نجونا… وبقينا على قيد الحياة!

نجونا… وبقينا على قيد الحياة!

منذ السابع من أكتوبر 2023، تغير كل شيء.

 لم يكن في حسباني أبدًا أن كلمة "صحافة" أو "PRESS" المطبوعة بوضوح على سترتي الواقية وسترات زملائي يمكن أن تتحوّل إلى وهم كبير. كنت أعتقد أن تلك السترة الواقية التي أنهكت ظهري ورقبتي ومعها الخوذة الثقيلة ستحميني من أي هجوم مباشر، قد تضمن لي نوعًا من الأمان. غير أني كنت مخطئة تمامًا.

 كنت أحبّ أن أنظف معدّاتي الصحفية بعد كل موجة تصعيد، وأُبقيها لامعة جاهزة للجولة التالية. كنت أحب ارتداءها رغم الألم الذي كانت تسببه لي من ثقلها، كنت أشعر بالفخر والاعتداد وكثيرًا ما بدا لي أن أطفالي يشاركونني ذلك الشعور.

 لكن كل شيء تغيّر في هذه الحرب.

أتذكر ذلك اليوم جيدًا، وكل يوم تبعه. مرّ الوقت ببطء خانق. كل لحظة تحمل ثقلًا لا يُحتمل. لم تكن المعاناة في الإرهاق الشديد أو الصدمة أو القلق أو حتى خطر الموت الذي لاحقني كل يوم، كنت قادرة على تحمّل كل ذلك. ما لم أستطع احتماله هو الخطر الذي كان يحيط بأحبّتي: زوجي وأطفالي. لم أسمح لنفسي يومًا أن أتخيل خسارة أحدهم، فضلًا عن أكون أنا سببًا في ذلك. كنت أُدعو كل يوم ألا أشهد تلك اللحظة.

قدمت تغطية متواصلة لوقائع الإبادة في القطاع: منازل تُقصف، أحياء تُباد، آلاف يُهجّرون قسرًا. تحدثت عن الجوع الذي يفتك بالكبار والصغار، عن العطش، عن محاولة شحن البطارية ليلاً من أجل ضوء صغير يبدد ظلام الخوف لأطفالي. كتبت عن الأمراض المنتشرة وعن الإصابات التي تمزق القلب خصوصًا لدى الأطفال.

 

ثم فجأة أدركت أنني لم أعد أُغطي قصص الآخرين فقط… بل صرت أُغطي معاناة عائلتي، خوفي بصفتي أُمّا، ألمي ككل الأمهات من حولي.

لكن أطفالي لم يكونوا "محظوظين" كغيرهم؛ ذلك لأني لم أستطع أن أكون بجانبهم. لطالما سيطرتْ علي رغبة بالصراخ: أنا عاجزة أمام أطفالي! لا أستطيع أن أُطعمهم ولا أن أحميهم، ولا أن أروي عطشهم! أكثر من ذلك، أنا لم أكن هناك لأحتضنهم والصواريخ تتساقط من حولهم!

لكن لم يكن بوسعي التوقف، لأنني الصحفية!  لا ينبغي أن أكون أنا القصّة. فقط هذه المرة… كانت القصة عني وعن كل واحد فينا.

كنت أخرج يوميًا إلى الميدان لأُغطي الأحداث، وأُودّع أولادي وكأنها المرة الأخيرة. وكل دقيقة في اليوم كنت أرجو الله أن أعود وأجدهم أحياء سالمين. 

 نجوت من الموت مرات عديدة. أدركت أن سترتي الصحفية لم تعد درعًا للحماية بل علامة على أنني هدف مشروع للجيش الإسرائيلي. رأيت زملائي يُقتلون، يلاحقون، يُصابون، ويُهددون. كنا بحاجة لمعجزة يومية لنظل على قيد الحياة. تملكني الخوف ليس فقط على نفسي، فقد كان خوفي الأكبر أن أكون سببًا في إيذاء عائلتي. لم أكن لأغفر لنفسي أبدًا إن استُهدفوا بسببي. كانت الأيام ثقيلة… مُثقلة بالخوف والإرهاق والصدمات والألم والحزن. كنت أُذكّر نفسي كلما أوشكت على الانهيار أنني أؤدي واجبًا أخلاقيًا يتجاوز المهمة الوظيفية.

