جيل من الرياديات يرسم معالم الطريق للصحفيَّات

جيل من الرياديات يرسم معالم الطريق للصحفيَّات

ترجم هذا المقال بالتعاون مع مجلة نيمان ريبورتس-جامعة هارفارد

 

منذ أربعين عاماً تقريبا، شرعت الصحفيات في دخول ما كان بالنسبة لهنَّ مساحة مجهولة، وهو عالم "الأخبار الجادة"، أي تلك الأخبار التي تخرج عن حدود الأقسام النسائية في الصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية المتعلقة بالمطبخ والمنزل والعائلة. لطالما عملت بعض النساء الموهوبات للغاية والمتفانيات في الغرف الإخبارية، في بعض المحطات والمؤسسات هنا وهناك، سواء في داخل البلد أو خارجها. وبدأ البعض الآخر ممن عملنَ في الأقسام التي تهتم بشؤون المرأة والأخبار الخفيفة في عطلة نهاية الأسبوع، والبرامج التلفزيونية العامة التي لا ينتبه إليها أحد، بالانتقال إلى إعداد التقارير الإخبارية والإدارة. ولكن كان ذلك في وقت بدأ فيه تغيير الأمور غير العادية إلى أمور عادية أكثر بشكل تدريجي.

وفي العام 1971، وجدت دراسة مُهمة أجريت على صحفيين أن ما نسبته 22% من الصحفيين العاملين في الصحف اليومية كانوا من النساء، وأن النساء يشكِّلن ما نسبته 11% من الصحفيين العاملين في التلفزيون. وخلال العقد المقبل، كان النمو في القوى العاملة في الغرف الإخبارية مصحوباً بزيادة في نسبة الصحفيات. ومن خلال الدراسة اللاحقة التي أجريت عام 1982، أفاد الباحثان ديفد إتش. ويفر وجي. كليفلاند ويلهويت في كتاب صدر عام 1986 بعنوان "الصحفي الأميركي"، بأن أكثر من 34% من الموظفين العاملين في الصحف اليومية كانوا من النساء، وأن ما نسبته 33% منهنَّ يعملنَ في التلفزيون، ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى حوافز الترخيص الحكومي. وظلت هذه النسب ثابتة تقريباً على مدى السنوات العشرين اللاحقة، على الرغم من أنه في أواخر العام 1970، قبل عدة سنوات من الدراسة الأولى التي أجراها ويفر وويلهويت، شكلت المرأة أغلبية طلاب الصحافة بنسبة 60% أو أكثر من طلبة الصحافة منذ مطلع العام 1980.

وقد تم قياس التقدم الذي تُحرزه المرأة في الوظيفة خلال العام 1980 والعام 1990 في تقلدها مناصب إدارية في الصُحف والتلفزيون. وحسب تقديرات الاستبيان السنوي للصحف اليومية التي تم إجراؤها عام 2001 من قبل الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصُحف (ASNE)، فإن النساء كن يشكلن نحو 37% من موظفي غرفة الأخبار (للسنة الثانية) و34% من مشرفيها. وقد أفاد الاستبيان السنوي الذي أجرته جمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون (RTNDA) عام 2000 بأن النساء يشكلن ما نسبته 40% من موظفي غرفة الأخبار، وقرابة 35% من طواقم إدارة الأخبار التلفزيونية.

وبعيداً عن أقسام الأخبار، أفادت دراسة أجرتها جمعية الصحف الأميركية (NAP)-وهي النقابة المهنية لإدارة الصُحف اليومية- بأن المرأة شكلت ما نسبته 20% من المسؤولين التنفيذيين لكبرى الصحف عام 1998 (في مناصب الناشر والمدير العام والرئيس وغير ذلك). وقد بلغت هذه النسبة 9% عام 1990. ووجدت جمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون أن المرأة شكلت ما نسبته 14% من المدراء العامين للتلفزيون عام 2000، "دون وجود نمط ثابت استناداً إلى حجم السوق أو حجم الموظفين أو الانتماء أو المنطقة".

وقد تتبّع أستاذ الصحافة فيرنون ستون وضع المرأة في التلفزيون والإذاعة لأكثر من عشرين عاماً، وأظهرت تحليلاته أن المرأة تتقدم من الإدارة في محطات صغيرة ومستقلة إلى محطات أكبر مملوكة لمجموعات وشبكات. ولم يتتبّع أحدٌ أعدادَ النساء وأوضاعهن في الصحف بشكل مستمر كما فعل ستون وجمعية محرري الأخبار للإذاعة والتلفزيون (التي دعمت عمل ستون في مواصلة الاستبيانات السنوية بالتعاون مع أساتذة آخرين بعد تقاعده). وهناك حاجة لإعادة النظر في مشوار المرأة في العمل الصحفي من مصادر أخرى، بما في ذلك الحصول على روايات مُتكاملة من نساء في مختلف المهن الصحفية وعدد من المشاريع البحثية الأخرى، مع أن معظمها لم يقدم إلا بعض النتائج المتعلقة بالجندر.

