كيف تتحرر الصحافة السورية من إرث الماضي؟

 توجد الصحافة في صلب النقاش بشأن عملية التحول الديمقراطي التي تتبع سقوط الأنظمة الاستبدادية والقمعية، إذ يشكل وسيلة للتغيير ودعم المساءلة، أو ربما أداة لإعادة إنتاج الأنماط القمعية بوجوه جديدة. في سوريا، كان الإعلام لعقود طويلة جزءا لا يتجزأ من منظومة السلطة. ومع سقوط النظام، تبرز فرصة نادرة لإعادة تعريف دور الإعلام وجعله رافعة للتحول الديمقراطي.

لكن هذه المهمة ليست سهلة؛ فالمشهد الإعلامي السوري اليوم يواجه تحديات كبيرة: ترِكة النظام القديم، وغياب المهنية، وضعف التمويل، والانقسامات السياسية، والتحديات الثقافية والأنثروبولوجية. فهل يستطيع أن يتحرر من إرث الماضي؟ وهل يمكن أن يصبح قوة دافعة نحو التعددية والمساءلة؟

تشير دراسة عن دور الإعلام في التحول الديمقراطي، للكاتب بن صغير زكرياء، إلى أنّ وسائل الإعلام من أبرز العوامل المؤثرة في صناعة القرار السياسي، لكونها تنقل توجهات الرأي العام، وتسهم في تحقيق مزيد من الديمقراطية؛ ذلك أن دور الإعلام لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد ليكون بمنزلة مرشد لصانعي القرار السياسي يعتمدون عليه لتوجيه ردود أفعالهم وتحديد سياساتهم. في هذا السياق، يتأثر صانع القرار مباشرة برؤية الإعلام لما يحدث في الساحة السياسية، خصوصا فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي.

تتزايد الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام في هذه العملية إذا كانت مقرونة بالحرية؛ إذ تسهم في تشكيل رؤية صانعي القرار بشأن الديمقراطية، وتعكس تأثير الرأي العام على سياسات الحكم. علاوة على ذلك، توفر القدرة على نقل المعلومات بسرعة تفوق القنوات الرسمية، الأمر الذي يسمح للمسؤولين صناعة قرارات واعية ودقيقة.

المشهد الإعلامي السوري يواجه تحديات كبيرة: ترِكة النظام القديم، وغياب المهنية، وضعف التمويل، والانقسامات السياسية، والتحديات الثقافية والأنثروبولوجية. فهل يستطيع أن يتحرر من إرث الماضي؟ وهل يمكن أن يصبح قوة دافعة نحو التعددية والمساءلة؟

 

تفكيك النظام الإعلامي القديم

 كان الإعلام الرسمي لعقود طويلة امتدادا ليد السلطة عبر تغطيته المضللة خلال لحظة الثورة وقبلها، فلم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل جزءا من آلة سياسية تهدف إلى السيطرة على الوعي وترسيخ هيمنة النظام. عملت وكالة الأنباء السورية "سانا"، إلى جانب التلفزيون الرسمي وصحف مثل "البعث" و"تشرين"، على تشكيل خطاب يضفي الشرعية على النظام ويحميه من أي مساءلة أمام الشعب.

بعد اندلاع الثورة في 2011، ازدادت حدة هذا التوظيف السياسي للإعلام. وهكذا وُصِف المتظاهرون السلميون بـ"الإرهابيين"، وسُوّقت الثورة على أنها "مؤامرة كونية". كذلك عمل الإعلام الرسمي على تشويه سمعة المعارضة ونشر الأكاذيب لتبرير القمع أو إخفائه متبنيا سرديات مغايرة تتلاعب بالحقائق، وتغطي على الأساليب القمعية التي مارسها النظام بحق الشعب بطوائفه شتى.

 وفقًا لدراسة تناولت البنية الخطابية لإعلام الثورة السورية صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أنجزها الأستاذ يحيى عريضي الباحث المختص في علوم الإعلام والاتصال، فإن الصحافة الرسمية، كرّست تغييب المطالب الشعبية الحقيقية وإحلال خطاب يشيع الخوف من التغيير​​.