 ليس العمل المهني هو ما دفعني للاستمرار بل ذلك الشعور بالخذلان من العالم. إحساسي العميق بأننا تُركنا وحدنا بينما العالم كله يتفرّج. رأيت العالم يتابع مسلسل حرقنا في صمت. سألت نفسي مرارًا: إن توقفت من سيتحدث؟ من سيحمل وجع الناس ويوثق حكاياتهم؟ في المقابل، لم أطلب الكثير للمساهمة في أداء ذلك، كلّ ما رجوته هو أن أشعر بشيء من الأمان، أن أوقن أن أطفالي في المنزل غير مستهدفين بسبب ما أقوم به.

نجوت من الموت مرات عديدة. أدركت أن سترتي الصحفية لم تعد درعًا للحماية بل علامة على أنني هدف مشروع للجيش الإسرائيلي. رأيت زملائي يُقتلون، يلاحقون، يُصابون، ويُهددون. كنا بحاجة لمعجزة يومية لنظل على قيد الحياة. تملكني الخوف ليس فقط على نفسي، فقد كان خوفي الأكبر أن أكون سببًا في إيذاء عائلتي.

غطيت حروبًا عديدة في غزة لكن ما نعيشه اليوم ليس حربًا… إنّها إبادة. أنا صحفية، نعم، لكني فوق ذلك وقبله أمّ وامرأة.  لم يكن من السهل أبدًا التوفيق بين كوني صحفية وكوني أمًا لأطفال مذعورين، مهددين، يحتاجون فقط حضنَ أمهم كي يشعروا بالأمان. ورغم ساعات البث الطويلة شعرت دومًا أن ما أفعله غير كافٍ. ولم يكن العمل يسمح لي بالانفصال عن إحساسي بالرعب؛ فقد كنت أرى أطفالًا يُشبهون أطفالي يتعذّبون والعالم يتجاهلهم ويصمت. إنه مصير محتّم واحد.

 

أرهقني الوقوف أمام الكاميرا، غير أني شعرت بأن علينا الاستمرار في توثيق الإبادة، وأن على العالم أن يرى ما يحصل. أردت أن يعرفوا ماذا يعني أن يُصاب طفل أو يقتل تحت الركام، أن يفقد حياته ببطء دون قدرة على إنقاذه.  أردت أن يعرفوا أن الآلاف فقدوا كل شيء وآلاف الأطفال فقدوا عائلاتهم بالكامل وأصبحوا الناجين الوحيدين.أصبحوا وحدهم وسط كل هذا الرعب الذي لا يبدو أنّ له نهاية.

 كان أكثر ما تخشاه طفلتي سيرين ابنة الثمانية أعوام أن تصبح هي "ناجية وحيدة". راحت تسألني كل ليلة:

"ماما، ماذا أفعل لو سقط صاروخ عليكم جميعًا ومِتُّم وبقيت أنا أو بقيت أنا وأختي الصغيرة جوجو وحدنا؟".

 أصرّت أن ننام ملتصقين من دون أي فراغات بيننا حتى إذا سقط الصاروخ نموت معًا.

 

لم يكن في وسعي أن أُشارك العالم مخاوف أطفالي، ولا أن أبوح بكسرة قلبي أمام الكاميرا، رغمَ أننا أيضًا قصّة ضمن القصص العديدة في واقع هذه الإبادة.

أتذكر قصة عملت عليها عن طفلة تُدعى شام. كانت الناجية الوحيدة من قصف دمّر منزلهم بالكامل. تعرضت لحروق من الدرجة الثالثة غطت معظم جسدها.