المرأة والصحافة

الحديث حول المرأة والصحافة وعملها في الصحف أمر بالغ التعقيد، ولا يمكن الإحاطة به بمجرد سرد الأرقام والإحصاءات. فهذا الأمر يرتبط بطبيعة الحال باتجاهات مجتمعية عامة. كانت الستينيات والسبعينيات، بالإضافة إلى العقود التي ازداد فيها حضور المرأة بين موظفي غرف الأخبار، وهي سنوات التغطية الإخبارية المذهلة للحقوق المدنية والحرب في فيتنام وفضيحة ووترغيت والاغتيالات والاستقالات وغير ذلك من القصص التي لم يسبق تغطيتها.. لقد كانت تلك الفترة -باختصار وكما اصطُلِح عليها في عالم الصحافة- "سنوات الأخبار العظيمة".

وقد شهدت هذه العقود ظهور الجيل الرائد من النساء اللواتي تمت ترقيتهنّ في جميع مجالات إدارة الصحف (قرابة 3% بشكل عام وأكثر من 5% في المناصب الإشرافية فيما يتعلق بالأخبار في منتصف السبعينيات). ولكن التحديات الأخرى التي واجهت على نحو متزايد مدراء تحرير الصحف خلال العام 1960 والعام 1970، كانت تتمثل في أن أخبار التلفزيون كانت تلقى استحساناً من قبل المشاهدين والمُعلنين على حساب الصحف التي تراجع توزيعها في المنازل. وباتت إمكانات التقنيات على إحداث ثورة في الإنتاج واضحة، وكذلك التكاليف الضخمة المتكبدة في رأس المال وفي فقدان حرف إنتاج الصحف. وقد باع مالكو الصحف من العائلات صحفهم إلى مجموعات أو سلاسل، وطرحت شركات الصحف -سواء أكانت مملوكة لعائلات أو غير ذلك- أسهم شركاتها للعامة. وقد تم اعتماد الممارسات التجارية السائدة في قطاعات الأعمال المعتادة الأخرى كي تتكيف مع الوضع الجديد القائم في عالم الصحافة.

وبينما ازداد عدد النساء العاملات في الصحافة وتعززت خبراتهن، لاحظ البعض أن المرأة لا تحصل على الأجور والترقيات على قدم المساواة مع زميلها الرجل. ونادراً ما جلبت إثارة مثل هذه القضايا مع المدراء أي تغيير، لذلك قُدمت شكاوى رسمية إلى لجنة تكافؤ فرص العمل (EEOC) ورُفعت دعاوى قضائية. ووفقاً لما كان سائدا في نظر كثيرين، فإنه يجب على المرأة أن تكون راضيةً بمجرد السماح لها بأن تعمل صحفية في مجال الأخبار الجادَّة.

لم تكن إجراءاتهم في البداية إلا إضافة للمشاكل القائمة، (بل حصل أن سخر مدير تنفيذي في أسوشيتد برس من الفرق في الزيادات على الأجور بين موظف وموظفة في الوكالة، بينما كانت هناك دعوى قضائية ضدها فيما يتعلق بالتمييز بناء على الجندر في بداية الثمانينيات). ومع ذلك حظيت النساء اللواتي كن يعملن لدى وكالة أسوشيتد برس ونيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرها بتغييرات على الصعيدين المالي والإداري في تسويات قانونية لتجنب عرض القضايا على المحاكم. ومنذ بداية تصاعد هذه الحملات القانونية (تقدمت النساء العاملات في مجلة نيوزويك بأول شكوى أمام لجنة تكافؤ فرص العمل ضد مؤسسة إخبارية كبرى عام 1970)، أدت الدعاوى القضائية إلى إجبار العديد من مسؤولي الصحف التنفيذيين على التعامل مع مسألة التنوُّع والجندر بشكل أكثر جدية. وفي منتصف العام 1970، خصصت شركة جانيت الإعلامية جزءا من مكافآت المسؤولين التنفيذيين للطريقة التي قام بها المدراء الناجحون في مساعدة النساء والأقليات على إحراز التقدُّم في العمل.