بعد شهر من انهيار النظام، ومع غياب وسائل الإعلام الرسمية عن تغطية الأحداث داخل البلاد، يبرز سؤال أساسي: هل يمكن لتلك المؤسسات، التي خضعت لعقود طويلة لدعاية النظام، أن تتحول إلى منصات تخدم الشعب وتعزز الديمقراطية؟

في مقابلة له مع صحيفة الغارديان، أدلى زياد محاميد، المدير المؤقت لوكالة "سانا"، بتصريحات  يبرز فيها أن الوكالة تسعى لأن تصبح "غير منحازة"، إلا أن التغيير الحقيقي يتطلب إرادة سياسية جادة وإصلاحات عميقة. ويوضح محاميد أن المشكلات الكبيرة التي واجهتها الوكالة في عهد النظام السابق، تتمثل في استخدام برامج قديمة وكاميرات متقادمة، إضافة إلى النقص في التجهيزات التي تتيح تغطية الأحداث بفاعلية، بينما لا يزال الوقت باكرا للحكم عما إذا كانت الوكالة قادرة على نشر محتوى ينتقد الحكومة الانتقالية.

 

ماذا يحتاج الإصلاح؟

يواجه إصلاح الإعلام في سوريا تحديات معقدة أبرزها استعادة الثقة المفقودة لدى الجمهور، المتأثرة بعقود طويلة من التزييف والتضليل من قبل الإعلام الرسمي، وحتى مع وجود تغييرات في القيادة أو بنية الخطاب، فإن بناء الثقة يتطلب وقتا ومصداقية حقيقية في التغطية الصحفية. على الجانب الآخر، يبرز تحدي إعادة تأهيل كوادر الإعلام الذين عملوا سابقا في ظل نظام اعتاد على تقديم الولاء على المهنية، ما يستدعي برامج تدريب متخصصة وشراكات مع منظمات دولية لدعم تبني أسس الصحافة المستقلة. وفي ظل تفكيك المؤسسات الإعلامية القديمة من دون توفير بدائل فعالة، يتجلى الفراغ الإعلامي بوصفه خطرا كبيرا؛ إذ أدى غياب القنوات الرسمية لنقل الأحداث والتصريحات السياسية إلى فتح المجال أمام جهات غير مهنية أو ذات أجندات سياسية لملء هذا الفراغ، ما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي الحالي.

في ظل تفكيك المؤسسات الإعلامية القديمة من دون توفير بدائل فعالة، يتجلى الفراغ الإعلامي بوصفه خطرا كبيرا؛ إذ أدى غياب القنوات الرسمية لنقل الأحداث والتصريحات السياسية إلى فتح المجال أمام جهات غير مهنية أو ذات أجندات سياسية لملء هذا الفراغ، ما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي الحالي.

يرى الدكتور يحيى العريضي في دراسته الصادرة سنة 2017 والتي يمكن أن تنسحب بعض ملاحظاتها على الوضعية الحالية، أنّ "إعلام الثورة، مثل الثورة نفسها، يفتقر إلى رؤية إستراتيجية حقيقية تتجنب المحاصصات السياسية، والأجندات المتضاربة، والطروحات المذهبية والطائفية، وتسعى إلى أن تكون بعيدة عن الخطاب الشعبوي أو المتطرف، مع الحرص على خطاب جامع يمكن أن يسهم في تجاوز التشتت وتعزيز الأبعاد الإنسانية والثقافية والاجتماعية التي نشأت من روح الثورة". 

لقد أسفرت الفورة الإعلامية التي صاحبت الثورة السورية عن تحولات كبيرة في الذهنية السورية؛ إذ نشأ إعلام بديل نافس الإعلام التقليدي الذي هيمن عليه النظام لعقود. ورغم نجاح الإعلام البديل في نقل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع السوري، فقد وصل إلى مرحلة من الجمود، خصوصا عندما اعتمد بصورة مفرطة على تفرده في نقل الأخبار، كما حدث في تغطية عملية "ردع العدوان" العسكرية التي أدت إلى سقوط النظام، ما "جعله يظن أن هذا التفرد هو ما يبرر وجوده واستمراره بوصفه إعلاما بديلا"، وهي الملاحظة التي سبق ليحيى العريضي الإشارة إليها في دراسة سابقة.

ولكن يظل الإعلام البديل يفتقر إلى الرؤية المؤسسية والقدرة على تقديم خطاب موحد ومتوازن لمواجهة تحديات ما بعد النظام؛ لذلك، يبدو من غير المرجح أن يكون مستعدا لملء الفراغ الكبير الذي سببه القمع الممنهج للصحافة سابقا، وغياب الدور الفعلي للمؤسسات الرسمية في الوقت الراهن. 