لكنها لم تطلب سوى أمر واحد: أن تعود والدتها للحياة أو أن تموت وتلتحق بهم. قالت لي وهي تبكي: "كنت نائمة في حضن أمي… غطّتني بجسدها لتحميني…"

لازمتني كلمات جوري ذات الخمس سنوات وظلت تتكرر في ذهني: "لا أريدك أن تموتي وتتركيني يا ماما".

 كان أكثر ما تخشاه طفلتي سيرين ابنة الثمانية أعوام أن تصبح هي "ناجية وحيدة". راحت تسألني كل ليلة:"ماما، ماذا أفعل لو سقط صاروخ عليكم جميعًا ومِتُّم وبقيت أنا أو بقيت أنا وأختي الصغيرة جوجو وحدنا؟". أصرّت أن ننام ملتصقين من دون أي فراغات بيننا حتى إذا سقط الصاروخ نموت معًا.

كل القصص التي غطيتها لم تنفصل عن هاجسي بأسرتي وأولادي. كل القصص في غزة تتقاطع مع بعضها. كلنا محاصرون تحت الإبادة نواجه مصيرًا واحدًا.

 أردت أن أصرخ: "أنا عاجزة أمام أطفالي! لم أستطع أن أحتضنهم حين سقطت الصواريخ من حولهم". لكنني لم أستطع التراجع. رحت أذكّر نفسي: حين تكونين الصحفية تكون القصة عن الآخرين لا عنك. لكن هذه المرة كانت القصة عن الجميع، عن كل واحد منا.

 أغادر كل يوم نحو الميدان يلهج لساني بالدعاء: فقط أن أعود هذا اليوم لأجد أطفالي أحياء. في كل مرة شعرت أن الوداع هو الوداع الأخير. ليس ممكنًا أن أقول هذه التفاصيل الثقيلة على الهواء،  ولم أستطع أن أُفصح عن وجعي مهما كان عميقًا. لكن وجع أولادي كان وجع كل أطفال غزة.

 نجوت من الموت مرات عديدة. أدركت مبكرًا - وبقية الصحفيين في غزّة - أن السترة الصحفية لم تعد درعًا للحماية بل علامة على أننا أهداف للجيش الإسرائيلي. رأيت زملائي يُقتلون ويُصابون ويُهددون. كنا بحاجة لمعجزة يومية لنظل على قيد الحياة. وكنت خائفة ليس فقط على نفسي بل على من أحبهم، خائفة أن يكون وجودي بينهم سببًا في استهدافهم.

 

مرت علينا ثلاثة أشهر من التنقل القسري من منطقة إلى أخرى، ننتقل مذعورين وجائعين تحت النار. نزحنا ست مرات، في كل مرة نعاني نفس الرعب والذهول ولا نعتاد عليه. نقاسي نفس الفقد ونفس الألم ولا نعتاد عليه. حتى الخبز والماء لم يكن لدي "رفاهية" الوقوف في الطوابير للحصول عليهما.

رأيت ووثقت مشاهد يستحيل وصفها. بيوتا سويت بالأرض فوق ساكنيها، أطفالا يُنشلون من تحت الركام بأيدٍ عارية.   رأيت أمهات يبحثن عن فلذات أكبادهن بلا صوت، بلا دمع، بلا حياة. صارت تلك المشاهد نمطًا "عاديًا" في سيرة الإبادة في غزة لكن رعب الموتِ العام لم يتغيّر. هذا الموت مرعب ولا نريده. كان مرعبًا في الأمس، في الحروب السابقة، وفي بداية الحرب وسيظل مرعبًا أبدًا.

في كل تغطية لاستهداف منزل فوق رؤوس ساكنيه أتخيل أنني أقف على نوع من المقابر لا تجده إلا في غزة، مقابر للأحياء والأموات معًا، كلهم دفنوا تحت الركام! كنت أحتفظ بكل هذا داخلي،  ولم أستطع التحدث عنه لأحد. كنت أسارع لاحتضان أطفالي كل مساء، وأبحث عن قبلة من زوجي تُعيد إليّ شعور أنني ما زلت على قيد الحياة.

