لا يزال توصيف وسائل التواصل الاجتماعي أو منصات التدوين عبر الشبكة العنكبوتية بوصفها مصادرَ إخبارية، تخضعُ لكثير من الطروحات. نستعرض في هذا التقرير آراء عينة من الباحثين والصحفيين وطلاب الإعلام حول العلاقة بين الصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي في منطقة الخليج العربي، عبرَ أسئلة طرحت بشكل مستقل على ضيوف من سلطنة عمان والبحرين والكويت. |
يتسع استخدام الصحافة لشبكات التواصل الاجتماعي في الخليج، ويتوافق مع حالة ولوج العالم بأسره لهذه الشبكات. وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبح من المعتاد مشاهدة عشرات بل مئات الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، التي تتصل بصحفيين أو مؤسسات صحفية أو منصات مهنية تمارس العمل الصحفي، ليصبح ذلك كله مؤشراً واضحاً على اتساع استخدام شبكات التواصل في الصحافة بمنطقة الخليج، لدرجةٍ يُعتقَدُ فيها أن عزوف بعض الصحفيين عن استخدام هذه الشبكات أمر بالغ الغرابة في كثير من الحالات.
وبصورة أسرع مما تخيلناه إزاء تأثير الوسائل الجديدة على الأداء الصحفي، استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تحدث تغييراً كبيراً وملموساً في الصحافة الخليجية، ليس لأنها مصدر للأخبار والمعلومات والبيانات فحسب، بل لدورها المباشر في التأثير على الخارطة الإعلامية، ومستوى معالجة الأحداث، وتبني الآراء والاتجاهات المؤثرة على السلوك المهني للصحفيين سلباً أو إيجابا.
في الاستطلاع الآتي طرحت مجلة "الصحافة" أسئلة على صحفيين ومتخصصين وطلاب جامعيين حول طبيعة استخدامهم لشبكات التواصل وتفسيراتهم لبعض الظواهر المتصلة بها.
- هل يمكن تقصي حادثة أو الكتابة الصحفية بصورة عامة اليوم دون الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي؟
مريم البلوشي، طالبةُ علوم الاتصال، وصحفية عُمانية:
"غالباً لا يمكن ذلك، فالكثير من الأحداث المحلية نجد لها محتوى من الصور والتعليقات والمعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وألاحظ أيضا أن الكثير من المواد الصحفية مثل الأخبار والتحقيقات اليوم تنشر في الصحافة استناداً إلى الحوارات والوسوم (هاشتاغات) التي تنتشر في شبكات التواصل"، بينما أشار زميلها أحمد السعيدي إلى عدم اهتمام بعض الصحفيين في سلطنة عمان بمحتوى هذه الشبكات لأن الإعلام برأيه "مسيّس ولا يتصل بالواقع وما يريده المجتمع". وفي الوقت نفسه، يستخدم السعيدي شبكات التواصل ولا يتخيل عمله مستقبلاً "دون الاهتمام بمحتوى هذه الشبكات".
- من الواضح أن شبكات التواصل بقضاياها وتعليقاتها وحواراتها، باتت تشكل حالة اجتماعية متكاملة ومنفصلة عن الواقع بالنسبة لكثير من الصحفيين، ألا يبدو ذلك منطقيا؟
حمد البديح، صحفي كويتي:
"قد تعبِّر شبكات التواصل الاجتماعي أحياناً عن الواقع، ولكنها في أحيان كثيرة تغرق في المثالية المبالغ بها، مما يدفعنا كصحفيين للتصرف بطريقة أكثر واقعية أمام ما يُتداوَل يومياً عبر هذه الشبكات من صور وأحداث وبيانات وتفاصيل يومية، متخلصين بصورة كبيرة من السياسة التحريرية والضوابط المهنية التي تضعها المؤسسة الإعلامية، ومنطلقين ممّا يمكن تسميته بإعلام الفرد".