وحتى باستحضار التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام في الحكومة المؤقتة بشأن "وضع معايير تضمن حرية الإعلام"، فإن الخطط المطروحة لا تزال تبدو غير كافية لتحويل الإعلام إلى أداة فعّالة تدعم الديمقراطية. إن الوعود المعلن عنها بحاجة إلى تنفيذ فعلي على الأرض، فضلا عن ضرورة وجود رؤية واضحة بشأن كيفية إعادة بناء الإعلام بما يخدم المجتمع السوري.

من الواضح أن الإعلام السوري في حاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمؤسساته تتحول معها وسائل الإعلام الرسمية إلى كيانات عامة مستقلة تخضع لرقابة مدنية، مع تقليص أي تدخل سياسي مباشر في التحرير أو المحتوى. كذلك فإن تعزيز الشفافية يمثل حاجة ملحة، من خلال تمكين الصحفيين من التحقيق في قضايا الفساد ومراقبة الأداء الحكومي من دون خوف من الرقابة أو التدخل. إضافة إلى ذلك، يعد التدريب وبناء القدرات أمرا جوهريا، مع التركيز على برامج تدريب شاملة على أسس الصحافة المهنية والاستقصائية، وتعزيز القيم الديمقراطية بوصفها مبدأ أساسيا في العمل الإعلامي.

يمكن أن يتحول الإعلام الرسمي إلى قوة دافعة لبناء دولة ديمقراطية إذا عولجت التحديات بجدية تتجاوز الأنماط القديمة.

 

الإعلام المستقل وسؤال الاستقلالية

شهدت البلاد بعد اندلاع الثورة بعض التحولات في المجالات كافة، ومن أبرز هذه التحولات كان ظهور الإعلام المستقل الذي لعب دورا محوريا في تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي. الصحفيون السوريون، سواء الذين عملوا من الداخل أو أولئك الذين اضطروا إلى اللجوء إلى المنفى، كسروا الحواجز التي فرضها النظام وأثبتوا أن الصحافة الحقيقية ليست مجرد أداة لنقل الأخبار، بل هي قوة تغيير مؤثرة وفاعلة في مجريات الأحداث.

يسلط أحمد حاج حمدو، الصحفي المستقل، في مقال نشره على مجلة الصحافة (5) الضوء على تجربته الصحفية والتحديات الهائلة التي واجهها الإعلام السوري المستقل؛ فقد اضطر الصحفيون إلى العمل في ظروف غير إنسانية، بين القمع والتهديدات، ولكنهم تمكنوا رغم ذلك من إحداث أثر impact كبير أسهم في دفع الشعب السوري نحو الوعي السياسي.

من خلال الصحافة الاستقصائية، تمكّن الإعلام السوري من فضح فساد النظام وكشف انتهاكاته لحقوق الإنسان، سواء عبر التحقيقات الصحفية أو عبر وسائل الإعلام البديلة التي ظهرت بعد الثورة. ساعدت هذه المنابر في تقوية موقف المعارضة وحفزت الشعب على مطالبة النظام بالمساءلة والشفافية؛ فقد تحوّل الإعلام إلى أداة للرقابة المجتمعية، وزاد من دور المواطنين في المشاركة السياسية.

ولكن الأهم من ذلك، هو الدور الذي لعبه الإعلام المستقل في تعزيز التعددية السياسية والثقافية في سوريا، وباستخدام منابر مستقلة وحيادية، تمكّن الصحفيون من إعطاء صوت للمجموعات المظلومة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، وأتاحوا لها الفرصة للتعبير عن آرائها بحرية.

لعل التأثير السياسي هو أحد أبرز هذه التحديات التي تواجه الإعلام الخاص، الذي لم يكن بمنأى عن سيطرة النظام أو الجهات النافذة. يبرز غياب التمويل المستقل كمعضلةً كبيرة؛ إذ يعتمد الإعلام الخاص بصورة كبيرة على التمويل الخارجي، الذي غالبا ما يكون مشروطا بأجندات محددة تهدد استقلاليته وتؤثر على مصداقيته أمام الجمهور.

