اسمها السلفادور وتعني المخلِّص، لكنَّها لا تستطيع أن تُنقذ أحدا.. تنتشر رائحة الموت في أرجاء هذا البلد الصغير القابع في أميركا الوسطى، فبرغم أن مساحة البلد لا تتعدى 21 كلم2، فقد وصلت أعداد ضحايا العصابات فيه إلى أكثر من 6670 قتيل نهاية العام 2015 (1).
وحسب ما هو معروف بالنسبة للحكومة والمواطنين في السلفادور، فإن المسؤول عن هذا العنف هو انتشار عصابات مارا سالفاتروتشا (أم.أس-13)، الأمر الذي ألزم الصحفيين بالاقتراب من تلك العصابات في تغطياتهم الصحفية لهذه الظاهرة. لذلك ينبغي على الصحفي أن يتخذ خطوات تحافظ على سلامته قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.
بالنسبة للحال في السلفادور، يتفق المراسل في صحيفة "اليوم" خورخي بيلتران لونا والمصور الصحفي فرانسيسكو كامبوس على ضرورة أن يتذكر الصحفي دوما وظيفته كصحفي، وأنه مسؤول عن تأدية واجب معين، وليس مضطرا للانقياد إلى أماكن مجهولة أثناء العمل.
في السلفادور، ثمة أماكن تسيطر عليها عصابات مارا سلفاتروتشا، وعلى الصحفي أن يستعين بالناطق الرسمي في ذلك المكان عبر إحدى المنظمات غير الحكومية المتواجدة في المنطقة، أو عبر إحدى كنائس الحي. إن أفراد العصابات فقط هم من يستطيعون تزويد الصحفي بأخبار ما يحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، فالسكان الآخرون يتبعون فلسفة "أرى وأسمع ولا أتكلم"، فلو تكلموا لتحولوا فورا إلى جثث.
المهنية لتخفيف الخوف
يسيطر الخوف على الصحفي بمجرد أن يتعرف إلى أحد أفراد العصابات.. يتعرض الصحفي لتهديد آخر إذا ما ترك مكانا تسيطر عليه عصابة ما، وانتقل إلى مكان تسيطر عليه عصابة أخرى، إذ تزداد نسبة احتمال قتله بسبب تنافس العصابات.
الصحفي وحده هو من يمكنه تخفيف خوفه، بمعنى أن يكون مهنيا ملتزما بدقة العمل الصحفي، وعليه أن يُبلغ الصحيفة أو الجهة التي يعمل بها عن مكان وجوده ووجود المراسلين الآخرين. والمحرر في هذه الحالة يلعب دورا مهما في إجراء اتصال مع المراسلين الذين يذهبون لتغطية أماكن العصابات كل 10 إلى 15 دقيقة. التقنية الآن تتيح لهم استخدام نظام تحديد المواقع (جي.بي.أس) في سياراتهم وهواتفهم الذكية.
إذا أصبح أحد أفراد العصابة مصدرا دائما للصحفيين، فيتوجب عليه أن يغيّر وسيلة المواصلات التي يأتي بها، ويغيّر مساره في كل مرة. وإذا طلب فرد عصابة الحديث إلى صحفي، فلا بد من اختيار مكان عام للقاء مزدحم بالناس، وليس في منطقته.
يقول لونا "لا بد من توخي الحذر، وأن نضع في اعتبارنا دوما أن هؤلاء اخترقوا أمن الدولة.. لا تثق أبدا بأفراد العصابة كمصدر، ولو حدَّد لك أحدهم مكانا معينا للحديث فلا تذهب".. هذا التشكيك بهم ليس عبثيا، وهو ينطبق على كل العصابات والشرطة في السلفادور، بل وعلى أفراد الجيش والقضاة، حيث الكثير منهم متورط في قضايا فساد. ولذلك، ليس غريبا أن يعرض شرطي مبلغ 80 ألف دولار مقابل استخدامه مصدرا مباشرا للمعلومات.
أما المصور الصحفي كامبوس، فيشير إلى أهمية أن يعرف الصحفي كيفية فك شفرة العصابات ورموزها، وأن يعرف اللغة التي يستخدمونها وطريقة لباسهم، لأن أيَّ تغافل منه سينتهي بمأساة.
ويتابع كامبوس "على المراسل ألا يستخدم أي شيء يشير إلى العصابة، بل يستخدم ما هو ضروري فقط، وألا يحمل معه دفترا ولا يدون ملاحظات ولا يسجل عناوين ولا أرقام هواتف ولا يحمل معه معلومات شخص آخر أبدا، فلا شيء مضمون إن وقعت أعين أفراد العصابات عليها.. عليه أن يعرف حتى علامة الأحذية التي يرتديها رجال العصابات.. ويُفضَّل العمل نهارا، ولكن إن اضطر الصحفي للعمل ليلا، فعليه أن يحمل معه مصابيح ويشعلها بشكل خافت، وبالطبع ألا يرافقه شرطي".
عام 2009، اغتيل المصور الصحفي والمخرج الوثائقي الفرنسي كريستيان بوفيدا، فقد سجل فيلما وثائقيا في باريو 18 بعنوان "الحياة المجنونة"، لكن العصابة التي صوَّرها في فيلمه اغتالته لاحقا برصاصة في رأسه، مما شكَّل صدمة عنيفة للصحافتين السلفادورية والعالمية.
تعلَّم الصحفيون من تلك الواقعة درسا في التعامل مع تلك العصابات، وفي وجوب عدم الثقة مطلقا بها، فقد كان خطأ المغدور أنه أدخل رجال العصابات في مشروعه.. كان الدرس الأهم أنه ليس هناك خبرٌ يستحق أن تضيّع حياتك من أجله.
وإذا كان الأمر صعبا على الصحفيين التابعين لجهات صحفية معروفة، فهو أصعب بالنسبة للصحفيين المستقلين، لذلك ننصح هؤلاء بعدم تغطية الأخبار في المناطق التي تسيطر عليها العصابات إلا إن كانت هناك جريمة وكان في المكان شرطة وصحفيون آخرون، وإلا فعلى الصحفي أن يضع لنفسه خطة طوارئ.
هامش
(1) http://www.elsalvador.com/articulo/sucesos/violencia-criminal-causo-667…