وفي عام 1978، أولى قادةُ الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف اهتماماً كافياً فيما يتعلق بالافتقار إلى الصحفيين المنتمين إلى الأقليات، حيث أخذوا على أنفسهم عهداً بأن يركزوا على زيادة تنوُّع الموظفين وشرعوا في إجراء استبيان سنوي لرصد التقدُّم المحرز بهذا الصدد، إلا أنّه لم يتم ذكر الجندر صراحة.

2- اجتماع طاقم عمل صحيفة "هيث ميريويذر" في ديترويت عام 1989، وقد أولت الصحافة الأميركية نهاية السبعينيات اهتماما بالتنوع العرقي والنوعي للعاملين في حقلها - غيتي.
2- اجتماع طاقم عمل صحيفة "هيث ميريويذر" في ديترويت عام 1989، وقد أولت الصحافة الأميركية نهاية السبعينيات اهتماما بالتنوع العرقي والنوعي للعاملين في حقلها - غيتي.

وبشكل غير رسمي، تمت متابعة زيادة الأدوار التي تقوم بها المرأة في مجال التحرير من خلال احتساب عدد وظائف التحرير في كل إصدار سنوي لدليل المُحرِّرين والناشرين. ولم يكن الركود في الموظفين الفنيين واضحاً بعد، وكان هدف الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف متمثلاً في جعل عدد الموظفين المنتمين إلى الأقليات مساوياً لمجموعة الأقلية بحلول العام 2000. وبحلول العام 1998، كانت نسبة الصحفيين المنتمين إلى الأقليات بالكاد تصل إلى 11%، فأجّلت الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف الموعد المُستهدف لتحقيق المساواة مع مجموعات الأقليات إلى العام 2025، وأضافت مسائل تتعلق بالنوع والجندر إلى الاستبيان.

ومن بين هؤلاء الذين مارسوا الضغوط على الجمعية الأميركية لمُحرِّري الصحف لإضافة المرأة إلى الدراسة الاستقصائية السنوية، كانت منظمة الصحافة والمرأة (JAWS) التي أدركت ضرورة معرفة ما كان يجري. (لقد تبين أن النسوة البيض هنّ المجموعة الكبرى الوحيدة وفق استبيان "Census 2000"، إذ كانت أعدادهن في كوادر العاملين بالأخبار قريبة من النسبة المطلوبة). ويبدو أن المشكلة واسعة النطاق على مستوى النظام، بالرغم من أن المرأة تهيمن على كليات الصحافة، إلا أن العمل في الصُحف ليس الخيار الأول لنسبة كبيرة منهن، (ربما يعكس ذلك أيضاً انخفاض قراء الصحف من الإناث مقارنة بأكأالذكور). وعلاوة على ذلك، كانت المرأة عموماً تُشكِّل ما لا يزيد عن نصف الخريجين الجُدد الذين تم تعيينهم من قبل صُحف مختلفة. وتغادر النساء الوظائف في الصحف بمعدل أعلى منه عند الرجال. وقد رصدت جمعية الصحف الأميركية (NAA) دوران موظفي الصحف لأكثر من عقد من الزمن من خلال إجراء استبيانات دورية لإدارة مُعدَّل الدوران واستبيانات حول الأشخاص الذين غادروا وظائف في الصحف. [يمكن الاطلاع على نتائج تلك الاستبيانات على الموقع الإلكتروني التالي: www.naa.org].

وأفاد مركز إدارة الإعلام في جامعة نورث وسترن، بعد دراسة لمدة سنتين اشتملت على دراسة استقصائية ومقابلات، بأن "تمثيل المرأة في إدارة الصحف ضعيف" وأنها "محصورة في المناصب الإدارية المنخفضة والمتوسطة". وفي تقريره الأخير بعنوان "المرأة في الصحف"، يناقش المركز "التصوُّرات المختلفة تماماً للعقبات الرئيسية التي تحول دون تقدُّم المرأة"، ويذكر كذلك السبل التي تستطيع الصحف من خلالها تقليل معدل دوران العنصر النسائي، الذي لا يزال أعلى من الرجال، وتزيد من احتمال تعزيزها. لقد أتت هذه الدراسة بعدما أدرك المركز أنه في برامجه المخصصة لكبار المسؤولين التنفيذيين، في الصفوف التي تشتمل على ما بين 30 إلى 40 شخصا من الوظائف العليا في مجال الصحافة، "لم يكن هناك سوى عدد قليل من النساء".

