توجد الصحافة في صلب النقاش بشأن عملية التحول الديمقراطي التي تتبع سقوط الأنظمة الاستبدادية والقمعية، إذ يشكل وسيلة للتغيير ودعم المساءلة، أو ربما أداة لإعادة إنتاج الأنماط القمعية بوجوه جديدة. في سوريا، كان الإعلام لعقود طويلة جزءا لا يتجزأ من منظومة السلطة. ومع سقوط النظام، تبرز فرصة نادرة لإعادة تعريف دور الإعلام وجعله رافعة للتحول الديمقراطي.
لكن هذه المهمة ليست سهلة؛ فالمشهد الإعلامي السوري اليوم يواجه تحديات كبيرة: ترِكة النظام القديم، وغياب المهنية، وضعف التمويل، والانقسامات السياسية، والتحديات الثقافية والأنثروبولوجية. فهل يستطيع أن يتحرر من إرث الماضي؟ وهل يمكن أن يصبح قوة دافعة نحو التعددية والمساءلة؟
تشير دراسة عن دور الإعلام في التحول الديمقراطي، للكاتب بن صغير زكرياء، إلى أنّ وسائل الإعلام من أبرز العوامل المؤثرة في صناعة القرار السياسي، لكونها تنقل توجهات الرأي العام، وتسهم في تحقيق مزيد من الديمقراطية؛ ذلك أن دور الإعلام لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد ليكون بمنزلة مرشد لصانعي القرار السياسي يعتمدون عليه لتوجيه ردود أفعالهم وتحديد سياساتهم. في هذا السياق، يتأثر صانع القرار مباشرة برؤية الإعلام لما يحدث في الساحة السياسية، خصوصا فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي.
تتزايد الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام في هذه العملية إذا كانت مقرونة بالحرية؛ إذ تسهم في تشكيل رؤية صانعي القرار بشأن الديمقراطية، وتعكس تأثير الرأي العام على سياسات الحكم. علاوة على ذلك، توفر القدرة على نقل المعلومات بسرعة تفوق القنوات الرسمية، الأمر الذي يسمح للمسؤولين صناعة قرارات واعية ودقيقة.
المشهد الإعلامي السوري يواجه تحديات كبيرة: ترِكة النظام القديم، وغياب المهنية، وضعف التمويل، والانقسامات السياسية، والتحديات الثقافية والأنثروبولوجية. فهل يستطيع أن يتحرر من إرث الماضي؟ وهل يمكن أن يصبح قوة دافعة نحو التعددية والمساءلة؟
تفكيك النظام الإعلامي القديم
كان الإعلام الرسمي لعقود طويلة امتدادا ليد السلطة عبر تغطيته المضللة خلال لحظة الثورة وقبلها، فلم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل جزءا من آلة سياسية تهدف إلى السيطرة على الوعي وترسيخ هيمنة النظام. عملت وكالة الأنباء السورية "سانا"، إلى جانب التلفزيون الرسمي وصحف مثل "البعث" و"تشرين"، على تشكيل خطاب يضفي الشرعية على النظام ويحميه من أي مساءلة أمام الشعب.
بعد اندلاع الثورة في 2011، ازدادت حدة هذا التوظيف السياسي للإعلام. وهكذا وُصِف المتظاهرون السلميون بـ"الإرهابيين"، وسُوّقت الثورة على أنها "مؤامرة كونية". كذلك عمل الإعلام الرسمي على تشويه سمعة المعارضة ونشر الأكاذيب لتبرير القمع أو إخفائه متبنيا سرديات مغايرة تتلاعب بالحقائق، وتغطي على الأساليب القمعية التي مارسها النظام بحق الشعب بطوائفه شتى.
وفقًا لدراسة تناولت البنية الخطابية لإعلام الثورة السورية صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أنجزها الأستاذ يحيى عريضي الباحث المختص في علوم الإعلام والاتصال، فإن الصحافة الرسمية، كرّست تغييب المطالب الشعبية الحقيقية وإحلال خطاب يشيع الخوف من التغيير.