ووسط كل هذا الدمار والحزن والحسرة، حلّ ظلام تلك الليلة في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني: قصف جوي استهدف منزلًا في خانيونس. تدفّقت الجثث والمصابين إلى مجمع ناصر الطبي. حلت الفوضى، هلع عمّ النساء والأطفال، مشاهد لا تنتهي من الجروح والإصابات والدماء، تلاشى الفرق بين الأحياء والأموات.

 لكن، وفي غمرة تلك المعمعة الدموية، كان هناك طفل واحد فقط تملّك كل انتباهي، كان بعمر ابني محمد الذي يبلغ من العمر أحد عشر عاماً. نزل ذلك الفتى الصغير من سيارة الإسعاف وحده يحمل حقيبة على صدره. عيناه مليئتان بالصدمة ووجهه مغطى بالغبار والجراح. تركت كل شي وركّزت نظري عليه وعلى حقيبته التي كان الدم يتسرّب منها. انتبه إلي كأنه اكتشف ما يدور في ذهني من أفكار ومشاعر. رأيته يقترب مني، وسألني بهدوء صادم: "بتعرفي شو في بها الشنطة؟" لم أستطع الرد. أحسست بقلبي يكاد يتوقف.

 وضع يده على السحاب ليفتحها، فأمسكت يده بسرعة، حاولت ثنيه عن ذلك، لم أحتمل رؤية ما ظل ذهني يرفض افتراض رؤيته في الحقيبة المدماة تلك اللحظة..

 قال لي بصوت خافت وهدوء مرعب: "هاد أخوي أحمد، عمره خمس سنين."

انهار كل شيء بداخلي لحظتها. وددت لو أفقد وعيي وأغيب عن الوجود، أردت أن تنشق الأرض وتبلعني أنا أيضًا.. ما هذا العالم؟! للحظات، شعرت وكأني فعلًا قد غبت عن الوعي. لم يعد بوسعي احتمال رؤية أي شيء أو الاستماع إلى أي شيء. وقفت بلا حراك. لا أعلم تمامًا كم استمرت تلك الحالة. أكانت بضع ثوان؟ أكانت دقائق كاملة؟ لا أدري.

 مر من جانبي طبيب فسحبته من يده بلا وعي مني، قلت له وكأني آمره: ساعده! وأشرت الى حقيبة الصبي. فتح الطبيب الحقيبة مستعجلًا ثم صرخ مصعوقًا: "يا الله!". طلب الطبيب من بعض الأشخاص أن يُؤخذ الطفل إلى المشرحة.. حمل الأخ الصغير شقيقه ومشى بعيدًا… وأنا ما زلت متسمّرة في مكاني لا أستطيع تحويل عيني عن المشهد.  لاحظته يمشي باتجاه المشرحة ثم التفت إليّ مرة أخيرة. لم أره بعدها ولم أعرف مصيره.

لم أستطع اللحاق به ولا تصويره ولا الحديث معه وسؤاله عن اسمه وعائلته. في تلك اللحظة المشؤومة لم أستجمع قواي لأكون صحفية لحظتها. أي صحافة؟ ما الذي تستطيعه الصحافة وكل المعايير المهنية والتدريبات المكثفة أمام كل هذه القسوة؟  

 خرجتُ من المستشفى تلك الليلة إنسانة أخرى. لم أستطع الكلام. لم أستطع الأكل لأيام، كنت أرى وجه الصبي ذاك كلّما أغمض عيني لأنام. فقدت وزني بسرعة في غضون أيام، وكدت أنسى طعم النوم منذ تلك الليلة. فقدت القدرة حتى على الابتسام مع أطفالي.. فقدت نفسي لم أعد أعرفها عجزت عن متابعة العمل، تغيبت يومين كاملين، ظللت فيهما جالسة في تلك الغرفة.. مع شعوري بالذنب الفظيع. 

