"لن يكون لخبرك أهمية ولا أحد سيلتفت لما تقوله إذا لم ينشره أحد الحسابات الإخبارية في عمان.. تلك هي الطريقة للوصول للجمهور".
بهذه العبارة دلل أحد الزملاء الصحفيين على قوة الحسابات الإخبارية في سلطنة عمان وتأثيرها المتزايد على الجمهور أثناء ورشة للصناعات الإبداعية بمسقط قبل شهر ونصف تقريبا. لم يكن حديث الزميل مبالغا فيه؛ ففي نهاية ذلك اليوم وعند عودتي للمنزل كانت جميع المنصات الافتراضية في عمان تتناول أخبارا تناقلتها هذه الحسابات الإخبارية بشأن السياسات الجديدة لتملك الأراضي الحكومية. ولم يكن، حينها، من حديث في المجالس العامة أو على منصة تويتر أو في نقاشات الواتساب إلا حول ما نقلته من تصريحات تثير النقاش بشأن أحقية المواطنين في تملك الأراضي الحكومية.
إن ما يدور في تغطيات هذه الحسابات وما يقدم من منشورات خبرية سريعة بات أكثر الظواهر الإعلامية جدلا في البلاد، بل إن الأمر قد تمدد ليشكل مصدر إرباك مستمر للمهتمين بالممارسات المهنية الاحترافية. فما هي هذه الحسابات الإخبارية وما مستوى حضورها الصحفي والإعلامي، وهل باتت تشكل ظاهرة جديدة للتأثير على الجمهور أم إنها امتداد نسبي لما يعرف بالصحافة الصفراء؟
يحاول هذا التقرير الاقتراب من ظاهرة الحسابات الإخبارية وتأثيراتها بمزيد من التحليل ورصد سياقاتها المؤثرة على مهنية الإعلام العماني وعلاقته بالمؤسسات وصولا لما يمكن تسميته بحالة "التماهي" مع هذه الظاهرة.
الحسابات الإخبارية: الآلية والوظيفة
أصبحت الحسابات الإخبارية في عمان مثار اهتمام واسع خلال السنوات الماضية، ويمكن القول إنها باتت تشكل اليوم أساسا للعلاقة التي تربط الجمهور بوسائل الإعلام ليس على مستوى سلطنة عمان فحسب بل إنها باتت سياقا اتصاليا هاما في عدد من دول الخليج العربي. استفادت هذه الحسابات من منصات التواصل الاجتماعي حيث وجدت مسارها من الوصول والتفاعل مع أعداد كبيرة من المستخدمين الراغبين في الوصول لمجموعة متعددة من الأخبار المتدفقة عبر مؤسسات ومحطات مختلفة محلية وعربية ودولية.
على منصة إنستغرام، نشأ العديد من الحسابات الإخبارية التي تنشر مستفيدة مما يقدم من محتوى في الصحف والجرائد والمواقع الإخبارية المحترفة فتعمل عبر حساباتها التفاعلية مستفيدة من الأعداد الكبيرة من المتابعين الذين يقومون بدورهم بنقل المحتوى لعدد هائل من الأفراد عبر المنصات الأخرى مثل واتساب وتويتر وفيسبوك.
قبل أعوام قليلة، بدا أن مشهد الحسابات الإخبارية سيكون عابرا على الإنترنت، حيث ينصرف أفراد عاديون (يملكون خلفيات معرفية ترتبط بالترويج عبر الإنستغرام، وبالقليل من مهارات التصميم والكتابة على الفيديو)، لإعادة نشر أعمال صحفيين آخرين ونتاج تغطيات صحفية وفعاليات كبرى في البلاد على حسابات خاصة بهم ما يشكل اتساعا للآفاق التي ينتقل بها هذا المحتوى الخبري على الويب. بدا، كذلك، أن هذا الأمر مشجع وعابر للوهلة الأولى، لا سيما في ظل علم الجميع (المؤسسات الصحفية نفسها أو الجمهور) أن ذلك المحتوى ليس ملكا لهذه الحسابات وأنها لا تعدو أن تكون ناقلا له بصرف النظر عن مهنيتها واعتباراتها التجارية الخاصة.