تؤكد دراسة الدكتور العريضي أنّ الإعلام الخاص في سوريا يعاني من ضعف البنية المهنية؛ إذ تفتقر مؤسساته إلى تقاليد راسخة في الصحافة المهنية. وبدلا من الاستثمار الجاد في التحقيقات الصحفية التي تسهم في كشف الحقائق وتعزيز ثقة الجمهور، تركز العديد من المؤسسات على الأخبار السريعة والتغطيات العاطفية. كذلك يعاني هذا القطاع من غياب بنية قانونية تحميه من التدخلات السياسية؛ ذلك أن القوانين القديمة لا تزال مصممة لتقييد الحرية، ولم تصدر حتى الآن تشريعات تدعم استقلالية الإعلام الخاص وتضمن حقوقه. 

لعل التأثير السياسي هو أحد أبرز هذه التحديات التي تواجه الإعلام الخاص، الذي لم يكن بمنأى عن سيطرة النظام أو الجهات النافذة. يبرز غياب التمويل المستقل كمعضلةً كبيرة؛ إذ يعتمد الإعلام الخاص بصورة كبيرة على التمويل الخارجي، الذي غالبا ما يكون مشروطا بأجندات محددة تهدد استقلاليته وتؤثر على مصداقيته أمام الجمهور.

لا يختلف الإعلام الخاص كثيرا في احتياجاته عن الإعلام الرسمي؛ فكلاهما نشأ في ظل منظومة قمعية تُعلي محاباة السلطة على المهنية. لذلك، يحتاج إلى خلق نماذج تمويل محلية عبر الاشتراكات أو الشراكات مع القطاع الخاص لتأمين الاستقلالية المالية. كذلك يحتاج إلى الاستثمار في تدريب الصحفيين على أسس الصحافة المهنية لتعزيز المصداقية، ناهيك عن  التركيز على القضايا المحلية كالصحة والتعليم ومكافحة الفساد لكسب ثقة الجمهور. وتُعد الشفافية في التمويل والسياسات التحريرية مفتاحا لتجنب الاتهامات بالتحيز وبناء علاقة قوية مع المجتمع.

 

وسائل التواصل الاجتماعي.. أداة للتمكين أم ساحة للفوضى؟

مع اندلاع الثورة السورية، أصبح فيسبوك، وإكس (تويتر سابقا)، ويوتيوب، أدوات أساسية لنقل الحقيقة. لجأ الناشطون والصحفيون المواطنون إلى هذه المنصات لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام في ظل غياب إعلام مستقل.

تُبرِز دراسة أكاديمية أعدها الباحثون نايل جبريل، وماثيو لوفليس، وفاتسلاف ستيتكا دور وسائل الإعلام الاجتماعية في التحول الديمقراطي، موضحة أن هذا الدور يختلف حسب السياقات السياسية والاجتماعية. وقد انقسمت الآراء بشأن فاعليتها، بين من يعُدها أداة ثورية تمنح الأفراد في المجتمعات غير الديمقراطية صوتا قويا لتحفيز التغيير، ومن يرى أنها ليست سوى عامل مساعد مكمل لعوامل التغيير الأخرى. ووفقا للدراسة، فإن تأثير الإعلام الاجتماعي يعتمد على الظروف السياسية والبنية التقنية المتاحة، إضافة إلى الحوافز الاجتماعية التي تشجع الأفراد على المشاركة.

ورغم دورها في تعزيز التواصل وتنظيم الحراك الشعبي، تؤكد الدراسة أهمية عدم المبالغة في الاعتماد على التكنولوجيا بوصفها عنصرا حاسما في التحول الديمقراطي، وتدعو إلى دراسة أعمق للتفاعل بين التكنولوجيا والمجتمع والنظم السياسية، مع التركيز على الآثار طويلة الأمد لوسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة السياسية والاجتماعية.

ومع انهيار القيود التقليدية التي فرضها النظام، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لاعبا رئيسا في المشهد الإعلامي، متجاوزة دورها بوصفها أداة توثيق أو منصة لنقل الأخبار، لتتحول إلى ساحة مفتوحة للتنافس بين الروايات السياسية المختلفة، ما جعلها تعكس التحديات المعقدة للتحول الديمقراطي في ظل غياب إعلام تقليدي مستقل قادر على توجيه النقاش العام أو ضبط التوازن بين الأطراف المختلفة.