الكاتبة أمل السعيدي، معدة برامج إذاعية في سلطنة عمان:
"الاستخدام التجاري للشبكات الاجتماعية أصبح شائعاً حتى بين الصحفيين والإعلاميين اليوم. ويلاحظ تكريس هذه الشبكات للبحث عن متابعين جدد أو فرص إعلانية ووظيفية جديدة، لذا أشكك في رغبة الصحفي بمنطقتنا في الاهتمام بالواقع". وتطرح أمل تساؤلات كأنما تدفع للبحث عن إجابات شافية.. "ألا ينبغي أن يكون هناك توصيف حقيقي لهذا الواقع؟ بمعنى أن مسوؤلية الإعلام التقليدي كانت ولا تزال محاولة إرضاء السلطة، وتحقيق مكاسب تكفل استمراريتها على المدى البعيد، فما هو إذن هذا الواقع الذي على الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي أن تعكسه؟".
- إلى أي مدى يعتمد الصحفي الخليجي على شبكات التواصل كمنصة للترويج الشخصي، بعيداً عن الإنجازات المهنية الملموسة؟
الصحفي الكويتي سعدون محمد، مراسل إذاعة "بي.بي.سي" في الكويت:
"يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أن تعبر عن آراء الصحفي وإنجازاته المهنية معا. وقد لاحظت الكثير من الصحفيين الذين برزت شخصياتهم وآراؤهم الخاصة التي كانت تغيب بحكم الالتزام بالسياسة التحريرية لمؤسساتهم، كما أن الكثير من الأعمال المهنية -كالأخبار والتحقيقات- غالبا ما تكون متصلة باهتمامات الصحفي الذاتية وتبنيه المستمر لقضايا محددة". لكن الصحفي حمد البديح يدلل على أهمية ترابط الأداء المهني بالترويج الشخصي الذي يفضي إلى إبراز شخصية الصحفي ومهاراته وإمكانياته عند الحديث عن استخدام شبكات التواصل، حيث يقول: "أعتقد أن الأمرين متصلان بعضهما ببعض، فالصحفي يستمر في منح الانطباع الدائم عن شخصيته التفاعلية ومعاييره الخاصة في التعبير عن القضايا. لا يمكن للصحفي الفصل بين طبيعة القضايا التي تهمه وبين عمله الإعلامي، كأن يطالب بحقوق شعوب خارج حدود أرضه ويتناسى مطالبات وحقوق أبناء بلده".
- يقودنا ذلك إلى الحديث عن الحالة السياسية وعلاقتها بأداء الصحفيين في المنطقة الخليجية، هل يمكن القول إننا فقدنا الحرية المأمولة من شبكات التواصل بسبب سيطرة الأنظمة السياسية على المحتوى الإلكتروني؟
الصحفية والناشطة البحرينية نزيهة سعيد، حاصلة على جائزة "يوهان فيليب" لحرية الرأي والتعبير لعام 2014:
"لقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسيلة تعبير عن الانتماء للدولة، ومحاباة الأنظمة السياسية، وتعميق الولاء السياسي للحكومات بين عدد من الصحفيين في الخليج. بالمقابل، ظهر الإعلام المضاد، واستخدم الصحفيون هذه الشبكات لكسب الاهتمام والتأييد الشعبي نحو مكافحة الفساد وكشف الفاسدين والانتهاكات المستمرة".
سعدون محمد:
"باتت شبكات التواصل الاجتماعي منصة للترويج السياسي، واستخدام الصحفيين في المنطقة الخليجية يعكس هذا الأمر بشدة. ورغم أن الفضاء الافتراضي مفتوح نسبياً، فإن الآراء المعارضة للتوجه العام للحكومات قليلة، بحكم توسع انتشار الجيوش الإلكترونية وظاهرة الذباب الإلكتروني الذي يبث الأخبار والمحتوى اليومي، معتمداً على التضليل والتشويه في الحقائق لإفقاد قدرة الرأي العام على اتخاذ الاتجاهات المستقلة والآراء الصحيحة بشأن القضايا".