استمرت هذه الحسابات في النقل الفوري والسريع لأهم الأخبار وآخر التصريحات، وساهم دمج المحتوى النصي مع الصورة أو الفيديو (الميزة المتوفرة عبر منصة إنستغرام) في اجتذاب المزيد من الجمهور. يوما بعد يوم ينسحب الجمهور عن متابعة المؤسسات الصحفية والإعلامية المحترفة لصالح هذه الحسابات الإخبارية التي تنقل محتوى المؤسسات الإعلامية المتعدد لجمهورها الخاص. يمكن القول إن التفاعلية الكبيرة التي تحيط بنشاط هذه الحسابات مكنتها من اجتذاب الربح التجاري بصورة سريعة من بوابة المعلنين وأنشطة الرعاية والسيطرة على المشهد الإعلامي بصورة كبيرة. لقد أصبح أمام الجمهور مادة خبرية دائمة تتصل بأوضاعهم، حقوقهم، مسارات عملهم اليومية، وهو ما يخالف نشاط المؤسسات الصحفية المعتاد الذي يتناول أحداثا مختلفة من دول العالم ويتحرى الدقة، بما يفقد المادة الصحفية إثارتها الدائمة لدى المتلقي.
اكتسبت موضوعات الإجراءات الحكومية وقرارات مؤسسات الدولة، والموضوعات ذات الصلة بأحوال الناس ومعيشتهم مثل الترقيات الوظيفية لموظفي جهاز الدولة، ودمج وإلغاء الشركات الحكومية، الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة، وإعادة النظر في السعر الخاص بخدمات الماء والكهرباء؛ اهتمامات الجمهور ووثقت العلاقة بين الحسابات الإخبارية التي تنقل هذه الأخبار لحظة بلحظة وبين نشاطات التفاعل على منصات التواصل الاجتماعية. وساهمت هذه الحسابات في تصعيد الكثير من الآراء والمعلومات التي تحمل نوعا من الإثارة ما ساهم في تعميق علاقتها بالمسؤولين الحكوميين وقادة الرأي والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعية.
نماذج من التصريحات التي أثارت الجدل والنقاش ونشرتها الحسابات الإخبارية
يعتبر بعض الصحفيين أن ظاهرة الحسابات الإخبارية تعد مهمة في عمان لأنها فتحت المجال للكثير من التصريحات والأخبار كي تجد صداها وانتشارها بين الجمهور. يقول الإعلامي ومقدم البرامج الإذاعية قصي منصور[1]: لا يمكن تجاوز الأثر الإيجابي لهذه الحسابات من حيث سرعتها في نشر الأخبار وقدرتها على جمع عدد كبير من المتابعين في زمن قياسي ما يشكل فارقا بينها وبين المؤسسات الإخبارية الرسمية. ولكنها تفتقر للمهنية، لأنها لا تصنع هذا المحتوى بل علينا أن نعترف أنها تستهلك المحتوى من هنا وهناك وتنشره على صفحاتها وذلك يضعها في خانة (خدمات نشر وتوزيع الأخبار).
في هذا السياق، إذا، وثقت الحسابات الإخبارية هويتها في المشهد الإعلامي الجديد في سلطنة عمان، داعمة لانتشار المحتوى الإخباري بالقليل من المهنية وسرعان ما كشف هذا الأمر عن آثار أخرى ترتبط بعمل المؤسسات الصحفية من جهة وبالتأثير المتراكم على الجمهور نفسه من جهة أخرى. ما ظهر أنه استخدام عشوائي وعابر لقوة المنصات الاجتماعية لاجتذاب الجمهور من قبل مجموعة من الأفراد غير المحترفين الذين لم يتسن لهم دراسة أسس عمل الصحافة ووسائل الإعلام، أصبح اليوم بحق ظاهرة جديدة في صناعة الخبر والتأثير على الرأي العام وخلف الكثير من الظواهر التي ستثير مزيدا من النقاش حول الظاهرة الإعلامية في سلطنة عمان.
أشبه بالعودة للصحافة الصفراء
تدعم الصفة المؤسساتية والتنظيمية لوسائل الإعلام في عمان قيامها بأدوار دعم مؤسسات الدولة وفق ما يعرف بالأدوار التنموية التي لا تزال إطارا منظما للممارسة الصحفية منذ سنوات. ولا يذكر إلا القليل من محاولات الصحفيين العمانيين تجاوز العوائق التنظيمية والإدارية والخطوط الحمراء المعلنة في الوقت الذي تساهم فيه إدارات العمل الصحفي ورؤساء التحرير بأدوار رقابية كبيرة على المحتوى المقدم للجمهور. لقد ظلت الممارسة الصحفية في سلطنة عمان لسنوات خاضعة لما يعرف بقانون المطبوعات والنشر[2]، وهو القانون الذي تم إقراره في عام 1984 لتنظيم تأسيس المؤسسات الصحفية، وعمل المطابع، والوكالات الإعلامية، ويتم الاستناد إليه كمحدد أساسي لمنح الصحفيين تراخيص مزاولة المهنة وصلاحيات وزير الإعلام في هذا الجانب.