وقد أجرى منتدى الحرية (Freedom Forum) مشروعا بحثيا عام 1999 ضمَّ صحفيين من صُحف توزَّع على 25 ألف شخص أو أكثر، للتعرف على مدى الرضا الوظيفي ودوران الأقليات العرقية/الإثنية. وقد اشتملت عينة البحث التي يبلغ مجموع المشاركين فيها 853 صحفيا على 351 من الصحفيين البيض، و452 من الأقليات الإثنية/العرقية لغرض المشروع. وبإعادة تحليل العيِّنات حسب نوع الجنس (463 رجلا و389 امرأة)، عادة ما تكون العيِّنات صغيرة جداً بحيث توفر أدلة أكثر من الاستنتاجات، ولكنها تُظهر أهمية البحث عن المعلومات حسب الجنس والعرق/الأصل الإثني والعمر. وتتفق المجموعات الفرعية المختلفة أحياناً بشكل كامل تماماً تقريباً مع التقسيم حسب الجنس أو العرق/الأصل الإثني، وتكون كل مجموعة مختلفة تماماً عن المجموعات الأخرى في أحيان أخرى.

تشير النساء اللواتي قلن أكثر من الرجال بأنهن قد يغادرن العمل الصحفي في الصحف بسبب عوامل رئيسية من سلبيات ظروف العمل، كالتوتر والاعتبارات العائلية والإنهاك و"الشعور بالعزلة عن الزملاء". وقد تم طرح الأسئلة فقط على هؤلاء المستجيبين الـ400 الذين قالوا بأنهم غادروا العمل الصحفي في الصحف. وفي هذه المجموعة، وافقت النساء البيض والرجال من أصل أفريقي بشدَّة على أن شيئا ما "يمكن القيام به" لتشجيعهم على عدم ترك العمل في المؤسسات الصحفية. وقد تم طرح سؤال العينة كلها حول بعض المواقف الأكثر وضوحاً، كدعم المشرف المباشر لتقارير صحفيين أفراد والاهتمام بالتنمية المهنية لهم مثلاً. ولم يتم تقديم إجابات منفصلة من قبل أكثر من 40% من الذين قالوا إنهم قد يتركون العمل الصحفي. وكما هو الحال في أسئلة التقييم الأخرى، كان بعض هؤلاء النساء ككُل أكثر إيجابية من الرجال. وبالمثل، لم تُطرح بعض الأسئلة الأساسية إلا على أقلية من الصحفيين. وتظهر الردود الجماعية أن الصحفيات من ذوات البشرة المُلوَّنة اللواتي يبلغن أكثر من 35 عاما هن الأكثر قلقا، وهذه النتيجة تُحاكي النتائج التي توصلت إليها جمعية الصحف الأميركية، المتمثلة في أن مستوى الرضا بين الموظفين السابقين إزاء تجربة المرأة الأفريقية الأميركية؛ كان في أدنى مستوياته.

تأثير المرأة في التغطية الإخبارية

تتضارب الأقوال حول ما إذا كانت زيادة عدد الصحفيات في أي مؤسسة صحفية يؤثر على المضمون كذلك. وابتداءً من العام 1989، حصر أم. جونيور بريدج العناوين الثانوية التي تعدها صحفيات، والنساء في صور الأخبار والتقارير الإخبارية في عيِّنة مؤلفة من عشرين صحيفة للنساء والرجال والإعلام. وتظهر ثمانية تقارير سنوية لها، ارتفاع العناوين الثانوية للمرأة في صفحتها الأولى من 27% (في عيِّنة السنة الأولى لعشر صحف) إلى نطاق يتراوح ما بين 33 إلى 35% على مدى السنوات الخمس الماضية (قريب من نسبة الموظفين). وقد تم ذكر النساء في 11% فقط من التقارير الإخبارية عام 1989، بينما ارتفع ذلك إلى نسبة 25% عام 1993، ثم انخفض إلى نسبة 15% عام 1996. وينطبق هذا على وضع صور النساء في التقارير الإخبارية، ولكن النسبة كانت أعلى، إذ بلغت 27% عام 1989، و39% عام 1993، و33% عام 1996.