لمتُ نفسي أنني لم أقوَ على توثيق تلك الجريمة وقصة ذلك الصبي المفجوع.  

قلت لنفسي: ربما لو أنني كنت أشجع بقليل وأنجزت تلك القصة ربما توقفت الإبادة، ربما كان سيتغير شيء ما لو رأى العالم المدى الذي وصلت إليه الجريمة الإسرائيلية. لم أتوقف عن لوم نفسي لحظة! 

كانت عيناه مليئتان بالصدمة ووجهه مغطى بالغبار والجراح. تركت كل شي وركّزت نظري عليه وعلى حقيبته التي كان الدم يتسرّب منها. رأيته يقترب مني، وسألني بهدوء صادم: "بتعرفي شو في بها الشنطة؟" لم أستطع الرد. أحسست بقلبي يكاد يتوقف. وضع يده على السحاب ليفتحها، فأمسكت يده بسرعة، حاولت ثنيه عن ذلك، لم أحتمل رؤية ما ظل ذهني يرفض افتراض رؤيته في الحقيبة المدماة تلك اللحظة.. قال لي بصوت خافت وهدوء مرعب: "هاد أخوي أحمد، عمره خمس سنين".

بعد يومين فقط عدتُ للميدان من جديد. أُغطي الإبادة وكأن شيئًا لم يحدث. لم أقدر على شرح ما بداخلي. شعرت أن شيئًا فيَّ قد كُسر إلى الأبد. كنت مشلولة من الداخل، ولم أقدر على تفسير ذلك لأحد. انهارت حياتي الزوجية. وقررنا الانفصال بعد الحرب أو إذا تمكنا من المغادرة من هذا المكان أحياء.

 قال لي زوجي: "أنا عارف إنك بتمرّي بشيء صعب، بس إحنا كمان!"

أردت أن أصرخ كثيرًا من شدة القهر. كنت أرى ذلك الوجه الصغير كلما نظرت في وجه أحد، ولكن لم أستطع أن أعثر على الكلمات الملائمة التي تسعفني في التعبير أو وصف ذلك المشهد.ومرت الأيام، بعضها نسرق فيه لحظات من الهدوء وأغلبها مرّ مليئا بهموم لا تنقضي ولا تنزاح عن القلب. في أواخر ديسمبر، كان والدي في القاهرة يحاول إخراجنا من غزة. كانت الإجراءات أسهل نسبيًا لي ولأولادي؛ لأننا نحمل جوازات سفر مصرية، وهو ما لم يتوفر لزوجي؛ كانت فرصة خروجه وسفره ضئيلة.

 نصحني الجميع: "خذي أولادك واذهبي، أنقذيهم ولا تفكري بأحد سواهم، سيكون زوجك بخير." لكنني رفضت الفكرة تماماً! لم يكن ذلك خيارًا.. فقد تعاهدنا منذ اليوم الأول للحرب أن نموت معاً أو ننجو معاً.

 بعد بضعة أيام، وصلتني رسالة من أبي: "عقدنا اتفاقاً! أسماؤكم على القائمة". بحثت… ووجدت أسماءنا. لكن اسم زوجي لم يكن موجودًا. اتصلت بأبي: "لن نسافر. لن أترك زوجي في هذا الجحيم وحده!" قال والدي: "لا تقلقي، سيسمحون له بالمرور رغم أنه ليس على القائمة". تلك الليلة كانت من أسوأ الليالي. ظل زوجي صلاح يقنعني أن أُخرج الأولاد. "فكري فيهم… مش فيّ".