بعد شهر من انهيار النظام، ومع غياب وسائل الإعلام الرسمية عن تغطية الأحداث داخل البلاد، يبرز سؤال أساسي: هل يمكن لتلك المؤسسات، التي خضعت لعقود طويلة لدعاية النظام، أن تتحول إلى منصات تخدم الشعب وتعزز الديمقراطية؟
في مقابلة له مع صحيفة الغارديان، أدلى زياد محاميد، المدير المؤقت لوكالة "سانا"، بتصريحات يبرز فيها أن الوكالة تسعى لأن تصبح "غير منحازة"، إلا أن التغيير الحقيقي يتطلب إرادة سياسية جادة وإصلاحات عميقة. ويوضح محاميد أن المشكلات الكبيرة التي واجهتها الوكالة في عهد النظام السابق، تتمثل في استخدام برامج قديمة وكاميرات متقادمة، إضافة إلى النقص في التجهيزات التي تتيح تغطية الأحداث بفاعلية، بينما لا يزال الوقت باكرا للحكم عما إذا كانت الوكالة قادرة على نشر محتوى ينتقد الحكومة الانتقالية.
ماذا يحتاج الإصلاح؟
يواجه إصلاح الإعلام في سوريا تحديات معقدة أبرزها استعادة الثقة المفقودة لدى الجمهور، المتأثرة بعقود طويلة من التزييف والتضليل من قبل الإعلام الرسمي، وحتى مع وجود تغييرات في القيادة أو بنية الخطاب، فإن بناء الثقة يتطلب وقتا ومصداقية حقيقية في التغطية الصحفية. على الجانب الآخر، يبرز تحدي إعادة تأهيل كوادر الإعلام الذين عملوا سابقا في ظل نظام اعتاد على تقديم الولاء على المهنية، ما يستدعي برامج تدريب متخصصة وشراكات مع منظمات دولية لدعم تبني أسس الصحافة المستقلة. وفي ظل تفكيك المؤسسات الإعلامية القديمة من دون توفير بدائل فعالة، يتجلى الفراغ الإعلامي بوصفه خطرا كبيرا؛ إذ أدى غياب القنوات الرسمية لنقل الأحداث والتصريحات السياسية إلى فتح المجال أمام جهات غير مهنية أو ذات أجندات سياسية لملء هذا الفراغ، ما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي الحالي.
في ظل تفكيك المؤسسات الإعلامية القديمة من دون توفير بدائل فعالة، يتجلى الفراغ الإعلامي بوصفه خطرا كبيرا؛ إذ أدى غياب القنوات الرسمية لنقل الأحداث والتصريحات السياسية إلى فتح المجال أمام جهات غير مهنية أو ذات أجندات سياسية لملء هذا الفراغ، ما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي الحالي.
يرى الدكتور يحيى العريضي في دراسته الصادرة سنة 2017 والتي يمكن أن تنسحب بعض ملاحظاتها على الوضعية الحالية، أنّ "إعلام الثورة، مثل الثورة نفسها، يفتقر إلى رؤية إستراتيجية حقيقية تتجنب المحاصصات السياسية، والأجندات المتضاربة، والطروحات المذهبية والطائفية، وتسعى إلى أن تكون بعيدة عن الخطاب الشعبوي أو المتطرف، مع الحرص على خطاب جامع يمكن أن يسهم في تجاوز التشتت وتعزيز الأبعاد الإنسانية والثقافية والاجتماعية التي نشأت من روح الثورة".
لقد أسفرت الفورة الإعلامية التي صاحبت الثورة السورية عن تحولات كبيرة في الذهنية السورية؛ إذ نشأ إعلام بديل نافس الإعلام التقليدي الذي هيمن عليه النظام لعقود. ورغم نجاح الإعلام البديل في نقل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع السوري، فقد وصل إلى مرحلة من الجمود، خصوصا عندما اعتمد بصورة مفرطة على تفرده في نقل الأخبار، كما حدث في تغطية عملية "ردع العدوان" العسكرية التي أدت إلى سقوط النظام، ما "جعله يظن أن هذا التفرد هو ما يبرر وجوده واستمراره بوصفه إعلاما بديلا"، وهي الملاحظة التي سبق ليحيى العريضي الإشارة إليها في دراسة سابقة.