كجزء من مشروع طموح للقُرّاء، حلّل مركز إدارة الإعلام بجامعة نورث وسترن جميع التقارير الإخبارية لمدة أسبوع عام 2000 من 100 صحيفة. وأظهر التحليل أن الرجال جاء ذكرهم بنسبة 93% في 3500 تقرير من تقارير الصفحة الأولى، بينما كان نصيب النساء في ذلك 50%. وكانت النساء يشكلن نحو 20% فقط من المصادر عموماً. وتظهر النتائج الصادمة موضوعات لتقارير يذكر فيها الرجال فقط كمصادر (أكثر من 60% حول العلوم والبيئة، وقرابة 60% حول الأبوة والأمومة والدين) والتقارير التي تذكر امرأة واحدة على الأقل كمصدر (68% في التقارير المتعلقة بالتعليم، وأكثر من 67% في التقارير المتعلقة بالصحة والمنزل والطعام والأزياء والسفر). ونظراً لعمق المشروع واهتمامه بحصر جميع البيانات التي يمكن تصورها وتحليلها، فإنه قد يقدم فكرة عن الارتباط بين التنوُّع الموجود بين كوادر المؤسسة الصحفية وبين شكل ارتباط مجتمع قرائها بها.

وتناقلت الروايات أن الصحفيات (والصحفيين والصحفيات من ذوي البشرة الملوَّنة) لديهم أمثلة كثيرة حول الطرق التي أحدثوا بها اختلافات في مضمون الأخبار والموضوعات التي يتم تناولها، والمصادر التي تم الرجوع إليها أو المنقول عنها، ونهج سرد التقارير، وكيف تتم تغطية التقارير وإيضاحها، وكيفية إدارة الصُحف. فوجود المرأة كمصدر لا يضمن -بطبيعة الحال- وجهات نظر مختلفة عن تلك التي يعبّر عنها الرجال أو يحددون ما هو الخبر، تماما كما لا يمكن في غياب العنصر النسائي نفي هذه الاحتمالات. ولكن، يمكن القول بأن وجودها يزيد من هذه الاحتمالات كما وجدت مؤسسة بريدج في دراستين بحثيتين قامت بهما.

  • الدراسة الأولى أجريت لصالح مجموعة استشارية في ولاية أوريغون، وبحثت عن كيفية الحديث عن القادة/القيادة في صحف مُختارة وغيرها من المنشورات عامي 1994 و1996. وبشكل أساسي، وجدت أن الرجال البيض وُصفوا بأنهم قادة، في حين لم يوصف النساء والرجال من ذوي البشرة الملوَّنة بأنهم كذلك، مع أنهم يملكون نفس الصفات التي يملكها الرجل الأبيض.
  • وبحثت الدراسة الثانية فيما إذا كانت الممرضات يشاركن في إعداد التقارير الصحية في سبع صحف في سبتمبر/أيلول 1997 وكيف يقمن بذلك، بالإضافة إلى مجلات إخبارية ومنشورات تجارية. وقادت بريدج مجموعة البحث التي وجدت بأن ما نسبته 9% من تقارير ذلك الشهر كانت حول الرعاية الصحية. وقد شكلت الممرضات -أكبر مجموعة مهنية في الرعاية الصحية (2.5 مليون)- ما نسبته 4% فقط من المصادر في معظم الأحيان في أقسام الأخبار المحلية وفي التقارير التي يكون فيها عناوين ثانوية حول العنصر النسوي. (وجد بحث مشابه في ثلاث صحف رئيسية عام 1990 أن الممرضات شكَّلن ما نسبته 1% فقط من المصادر المنقول عنها بشكل مباشر، مع عنوان ثانوي للجنسين لا علاقة له بالممرضات كمصادر. وكثيراً ما تم الاستشهاد بطبيبات من قبل صحفيات بما هو أكثر -إلى حدٍّ ما- من حضورهن في الميدان).

كما يرسل حضور المرأة الأكبر رسالة إلى القُرّاء توحي بزيادة مستوى الاحتمالات والتنوُّع. كما يساعد في الردِّ على الشكوى القائلة: "لا أرى نفسي في تلك الصحيفة"، التي نسمعها من بعض الذين يعتقدون بأن الصحف لها أهمية ضئيلة أو لا أهمية لها أصلاً عندهم.

5- تناقلت الروايات أن الصحفيات والصحفيين من ذوي البشرة الملونة أحدثوا اختلافا في مضمون الأخبار والموضوعات المُتناولة. تصوير: جيف هينز – رويترز.
5- تناقلت الروايات أن الصحفيات والصحفيين من ذوي البشرة الملونة أحدثوا اختلافا في مضمون الأخبار والموضوعات المُتناولة. تصوير: جيف هينز – رويترز.