جوجو ابنتي الصغيرة نامت وهي تبكي وتدعي: "يا رب، خلّي بابا ييجي معنا، ما بدي أتركه هون". وفي صباح اليوم التالي، توجّهنا إلى المعبر بخطوات ثقيلة وقلوب مفطورة. لم يكن فينا أحد سعيداً بتلك النجاة. كنا نسأل أنفسنا: هل ترانا نخون غزة؟ هل سنعود؟ هل نترك من نحب خلفنا؟

نصحني الجميع: "خذي أولادك واذهبي، أنقذيهم ولا تفكري بأحد سواهم، سيكون زوجك بخير." لكنني رفضت الفكرة تماماً! لم يكن ذلك خيارًا.. فقد تعاهدنا منذ اليوم الأول للحرب أن نموت معاً أو ننجو معاً.

تساؤلات كثيرة وشعور مثقل بالذنب والحزن والغضب من هذا العالم. لم نحمل شيئًا معنا سوى كيسين بلاستيكيين، هما كل ما تبقى من حياتنا السابقة في غزة.

 في الساعة الثامنة مساء ناداني ضابط وسألني: "هل صلاح زوجك؟"  أجبت بحذر: "نعم"

قال: "انتظري".

ثم بعد ساعة ناداني من جديد، وسلمني جوازاتنا المختومة.

لقد نجونا كلّنا!

خرجتُ من غزة تلك الليلة. خرجتُ مع زوجي وأطفالي الأربعة أحياء بلا إصابات. لكن غزة وما حصل فيها قبل تلك الليلة وبعدها لم يخرج منّا.

كنت أرجو أن ننجو كلّنا معًا. أن تنجو غزة وتتوقف المذبحة سريعًا. رجوت لو أنني أرجع إلى ذلك الفتى الذي كسرتني قصته. هل تراه نجا؟ أيمكن أن أعثر عليه بعد الحرب؟ أن أجلس معه وأستمع إليه؟

نحن بقينا على قيد الحياة، لكن هل ترانا نجونا حقًا؟

 

 ملاحظة المحرر: ستصدر هذه الشهادة ضمن نسخة محدثة من كتاب "وحدنا غطينا الحرب" الذي يوثق شهادات الصحفيين الفلسطينيين في تغطية حرب الإبادة الجماعية.

More Articles

I Don’t Want You to Be a Journalist, Mama”. Do Gaza’s Journalists Have the Luxury of Absence?

Does the Palestinian journalist in Gaza have the freedom to simply “step away”? How do they navigate the balance between their professional responsibilities and their family life? And to what extent does the duty to report justify the personal cost of being separated from one’s loved ones? Journalist Jenin Al-Wadiya sheds light on the deeply human details that rarely make it to the screen.

Jenin Al-Wadiya
Jenin Al-Wadiya Published on: 31 Aug, 2025
Intersections of Journalism and Social Sciences in the Field

The field is where journalism and the social sciences meet at their most dynamic edge. As the world grows more complex, journalists increasingly take on the role of sociologists, without abandoning their core mission to question power and expose uncomfortable truths. By drawing on the methods and insights of social science, journalism deepens its coverage, grounds stories in real-world contexts, and resists the temptation of surface-level narratives.

Mohammed Ahddad
Ahdad Mohamed Published on: 23 Aug, 2025
New Media Reforms in Bangladesh Introduced to Replace Hasina-Era Journalism

Bangladesh’s interim government, led by Muhammad Yunus, has launched ambitious media reforms to undo the legacy of Sheikh Hasina’s 15-year rule, which was marked by censorship, media monopolies, and the notorious Digital Security Act. However, despite promises of greater freedom, journalists remain wary, as self-censorship, restrictive laws, and public scepticism continue to cast doubt on genuine change.

Sumaiya Ali
Sumaiya Ali Published on: 17 Aug, 2025
Canadian Journalists for Justice in Palestine: A Call to Name the Killer, Not Just the Crime

How many journalists have to be killed before we name the killer? What does press freedom mean if it excludes Palestinians? In its latest strike, Israel killed an entire Al Jazeera news crew in Gaza—part of a systematic campaign to silence the last witnesses to its crimes. Canadian Journalists for Justice in Palestine (CJJP) condemns this massacre and calls on the Canadian government to end its complicity, uphold international law, and demand full accountability. This is not collateral damage. This is the targeted erasure of truth.

