جيل من الرياديات يرسم معالم الطريق للصحفيَّات

جيل من الرياديات يرسم معالم الطريق للصحفيَّات

ترجم هذا المقال بالتعاون مع مجلة نيمان ريبورتس-جامعة هارفارد

 

منذ أربعين عاماً تقريبا، شرعت الصحفيات في دخول ما كان بالنسبة لهنَّ مساحة مجهولة، وهو عالم "الأخبار الجادة"، أي تلك الأخبار التي تخرج عن حدود الأقسام النسائية في الصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية المتعلقة بالمطبخ والمنزل والعائلة. لطالما عملت بعض النساء الموهوبات للغاية والمتفانيات في الغرف الإخبارية، في بعض المحطات والمؤسسات هنا وهناك، سواء في داخل البلد أو خارجها. وبدأ البعض الآخر ممن عملنَ في الأقسام التي تهتم بشؤون المرأة والأخبار الخفيفة في عطلة نهاية الأسبوع، والبرامج التلفزيونية العامة التي لا ينتبه إليها أحد، بالانتقال إلى إعداد التقارير الإخبارية والإدارة. ولكن كان ذلك في وقت بدأ فيه تغيير الأمور غير العادية إلى أمور عادية أكثر بشكل تدريجي.

وفي العام 1971، وجدت دراسة مُهمة أجريت على صحفيين أن ما نسبته 22% من الصحفيين العاملين في الصحف اليومية كانوا من النساء، وأن النساء يشكِّلن ما نسبته 11% من الصحفيين العاملين في التلفزيون. وخلال العقد المقبل، كان النمو في القوى العاملة في الغرف الإخبارية مصحوباً بزيادة في نسبة الصحفيات. ومن خلال الدراسة اللاحقة التي أجريت عام 1982، أفاد الباحثان ديفد إتش. ويفر وجي. كليفلاند ويلهويت في كتاب صدر عام 1986 بعنوان "الصحفي الأميركي"، بأن أكثر من 34% من الموظفين العاملين في الصحف اليومية كانوا من النساء، وأن ما نسبته 33% منهنَّ يعملنَ في التلفزيون، ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى حوافز الترخيص الحكومي. وظلت هذه النسب ثابتة تقريباً على مدى السنوات العشرين اللاحقة، على الرغم من أنه في أواخر العام 1970، قبل عدة سنوات من الدراسة الأولى التي أجراها ويفر وويلهويت، شكلت المرأة أغلبية طلاب الصحافة بنسبة 60% أو أكثر من طلبة الصحافة منذ مطلع العام 1980.

وقد تم قياس التقدم الذي تُحرزه المرأة في الوظيفة خلال العام 1980 والعام 1990 في تقلدها مناصب إدارية في الصُحف والتلفزيون. وحسب تقديرات الاستبيان السنوي للصحف اليومية التي تم إجراؤها عام 2001 من قبل الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصُحف (ASNE)، فإن النساء كن يشكلن نحو 37% من موظفي غرفة الأخبار (للسنة الثانية) و34% من مشرفيها. وقد أفاد الاستبيان السنوي الذي أجرته جمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون (RTNDA) عام 2000 بأن النساء يشكلن ما نسبته 40% من موظفي غرفة الأخبار، وقرابة 35% من طواقم إدارة الأخبار التلفزيونية.

وبعيداً عن أقسام الأخبار، أفادت دراسة أجرتها جمعية الصحف الأميركية (NAP)-وهي النقابة المهنية لإدارة الصُحف اليومية- بأن المرأة شكلت ما نسبته 20% من المسؤولين التنفيذيين لكبرى الصحف عام 1998 (في مناصب الناشر والمدير العام والرئيس وغير ذلك). وقد بلغت هذه النسبة 9% عام 1990. ووجدت جمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون أن المرأة شكلت ما نسبته 14% من المدراء العامين للتلفزيون عام 2000، "دون وجود نمط ثابت استناداً إلى حجم السوق أو حجم الموظفين أو الانتماء أو المنطقة".

