي لا يتوقف عن التعلّم أبداً. عليه أن يبني على تجارب الآخرين. وأنا أقول لجميع الصحفيين العاملين في "الأيام" أن ينزلوا من أبراجهم. أنتم لستم الأفضل في كل شيء. هناك من هو أفضل منكم في مكان ما في العالم. عليكم أن تناضلوا لتكونوا مثل هذا الشخص. هذا هو الهدف الأساسي للتعلّم.

 

 

هذه المقابلة مأخوذة من كتاب "الصحافة في زمن الحرب" الصادر عن معهد الجزيرة للإعلام. لقراءة الكتاب كاملا، اضغط/ي هنا:

 

النسخة الإنجليزية، من هنا:

 

 

المزيد من المقالات

رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

مجلة الصحافة نشرت في: 26 مارس, 2024
آليات الإعلام البريطاني السائد في تأطير الحرب الإسرائيلية على غزّة

كيف استخدم الإعلام البريطاني السائد إستراتيجيات التأطير لتكوين الرأي العام بشأن مجريات الحرب على غزّة وما الذي يكشفه تقرير مركز الرقابة على الإعلام عن تبعات ذلك وتأثيره على شكل الرواية؟

مجلة الصحافة نشرت في: 19 مارس, 2024
دعم الحقيقة أو محاباة الإدارة.. الصحفيون العرب في الغرب والحرب على غزة

يعيش الصحفيون العرب الذين يعملون في غرف الأخبار الغربية "تناقضات" فرضتها حرب الاحتلال على غزة. اختار جزء منهم الانحياز إلى الحقيقة مهما كانت الضريبة ولو وصلت إلى الطرد، بينما اختار آخرون الانصهار مع "السردية الإسرائيلية" خوفا من الإدارة.

مجلة الصحافة نشرت في: 29 فبراير, 2024
يوميات صحفي فلسطيني تحت النار

فيم يفكر صحفي فلسطيني ينجو يوميا من غارات الاحتلال: في إيصال الصورة إلى العالم أم في مصير عائلته؟ وماذا حين يفقد أفراد عائلته: هل يواصل التغطية أم يتوقف؟ وكيف يشتغل في ظل انقطاع وسائل الاتصال واستحالة الوصول إلى المصادر؟

محمد أبو قمر  نشرت في: 3 ديسمبر, 2023
كيف يمكن لتدقيق المعلومات أن يكون سلاحًا ضد الرواية الإسرائيلية؟

في السابق كان من السهل على الاحتلال الإسرائيلي "اختطاف الرواية الأولى" وتصديرها إلى وسائل الإعلام العالمية المنحازة، لكن حرب غزة بينت أهمية عمل مدققي المعلومات الذين كشفوا زيف سردية قتل الأطفال وذبح المدنيين. في عصر مدققي المعلومات، هل انتهت صلاحية "الأكاذيب السياسية الكبرى"؟

حسام الوكيل نشرت في: 17 نوفمبر, 2023
انحياز صارخ لإسرائيل.. إعلام ألمانيا يسقط في امتحان المهنية مجدداً

بينما تعيش وسائل الإعلام الألمانية الداعمة تقليدياً لإسرائيل حالة من الهستيريا، ومنها صحيفة "بيلد" التي بلغت بها درجة التضليل على المتظاهرين الداعمين لفلسطين، واتهامهم برفع شعار "اقصفوا إسرائيل"، بينما كان الشعار الأصلي هو "ألمانيا تمول.. وإسرائيل تقصف". وتصف الصحيفة شعارات عادية كـ "فلسطين حرة" بشعارات الكراهية.

مجلة الصحافة نشرت في: 15 نوفمبر, 2023
استخدام الأرقام في تغطية الحروب.. الإنسان أولاً

كيف نستعرض أرقام الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي دون طمس هوياتهم وقصصهم؟ هل إحصاء الضحايا في التغطية الإعلامية يمكن أن يؤدي إلى "السأم من التعاطف"؟ وكيف نستخدم الأرقام والبيانات لإبقاء الجمهور مرتبطا بالتغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟

أروى الكعلي نشرت في: 14 نوفمبر, 2023
الصحافة ومعركة القانون الدولي لمواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي

من وظائف الصحافة رصد الانتهاكات أثناء الأزمات والحروب، والمساهمة في فضح المتورطين في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، ولأن الجرائم في القانون الدولي لا تتقادم، فإن وسائل الإعلام، وهي تغطي حرب إسرائيل على فلسطين، ينبغي أن توظف أدوات القانون الدولي لتقويض الرواية الإسرائيلية القائمة على "الدفاع عن النفس".