Samira Mohyeddin
Samira Mohyeddin Published on: 14 Aug, 2025
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 11 Aug, 2025
Anas Al Sharif; Killed by Israel, but His Final Words Will Echo far Beyond His Death

For over a year and a half, Anas Jamal al-Sharif refused to leave northern Gaza, documenting the destruction and loss that others tried to hide. Tonight, Israel silenced his voice, but his final words, written on April 6, will echo far beyond his death.

Al Jazeera Journalism Review
Al Jazeera Journalism Review Published on: 11 Aug, 2025
The Human Story in Gaza: The Deadly Dilemma of “Who Do We Tell About?”

In the accelerating context of genocide, is the “pace” of death in Gaza outstripping journalists’ ability to capture human stories? How can they be expected to take their time crafting narratives amid hunger, displacement, and death? And to what extent can postwar documentation hold journalistic value in preserving collective memory and pursuing accountability for the perpetrators?

Mirvat Ouf
Mirvat Ouf Published on: 3 Aug, 2025
The Battle to Keep Journalists Alive in Gaza

Hungry journalists covering the story of starvation in Gaza, surviving on salt to stay alive, selling their work equipment to secure a “sack of flour” for their children, shedding the “shame” of publicly asking for food, and enduring the harshest media environment just to maintain “continuous coverage”.

Mona Khodor
Mona Khodor Published on: 26 Jul, 2025
Balancing Productivity and Privacy: How Female Journalists Use AI Chatbots

Female journalists in Jordan are harnessing AI chatbots to boost productivity, enhance digital safety, and find emotional support, but their growing reliance also raises critical concerns about privacy, ethics, and the responsible use of emerging technologies in journalism. This article explores how these tools are reshaping their workflows while navigating the challenges of trust and accountability.

Afnan Abu Yahia
Afnan Abu Yahia Published on: 20 Jul, 2025
In the War on Gaza: How Do You Tell a Human Story?

After nine months of genocidal war on Palestine, how can journalists tell human stories? Which stories should they focus on? And does the daily, continuous coverage of the war’s developments lead to a “normalisation of death”?

Yousef Fares
Yousef Fares Published on: 8 Jul, 2025
How Much AI is Too Much AI for Ethical Journalism

As artificial intelligence transforms newsrooms across South Asia, journalists grapple with the fine line between enhancement and dependency

Saurabh Sharma
Saurabh Sharma Published on: 1 Jul, 2025
How to Tell the Stories of Gaza’s Children

Where does compassion end and journalism begin? How can one engage with children ethically, and is it even morally acceptable to conduct interviews with them? Palestinian journalist Reem Al-Qatawy offers a profoundly different approach to human-interest reporting. At the Hope Institute in Gaza, she met children enduring the harrowing aftermath of losing their families. Her experience was marked by intense professional and ethical challenges.

Rima Al-Qatawi
Rima Al-Qatawi Published on: 26 Jun, 2025
How Is Western Media Framing the Famine Catastrophe in the Gaza Strip?

Can the media subject the issue of famine in Palestine to so-called professional balance even after UN agencies and the International Court of Justice have acknowledged it? Why have many Western media outlets avoided precise legal and ethical terms such as “famine” or “starvation,” opting instead for vague expressions like “food shortage” or “nutrition crisis”? Doesn’t this practice reflect a clear bias in favor of the Israeli narrative and serve to justify the policy of “systematic starvation”?

Fidaa Al-Qudra
Fidaa Al-Qudra Published on: 23 Jun, 2025
Newspapers: An Industry Adapting to Survive Through Digital Transformation

As digital transformation reshapes the media landscape, newspapers in Cameroon are navigating unprecedented challenges and opportunities. This evolution compels them to adapt their strategies to engage a new generation of readers amidst fierce online competition, decreasing government subsidies, and a decline in print sales.