وقد تتبّع أستاذ الصحافة فيرنون ستون وضع المرأة في التلفزيون والإذاعة لأكثر من عشرين عاماً، وأظهرت تحليلاته أن المرأة تتقدم من الإدارة في محطات صغيرة ومستقلة إلى محطات أكبر مملوكة لمجموعات وشبكات. ولم يتتبّع أحدٌ أعدادَ النساء وأوضاعهن في الصحف بشكل مستمر كما فعل ستون وجمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون (التي دعمت عمل ستون في مواصلة الاستبيانات السنوية بالتعاون مع أساتذة آخرين بعد تقاعده). وهناك حاجة لإعادة النظر في مشوار المرأة في العمل الصحفي من مصادر أخرى، بما في ذلك الحصول على روايات مُتكاملة من نساء في مختلف المهن الصحفية وعدد من المشاريع البحثية الأخرى، مع أن معظمها لم يقدم إلا بعض النتائج المتعلقة بالجندر.

المرأة والصحافة

الحديث حول المرأة والصحافة وعملها في الصحف أمر بالغ التعقيد، ولا يمكن الإحاطة به بمجرد سرد الأرقام والإحصاءات. فهذا الأمر يرتبط بطبيعة الحال باتجاهات مجتمعية عامة. كانت الستينيات والسبعينيات، بالإضافة إلى العقود التي ازداد فيها حضور المرأة بين موظفي غرف الأخبار، وهي سنوات التغطية الإخبارية المذهلة للحقوق المدنية والحرب في فيتنام وفضيحة ووترغيت والاغتيالات والاستقالات وغير ذلك من القصص التي لم يسبق تغطيتها.. لقد كانت تلك الفترة -باختصار وكما اصطُلِح عليها في عالم الصحافة- "سنوات الأخبار العظيمة".

وقد شهدت هذه العقود ظهور الجيل الرائد من النساء اللواتي تمت ترقيتهنّ في جميع مجالات إدارة الصحف (قرابة 3% بشكل عام وأكثر من 5% في المناصب الإشرافية فيما يتعلق بالأخبار في منتصف السبعينيات). ولكن التحديات الأخرى التي واجهت على نحو متزايد مدراء تحرير الصحف خلال العام 1960 والعام 1970، كانت تتمثل في أن أخبار التلفزيون كانت تلقى استحساناً من قبل المشاهدين والمُعلنين على حساب الصحف التي تراجع توزيعها في المنازل. وباتت إمكانات التقنيات على إحداث ثورة في الإنتاج واضحة، وكذلك التكاليف الضخمة المتكبدة في رأس المال وفي فقدان حرف إنتاج الصحف. وقد باع مالكو الصحف من العائلات صحفهم إلى مجموعات أو سلاسل، وطرحت شركات الصحف -سواء أكانت مملوكة لعائلات أو غير ذلك- أسهم شركاتها للعامة. وقد تم اعتماد الممارسات التجارية السائدة في قطاعات الأعمال المعتادة الأخرى كي تتكيف مع الوضع الجديد القائم في عالم الصحافة.

وبينما ازداد عدد النساء العاملات في الصحافة وتعززت خبراتهن، لاحظ البعض أن المرأة لا تحصل على الأجور والترقيات على قدم المساواة مع زميلها الرجل. ونادراً ما جلبت إثارة مثل هذه القضايا مع المدراء أي تغيير، لذلك قُدمت شكاوى رسمية إلى لجنة تكافؤ فرص العمل (EEOC) ورُفعت دعاوى قضائية. ووفقاً لما كان سائدا في نظر كثيرين، فإنه يجب على المرأة أن تكون راضيةً بمجرد السماح لها بأن تعمل صحفية في مجال الأخبار الجادَّة.

لم تكن إجراءاتهم في البداية إلا إضافة للمشاكل القائمة، (بل حصل أن سخر مدير تنفيذي في أسوشيتد برس من الفرق في الزيادات على الأجور بين موظف وموظفة في الوكالة، بينما كانت هناك دعوى قضائية ضدها فيما يتعلق بالتمييز بناء على الجندر في بداية الثمانينيات). ومع ذلك حظيت النساء اللواتي كن يعملن لدى وكالة أسوشيتد برس ونيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرها بتغييرات على الصعيدين المالي والإداري في تسويات قانونية لتجنب عرض القضايا على المحاكم. ومنذ بداية تصاعد هذه الحملات القانونية (تقدمت النساء العاملات في مجلة نيوزويك بأول شكوى أمام لجنة تكافؤ فرص العمل ضد مؤسسة إخبارية كبرى عام 1970)، أدت الدعاوى القضائية إلى إجبار العديد من مسؤولي الصحف التنفيذيين على التعامل مع مسألة التنوُّع والجندر بشكل أكثر جدية. وفي منتصف العام 1970، خصصت شركة جانيت الإعلامية جزءا من مكافآت المسؤولين التنفيذيين للطريقة التي قام بها المدراء الناجحون في مساعدة النساء والأقليات على إحراز التقدُّم في العمل.