لم تنجح البلاد في إرساء تعددية واضحة لوسائل الإعلام في العقود القليلة الماضية، وذلك كنتيجة مستمرة لمجمل القيود التنظيمية والقانونية والاقتصادية والمهنية التي واجهت نشاطات وسائل الإعلام، في الوقت الذي شكلت الإعلانات التجارية (الحكومية والخاصة)[3] لا سيما الإعلانات الخاصة بالشركات الكبيرة المملوكة للحكومة أساسا لاستمرار دعم المؤسسات الإعلامية. وفي الوقت الذي سادت فيه شبكات التواصل الاجتماعي نشرا وتفاعلا فضاء التعبير عن الرأي في البلاد، اتجهت المؤسسات الإعلامية لنقل محتواها رقميا وإدارة نشاط ضئيل لها عبر منصات التواصل الاجتماعي مع الاحتفاظ بمجمل القيود التنظيمية والإدارية في العمل الصحفي.
مع ذلك، أتت الحسابات الإخبارية متحررة من معظم هذه القيود، فهي لم تكن حتى وقت قصير مؤسسات مسجلة في وزارة الإعلام كما لا تنظمها بنود قانون المطبوعات والنشر التي تسري على مؤسسات الصحافة والإعلام والمطابع وغيرها، عوضا عن تجاوزها لمعايير المسؤولية الأخلاقية إلى معايير كسب اهتمام الجمهور وإثارة الجدل والنقاش الدائم. وعلى الرغم من كون هذه الحسابات، ليست ضالعة في صناعة المحتوى الإخباري فإنها مثلت وسائط لنقل الأخبار والآراء الأكثر إثارة وجذبا للجمهور وفق عدد من الممارسات المتبعة، نذكر منها:
1- اجتزاء المحتوى الصحفي والاكتفاء بنقل التصريحات أو المعلومات الأكثر إثارة للجدل.
2- تحويل سياق المحتوى الصحفي العالمي إلى سياق خاص بعمان أو منطقة الخليج فقط.
3- الاستغناء عن الدقة في المعلومات لصالح الآراء والمعلومات ذات الطابع الجدلي.
لقد كررت الحسابات الإخبارية وقوعها في الكثير من التجاوزات والأخطاء المهنية وغالبا ما تم اتهامها بالتضليل وبث الشائعات حتى من جانب غير المتخصصين. تواجه موثوقية هذه الحسابات تحديا من جانب المختصين الذين يسألون عن أسباب الدعم الحكومي والخاص لهذه الحسابات في ظل كل تجاوزاتها المتكررة.
نماذج من الأخبار المضللة والزائفة التي تداولتها الحسابات الإخبارية
المشهد الجديد: حالة التماهي والدعم
في عام 2020، أعلنت وزارة الإعلام قرارا [4] يلزم جميع الصحف والمشاريع الإلكترونية القائمة في السلطنة، الحصول على ترخيص لمزاولة عملها، وشمل ذلك إلزام الحسابات الإخبارية بتنظيم عملها تجاريا عبر اشتراط الحصول على ترخيص تجاري لمزاولة المهنة ثم التسجيل رسميا في دائرة التراخيص الإعلامية لوزارة الإعلام. مثلت هذه الخطوة انتقالا كبيرا في مستوى شرعية هذه الحسابات، وفتحت المجال للاعتراف بها مؤسساتيا كمشاريع تجارية ذات صفة إعلامية. ولا تعد عمان الدولة الوحيدة التي تقدم على الاعتراف الرسمي بهذه الحسابات بل سبقتها بعض الدول الخليجية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة[5] التي اشترطت التسجيل الرسمي للحسابات في مجلس الإعلام كأساس لمزاولة عملها.