أمل السعيدي
"في جميع الدول الخليجية دون استثناء، تُستخدم القوانين بصورة متكررة لتجريم الأنشطة الإلكترونية، وتحديد ما يظهر على شبكات التواصل الاجتماعي بصورة تتشابه إلى حد كبير مع قيود الإعلام التقليدي. هناك عدد من الصحفيين استطاعوا التعبير عن آرائهم بحرية مطلقة، ولكنهم يفعلون ذلك لأنهم خارج أوطانهم ويستقرون في دول المنفى، أو لأنهم لاجئون سياسيون وبعيدون كل البعد عن قبضة السلطة وتحكُّمها بالفضاء الافتراضي".
- ماذا عن انتشار الذباب الإلكتروني؟
مريم البلوشي:
"أعتقد أن سمعة هذه الحسابات المسيَّسة سياسياً ودينياً سيئة، فهي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي للتضليل السياسي أو الإساءة لدول خليجية معينة ونشر الفوضى والتنافر بين شعوب المنطقة الخليجية. وبالنسبة للصحفيين، فإن كشف هذه الحسابات أمر شائع.. لا أعتمد على تلك الحسابات الوهمية للحصول على المعلومات أو التدليل على رأي ما لأنني أدرك أنها حسابات غير حقيقية، ويتخفى خلفها أفراد يحملون أجندات سياسية تضر بالدول وسمعتها. لقد شاهدتُ كيف يستخدم بعض الصحفيين الخليجيين معلومات وبيانات من هذه الحسابات كمصدر للمعلومات والأخبار عن الدول، وهذا أمر غير مهني بتاتا، ولا يمكن الوثوق اليوم بأي صحيفة أو مؤسسة تأخذ أخبارها ومعلوماتها من الذباب الإلكتروني".
- هل يمكن العمل على مدونة خليجية للسلوك الأخلاقي تتصل باستخدام الصحفيين لهذه الشبكات؟
حمد البديح:
"لأن الصحيفة تعتمد أساساً على الصحفي كفرد، فقبل الحديث عن السلوك الأخلاقي، يجب إصلاح المنظومة الأخلاقية بصورة عامة.. أعتقد أن أغلب الصحفيين يفتقدون المساحة اللازمة للحفاظ على سلوكهم الأخلاقي، ويمكن اعتبار بعض المغردين صحفيين لكونهم يمارسون عملا صحفياً حقيقيا، فهؤلاء أيضا من يجب إعداد مدونة للسلوك الأخلاقي لهم. ومع تنامي استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح لزاماً على كل صحفي يسعى للمحافظة على سمعته؛ فك ارتباطه بأي جهة مشبوهة، وتجنب قبول الهدايا تحت أي سبب ومن أي طرف كان، وكذلك الابتعاد عن إقامة علاقات خارج إطار المهنة مع بعض المصادر".
سعدون محمد:
"نحتاج إلى مدونة للسلوك الأخلاقي تكون قائمة على تحري الدقة قبل النشر والأمانة المهنية وتطبيق معايير المهنة في جميع الوسائل الإعلامية، دون استثناء شبكات التواصل الاجتماعي، إذ بإمكان أي شخص نشر الأخبار والمعلومات والحفاظ على الذوق العام ونقل الحقيقة كاملة اعتماداً على معايير إنسانية محددة، من بينها احترام الحقوق الملكية والموضوعية والدقة".
نزيهة سعيد:
"لا أشجع إعداد مدونات -خصوصا إذا كان اسمها السلوك الأخلاقي- لأي مساحة أو بلد في العالم، فالأخلاق أمر نسبي ولا يعمم على جميع الثقافات والحضارات.. أجد أن القوانين التي تجرم التمييز ضد أي عرق أو دين أو أقلية أو مذهب أو طائفة أو نوع اجتماعي، وتلك القوانين المجرمة لخطاب الكراهية والعنف، هي الكفيلة بجعل مواقع التواصل الاجتماعي مساحة رحبة للتعبير وتناقل الأخبار بعيداً عن الكراهية والمحاباة والكذب".
عياد الحربي:
"تهمني القيم والأخلاقيات الشخصية التي تنعكس على العمل الصحفي.. إن الحدود الدنيا من الموضوعية والحياد والفزع الإنساني يمكنها أن تكون بوصلة للصحفي والمؤسسة، دون اعتبارات العرق والدين والمذهب".