وفي عام 1978، أولى قادةُ الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف اهتماماً كافياً فيما يتعلق بالافتقار إلى الصحفيين المنتمين إلى الأقليات، حيث أخذوا على أنفسهم عهداً بأن يركزوا على زيادة تنوُّع الموظفين وشرعوا في إجراء استبيان سنوي لرصد التقدُّم المحرز بهذا الصدد، إلا أنّه لم يتم ذكر الجندر صراحة.

2- اجتماع طاقم عمل صحيفة "هيث ميريويذر" في ديترويت عام 1989، وقد أولت الصحافة الأميركية نهاية السبعينيات اهتماما بالتنوع العرقي والنوعي للعاملين في حقلها - غيتي.
2- اجتماع طاقم عمل صحيفة "هيث ميريويذر" في ديترويت عام 1989، وقد أولت الصحافة الأميركية نهاية السبعينيات اهتماما بالتنوع العرقي والنوعي للعاملين في حقلها - غيتي.

وبشكل غير رسمي، تمت متابعة زيادة الأدوار التي تقوم بها المرأة في مجال التحرير من خلال احتساب عدد وظائف التحرير في كل إصدار سنوي لدليل المُحرِّرين والناشرين. ولم يكن الركود في الموظفين الفنيين واضحاً بعد، وكان هدف الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف متمثلاً في جعل عدد الموظفين المنتمين إلى الأقليات مساوياً لمجموعة الأقلية بحلول العام 2000. وبحلول العام 1998، كانت نسبة الصحفيين المنتمين إلى الأقليات بالكاد تصل إلى 11%، فأجّلت الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف الموعد المُستهدف لتحقيق المساواة مع مجموعات الأقليات إلى العام 2025، وأضافت مسائل تتعلق بالنوع والجندر إلى الاستبيان.

ومن بين هؤلاء الذين مارسوا الضغوط على الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف لإضافة المرأة إلى الدراسة الاستقصائية السنوية، كانت منظمة الصحافة والمرأة (JAWS) التي أدركت ضرورة معرفة ما كان يجري. (لقد تبين أن النسوة البيض هنّ المجموعة الكبرى الوحيدة وفق استبيان "Census 2000"، إذ كانت أعدادهن في كوادر العاملين بالأخبار قريبة من النسبة المطلوبة). ويبدو أن المشكلة واسعة النطاق على مستوى النظام، بالرغم من أن المرأة تهيمن على كليات الصحافة، إلا أن العمل في الصُحف ليس الخيار الأول لنسبة كبيرة منهن، (ربما يعكس ذلك أيضاً انخفاض قراء الصحف من الإناث مقارنة بأكأالذكور). وعلاوة على ذلك، كانت المرأة عموماً تُشكِّل ما لا يزيد عن نصف الخريجين الجُدد الذين تم تعيينهم من قبل صُحف مختلفة. وتغادر النساء الوظائف في الصحف بمعدل أعلى منه عند الرجال. وقد رصدت جمعية الصحف الأميركية (NAA) دوران موظفي الصحف لأكثر من عقد من الزمن من خلال إجراء استبيانات دورية لإدارة مُعدَّل الدوران واستبيانات حول الأشخاص الذين غادروا وظائف في الصحف. [يمكن الاطلاع على نتائج تلك الاستبيانات على الموقع الإلكتروني التالي: www.naa.org].

وأفاد مركز إدارة الإعلام في جامعة نورث وسترن، بعد دراسة لمدة سنتين اشتملت على دراسة استقصائية ومقابلات، بأن "تمثيل المرأة في إدارة الصحف ضعيف" وأنها "محصورة في المناصب الإدارية المنخفضة والمتوسطة". وفي تقريره الأخير بعنوان "المرأة في الصحف"، يناقش المركز "التصوُّرات المختلفة تماماً للعقبات الرئيسية التي تحول دون تقدُّم المرأة"، ويذكر كذلك السبل التي تستطيع الصحف من خلالها تقليل معدل دوران العنصر النسائي، الذي لا يزال أعلى من الرجال، وتزيد من احتمال تعزيزها. لقد أتت هذه الدراسة بعدما أدرك المركز أنه في برامجه المخصصة لكبار المسؤولين التنفيذيين، في الصفوف التي تشتمل على ما بين 30 إلى 40 شخصا من الوظائف العليا في مجال الصحافة، "لم يكن هناك سوى عدد قليل من النساء".