تقود الملاحظة إلى صياغة بعض الخلاصات الأولية بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء المرحلة الانتقالية الجديدة:

  • الاستقطاب السياسي والاجتماعي:
    بدلا من تعزيز الوحدة الوطنية، أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعميق الانقسامات بين المجموعات السياسية والاجتماعية. خوارزميات المنصات مثل فيسبوك عززت ما يُعرف بـ"الفقاعات الفكرية"؛ إذ أصبح المستخدمون محصورين في دوائر تتفق مع آرائهم، ما زاد من حدة الاستقطاب.
  • انتشار الأخبار الزائفة:
    غياب الرقابة التحريرية أدى إلى انتشار واسع للشائعات والمعلومات المضللة. الأخبار الكاذبة أصبحت تهديدا كبيرا؛ إذ يمكن أن تؤثر على الرأي العام وتزيد من التوترات السياسية، ما يعزز الحاجة إلى ظهور شبكات للتوثيق والتحقق من الأخبار المغلوطة وتقديم تقارير موثوقة عن الانتهاكات.

 الإعلام الغربي ومخاطر السياق

من الملاحظ أن وسائل الإعلام الغربية تغطي الشأن السوري من منظورها الخاص، وقد تحدث اضطرابا حقيقيا في أثناء فترة التحول الديمقراطي.

في بعض الدول، تسهم المؤسسات الإعلامية الغربية في هذا التحول بدعم أصوات المعارضة وكسر الطوق المفروض عليها بغض النظر عن الخلل الحاصل في عملية تدفق المعلومات.  

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، كان للإعلام الغربي دور بارز في تسليط الضوء على الصراع السوري. وأسهمت تغطيته لأحداثها في تشكيل الرأي العام العالمي. ولكن، ومع مرور الوقت، برزت تساؤلات عن مدى دقتها وحياديتها.

قدّم الإعلام الغربي الصراع السوري بطريقة مبسطة، مركزا على الجوانب الإنسانية والعسكرية من دون التعمق في أسباب الصراع. بدأ هذا النهج بتصوير المعارضة كـ "أبطال"، ثم تحول إلى التركيز على موضوع "الإرهاب". لقد غيّب ذلك المطالب الشعبية، وأفضى إلى بتر السياقين الثقافي والسياسي.

كذلك اعتمد الإعلام السوري المعارض بصورة كبيرة على المصادر الغربية فتبنى سرديات مبسطة، وفقد القدرة على تقديم سردية متوازنة تعكس تعقيدات الواقع السوري. على هذا النحو، تأثرت السردية المحلية بشأن الصراع السوري بصورة كبيرة في التغطيات الإعلامية الغربية التي غالبا ما كانت تُهيمن عليها مصالح الدول الكبرى وسياساتها الخارجية.

قدمت التغطية الإعلامية الغربية دعما مهمًّا للثورة السورية في بداياتها، ولكنها مع الوقت أظهرت محدوديتها في فهم الاختلاف الثقافي والاجتماعي. على الإعلام السوري أن يستفيد من دروس الماضي ليعيد بناء روايته الخاصة، بعيدا عن التأثيرات الخارجية أو السرديات المبسطة.

في مرحلة التحول الديمقراطي، يملك الإعلام السوري فرصة تاريخية ليصبح منصة للمساءلة والشفافية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تحرر من الهيمنة السياسية والاقتصادية، وتمكن الصحفيون من ممارسة دورهم بحرية ومسؤولية.

وسوم

مقالات ذات صلة

عن أصول الانتقال الإعلامي في سوريا

في البدايات الأولى للمرحلة الجديدة في سوريا ظهر الكثير من الصحفيين والنشطاء و"المؤثرين" في السجون والمعتقلات ينقبون في الأوراق والمستندات التي قد تمثل أدلة هامة لكشف جرائم النظام السابق. هذه "الفوضى" التي عادة ما تلي الفترات الانتقالية، تدفع الدكتور عربي المصري إلى طرح سؤال جوهري: ماهي أصول الانتقال الإعلامي في سوريا؟

Arabi Al-Masri
عربي المصري نشرت في: 9 مارس, 2025

المزيد من المقالات

عن أثر شيرين أبو عاقلة

قبل ثلاث سنوات من الآن، قتل الاحتلال الإسرائيلي الزميلة شيرين أبو عاقلة، صحفية قناة الجزيرة، لكن أثرها وثراء تجربتها المهنية والإنسانية جعل تأثيرها ممتدا في الزمن، يلاحق القتلة رغم أن العدالة ما تزال مفقودة.