نهلا المومني نشرت في: 8 نوفمبر, 2023
هل يحمي القانون الدولي الصحفيين الفلسطينيين؟

لم يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الصحفيين، بل تجاوزه إلى استهداف عائلاتهم كما فعل مع أبناء وزوجة الزميل وائل الدحدوح، مراسل الجزيرة بفلسطين. كيف ينتهك الاحتلال قواعد القانون الدولي؟ وهل ترتقي هذه الانتهاكات إلى مرتبة "جريمة حرب"؟

بديعة الصوان نشرت في: 26 أكتوبر, 2023
منصات التواصل الاجتماعي.. مساحة فلسطين المصادرة

لم تكتف منصات التواصل الاجتماعي بمحاصرة المحتوى الفلسطيني بل إنها طورت برمجيات ترسخ الانحياز للرواية الإسرائيلية. منذ بداية الحرب على غزة، حجبت صفحات وحسابات، وتعاملت بازدواجية معايير مع خطابات الكراهية الصادرة عن الاحتلال.

إياد الرفاعي نشرت في: 21 أكتوبر, 2023
كيف يساعد التحقق من الأخبار في نسف رواية "الاحتلال" الإسرائيلي؟

كشفت عملية التحقق من الصور والفيديوهات زيف رواية الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول أن يسوق للعالم أن حركة حماس أعدمت وذبحت أطفالا وأسرى. في هذا المقال تبرز شيماء العيسائي أهمية التحقق من الأخبار لوسائل الإعلام وللمواطنين الصحفيين وأثرها في الحفاظ على قيمة الحقيقة.

شيماء العيسائي نشرت في: 18 أكتوبر, 2023
"لسعات الصيف".. حينما يهدد عنوان صحفي حياة القرّاء

انتشر "خبر" تخدير نساء والاعتداء عليهن جنسيا في إسبانيا بشكل كبير، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتلقفه وسائل الإعلام، ليتبين أن الخبر مجرد إشاعة. تورطت الصحافة من باب الدفاع عن حقوق النساء في إثارة الذعر في المجتمع دون التأكد من الحقائق والشهادات.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 30 يوليو, 2023
كيف نستخدم البيانات في رواية قصص الحرائق؟

كلما اشتد فصل الصيف تشتعل الحرائق في أماكن مختلفة من العالم مخلفة كلفة بشرية ومادية كبيرة. يحتاج الصحفيون، بالإضافة إلى المعرفة المرتبطة بالتغير المناخي، إلى توظيف البيانات لإنتاج قصص شريطة أن يكون محورها الإنسان.

أروى الكعلي نشرت في: 25 يوليو, 2023
انتفاضة الهامش على الشاشات: كيف تغطي وسائل الإعلام الفرنسية أزمة الضواحي؟

اندلعت احتجاجات واسعة في فرنسا بعد مقتل الشاب نائل مرزوق من أصول مغاربية على يدي الشرطة. اختارت الكثير من وسائل الإعلام أن تروج لأطروحة اليمين المتشدد وتبني رواية الشرطة دون التمحيص فيها مستخدمة الإثارة والتلاعب بالمصادر.

أحمد نظيف نشرت في: 16 يوليو, 2023
كيف حققت في قصة اغتيال والدي؟ 

لكل قصة صحفية منظورها الخاص، ولكل منها موضوعها الذي يقتفيه الصحفي ثم يرويه بعد البحث والتقصّي فيه، لكن كيف يكون الحال حين يصبح الصحفي نفسه ضحية لحادثة فظيعة كاغتيال والده مثلا؟ هل بإمكانه البحث والتقصّي ثم رواية قصته وتقديمها كمادة صحفية؟ وأي معايير تفرضها أخلاقيات الصحافة في ذلك كله؟ الصحفية الكولومبية ديانا لوبيز زويلتا تسرد قصة تحقيقها في مقتل والدها.