وقد أجرى منتدى الحرية (Freedom Forum) مشروعا بحثيا عام 1999 ضمَّ صحفيين من صُحف توزَّع على 25 ألف شخص أو أكثر، للتعرف على مدى الرضا الوظيفي ودوران الأقليات العرقية/الإثنية. وقد اشتملت عينة البحث التي يبلغ مجموع المشاركين فيها 853 صحفيا على 351 من الصحفيين البيض، و452 من الأقليات الإثنية/العرقية لغرض المشروع. وبإعادة تحليل العيِّنات حسب نوع الجنس (463 رجلا و389 امرأة)، عادة ما تكون العيِّنات صغيرة جداً بحيث توفر أدلة أكثر من الاستنتاجات، ولكنها تُظهر أهمية البحث عن المعلومات حسب الجنس والعرق/الأصل الإثني والعمر. وتتفق المجموعات الفرعية المختلفة أحياناً بشكل كامل تماماً تقريباً مع التقسيم حسب الجنس أو العرق/الأصل الإثني، وتكون كل مجموعة مختلفة تماماً عن المجموعات الأخرى في أحيان أخرى.

تشير النساء اللواتي قلن أكثر من الرجال بأنهن قد يغادرن العمل الصحفي في الصحف بسبب عوامل رئيسية من سلبيات ظروف العمل، كالتوتر والاعتبارات العائلية والإنهاك و"الشعور بالعزلة عن الزملاء". وقد تم طرح الأسئلة فقط على هؤلاء المستجيبين الـ400 الذين قالوا بأنهم غادروا العمل الصحفي في الصحف. وفي هذه المجموعة، وافقت النساء البيض والرجال من أصل أفريقي بشدَّة على أن شيئا ما "يمكن القيام به" لتشجيعهم على عدم ترك العمل في المؤسسات الصحفية. وقد تم طرح سؤال العينة كلها حول بعض المواقف الأكثر وضوحاً، كدعم المشرف المباشر لتقارير صحفيين أفراد والاهتمام بالتنمية المهنية لهم مثلاً. ولم يتم تقديم إجابات منفصلة من قبل أكثر من 40% من الذين قالوا إنهم قد يتركون العمل الصحفي. وكما هو الحال في أسئلة التقييم الأخرى، كان بعض هؤلاء النساء ككُل أكثر إيجابية من الرجال. وبالمثل، لم تُطرح بعض الأسئلة الأساسية إلا على أقلية من الصحفيين. وتظهر الردود الجماعية أن الصحفيات من ذوات البشرة المُلوَّنة اللواتي يبلغن أكثر من 35 عاما هن الأكثر قلقا، وهذه النتيجة تُحاكي النتائج التي توصلت إليها جمعية الصحف الأميركية، المتمثلة في أن مستوى الرضا بين الموظفين السابقين إزاء تجربة المرأة الأفريقية الأميركية؛ كان في أدنى مستوياته.

تأثير المرأة في التغطية الإخبارية

تتضارب الأقوال حول ما إذا كانت زيادة عدد الصحفيات في أي مؤسسة صحفية يؤثر على المضمون كذلك. وابتداءً من العام 1989، حصر أم. جونيور بريدج العناوين الثانوية التي تعدها صحفيات، والنساء في صور الأخبار والتقارير الإخبارية في عيِّنة مؤلفة من عشرين صحيفة للنساء والرجال والإعلام. وتظهر ثمانية تقارير سنوية لها، ارتفاع العناوين الثانوية للمرأة في صفحتها الأولى من 27% (في عيِّنة السنة الأولى لعشر صحف) إلى نطاق يتراوح ما بين 33 إلى 35% على مدى السنوات الخمس الماضية (قريب من نسبة الموظفين). وقد تم ذكر النساء في 11% فقط من التقارير الإخبارية عام 1989، بينما ارتفع ذلك إلى نسبة 25% عام 1993، ثم انخفض إلى نسبة 15% عام 1996. وينطبق هذا على وضع صور النساء في التقارير الإخبارية، ولكن النسبة كانت أعلى، إذ بلغت 27% عام 1989، و39% عام 1993، و33% عام 1996.