حياة الحريري نشرت في: 11 مايو, 2025
الصحافة وسؤال المهنية في المراحل الانتقالية

هل تستطيع الصحافة أن تلعب دورًا فاعلًا في ترسيخ العدالة الانتقالية وسط هشاشة المؤسسات، وتضليل الروايات، وغياب التوافق المجتمعي؟ محمد زيدان، عضو هيئة تحرير مجلة الصحافة، يضيء على بعض التجارب الانتقالية وارتباطها بأدوار الصحافة.

Mohammad Zeidan
محمد زيدان نشرت في: 9 مايو, 2025
هل تكفي شهادات الصحافة في العراق لدخول "سوق العمل"؟

المزيد من خريجي كليات الصحافة في العراق يعيشون البطالة، والمتهم الأول: المناهج الدراسية. تحاول هذه المقالة، بناء على رأي الفاعلين في عملية تدريس الصحافة سوق العمل، فهم الأسباب الحقيقية التي تجعل الفجوة تتسع بين الكلية والميدان.

حسن أكرم نشرت في: 6 مايو, 2025
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الانتخابات الأوروبية

ألغت المحكمة الدستورية في وقت سابق في رومانيا الانتخابات الرئاسية بسبب شبهات حول تأثير جهات أجنبية باستخدام منصات التواصل الاجتماعي. النقاش في أوروبا حول التدخل في الانتخابات وصل ذروته خاصة بعدما أعلن إيلون ماسك، مالك إكس، مساندته الصريحة لتيارات أقصى اليمين. هل أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تهدد مستقبل الديمقراطية في العالم؟

عبد المجيد الفرجي نشرت في: 27 أبريل, 2025
في رواندا.. الإعلام شريكا في الإبادة وفي المصالحة

كان من النادر أن يحاكم صحفيون أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التحريض على الإبادة. في رواندا، ساهم الإعلام في تأجيج مشاعر الكراهية قبل أن يصبح فضاء للحوار والمصالحة في فترة ما بعد الانتقال رغم انتقادات واسعة لعدم استكمال مسار الانتقال. ما هي أسس هذا التحول؟ وكيف ساهمت الصحافة في تجاوز مرحلة حساسة من تاريخ البلد؟

جبرين أحمد عيسى نشرت في: 23 أبريل, 2025
"صحوة" الصحافة الإلكترونية في السودان وسؤال المهنية

أثر الصراع المسلح في السودان على الكثير من المؤسسات الإعلامية خاصة الورقية التي كانت إلى وقت قريب الأكثر تأثيرا. لجأ الصحفيون إلى إنشاء مواقع إلكترونية هربا من التعقيدات الإدارية والكلفة المادية المرتفعة، لكنها مغامرة لا تخلو من انتهاكات أخلاقية ومهنية تعزز في الكثير من الأحيان خطاب الكراهية.

أفراح تاج الختم نشرت في: 20 أبريل, 2025
"الانتقال الإعلامي" الموؤود في تونس

بشرت التجربة التونسية في الانتقال السياسي، بتحرير المجال الإعلامي من تركة الاستبداد السياسي المتوارثة من نظام بنعلي. في ظرف عشر سنوات فقط، وباستثناء تجارب قليلة، استحضرت أسس المرحلة الانتقالية، تحولت الكثير من وسائل الإعلام إلى واجهة للسلطة بينما غرق الإعلام الخاص فيما بات يسميه التونسيون بصحافة "بيع المستلزمات المنزلية".

عائشة غربي نشرت في: 9 أبريل, 2025
رصد وتفنيد التغطيات الصحفية المخالفة للمعايير المهنية في الحرب الحالية على غزة

في هذه الصفحة، سيعمد فريق تحرير مجلة الصحافة على جمع الأخبار التي تنشرها المؤسسات الصحفية حول الحرب الحالية على غزة التي تنطوي على تضليل أو تحيز أو مخالفة للمعايير التحريرية ومواثيق الشرف المهنية.