Akem
Akem Nkwain Published on: 16 Jun, 2025
The Mental Toll on India’s Minority-Focused Freelance Journalists

Freelance journalists in India, particularly those reporting on marginalised communities and conflict zones like Kashmir, endure immense emotional and psychological strain, often without any institutional support. What are the hidden costs of reporting on violence, where telling the truth can come at a steep personal price?

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar Published on: 10 Jun, 2025
Journalism Associations' Fragmentation Weakening Press Freedom in Cameroon

Cameroon's fragmented media landscape has weakened collective advocacy, allowing government repression of journalists to go largely unchallenged. As press freedom declines, voices like Samuel Wazizi's are silenced, while disunity among journalists enables impunity to thrive.

Njodzeka Danhatu
Njodzeka Danhatu Published on: 20 May, 2025
Indian Media Fuels Panic with Disinformation

Amid heightened India-Pakistan tensions in early May, Indian mainstream media flooded the public with fake news, doctored visuals, and sensationalist coverage, fueling mass anxiety and misinformation. Fact-checkers and experts condemned the media’s role, calling it a national embarrassment that undermined journalistic integrity and misled citizens during a critical geopolitical moment.

Junaid Kathju
Junaid Kathju Published on: 15 May, 2025
Palestinian Journalist Lama Ghosheh Refuses to Be Silenced Under Occupation

Despite ongoing repression under Israeli occupation, Palestinian journalist Lama Ghosheh continues her work with unwavering resolve, documenting the lived realities of her people. Her story is one of resistance, family, and the high cost of speaking truth in the face of systemic silencing.

Synne Furnes Bjerkestrand
Synne Bjerkestrand Published on: 9 May, 2025
In The Cross Fire: The Perils of Rural Journalism in India's Conflict Zones

In India’s conflict-ridden regions like Bastar and Manipur, local journalists—especially freelancers and women—risk their lives daily to report on corruption, displacement, and state violence, often without institutional support or protection. Their work, largely invisible to national media, exposes a stark reality where telling the truth can cost them everything, even their lives.

Quratulain Rehbar
Quratulain Rehbar Published on: 10 Apr, 2025
Western Media Bias and Complicity with Israel is Beyond Borders

Once again, Western media framed civilians within the context of "collateral damage" while covering Israeli attacks on Syria. The language of international law was absent, and the tragedy of civilians affected by military strikes was completely obscured, while justifications and cover for the occupation prevailed under the banner of "maintaining national security."

Zainab Afifa
Zainab Afifa Published on: 23 Mar, 2025
Rise and Fall of Kashmir’s First Independent Magazine, Kashmir Walla

Jailed, silenced, and erased—how a fearless journalist built Kashmir’s most vital independent news platform, only to see it brutally shut down by the state. The Kashmir Walla, known for its bold coverage of politics, conflict, and human rights, became too powerful to ignore—so they ensured it disappeared.

Safina
Safina Nabi Published on: 15 Mar, 2025
Misinformation in Syria: Natural Chaos or Organised Campaign?

Old videos inciting “sectarian strife,” statements taken out of context attacking Christians, scenes of heavy weaponry clashes in other countries, fabricated stories of fictitious detainees, and a huge amount of fake news that accompanied the fall of Bashar al-Assad’s regime: Is it the natural chaos of transition or a systematic campaign?

Farhat Khedr
Farhat Khedr Published on: 11 Mar, 2025
Journalists in DR Congo Face New Threats, Censorship in a Decades-long Conflict

Countless journalists have been arbitrarily arrested, kidnapped or have disappeared in the fog of the protracted war tearing the eastern Democratic Republic of Congo apart. The renewed M23 offensive augurs a more uncertain future for these ‘soldiers of the pen’.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 3 Mar, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025