كجزء من مشروع طموح للقُرّاء، حلّل مركز إدارة الإعلام بجامعة نورث وسترن جميع التقارير الإخبارية لمدة أسبوع عام 2000 من 100 صحيفة. وأظهر التحليل أن الرجال جاء ذكرهم بنسبة 93% في 3500 تقرير من تقارير الصفحة الأولى، بينما كان نصيب النساء في ذلك 50%. وكانت النساء يشكلن نحو 20% فقط من المصادر عموماً. وتظهر النتائج الصادمة موضوعات لتقارير يذكر فيها الرجال فقط كمصادر (أكثر من 60% حول العلوم والبيئة، وقرابة 60% حول الأبوة والأمومة والدين) والتقارير التي تذكر امرأة واحدة على الأقل كمصدر (68% في التقارير المتعلقة بالتعليم، وأكثر من 67% في التقارير المتعلقة بالصحة والمنزل والطعام والأزياء والسفر). ونظراً لعمق المشروع واهتمامه بحصر جميع البيانات التي يمكن تصورها وتحليلها، فإنه قد يقدم فكرة عن الارتباط بين التنوُّع الموجود بين كوادر المؤسسة الصحفية وبين شكل ارتباط مجتمع قرائها بها.

وتناقلت الروايات أن الصحفيات (والصحفيين والصحفيات من ذوي البشرة الملوَّنة) لديهم أمثلة كثيرة حول الطرق التي أحدثوا بها اختلافات في مضمون الأخبار والموضوعات التي يتم تناولها، والمصادر التي تم الرجوع إليها أو المنقول عنها، ونهج سرد التقارير، وكيف تتم تغطية التقارير وإيضاحها، وكيفية إدارة الصُحف. فوجود المرأة كمصدر لا يضمن -بطبيعة الحال- وجهات نظر مختلفة عن تلك التي يعبّر عنها الرجال أو يحددون ما هو الخبر، تماما كما لا يمكن في غياب العنصر النسائي نفي هذه الاحتمالات. ولكن، يمكن القول بأن وجودها يزيد من هذه الاحتمالات كما وجدت مؤسسة بريدج في دراستين بحثيتين قامت بهما.

  • الدراسة الأولى أجريت لصالح مجموعة استشارية في ولاية أوريغون، وبحثت عن كيفية الحديث عن القادة/القيادة في صحف مُختارة وغيرها من المنشورات عامي 1994 و1996. وبشكل أساسي، وجدت أن الرجال البيض وُصفوا بأنهم قادة، في حين لم يوصف النساء والرجال من ذوي البشرة الملوَّنة بأنهم كذلك، مع أنهم يملكون نفس الصفات التي يملكها الرجل الأبيض.
  • وبحثت الدراسة الثانية فيما إذا كانت الممرضات يشاركن في إعداد التقارير الصحية في سبع صحف في سبتمبر/أيلول 1997 وكيف يقمن بذلك، بالإضافة إلى مجلات إخبارية ومنشورات تجارية. وقادت بريدج مجموعة البحث التي وجدت بأن ما نسبته 9% من تقارير ذلك الشهر كانت حول الرعاية الصحية. وقد شكلت الممرضات -أكبر مجموعة مهنية في الرعاية الصحية (2.5 مليون)- ما نسبته 4% فقط من المصادر في معظم الأحيان في أقسام الأخبار المحلية وفي التقارير التي يكون فيها عناوين ثانوية حول العنصر النسوي. (وجد بحث مشابه في ثلاث صحف رئيسية عام 1990 أن الممرضات شكَّلن ما نسبته 1% فقط من المصادر المنقول عنها بشكل مباشر، مع عنوان ثانوي للجنسين لا علاقة له بالممرضات كمصادر. وكثيراً ما تم الاستشهاد بطبيبات من قبل صحفيات بما هو أكثر -إلى حدٍّ ما- من حضورهن في الميدان).

كما يرسل حضور المرأة الأكبر رسالة إلى القُرّاء توحي بزيادة مستوى الاحتمالات والتنوُّع. كما يساعد في الردِّ على الشكوى القائلة: "لا أرى نفسي في تلك الصحيفة"، التي نسمعها من بعض الذين يعتقدون بأن الصحف لها أهمية ضئيلة أو لا أهمية لها أصلاً عندهم.