إن تعميق الشعور بالاحتمالية يأتي من تقرير بتكليف من مركز بيو للصحافة المدنية (Pew Center for Civic Journalism)، نُشر في الصيف الماضي. وقد صرَّحت نسبة كبيرة من المُحرِّرين والمُحرِّرات الذين استجابوا للتقرير وعددهم 360 من أصل 512 مُحرِّرا يعملون في صُحف تُوزَّع على عشرين ألف قارئ أو أكثر، بأنهم وموظفيهم يعملون بشتَّى السبل لتغطية جوانب مختلفة للتقارير، لا مجرد النزاعات أو الإشكالات. فعلى سبيل المثال، أفاد أكثر من نصفهم بأنهم يحاولون "دائماً" أو "في معظم الأوقات" أن يقدموا تقارير حول "الخيارات أو التنازلات التي قد يحتاج إليها مجتمع ما لمعالجة قضية مجتمعية". ولعلَّه من قبيل الصدفة أن المرأة تستطيع أن تفهم قضايا بهذا المستوى من التعقيد أكثر من الرجل.

وبينما بدأت المرأة تشقّ طريقها نحو عالم الصحافة، أخذتُ على عاتقي أن أبدأ رحلتي في مجال تغطية الأخبار المُتعلقة بالحكومة والسياسة.. لم أكن أعرف أن هناك قضايا حول الصحفيات.. اكتشفت ذلك بسرعة وبتشجيع من مديري، وسعيتُ لإيجاد سبل للتعامل مع هذه القضايا. وفي نهاية المطاف، قبلت نقلة إلى المستويات الإدارية، إذ اعتقدت كثير من النساء ومن رؤسائنا الذين يعززون الأجواء التي يكتنفها التنوُّع، بأن بعضنا كان عليه أن ينتقل إلى هذه المستويات للمساعدة في إحداث التغييرات التي يمكن أن تحقق عملاً أفضل للنساء والرجال، ويمكن أن تساعد الصحافة في أن تخدم الجمهور بشكل أكثر فعالية.. لم نكن نعتقد بأن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً ليحدث.

تجربة الرائدات في هذا المجال، هؤلاء النساء اللاتي كُنَّ "الأوائل"، و"الوحيدات"، واللواتي تصدين لهذه القضية بكل شجاعة، جنباً إلى جنب مع تزايد أعداد النساء اللواتي يعملنَ اليوم في الصُحف وفي المكاتب التنفيذية، تساعد على تحديد وجهات النظر والقيم التي تجلبها العديد من النساء إلى وظائفهن. ولا تزال الأبحاث تساعد كذلك في توضيح القضايا والفرص وتحديدها.

وعندما يُنظر إلى هذه المعارف من خلال منظور وجهات نظر مختلفة، فإنها يمكن أن تؤدي إلى توسيع الأرضية المُشتركة بين الجنسين. وعلى هذه النقاط للأرضية المشتركة، يمكن العثور كذلك على طُرق لزيادة قيمة الصحافة بالنسبة إلى الديمقراطية. ولسوء الحظ، تُذكِّرنا البحوث بأن الصحفيات في الوقت الراهن –خصوصا- يجب أن يواصلن طرح أسئلة صعبة حول مهنتنا، ومواصلة الاهتمام بشكل كاف بالإصرار على الحصول على إجابات لتلك الأسئلة.

 

(نشر هذا التقرير عام 2002. كريسيتي بولكيلي كانت واحدة من أهم الصحفيات في الولايات المتحدة، وقد كان لدورها الريادي في النشر ورئاسة التحرير في عدد من الصحف المشهورة دور بارز في تطوّر دور المرأة القيادي في عالم الصحافة والنشر بأميركا، ولا سيما الأبحاث والدراسات التي أشرفت عليها في هذه القضية، ومن أشهرها هذا التقرير).

 

 

More Articles

Journalists in DR Congo Face New Threats, Censorship in a Decades-long Conflict

Countless journalists have been arbitrarily arrested, kidnapped or have disappeared in the fog of the protracted war tearing the eastern Democratic Republic of Congo apart. The renewed M23 offensive augurs a more uncertain future for these ‘soldiers of the pen’.

Nalova Akua
Nalova Akua Published on: 3 Mar, 2025
The Whispers of Resistance in Assad’s Reign

For more than a decade of the Syrian revolution, the former regime has employed various forms of intimidation against journalists—killing, interrogations, and forced displacement—all for a single purpose: silencing their voices. Mawadda Bahah hid behind pseudonyms and shifted her focus to environmental issues after a "brief session" at the Kafar Soussa branch of Syria’s intelligence agency.

Mawadah Bahah
Mawadah Bahah Published on: 18 Feb, 2025
Charged with Being a Journalist in Sudan

Between the barricades of the conflicting parties, sometimes displaced, and sometimes hiding from bullets, journalist Iman Kamal El-Din lived the experience of armed conflict in Sudan and conveyed to Al-Sahafa magazine the concerns and challenges of field coverage in a time of deception and targeting of journalists.