ساهم التعاون المؤسسي بين الحسابات الإخبارية إما من بوابة الإعلان التجاري أو من خلال التواصل الدائم بين المؤسسات الحكومية وهذه الحسابات، في اعتماد مؤسسات الدولة على الحسابات الإخبارية كوسيلة أساسية في نشر الأخبار. ويعترف بعض موظفي العلاقات العامة والإعلام في المؤسسات والوزارات الحكومية في سلطنة عمان بطبيعة العلاقة التي تنظم تواصلهم مع الحسابات الإخبارية. لقد أشار أحد العاملين في هذه المؤسسات (رفض التصريح باسمه لاعتبارات تتعلق بأسرار العمل) إلى أن القائمين على حسابات إخبارية شهيرة في البلاد غالبا ما يتواصلون معه ومع زملائه الموظفين للحصول على معلومات أو تعليقات من المسؤولين الحكوميين بشأن القرارات الحكومية أو استفسارات المواطنين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأن ذلك يلقى ترحيبا مستمرا أكثر من تواصل صحفيي المؤسسات الإعلامية الرسمية. وبرر، بذلك، الدعم المادي والمعنوي الممنوح لهذه الحسابات، ما يمنحها الشرعية لممارسة نشاطات الصحافة حالها كحال أي مؤسسة صحفية وإعلامية رسمية في السلطنة. وأضاف: (نحن لا نعرف الكثير بشأن تأسيس هذه الحسابات وأهدافها التجارية لكن عندما يظهر أن ردنا كان منطقيا وشافيا وفي مصلحة المؤسسة نشعر بالرضا الشديد وبالفرح لأن ذلك يعني أننا سنصل "إلى الترند" في منصات التواصل الاجتماعي وهو ما يعد بمثابة إنجاز لعمل الإعلام والعلاقات العامة في هذه المؤسسة).
على الرغم من ذلك لا يزال التنظيم القانوني والإداري لهذه الحسابات غير واضح، وقد يبدو متصلا بقانون الإعلام الموحد [6] الذي لم يتم اعتماده رسميا حتى اليوم في عمان، لا سيما مع عدم وجود نصوص قانونية لتنظيم العمل الإلكتروني في قانون المطبوعات والنشر القديم.
مكانة وجدوى المؤسسات الصحفية والإعلامية
لقد ساهمت الحسابات الإخبارية في تشكيل علاقتها الخاصة بالجمهور بعيدا عن تأثير المؤسسات الإعلامية المحترفة. إن الاعتراف القانوني والتنظيمي الذي منحته وزارة الإعلام للحسابات الإخبارية في سلطنة عمان يثير الكثير من التساؤلات بشأن مشروعية الممارسات الصحفية لهذه الحسابات، خاصة ربط ترخيصها التجاري بصناعة الأخبار والتأثير في الرأي العام، ودور مؤسسات الدولة الحاسم في محاربة كافة أشكال انتهاك حقوق النشر التي نظمتها القوانين الخاصة بالملكية الفكرية وحماية المصنفات الأدبية والفنية، وتنظيم الممارسة الإخبارية لهذه الحسابات على نحو أخلاقي لا يسمح لها بالتعدي على الشخصيات العامة والخاصة وانتهاك الحقوق المختلفة. تتزامن هذه الاعتبارات مع الحديث عن مكانة وجدوى المؤسسات الصحفية والإعلامية الرسمية على نحو عام في ظل هذا الانتشار الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي وظاهرة الحسابات الاجتماعية المنتشرة في عمان ومنطقة الخليج بشكل عام، ما يفتح مجالا للتفكير والتحليل بشأن التجربة الإعلامية الجديدة وتأثيراتها المستقبلية على الفرد والمجتمع.
[1] أعدت كاتبة المقال مقابلة صحفية: مع الصحفي والاعلامي قصي منصور، بتاريخ 20 يناير 2022م.
[2] عبد المنعم بن منصور الحسني، العوامل المؤثرة على المضامين الصحفية: دراسة تحليلية للصحف العمانية المعاصرة. دراسات في الصحافة العمانية: تحرير: عبد الله بن خميس الكندي وعبد المنعم بن منصور الحسني. مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع, 2008.
[3] عبير علي ماجد المعمري، خصائص المضمون الإعلاني في الصحافة اليومية العمانية: صحيفتا الوطن وعمان أنموذجا. دار المنظومة، متوفر على: http://search.mandumah.com/Record/961098، تاريخ الوصول: 18 يناير 2022م.
[4] الشبيبة (موقع الكتروني)، مدير دائرة التراخيص الإعلامية للشبيبة: قرار وزارة الإعلام يشمل جميع الصحف الالكترونية القائمة في السلطنة، متوفر على الرابط: https://shabiba.com/article/id/149082، تاريخ الوصول: 12 فبراير 2022م.
[5] الإمارات اليوم (موقع إلكتروني)، 15ألف درهم كلفة رخصة المواقع الإلكترونية الإخبارية الدولة، متوفر على الرابط: https://www.emaratalyoum.com/local-section/other/2018-04-03-1.1086239، تاريخ الزيارة: 12 فبراير 2022م.
[6] جريدة الرؤية (موقع إلكتروني)، الجابري: الانتهاء من صياغة القانون الموحد للإعلام.. وتنظيم "الإلكتروني" عبر مركز الإعلام المجتمعي، متوفر على الرابط: https://alroya.om/p/253840 ، تاريخ الزيارة: 13 فبراير 2022م.