ولكن يظل الإعلام البديل يفتقر إلى الرؤية المؤسسية والقدرة على تقديم خطاب موحد ومتوازن لمواجهة تحديات ما بعد النظام؛ لذلك، يبدو من غير المرجح أن يكون مستعدا لملء الفراغ الكبير الذي سببه القمع الممنهج للصحافة سابقا، وغياب الدور الفعلي للمؤسسات الرسمية في الوقت الراهن.
وحتى باستحضار التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام في الحكومة المؤقتة بشأن "وضع معايير تضمن حرية الإعلام"، فإن الخطط المطروحة لا تزال تبدو غير كافية لتحويل الإعلام إلى أداة فعّالة تدعم الديمقراطية. إن الوعود المعلن عنها بحاجة إلى تنفيذ فعلي على الأرض، فضلا عن ضرورة وجود رؤية واضحة بشأن كيفية إعادة بناء الإعلام بما يخدم المجتمع السوري.
من الواضح أن الإعلام السوري في حاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمؤسساته تتحول معها وسائل الإعلام الرسمية إلى كيانات عامة مستقلة تخضع لرقابة مدنية، مع تقليص أي تدخل سياسي مباشر في التحرير أو المحتوى. كذلك فإن تعزيز الشفافية يمثل حاجة ملحة، من خلال تمكين الصحفيين من التحقيق في قضايا الفساد ومراقبة الأداء الحكومي من دون خوف من الرقابة أو التدخل. إضافة إلى ذلك، يعد التدريب وبناء القدرات أمرا جوهريا، مع التركيز على برامج تدريب شاملة على أسس الصحافة المهنية والاستقصائية، وتعزيز القيم الديمقراطية بوصفها مبدأ أساسيا في العمل الإعلامي.
يمكن أن يتحول الإعلام الرسمي إلى قوة دافعة لبناء دولة ديمقراطية إذا عولجت التحديات بجدية تتجاوز الأنماط القديمة.
الإعلام المستقل وسؤال الاستقلالية
شهدت البلاد بعد اندلاع الثورة بعض التحولات في المجالات كافة، ومن أبرز هذه التحولات كان ظهور الإعلام المستقل الذي لعب دورا محوريا في تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي. الصحفيون السوريون، سواء الذين عملوا من الداخل أو أولئك الذين اضطروا إلى اللجوء إلى المنفى، كسروا الحواجز التي فرضها النظام وأثبتوا أن الصحافة الحقيقية ليست مجرد أداة لنقل الأخبار، بل هي قوة تغيير مؤثرة وفاعلة في مجريات الأحداث.
يسلط أحمد حاج حمدو، الصحفي المستقل، في مقال نشره على مجلة الصحافة (5) الضوء على تجربته الصحفية والتحديات الهائلة التي واجهها الإعلام السوري المستقل؛ فقد اضطر الصحفيون إلى العمل في ظروف غير إنسانية، بين القمع والتهديدات، ولكنهم تمكنوا رغم ذلك من إحداث أثر impact كبير أسهم في دفع الشعب السوري نحو الوعي السياسي.
من خلال الصحافة الاستقصائية، تمكّن الإعلام السوري من فضح فساد النظام وكشف انتهاكاته لحقوق الإنسان، سواء عبر التحقيقات الصحفية أو عبر وسائل الإعلام البديلة التي ظهرت بعد الثورة. ساعدت هذه المنابر في تقوية موقف المعارضة وحفزت الشعب على مطالبة النظام بالمساءلة والشفافية؛ فقد تحوّل الإعلام إلى أداة للرقابة المجتمعية، وزاد من دور المواطنين في المشاركة السياسية.
ولكن الأهم من ذلك، هو الدور الذي لعبه الإعلام المستقل في تعزيز التعددية السياسية والثقافية في سوريا، وباستخدام منابر مستقلة وحيادية، تمكّن الصحفيون من إعطاء صوت للمجموعات المظلومة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، وأتاحوا لها الفرصة للتعبير عن آرائها بحرية.