Iman Kamal El-Din is a Sudanese journalist and writer
Eman Kamal El-Din Published on: 2 Feb, 2025
Sports Photojournalism in Cameroon: A Craft at Risk in the Digital Age

Sports photojournalists in Cameroon face growing challenges, from the rise of mobile photography and content creators to financial struggles, piracy, and a widespread expectation for free images. Despite these obstacles, professionals emphasise the need for innovation, investment in training, and greater respect for their craft to ensure the survival of photojournalism in a rapidly evolving digital landscape.

Akem
Akem Nkwain Published on: 30 Jan, 2025
The Occupation’s War on Journalism in the West Bank

Every day here is a turning point; every moment, every step outside the house could mean returning safely—or not. A journalist may be injured or arrested at any time.” This statement by journalist Khaled Bdeir succinctly captures the harsh reality of practicing journalism in the West Bank, particularly after October 7.

Hoda Abu Hashem
Hoda Abu Hashem Published on: 26 Jan, 2025
From Journalism to Agriculture or “Forced Unemployment” for Sudanese Journalists

How did the war in Sudan push dozens of journalists to change their professions in search of a decent life? In this article, colleague Muhammad Shaarawi recounts the journey of journalists who were forced by war conditions to work in agriculture, selling vegetables, and other professions.

Shaarawy Mohammed
Shaarawy Mohammed Published on: 23 Jan, 2025
Fake Accounts with Arab Faces: "A Well-Organized Cyber Army"

Israel has launched a digital war against Palestinians by flooding social media with fake accounts designed to spread disinformation, distort narratives, and demonize Palestinian resistance. These accounts, often impersonating Arabs and mimicking regional dialects, aim to create fake public opinion, promote division among Arab nations, and advance the Israeli agenda in the digital space.

Linda Shalash
Linda Shalash Published on: 29 Dec, 2024
Citizen Journalism in Gaza: "The Last Witness"

With a phone camera, Abboud Battah appears every day from northern Gaza, documenting the crimes of the occupation in a language that is not devoid of spontaneity that led to his being arrested. When the Israeli occupation closed Gaza to the international press, killed journalists, and targeted their headquarters, the voice of the citizen journalist remained a witness to the killing and genocidal war.

Razan Al-Hajj
Razan Al-Hajj Published on: 25 Dec, 2024
A Survivor Interview should not be Considered a Scoop

Do ethical and professional standards allow for interviewing survivors while they are in a state of trauma? How should a journalist approach victims, away from sensationalism and the pursuit of exclusivity at the expense of their dignity and right to remain silent?

Lama Rajeh
Lama Rajeh Published on: 23 Dec, 2024
Censorship, Militarisation, and Dismantlement: How Public Media Became a Political Battlefield in Latin America

Public media in Latin America, such as Brazil's EBC and Argentina's Télam, are being undermined through militarisation and dismantlement, threatening their role as public institutions. These actions jeopardise media independence and weaken their ability to serve the public interest, posing a serious risk to democracy.

Rita Freire Published on: 19 Dec, 2024
Independent Syrian Journalism: From Revolution to Assad's Fall

Independent Syrian journalism played a pivotal role in exposing regime corruption and documenting war crimes during the 13-year revolution, despite immense risks to journalists, including imprisonment, assassination, and exile. Operating from abroad, these journalists pioneered investigative and open-source reporting, preserving evidence, and shaping narratives that challenged the Assad regime's propaganda.

Ahmad Haj Hamdo
Ahmad Haj Hamdo Published on: 17 Dec, 2024
Journalists and the Gen–Z protest in Kenya

Caught between enraged protesters and aggressive police officers, journalists risked their lives to keep the world informed about the Gen–Z protests in Kenya. However, these demonstrations also exposed deeper issues regarding press freedom, highlighting a troubling aspect of Ruto’s government.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 12 Dec, 2024
Behind the Burka: Journalism and Survival Under Taliban Rule

An account of a female Afghan journalist who persisted in her work in spite of the Taliban's comeback, using her writing to expose the harsh realities of oppression and promote women's rights. In defiance of the Taliban government's prohibitions on female education, she oversaw underground schools for girls and reported under a pseudonym while constantly fearing for her safety.

Khadija Haidary
Khadija Haidary Published on: 8 Dec, 2024
Fact or Fiction? Quantifying the 'Truth' in True-Crime Podcasts

Over the centuries, true crime narratives have migrated across mediums—from tabloids and books to documentaries, films, and, most recently, podcasts. Despite these evolutions, one constant endures: the storytellers’ drive to detail the darkest corners of human behaviour and the insatiable curiosity of their audiences.