Al Jazeera Journalism Review
مجلة الصحافة نشرت في: 6 أبريل, 2025
الصحافة المستقلة في سوريا والبحث عن ولادة جديدة

هل ستحرر المرحلة الجديدة في سوريات مساحات لحرية التعبير للصحفيين المستقلين؟ وما هي الضمانات المهنية التي يمكن أن تساعدهم في ممارسة أدوار الرقابة والمساءلة؟ وإلى أي مدى تشكل وسائل التواصل الاجتماعي فضاء حرا لممارسة الصحافة بعيدا عن قيود وسائل الإعلام الحكومية أو الممولة؟

رؤى الزين نشرت في: 5 أبريل, 2025
الإعلام المساند للثورة في سوريا.. سياقات النشأة وإكراهات الاستدامة

كيف نشأ الإعلام السوري المساند للثورة؟ وماهي مراحل تطوره ومصادر تمويله الأساسية؟ وهل استطاع الانتقال من النضال السياسي إلى ممارسة المهنة بمبادئها المؤسسة؟

ميس حمد نشرت في: 3 أبريل, 2025
هل تحتاج ليبيا إلى إعلام حكومي؟

في ليبيا تزداد مخاوف الصحفيين وشريحة كبيرة من الرأي العام من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لـ "إصلاح" الإعلام الحكومي. وبين التوجس من أن تصبح مؤسسات الإعلام تابعة لهيكل الدولة والآمال في مسايرة تطور المجتمع يطرح السؤال الكبير: هل تحتاج ليبيا ما بعد الثورة إعلاما حكوميا؟

عماد المدولي نشرت في: 27 مارس, 2025
لماذا الجزيرة 360؟

ما دوافع إطلاق منصة الجزيرة 360؟ وما الذي يميزها عن باقي المنصات الأخرى أو التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية؟ وما هي القيمة المضافة التي ستثري بها المحتوى العربي؟ وكيف استطاعت المنصة أن تصل إلى أكبر شريحة من الجمهور في وقت قصير؟

أفنان عوينات نشرت في: 6 مارس, 2025
شيرين أبو عاقلة.. الحضور والغياب

اغتال الاحتلال الإسرائيلي الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة كما اغتال مئات الصحفيين في غزة، لكنها لا تزال مؤثرة في المشهد الصحفي الفلسطيني والعالمي، ولا تزال تغطياتها الميدانية على مدار سنوات، تشكل درسا مهنيا للصحفيين، ووثيقة تدين الاحتلال إلى الأبد.

Linda Shalash
لندا شلش نشرت في: 23 فبراير, 2025
الوقفة أمام الكاميرا.. هوية المراسل وبصمته

ماهي أنواع الوقفات أمام الكاميرا؟ وما وظائفها في القصة التلفزيونية؟ وكيف يمكن للصحفي استخدامها لخدمة زوايا المعالجة؟ الزميل أنس بنصالح، الصحفي بقناة الجزيرة، راكم تجربة ميدانية في إنتاج القصص التلفزيونية، يسرد في هذا المقال لماذا تشكل الوقفة أمام الكاميرا جزءا أصيلا من التقارير الإخبارية والإنسانية.

أنس بن صالح نشرت في: 18 فبراير, 2025
قتل واستهداف الصحفيين.. لماذا تفلت إسرائيل من العقاب؟

لماذا تفلت إسرائيل من العقاب بعد قتلها أكثر من 200 صحفي؟ هل بسبب بطء مساطر وإجراءات المحاكم الدولية أم بسبب فشل العدالة في محاسبة الجناة؟ ألا يشجع هذا الإفلات على استهداف مزيد من الصحفيين وعائلاتهم ومقراتهم؟

ناصر عدنان ثابت نشرت في: 16 فبراير, 2025
الصحفيون الفريلانسرز.. تجارب عربية في مواجهة "الحرس القديم"

في الأردن كما في لبنان ما يزال الصحفيون الفريلانسرز يبحثون عن الاعترافيْن النقابي والقانوني. جيل جديد من الصحفيين إما متحررين من رقابة مؤسسات وسائل الإعلام أو اضطرتهم الظروف للعمل كمستقلين يجدون أنفسهم في مواجهة "حرس قديم" يريد تأميم المهنة.