5- تناقلت الروايات أن الصحفيات والصحفيين من ذوي البشرة الملونة أحدثوا اختلافا في مضمون الأخبار والموضوعات المُتناولة. تصوير: جيف هينز – رويترز.
5- تناقلت الروايات أن الصحفيات والصحفيين من ذوي البشرة الملونة أحدثوا اختلافا في مضمون الأخبار والموضوعات المُتناولة. تصوير: جيف هينز – رويترز.

إن تعميق الشعور بالاحتمالية يأتي من تقرير بتكليف من مركز بيو للصحافة المدنية (Pew Center for Civic Journalism)، نُشر في الصيف الماضي. وقد صرَّحت نسبة كبيرة من المُحرِّرين والمُحرِّرات الذين استجابوا للتقرير وعددهم 360 من أصل 512 مُحرِّرا يعملون في صُحف تُوزَّع على عشرين ألف قارئ أو أكثر، بأنهم وموظفيهم يعملون بشتَّى السبل لتغطية جوانب مختلفة للتقارير، لا مجرد النزاعات أو الإشكالات. فعلى سبيل المثال، أفاد أكثر من نصفهم بأنهم يحاولون "دائماً" أو "في معظم الأوقات" أن يقدموا تقارير حول "الخيارات أو التنازلات التي قد يحتاج إليها مجتمع ما لمعالجة قضية مجتمعية". ولعلَّه من قبيل الصدفة أن المرأة تستطيع أن تفهم قضايا بهذا المستوى من التعقيد أكثر من الرجل.

وبينما بدأت المرأة تشقّ طريقها نحو عالم الصحافة، أخذتُ على عاتقي أن أبدأ رحلتي في مجال تغطية الأخبار المُتعلقة بالحكومة والسياسة.. لم أكن أعرف أن هناك قضايا حول الصحفيات.. اكتشفت ذلك بسرعة وبتشجيع من مديري، وسعيتُ لإيجاد سبل للتعامل مع هذه القضايا. وفي نهاية المطاف، قبلت نقلة إلى المستويات الإدارية، إذ اعتقدت كثير من النساء ومن رؤسائنا الذين يعززون الأجواء التي يكتنفها التنوُّع، بأن بعضنا كان عليه أن ينتقل إلى هذه المستويات للمساعدة في إحداث التغييرات التي يمكن أن تحقق عملاً أفضل للنساء والرجال، ويمكن أن تساعد الصحافة في أن تخدم الجمهور بشكل أكثر فعالية.. لم نكن نعتقد بأن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً ليحدث.

تجربة الرائدات في هذا المجال، هؤلاء النساء اللاتي كُنَّ "الأوائل"، و"الوحيدات"، واللواتي تصدين لهذه القضية بكل شجاعة، جنباً إلى جنب مع تزايد أعداد النساء اللواتي يعملنَ اليوم في الصُحف وفي المكاتب التنفيذية، تساعد على تحديد وجهات النظر والقيم التي تجلبها العديد من النساء إلى وظائفهن. ولا تزال الأبحاث تساعد كذلك في توضيح القضايا والفرص وتحديدها.

وعندما يُنظر إلى هذه المعارف من خلال منظور وجهات نظر مختلفة، فإنها يمكن أن تؤدي إلى توسيع الأرضية المُشتركة بين الجنسين. وعلى هذه النقاط للأرضية المشتركة، يمكن العثور كذلك على طُرق لزيادة قيمة الصحافة بالنسبة إلى الديمقراطية. ولسوء الحظ، تُذكِّرنا البحوث بأن الصحفيات في الوقت الراهن –خصوصا- يجب أن يواصلن طرح أسئلة صعبة حول مهنتنا، ومواصلة الاهتمام بشكل كاف بالإصرار على الحصول على إجابات لتلك الأسئلة.

 

(نشر هذا التقرير عام 2002. كريسيتي بولكيلي كانت واحدة من أهم الصحفيات في الولايات المتحدة، وقد كان لدورها الريادي في النشر ورئاسة التحرير في عدد من الصحف المشهورة دور بارز في تطوّر دور المرأة القيادي في عالم الصحافة والنشر بأميركا، ولا سيما الأبحاث والدراسات التي أشرفت عليها في هذه القضية، ومن أشهرها هذا التقرير).