ديانا لوبيز زويلتا نشرت في: 11 يونيو, 2023
عن أخلاقيات استخدام صور الأطفال مرة أخرى

في زمن الكوارث والأزمات، ماهي المعايير الأخلاقية التي تؤطر نشر صور الأطفال واستعمالها في غرف الأخبار؟ هل ثمة مرجعية تحريرية ثابتة يمكن الاحتكام عليها أم أن الأمر يخضع للنقاش التحريري؟

مجلة الصحافة نشرت في: 9 فبراير, 2023
حذار من الصحفيين الناشطين!

تقود الحماسة الصحفية في بعض الأحيان أثناء الحروب والأزمات إلى تبني ثنائية: الأشرار والأخيار رغم ما تنطوي عليه من مخاطر مهنية. إرضاء المتابعين لم يكن يوما معيارا لصحافة جيدة.

Ilya U. Topper
إيليا توبر Ilya U. Topper نشرت في: 7 أغسطس, 2022
الحياة مقابل الحقيقة.. ضريبة الصحافة في فلسطين

يشبه الصحفيون الفلسطينيون المشتغلون بالميدان أبطال رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، فهم معرضون لـ "الاختناق" و"القتل البطيء والسريع" والملاحقات والتهديد المعنوي، فقط لأنهم ينقلون للعالم حقيقة محتل عنصري يحاول أن يبني شرعيته بالقوة والسلاح. هذه قصة صحفيين فلسطينيين دفعوا حياتهم دفاعا عن الحقيقة.

هدى أبو هاشم نشرت في: 5 يونيو, 2022
الحسابات الإخبارية على المنصات الرقمية بعمان.. هل هي مهنية؟

القضايا الحقيقية للمواطنين في عمان لا تناقشها وسائل الإعلام التقليدية، بل الحسابات الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي. في ظرف سنوات قليلة، بنت هذه الحسابات جمهورها، وامتلكت القدرة على التأثير وسط انتقادات حادة توجه إليها بانتهاك المعايير الأخلاقية والمهنية.

سمية اليعقوبي نشرت في: 6 مارس, 2022
يوميات الصحفي الفلسطيني على خط النار

بعضهم قصفت مقراتهم، والبعض الآخر تركوا عائلاتهم ليدحضوا السردية الإسرائيلية، أما البعض الآخر فقد اختاروا أن يشتغلوا على القصص الإنسانية كي لا يتحول الضحايا إلى مجرد أرقام.... هي قصص صحفيين فلسطينيين يشتغلون تحت النار.

ميرفت عوف نشرت في: 20 مايو, 2021
الرواية الفلسطينية في بث حي على إنستغرام

بينما كانت بعض القنوات التلفزيونية تساوي بين الضحية والجلاد في أحداث القدس، كان مؤثرون ونشطاء صحفيون يقدمون الرواية الفلسطينية للعالم. لقد تحولت المنصات الرقمية، رغم كل التضييق، إلى موجه للقرارات التحريرية، وإلى مصدر رئيسي للتحقق مما يجري على الأرض.

مجلة الصحافة نشرت في: 9 مايو, 2021
حينما تتعالى الصِّحافةُ السودانية على آلام المستضعَفين

بينما الشّارعُ السّودانيُّ يغلي بسبب انتشار الفقر، وبينما تتّسعُ دائرةُ التّهميش، تُصِرُّ الصِّحافةُ السّودانيّةُ على التَّشاغُل بتغطية شؤون "النُّخبة"؛ بعيدًا عن قصص الفقر في المدن والأرياف.

سيف الدين البشير أحمد نشرت في: 31 مارس, 2021
التسريبات في تونس.. الصحافة تدخل "الغرف المظلمة"

تحول جزء من الصحافة التونسية إلى فضاء للتسريبات والتسريبات المضادة، لكن نادرا ما طرح السؤال عن المعايير الأخلاقية والمهنية في التحقق منها، ومدى ملاءمتها للمصلحة العامة..

أمين بن مسعود نشرت في: 28 مارس, 2021
أطفال مخيم الهول في عين الحدث.. شيطنة الضحايا

في مخيم الهول، ظهرت صحفية تطارد أطفالا وتنعتهم بتسميات وصفها بعض الأكاديميين أنها منافية لأخلاقيات المهنة. كيف يتعامل الصحفيون مع الأطفال؟ ولماذا يجب أن يحافظوا على مبادئ الإنصاف واحترام خصوصيات الأفراد والحق في الصورة؟ وماهو الحد بين السعي لإثبات قصة وبين السقوط في الانتهاكات المهنية؟

أحمد أبو حمد نشرت في: 25 مارس, 2021