بديعة الصوان, عماد المدولي نشرت في: 12 فبراير, 2025
العنف الرقمي ضد الصحفيات في لبنان

تواجه الصحفيات اللبنانيات أشكالا مختلفة من العنف الرقمي يصل حد التحرش الجنسي والملاحقات القضائية و"المحاكمات الأخلاقية" على وسائل التواصل الاجتماعي. تحكي الزميلة فاطمة جوني قصص صحفيات وجدن أنفسهن مجردات من حماية المنظمات المهنية.

فاطمة جوني نشرت في: 9 فبراير, 2025
الصحافة والجنوب العالمي و"انتفاضة" مختار امبو

قبل أسابيع، توفي في العاصمة السنغالية داكار أحمد مختار امبو، الذي كان أول أفريقي أسود يتولى رئاسة منظمة دولية كبر

أحمد نظيف نشرت في: 3 فبراير, 2025
الصحفي الرياضي في مواجهة النزعة العاطفية للجماهير

مع انتشار ظاهرة التعصب الرياضي، أصبح عمل الصحفي محكوما بضغوط شديدة تدفعه في بعض الأحيان إلى الانسياق وراء رغبات الجماهير. تتعارض هذه الممارسة مع وظيفة الصحافة الرياضية التي ينبغي أن تراقب مجالا حيويا للرأسمال السياسي والاقتصادي.

أيوب رفيق نشرت في: 28 يناير, 2025
الاحتلال الذي يريد قتل الصحافة في الضفة الغربية

"كل يوم يعيش الصحفي هنا محطة مفصلية، كل يوم كل ثانية، كل خروج من المنزل محطة مفصلية، لأنه قد يعود وقد لا يعود، قد يصاب وقد يعتقل"، تختصر هذه العبارة للصحفي خالد بدير واقع ممارسة مهنة الصحافة بالضفة الغربية خاصة بعد السابع من أكتوبر

Hoda Abu Hashem
هدى أبو هاشم نشرت في: 21 يناير, 2025
لماذا يجب أن يحْذر الصحفيون من المصادر الإسرائيلية؟

دعاية وإشاعات وأخبار متضاربة رافقت المفاوضات العسيرة لصفقة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، اعتمدت خلالها الكثير من المؤسسات الإعلامية العربية على المصادر العبرية لمتابعة فصولها. ما هو الفرق بين نقل الخبر والرأي والدعاية إلى الجمهور العربي؟ وكيف أثرت الترجمة "العشوائية" على الجمهور الفلسطيني؟ وما الحدود المهنية للنقل عن المصادر الإسرائيلية؟

Ahmad Al-Agha
أحمد الأغا نشرت في: 20 يناير, 2025
هل ستصبح "ميتا" منصة للتضليل ونظريات المؤامرة؟

أعلن مارك زوكربيرغ، أن شركة "ميتا" ستتخلى عن برنامج تدقيق المعلومات على المنصات التابعة للشركة متأثرا بتهديدات "عنيفة" وجهها له الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. هل ستساهم هذه الخطوة في انتعاش نظريات المؤامرة وحملات التضليل والأخبار الزائفة أم أنها ستضمن مزيدا من حرية التعبير؟

Arwa Kooli
أروى الكعلي نشرت في: 14 يناير, 2025
التعليق الوصفي السمعي للمكفوفين.. "لا تهمنا معارفك"!

كيف تجعل المكفوفين يعيشون التجربة الحية لمباريات كأس العالم؟ وهل من الكافي أن يكون المعلق الوصفي للمكفوفين يمتلك معارف كثيرة؟ الزميل همام كدر، الإعلامي بقنوات بي إن سبورتس، الذي عاش هذه التجربة في كأسي العرب والعالم بعد دورات مكثفة، يروي قصة فريدة بدأت بشغف شخصي وانتهت بتحد مهني.

همام كدر نشرت في: 12 يناير, 2025
لماذا عدت إلى السودان؟

قبل أكثر من سنة من الآن كان محمد ميرغني يروي لمجلة الصحافة كيف قادته مغامرة خطرة للخروج من السودان هربا من الحرب، بينما يروي اليوم رحلة العودة لتغطية قصص المدنيين الذين مزقتهم الحرب. لم تكن الرحلة سهلة، ولا الوعود التي قدمت له بضمان تغطية مهنية "صحيحة"، لأن صوت البندقية هناك أقوى من صوت الصحفي.

محمد ميرغني نشرت في: 8 يناير, 2025