 

 

More Articles

Cameroonian Journalists at the Center of Fighting Illegal Fishing

While the EU’s red card to Cameroon has undeniably tarnished its image, it has paradoxically unlocked the potential of Cameroonian journalists and ignited a movement poised to reshape the future. Through this shared struggle, journalists, scientists, conservationists, storytellers, and government officials have united, paving the way for a new era of ocean advocacy.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 21 Aug, 2024
The Gaza Journalist and the "Heart and Mind" Struggle

Inside the heart of a Palestinian journalist living in Gaza, there are two personas: one is a human who wants to protect his own life and that of his family, and the other is a journalist committed to safeguarding the lives of the people by holding on to the truth and staying in the field. Between these two extremes, or what journalist Maram Hamid describes as the struggle between the heart and the mind, the Palestinian journalist continues to share a narrative that the occupation intended to keep "away from the camera."

Maram
Maram Humaid Published on: 18 Aug, 2024
Journalists Recount the Final Moments of Ismail Al-Ghoul

Journalists remembering the slain reporter of Al Jazeera in Northern Gaza, Ismail Al Ghoul. "He insisted on continuing his coverage from the northern part of the Gaza Strip, despite the challenges and obstacles he faced. He was arrested and interrogated by the Israeli army, his brother was killed in an Israeli airstrike, and his father passed away during treatment abroad."

Mohammad Abu Don
Mohammad Abu Don Published on: 11 Aug, 2024
Analysis: Media Disinformation and UK Far-Right Riots

Analysis on the impact of media disinformation on public opinion, particularly during UK riots incited by far-right groups. A look at how sensationalist media can directly influence audience behavior, as per the Hypodermic Needle Theory, leading to normalized discrimination and violence. The need for responsible journalism is emphasized to prevent such harmful effects.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Aug, 2024
Challenges for Female Journalists in Crisis Zones of Cameroon

Testimonies of what female journalists in Cameroon are facing and how they are challenging these difficulties.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jul, 2024
From TV Screens to YouTube: The Rise of Exiled Journalists in Pakistan

Pakistani journalists are leveraging YouTube to overcome censorship, connecting with global audiences, and redefining independent reporting in their homeland.

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 28 Jul, 2024
Daughters of Data: African Female Journalists Using Data to Reveal Hidden Truths

A growing network of African women journalists, data scientists, and tech experts is amplifying female voices and highlighting underreported stories across the continent by producing data-driven projects and leveraging digital technologies in storytelling.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 23 Jul, 2024
Are Podcasts the Future of African Broadcasting?

The surge of podcasts across Africa is a burgeoning trend, encompassing a wide array of themes and subjects, and swiftly expanding across various nations.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 11 Jul, 2024
Video Volunteers: How India’s Marginalised Groups Tell Their Own Stories

Video creators like Rohini Pawar and Shabnam Begum have transcended societal challenges by producing influential videos with Video Volunteers, highlighting social issues within marginalized communities. Their work exemplifies the transformative power of storytelling in fostering grassroots change and empowerment across India.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Jul, 2024
Climate Journalism in Vietnam's Censored Landscape

In Vietnam, climate journalists face challenges due to censorship and restrictions on press freedom, making it difficult to report environmental issues accurately. Despite these obstacles, there are still journalists working to cover climate stories creatively and effectively, highlighting the importance of climate journalism in addressing environmental concerns.

AJR Contributor Published on: 26 Jun, 2024
Challenges of Investigating Subculture Stories in Japan as a Foreign Correspondent

Japan's vibrant subcultures and feminist activists challenge the reductive narratives often portrayed in Western media. To understand this dynamic society authentically, journalists must approach their reporting with patience, commitment, and empathy, shedding preconceptions and engaging deeply with the nuances of Japanese culture.

Johann Fleuri
Johann Fleuri Published on: 24 Jun, 2024
Covering the War on Gaza: As a Journalist, Mother, and Displaced Person

What takes precedence: feeding a hungry child or providing professional coverage of a genocidal war? Journalist Marah Al Wadiya shares her story of balancing motherhood, displacement, psychological turmoil, and the relentless struggle to find safety in an unsafe region.

Marah Al Wadiya
Marah Al Wadiya Published on: 29 May, 2024
Fighting Misinformation and Disinformation to Foster Social Governance in Africa

Experts in Africa are using various digital media tools to raise awareness and combat the increasing usage of misinformation and disinformation to manipulate social governance.