لعل التأثير السياسي هو أحد أبرز هذه التحديات التي تواجه الإعلام الخاص، الذي لم يكن بمنأى عن سيطرة النظام أو الجهات النافذة. يبرز غياب التمويل المستقل كمعضلةً كبيرة؛ إذ يعتمد الإعلام الخاص بصورة كبيرة على التمويل الخارجي، الذي غالبا ما يكون مشروطا بأجندات محددة تهدد استقلاليته وتؤثر على مصداقيته أمام الجمهور.
تؤكد دراسة الدكتور العريضي أنّ الإعلام الخاص في سوريا يعاني من ضعف البنية المهنية؛ إذ تفتقر مؤسساته إلى تقاليد راسخة في الصحافة المهنية. وبدلا من الاستثمار الجاد في التحقيقات الصحفية التي تسهم في كشف الحقائق وتعزيز ثقة الجمهور، تركز العديد من المؤسسات على الأخبار السريعة والتغطيات العاطفية. كذلك يعاني هذا القطاع من غياب بنية قانونية تحميه من التدخلات السياسية؛ ذلك أن القوانين القديمة لا تزال مصممة لتقييد الحرية، ولم تصدر حتى الآن تشريعات تدعم استقلالية الإعلام الخاص وتضمن حقوقه.
لعل التأثير السياسي هو أحد أبرز هذه التحديات التي تواجه الإعلام الخاص، الذي لم يكن بمنأى عن سيطرة النظام أو الجهات النافذة. يبرز غياب التمويل المستقل كمعضلةً كبيرة؛ إذ يعتمد الإعلام الخاص بصورة كبيرة على التمويل الخارجي، الذي غالبا ما يكون مشروطا بأجندات محددة تهدد استقلاليته وتؤثر على مصداقيته أمام الجمهور.
لا يختلف الإعلام الخاص كثيرا في احتياجاته عن الإعلام الرسمي؛ فكلاهما نشأ في ظل منظومة قمعية تُعلي محاباة السلطة على المهنية. لذلك، يحتاج إلى خلق نماذج تمويل محلية عبر الاشتراكات أو الشراكات مع القطاع الخاص لتأمين الاستقلالية المالية. كذلك يحتاج إلى الاستثمار في تدريب الصحفيين على أسس الصحافة المهنية لتعزيز المصداقية، ناهيك عن التركيز على القضايا المحلية كالصحة والتعليم ومكافحة الفساد لكسب ثقة الجمهور. وتُعد الشفافية في التمويل والسياسات التحريرية مفتاحا لتجنب الاتهامات بالتحيز وبناء علاقة قوية مع المجتمع.
وسائل التواصل الاجتماعي.. أداة للتمكين أم ساحة للفوضى؟
مع اندلاع الثورة السورية، أصبح فيسبوك، وإكس (تويتر سابقا)، ويوتيوب، أدوات أساسية لنقل الحقيقة. لجأ الناشطون والصحفيون المواطنون إلى هذه المنصات لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام في ظل غياب إعلام مستقل.
تُبرِز دراسة أكاديمية أعدها الباحثون نايل جبريل، وماثيو لوفليس، وفاتسلاف ستيتكا دور وسائل الإعلام الاجتماعية في التحول الديمقراطي، موضحة أن هذا الدور يختلف حسب السياقات السياسية والاجتماعية. وقد انقسمت الآراء بشأن فاعليتها، بين من يعُدها أداة ثورية تمنح الأفراد في المجتمعات غير الديمقراطية صوتا قويا لتحفيز التغيير، ومن يرى أنها ليست سوى عامل مساعد مكمل لعوامل التغيير الأخرى. ووفقا للدراسة، فإن تأثير الإعلام الاجتماعي يعتمد على الظروف السياسية والبنية التقنية المتاحة، إضافة إلى الحوافز الاجتماعية التي تشجع الأفراد على المشاركة.
ورغم دورها في تعزيز التواصل وتنظيم الحراك الشعبي، تؤكد الدراسة أهمية عدم المبالغة في الاعتماد على التكنولوجيا بوصفها عنصرا حاسما في التحول الديمقراطي، وتدعو إلى دراسة أعمق للتفاعل بين التكنولوجيا والمجتمع والنظم السياسية، مع التركيز على الآثار طويلة الأمد لوسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة السياسية والاجتماعية.