Suvrat Arora
Suvrat Arora Published on: 28 Nov, 2024
Why Are Journalists Being Silenced in Kashmir?

Since the revocation of Article 370 in 2019, press freedom in Indian-administered Kashmir has sharply declined, with local journalists facing harassment, surveillance, and charges under anti-terror laws, while foreign correspondents are denied access or deported for critical reporting. These measures, aimed at controlling the region’s narrative and projecting normalcy, have drawn widespread criticism from international watchdogs, who warn of increasing suppression of both domestic and foreign media.

headshot
AJR Correspondent Published on: 27 Nov, 2024
Gender Inequity in Sports Reporting: Female Journalists Demand Equality

Gender inequality persists in sports journalism, with female reporters significantly under-represented, as shown by studies revealing that only 5.1% of sports articles are written by women. Advocates call for equal representation, more inclusive hiring practices, and a broader focus on women's sports to challenge stereotypes, improve coverage, and give women a stronger voice in shaping sports narratives.

Akem
Akem Nkwain Published on: 18 Nov, 2024
Challenging the Narrative: Jeremy Scahill on the Need for Adversarial Journalism

Investigative journalist Jeremy Scahill calls for a revival of "adversarial journalism" to reinstate crucial professional and humanitarian values in mainstream Western media, especially regarding the coverage of the Gaza genocide.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 10 Nov, 2024
Monitoring of Journalistic Malpractices in Gaza Coverage

On this page, the editorial team of the Al Jazeera Journalism Review will collect news published by media institutions about the current war on Gaza that involves disinformation, bias, or professional journalistic standards and its code of ethics.

A picture of the Al Jazeera Media Institute's logo, on a white background.
Al Jazeera Journalism Review Published on: 23 Oct, 2024
A Year of Genocide and Bias: Western Media's Whitewashing of Israel's Ongoing War on Gaza

Major Western media outlets continue to prove that they are a party in the war of narratives, siding with the Israeli occupation. The article explains how these major Western media outlets are still refining their techniques of bias in favor of the occupation, even a year after the genocide in Palestine.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 9 Oct, 2024
Testimonies of the First Witness of the Sabra & Shatila Massacre

The Sabra and Shatila massacre in 1982 saw over 3,000 unarmed Palestinian refugees brutally killed by Phalangist militias under the facilitation of Israeli forces. As the first journalist to enter the camps, Japanese journalist Ryuichi Hirokawa provides a harrowing first-hand account of the atrocity amid a media blackout. His testimony highlights the power of bearing witness to a war crime and contrasts the past Israeli public outcry with today’s silence over the ongoing genocide in Gaza.

Mei Shigenobu مي شيغينوبو
Mei Shigenobu Published on: 18 Sep, 2024
Journalist Mothers in Gaza: Living the Ordeal Twice

Being a journalist, particularly a female journalist covering the genocide in Palestine without any form of protection, makes practicing journalism nearly impossible. When the journalist is also a mother haunted by the fear of losing her children, working in the field becomes an immense sacrifice.

Amani Shninu
Amani Shninu Published on: 15 Sep, 2024
Anonymous Sources in the New York Times... Covering the War with One Eye

The use of anonymous sources in journalism is considered, within professional and ethical standards, a “last option” for journalists. However, analysis of New York Times data reveals a persistent pattern in the use of “anonymity” to support specific narratives, especially Israeli narratives.

Mohammad Zeidan
Mohammad Zeidan Published on: 8 Sep, 2024
Cameroonian Journalists at the Center of Fighting Illegal Fishing

While the EU’s red card to Cameroon has undeniably tarnished its image, it has paradoxically unlocked the potential of Cameroonian journalists and ignited a movement poised to reshape the future. Through this shared struggle, journalists, scientists, conservationists, storytellers, and government officials have united, paving the way for a new era of ocean advocacy.

Shuimo Trust Dohyee
Shuimo Trust Dohyee Published on: 21 Aug, 2024
The Gaza Journalist and the "Heart and Mind" Struggle

Inside the heart of a Palestinian journalist living in Gaza, there are two personas: one is a human who wants to protect his own life and that of his family, and the other is a journalist committed to safeguarding the lives of the people by holding on to the truth and staying in the field. Between these two extremes, or what journalist Maram Hamid describes as the struggle between the heart and the mind, the Palestinian journalist continues to share a narrative that the occupation intended to keep "away from the camera."

Maram
Maram Humaid Published on: 18 Aug, 2024