Derick Matsengarwodzi
Derick Matsengarwodzi Published on: 22 May, 2024
"I Am Still Alive!": The Resilient Voices of Gaza's Journalists

The Israeli occupation has escalated from targeting journalists to intimidating and killing their families. Hisham Zaqqout, Al Jazeera's correspondent in Gaza talks about his experience covering the war and the delicate balance between family obligations and professional duty.

Hisham Zakkout Published on: 15 May, 2024
Under Fire: The Perilous Reality for Journalists in Gaza's War Zone

Journalists lack safety equipment and legal protection, highlighting the challenges faced by journalists in Gaza. While Israel denies responsibility for targeting journalists, the lack of international intervention leaves journalists in Gaza exposed to daily danger.

Linda Shalash
Linda Shalash Published on: 9 May, 2024
Elections and Misinformation – India Case Study

Realities are hidden behind memes and political satire in the battle for truth in the digital age. Explore how misinformation is influencing political decisions and impacting first-time voters, especially in India's 2024 elections, and how journalists fact-check and address fake news, revealing the true impact of misinformation and AI-generated content.

Safina
Safina Nabi Published on: 30 Apr, 2024
Amid Increasing Pressure, Journalists in India Practice More Self-Censorship

In a country where nearly 970 million people are participating in a crucial general election, the state of journalism in India is under scrutiny. Journalists face harassment, self-censorship, and attacks, especially under the current Modi-led government. Mainstream media also practices self-censorship to avoid repercussions. The future of journalism in India appears uncertain, but hope lies in the resilience of independent media outlets.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 25 Apr, 2024
The Privilege and Burden of Conflict Reporting in Nigeria: Navigating the Emotional Toll

The internal struggle and moral dilemmas faced by a conflict reporter, as they grapple with the overwhelming nature of the tragedies they witness and the sense of helplessness in the face of such immense suffering. It ultimately underscores the vital role of conflict journalism in preserving historical memory and giving a voice to the voiceless.

Hauwa Shaffii Nuhu
Hauwa Shaffii Nuhu Published on: 17 Apr, 2024
Journalism in chains in Cameroon

Investigative journalists in Cameroon sometimes use treacherous means to navigate the numerous challenges that hamper the practice of their profession: the absence of the Freedom of Information Act, the criminalisation of press offenses, and the scare of the overly-broad anti-terrorism law.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 12 Apr, 2024
The Perils of Journalism and the Rise of Citizen Media in Southeast Asia

Southeast Asia's media landscape is grim, with low rankings for internet and press freedom across the region. While citizen journalism has risen to fill the gaps, journalists - both professional and citizen - face significant risks due to government crackdowns and the collusion between tech companies and authorities to enable censorship and surveillance.

AJR Contributor Published on: 6 Apr, 2024
Silenced Voices: The Battle for Free Expression Amid India’s Farmer’s Protest

The Indian government's use of legal mechanisms to suppress dissenting voices and news reports raises questions about transparency and freedom of expression. The challenges faced by independent media in India indicate a broader narrative of controlling the narrative and stifling dissenting voices.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 17 Mar, 2024
Targeting Truth: Assault on Female Journalists in Gaza

For female journalists in Palestine, celebrating international women's rights this year must take a backseat, as they continue facing the harsh realities of conflict. March 8th will carry little celebration for them, as they grapple with the severe risks of violence, mass displacement, and the vulnerability of abandonment amidst an ongoing humanitarian crisis. Their focus remains on bearing witness to human suffering and sharing stories of resilience from the frontlines, despite the personal dangers involved in their work.

Fatima Bashir
Fatima Bashir Published on: 14 Mar, 2024
A Woman's Journey Reporting on Pakistan's Thrilling Cholistan Desert Jeep Rally

A Woman's Voice in the Desert: Navigating the Spotlight

Anam Hussain
Anam Hussain Published on: 8 Mar, 2024
Breaking Barriers: The Rise of Citizen Journalists in India's Fight for Media Inclusion

Grassroots journalists from marginalized communities in India, including Dalits and Muslims, are challenging mainstream media narratives and bringing attention to underreported issues through digital outlets like The Mooknayak.

Hanan Zaffa
Hanan Zaffar, Jyoti Thakur Published on: 3 Mar, 2024