ومع انهيار القيود التقليدية التي فرضها النظام، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لاعبا رئيسا في المشهد الإعلامي، متجاوزة دورها بوصفها أداة توثيق أو منصة لنقل الأخبار، لتتحول إلى ساحة مفتوحة للتنافس بين الروايات السياسية المختلفة، ما جعلها تعكس التحديات المعقدة للتحول الديمقراطي في ظل غياب إعلام تقليدي مستقل قادر على توجيه النقاش العام أو ضبط التوازن بين الأطراف المختلفة.
تقود الملاحظة إلى صياغة بعض الخلاصات الأولية بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء المرحلة الانتقالية الجديدة:
- الاستقطاب السياسي والاجتماعي:
بدلا من تعزيز الوحدة الوطنية، أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعميق الانقسامات بين المجموعات السياسية والاجتماعية. خوارزميات المنصات مثل فيسبوك عززت ما يُعرف بـ"الفقاعات الفكرية"؛ إذ أصبح المستخدمون محصورين في دوائر تتفق مع آرائهم، ما زاد من حدة الاستقطاب. - انتشار الأخبار الزائفة:
غياب الرقابة التحريرية أدى إلى انتشار واسع للشائعات والمعلومات المضللة. الأخبار الكاذبة أصبحت تهديدا كبيرا؛ إذ يمكن أن تؤثر على الرأي العام وتزيد من التوترات السياسية، ما يعزز الحاجة إلى ظهور شبكات للتوثيق والتحقق من الأخبار المغلوطة وتقديم تقارير موثوقة عن الانتهاكات.
الإعلام الغربي ومخاطر السياق
من الملاحظ أن وسائل الإعلام الغربية تغطي الشأن السوري من منظورها الخاص، وقد تحدث اضطرابا حقيقيا في أثناء فترة التحول الديمقراطي.
في بعض الدول، تسهم المؤسسات الإعلامية الغربية في هذا التحول بدعم أصوات المعارضة وكسر الطوق المفروض عليها بغض النظر عن الخلل الحاصل في عملية تدفق المعلومات.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، كان للإعلام الغربي دور بارز في تسليط الضوء على الصراع السوري. وأسهمت تغطيته لأحداثها في تشكيل الرأي العام العالمي. ولكن، ومع مرور الوقت، برزت تساؤلات عن مدى دقتها وحياديتها.
قدّم الإعلام الغربي الصراع السوري بطريقة مبسطة، مركزا على الجوانب الإنسانية والعسكرية من دون التعمق في أسباب الصراع. بدأ هذا النهج بتصوير المعارضة كـ "أبطال"، ثم تحول إلى التركيز على موضوع "الإرهاب". لقد غيّب ذلك المطالب الشعبية، وأفضى إلى بتر السياقين الثقافي والسياسي.
كذلك اعتمد الإعلام السوري المعارض بصورة كبيرة على المصادر الغربية فتبنى سرديات مبسطة، وفقد القدرة على تقديم سردية متوازنة تعكس تعقيدات الواقع السوري. على هذا النحو، تأثرت السردية المحلية بشأن الصراع السوري بصورة كبيرة في التغطيات الإعلامية الغربية التي غالبا ما كانت تُهيمن عليها مصالح الدول الكبرى وسياساتها الخارجية.
قدمت التغطية الإعلامية الغربية دعما مهمًّا للثورة السورية في بداياتها، ولكنها مع الوقت أظهرت محدوديتها في فهم الاختلاف الثقافي والاجتماعي. على الإعلام السوري أن يستفيد من دروس الماضي ليعيد بناء روايته الخاصة، بعيدا عن التأثيرات الخارجية أو السرديات المبسطة.
في مرحلة التحول الديمقراطي، يملك الإعلام السوري فرصة تاريخية ليصبح منصة للمساءلة والشفافية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تحرر من الهيمنة السياسية والاقتصادية، وتمكن الصحفيون من ممارسة دورهم بحرية ومسؤولية.